الدرس ( 87 )باب شروط الصلاة ( 9) ( ستر العورة ـ شروط الثوب الذي يستتر به )

الدرس ( 87 )باب شروط الصلاة ( 9) ( ستر العورة ـ شروط الثوب الذي يستتر به )

مشاهدات: 465

بسم الله الرحمن الرحيم 

الدرس السابع والثمانون من الفقه الموسع 

باب شروط الصلاة: ستر العورة 

لفضيلة الشيخ زيد بن البحري 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

من شروط صحة الصلاة: 

1/ ستر العورة: السَّتْرُ بفتح السين، بخلاف الكسر فالسَّتر يختلف عن السِّتر، فسِترُ العورة بكسر السين أي ما يُستترُ به من ثياب ونحوها. 

أما السَّتر بالفتح: فهو الفعِل بقطع النظر عن الساتر. 

وأما العورة فهي مأخوذةٌ من العَوَر، وذلك لأن الإنسان يستاءُ من أن يُنظَرَ إلى عورته، ولذلك تسمى بالسوأة، قال عزوجل: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: 27]، فالعَور من العيب، والسوأةُ من السوءُ الذي يستاءُ به الإنسان حين تُرى عورتُه.

ــــــــــــــــــــــ

 وسَترُ العورة قد سئل النبي ﷺ كما عند أبي داود وغيره:

” قلت: يا رسولَ اللهِ عَوْرَاتُنا ما نَأتِي منها وما نَذَرُ؟ قال ﷺ: ” احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ” قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ: ” إِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا “. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: ” اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ “.

 

ومِن ثَمَّ فإن التعرِّيَ إذا لم يَنظر إليه أحد لا يخلو من أحوال: 

1/ إما أن يكون لقضاء حاجة، فهذا لا بد منه، ولذا مر معنا أنه لا يجوز أن يبقى على حاجته، وذكرنا أن من بين العلل: كَشْف العورة. 

2/ أن يكون كشْفُه لها لحاجة، كرؤية طبيب لعلاج ونحوه فيجوز، ولعل دليلَهم: أن بعض الصحابيات يخرجن مع النبي ﷺ فالغزو فيُداوين الجَرحى. 

 

3/ إذا أراد أن يغتسل، فقد قال بعض العلماء بالمنع وقالوا عليه أن يستتر، ولكن الصحيح: أنه لا يلزمُه أن يستتر لأنه لم يره أحد، وليست هي العلة، وإنما قلتُ هذا من أجل أن لا يُورِدَ مُورِد، فالصحيحُ: أنه لا يُمنَع، والدليل: فِعلُ موسى وأيوب عليهما الصلاة والسلام، فقد جاء في صحيح البخاري: أن أيوب عليه الصلاة والسلام اغتسل وقد تجرد من ثيابه، وكذلك موسى كما جاء في الصحيحين، وقد ذكرهما النبي ﷺ ولم يبين مع أنه القائل: ” احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ “،

 ولذا استدلَّ البخاريُّ رحمه الله بقصة موسى وأيوب عليهما الصلاة والسلام على عدم المنع من التعري حال الاغتسال. 

 

4/ الموضِعُ الرابع: إذا كان الإنسانُ خالياً، ولم يره أحد لكنه في خلاء غير محتاج إلى التعري، فالجوابُ: أنه يَحرُمُ عليه، لقول النبي ﷺ ” احْفَظْ عَوْرَتَكَ ” وهذا أمْرٌ يقتضي الوجوب، واستمر السؤالُ عن حالة الخلاء فقال ﷺ: ” اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ “

ولو قيل إن كلمة ” إِنِ اسْتَطَعْتَ ” تدل على عدم الوجوب؟ فالجوابُ: أن الاستطاعةَ مقدورةٌ لكل شخص، وإنما هذا التقييد من باب التهييج والتأكيد على الاهتمام بحفْظِها، كقوله عزوجل:

 {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فقيَّد مِن باب التأكيد، لقول النبي ﷺ: ” مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِ جارَهُ “

ونظيرُه من أحاديث

فالمرادُ من هذا التقييد: هو التهييج على الشيء والتأكيد عليه، ويؤيده حديث لكن فيه ضَعف:

” إيَّاكم والتَّعرِّيَ؛ فإنَّ معَكم مَن لا يُفارِقُكم إلَّا عِندَ الغائِطِ وحينَ يُفْضي الرَّجُلُ إلى أهلِه “

 

 وكذلك حديث لكنه ضعيف، قال النبي ﷺ عن الزوجين: ” لا يَتَجَرَّدْ تَجَرُّدَ العَيْرَيْنِ

وأما مسالة كَشْفِهِما عند الجماع: فمَحَلُّه في كتاب النكاح بإذن الله تعالى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سَتر العورة في الصلاة: شرط من شروط صحة الصلاة؟ أم أنه سُنّة؟

 سَتْرُ العورة قال بعض العلماء: ليس بشرط، إنما هو سُنّة، ويستدلون على ذلك بأدلة:

 1/ ما جاء في صحيح البخاري أن النبي ﷺ أمَرَ النساء أن لا يرفعن رؤوسهن حتى يرفع الرجال، خشيةً من أن يُنظَرَ إلى عورات الرجال.

 2/ الدليل الثاني: ما جاء في إمامة عمرو بن سلمة فجاء في رواية أبي داود:

 ( أن عليه قميصاً تبدو منه عورته أحياناً وتتوارى أحياناً وكان اماماً بهم، حتى قالت احدى النساء (غطوا استَ امامكم )

وقال بعض العلماء: إن سَتر العورة واجبٌ وليس بشرط: ومِن ثَم لو صلى وهو كاشفٌ لعورته فصلاته صحيحة، لكنه آثم، وأدلتهم هي أدلة من قال بالسنية مضافا إليها حديث: ” احْفَظْ عَوْرَتَكَ”

 

ولكن الصحيح أن سَتر العورة شرطٌ من شروط صحة الصلاة

 وأما ما استُدل به فإن هذا في حالة العذر في إمامة عمرو بن سَلَمة، والمعذور له حكمٌ يختلف عن غير المعذور، ثم إن سِنّهُ لا يتجاوزُ سبعَ سنين، فليس هو كالبالغ، فعورةُ البالغِ تختلفُ عن عورة غير البالغ كما سيأتي بيانه بإذن الله.

 وأما أمْرُ النبي ﷺ للنساء أن لا يرفعن رؤوسهن، فليس فيه دليل، فقد قال ابن حجر رحمه الله كما في الفتح: إن سَتر العورة من أسفل لا يجب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 أما شروطُ الثوب الذي يُستَتَرُ به:

 أولا/ ألّا يصفَ البشرة. ثانيا/ أن يكون مباحاً. ثالثا/ ألّا يكونَ غيرَ مُضِرٍّ به. 

 

أما الشرطُ الأول: وهو ألّا يصفَ البشرة، والمرادُ: أن لا يَصِفَها مِن بياضٍ وسوادٍ ونحوهما، فإذا ظَهَر لون البشرة فإن الصلاةَ لا تصح.

 وأما إذا كان هذا الثوبُ يُبرِزُ تقاطيعَ العورة، دون أن يَظهَرَ لونُها: فلا شيءَ في ذلك، ولذا قال ﷺ كما في الصحيحين، قال عن الثوب: ” إِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ “(1)

والضيقُ لا شك أنه سيبرز تقاطيعَ عورةِ الإنسان.

 

الشرط الثاني: أن يكون الثوبُ مباحاً، فإن كان محرماً فهل تصح الصلاة؟

 اختلف العلماء في هذا، وقبل أن يُتحدث عن هذا الخلاف، نذكرُ أنواعَ المُحَرَّم: 

1/ أن يكون محرماً لعينه: كالحرير. 

2/ أن يكون محرماً لكسبه: كالمغصوب. 

3/ أن يكون محرماً لوصفه: كالإسبال فيه. 

 

فأما المحرم لعينه: كالحرير، فقد قال بعض العلماء: لا تصح الصلاةُ به، وذلك لأنه خالَفَ الشرعَ في هذه الصلاة، والآتي بمحرم في الصلاة تبطُلُ صلاتُه بهذا المحرم،

 وقال بعض العلماء: لا تبطل الصلاة لكنه آثم، فإن النهيَ عن الاسبال  جاء في حديث مستقل عن الصلاة.

 وهذه مسألةٌ أصولية تُسمى بالجهة، هل الجهةُ مُنْفَكّة؟ أم أنها غير منفكة؟

 فهنا أن جهةَ الأمر غير جهة النهي، فالجهة منفكة، فمورد النهي غير مورد الأمر، وذلك أن الشرع أَمَر بالصلاة في نصوص، ونهى عن الإسبالِ في نصوص، فلم تتحد الجهة، لو كان النص أتى بهذه الصورة وبهذا الصيغة ( لاتصلوا في الثوب الحرير ) لبطلت الصلاة لقوله ﷺ كما عند مسلم ” من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ” فلو جاء بهذه الصيغة لكانت الجهة متحدة، وهذا هو الراجح. 

 

ويَستثني أصحابُ القولِ الأول: فيما لو صلى ناسياً أو جاهلاً:

 فيقولون بصحة صلاته، ولكن الصحيح: ما ذُكر من أن الصلاة صحيحة، لكنه في حالِ العذر غيرُ آثم ، وأما في حالة غير العذر فهو آثم.

 ولو قال قائل: لو أنه لم يجد ما يستر به عورتَه سوى الحرير، فإن صلى صلّى بالحرير ويكون ساتراً لعورته، وإن صلى بغير الحرير صلى عُرياناً؟

 فالجواب: أنه يصلي بالحرير، لأنه حقٌّ من حقوق الله، وحقه قد تسامح به حال العذر.

ــــــــ

أما النوعُ الثاني: هو المحرم لِكَسْبِه كالمغصوب:

 فإذا صلى بهذا المغصوبِ غيرَ معذور، فهل تصح صلاته؟

 الخلافُ فيها كالخلاف السابق، والصحيح: أن الجهة منفكة، فتصح الصلاة مع الإثم،

 وأما في حالةِ التعري: بمعنى إذا لم يجد ثوباً سوى هذا المغصوب، هل يصلي به أم يصلي عرياناً؟ هنا اختلف العلماء، قال بعض العلماء: يصلي عرياناً، لأن المغصوب يختلف عن الحرير، فإن الحرير منهيٌّ عنه لحق الله عزوجل، أما لُبس المغصوب فمنهي عنه لحق المخلوق، وحقُّ المخلوق مبني على المشاحة، بمعنى: فيه شُح. 

القول الثاني: أنه يصلي به ولا إثم عليه، وذلك لأن العرف جارٍ بالتسامح في مثل هذا، فلو علم صاحبه حاجه هذا الإنسان إلى الصلاة فيه لتسامح، وهذا هو عرف المسلمين،

والقاعدة الفقهية تقول: [ إن العادة محكمة، إذا اضطردت أو غَلَبت ] والعادةُ هنا إما أن تكون مضطردةً، وإما أن تكون غالبةً، وهذا هو الأقرب.

ــــــــــــــــــ 

النوع الثالث: المحرم لوصفِه كالإسبال. 

وهذا النوعُ ورد فيه حديث أبي داود، قال عنه النووي في رياض الصالحين: إسناده صحيح على شرط مسلم، قال ﷺ لرجل صلى فلما فرَغ من صلاته: ( ارجع فتوضأ ) فأعادها مرتين ﷺ ،

” فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ أَمَرْتَهُ أَنَّ يَتَوَضَّأَ؟

فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّى وَهُوَ مُسْبِلٌ إِزَارَهُ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يَقْبَلُ صَلاَةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ إِزَارَهُ “

ولكن هذا الحديث يضعفه كثير من المحققين، إذ لو صح لبطلت صلاةُ المسبل،

 وقد جاء حديث عند أبي داود، وهو حديث صحيح، قال ﷺ:

” من صلى في إزاره خيلاء فليس في حِل من الله ولا حرام ” قيل: أي ليس في حِل من الذنوب ولا مانع منها، لأن الحرام في اللغة بمعنى الممنوع، وقيل لا حِل له في دخول الجنة ولا حرمه له من النار، وقيل ليس بمحترم عند الله، وكل هذا من باب الوعيد، وهذا الحديث لا يستدل به على بُطلان صلاة المسبل لأمرين: 

1/ أن العقاب بقوله ( فليس من الله في حِل ولاحرام ) ليست عقوبةً ببطلان صلاته وإنما هي عقوبة تبين مآله . 2/ أن هذا الإسبال موصوف بوصف وهو الخيلاء، وحديثنا عن الإسبال ذاته سواء كان لخيلاء أو لم يكن.

 ومَن ثَم/ فالصحيح: صحة الصلاة مع الإثم. 

 

 

 

 

(1) ــ متفق عليه:  البخاري باب إذا كان الثوب ضيقا رقم /361، ومسلم باب حديث جابر الطويل رقم / 3008