الدرس الثاني والتسعون
من الفقه الموسع
لفضيلة الشيخ زيد البحري
فيكون ترخيص النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في لبس الحرير من حكة كانت بهما كما جاء في الصحيحين انما هو في الحاجة الملحة ولذا قعد بعض العلماء قاعدة وهي [ ان المحرم تحريم وسائل يجوز ان يفعل عند الحاجة ]
وأزيد وأقول : [ يفعل عند الحاجة الملحة ] أما لو جوزنا ما حرم تحريم وسائل في كل حاجة فإن الحاجات تختلف ومن ثم فإن الناس سيقعون في المحرمات
ومن الأمثلة فيما حرم تحريم وسائل وأبيح للحاجة الملحة ،
أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه و سلم أرخص في العرايا ومعلوم ان النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه و سلم ( نهى عن بيع التمر بالرطب ) وذلك لأن الرطب يجف وإذا جف ينقص وإذا نقص وقع الربا لكن النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه و سلم أرخص في العرايا لحاجة الفقير فيجوز للفقير الذي يملك التمر ان يشتري بهذا التمر رطبا على رؤوس النخل يتفكه بهذا الرطب كما يتفكه الناس فأجاز النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه و سلم العرايا من باب الحاجة وليس من باب الضرورة
ومن ثم : لو ان الانسان تأذوق بجروح تحت كعبيه وأراد ان يسترها فإن سترهما وقع الاسبال ومعلوم أن الاسبال محرم تحريم وسائل لأن الاسبال يدعو الى الخيلاء فإذا حصل مثل هذا الأمر فيجوز له ان يسبل لهذا الحاجة الملحة التي يتأذى منها كأن تقع الحشرات عل هذه الجروح لكن متى ما زالت هذه الحاجة زال هذا الحكم
فليس فيما ذكروه حجة في جواز لبس الحرير مطلقا .
– أما الدليل الرابع / وهو ما جاء عند أبي داود ( أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه و سلم أهدي إليه ملك الروم قطعة من حرير فلبسها ثم أرسل بها إلى جعفر فلبسها فقال النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه و سلم : اني لم ابعث بها إليك لتلبسها وإنما لترسلها إلى النجاشي )
الجواب عن هذا الدليل / ان يقال فيه مثل ما قيل في حديث مخرمة والد المسور وقلنا ان الجواب في حديث مخرمة ان هذا في وقت الجواز قبل ان يأتي التحريم للحريم هذا على افتراض صحة الحديث وإلا فالحديث ضعيف وقد ضعفه الالباني لكن على افتراض صحته فإن هذا توجيهه
وعلى افتراض صحته ما مناسبة ارسال النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه و سلم هذه القطعة للنجاشي ؟
فالجواب عن هذا نقول : المناسبة ان النجاشي على دين النصرانية وان الروم على دين النصرانية فلعل في هذه القطعة من علامة صنع النصارى ما يقرب بها النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه و سلم قلب النجاشي إليه لاسيما وان النجاشي قد أهداه هدايا وانه كفل اصحابه ولا يلزم من ارسالها انه يجوز للنجاشي ان يلبسها وعلى كل حال فالحديث ضعيف .
وقد قيل انه يجوز ان يلبس ما زيد على اربعة اصابع ولعل مستندهم هذا الحديث
لكن الجواب عن هذا الحديث / ان الشبر المذكور هنا هو الشبر من جهة الطول لا من جهة العرض فنحن نقلب عليهم الاستدلال فهم يقولون شبر بالعرض واذا كان شبرا بالعرض صار أكثر من اربع اصابع وسبق معنا ان الاربع اصابع انما هي بالعرض ولا تقاس بالطول وقلنا : ان العرف قد جرى بهذا ان المراد بهذا العرض لا الطول فنقلب عليهم الاستدلال فنقول ان الشبر المذكور هنا هو بالطول لا بالعرض ومن ثم نجعل هذا الدليل دليلا لما ذكرناه سابقا من ان المراد بالاربع أصابع العرض لا الطول
والقاعدة : [ ان الاحتمال القول اذا طرأ على الدليل بطل به الاستدلال ]
ومن ثم فلا يكون الحديث حجة لهم ومما يؤكد ان الشبر هنا بالطول لا بالعرض ان أسماء أخبرت ان هذا الحرير في الكمين وفي الجيب ، الذي هو موضع الصدر وفي الفرجين ،والفرجان هما حافتان انفتح من الثياب مثل الكوت مثل البالطو مثل المشلح فإن له حافتين فهو مفتوح من الأمام فله حافة من جهة اليمين وحافة من جهة الشمال فالحافة التي من جهة اليمين تسمى فرج والحافة التي من جهة الشمال تسمى فرج وقد يقولون ان لا حجة لكم ونجن نتفق معهم على انه لا حجة لنا ولا حجة لهم
أما ما استدل له الجمهور / لأن بعضها عليه ما عليه .
فإنه قد يقال : لا دليل لكن في هذه الآية لأن هذه الآية شاملة للرجال وللنساء وحتى ولو كانت شاملة فإن هذا الشمول مما يقوي ما ذهبنا إليه وهو التحريم لأن الآية شاملة
– الدليل الثاني : وهو ما جاء عند أبي داود موصولا وعند البخاري معلقا أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه و سلم قال ( ليكونن من امتي أقوام يستحلون الخز والحرير ) فإن هذا الحديث ضعفه بعض العلماء كابن حزم رحمه الله ومن هذا الحديث ضعفه بعض العلماء جوز الغناء ، لكن مسألة تحريم الغناء لا يقتصر فيها على هذا النص بل ان النصوص كثيرة وهناك كتاب للالباني فيه تحريم المعازف والغناء فهذا الحديث قد طعن فيه ومع انه قد طعن فيه إلا انه لا يؤخذ برأي عالم واحد أو برأي عالمين فإن أكثر علماء الأمة يرون ان هذا الحديث صحيح لا غبار عليه كالالباني
– أما دليهم التاسع / وهو ما جاء عند ابي داود من حديث ابن عباس ( ان النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه و سلم نهى عن المصمت إلا السدى والعلم قال : فلا نرى به بأسا )
هذه الحديث ضعفه بعض العلماء وصححه أخرون والألباني يرى انه صحيح دون جملة الاستثناء ( إلا السدى والعلم ) والمصمت هو ما كان كله حريرا وعلى القول بصحة جملة الاستثناء فإن كلمة السدى تدل على ما ذهبنا إليه سابقا وهو ان المقصود بالأربع الأصابع العرض لا الطول ولذا لو ان رجلا لبس ثوبا فيه أربع أصابع من جهة العرض من مقدم أو أعلى الثوب الى اسفله لقلنا جاز ، وذلك لأن السدى هو ما خيط طولا ما خيط ونسج طولا
وأما العلم / هو النقش الذي هو الزخرفة ن وهذا الحديث يذكرنا بمسألة يسيرة وهي : لو ان اللباس الذي يلبسه الانسان هو اربع اصابع فقط لم يخالطه شيء آخر لا من صوف ولا من كتان ولا من غيرها أيجوز أو لا يجوز ؟
الجواب / من قال بتضعيف الحديث قال انه يجوز فلو كانت هناك قطعة تلبس في الكف على مقدار اربع اصابع وكانت هذه القطعة كلها من الحرير لجاز على هذا القول
وعلى القول بصحة الحديث فإنه لا يجوز والصواب صحة الحديث ،
ومن ثم : فإن الاربع أصابع فما دون لا تجوز إلا اذا كان هذا الحرير مخلوطا بغيره أما الحرير الصرف الذي لم يشاركه نسيج آخر فإنه لا يجوز وعلى هذا القول لو كان هناك قطعة فيها اصبعان من الصوف وفيها اربع اصابع من الحرير أيجوز لبسها ؟
الجواب / او الصور في مثل هذه المسألة يفضل ان تحصر فيقال ان كان الحرير هو الابع الاصابع فما دون اكثر من غيره فإنه لا يجوز لأن الحكم كما هي القاعدة [ الحكم للأغلب ]
ولأن الناظر إلى هذا الملبوس لا يرى إلا الحرير نحن نقول : هذا شماغ أحمر مع ان فيه اللون الابيض لم قلنا انه احمر ؟ للغالب
الصورة الثانية ان يستويا / اربع اصابع من الحرير واربع اصابع من الصوف أو اصبعان من الحرير وأصبعان من الصوف أيجوز لبسها ؟
اختلف العلماء في هذا
القول الأول : يرى الجواز لأنه لا أغلبية هنا حتى يقال ان هذا اللباس حرير والأصل جاوز أربع أصابع فما دون
القول الثاني : ويرجحه شيخ الاسلام رحمه الله انه لا يجوز للقاعدة الشريعة ( إذا اجتمع مبيح وحاضر على وجه لا يتميز فيه الحاضر قد الحاضر )
وتبعه في ذلك السعدي وهو الصواب ، لأن الأصل في الحرير التحريم وليس الجواز
الصورة الثالثة / ان يكون الحرير أقل من غيره
الجواب / الجواز ، ومسألة الاربع الاصابع مختلف فيها
القول الأول : يرى انه يجوز ما هو أعلى من الأربع أصابع ولعل دليلهم حديث أسماء وهو حديث الجبة التي فيها شبرا من ديباج إذا قيل انها بطريق العرض وقد اجيب عن هذا الدليل
القول الثاني : أنه لا يجوز ما هو أعلى من اصبعين فلا يجوز لا الثلاثة ولا الأربعة ودليلهم ما جاء في الصحيحين ان النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه و سلم نهى عن لبس الحرير وقال إلا وأشار باصبعيه السبابة والوسطى وضمهما
القول الثالث : يقول بجواز ما زاد عن اصبعين لم يتجاوز أربع أصابع ودليلهم ما جاء في رواية مسلم ( إلا هكذا وأشار إلى الاصبعين والثلاثة والاربعة ) وتكون هذه الرواية ردا على من حرم أكثر مع اصبعين ومن قال بجواز الزيادة على اربع اصابع
القول الرابع : عدم جواز لبس الحرير مطلقا لا الرجال ولا النساء وهذا قول عبد الله بن الزبير رضي الله عنه .
والراجح كما قلنا جواز اربع أصابع فما دونها وضابط الاربع الاصابع ان تكون هذه الاصابع من شخص متوسط الخلقة لا من أشخاص قصار الاصابع ولا من أشخاص طوال الاصابع ويستدل بعض العلماء على هذا الضابط
خلاصة المسألة :
ان الحرير محرم على الرجال إلا أربع أصابع فما دون وذلك بطريق العرض لا الطول وكان مخلوطا وهو أقل من المخلوط .
سؤال : اذا كانت الزخارف متفرقة فكيف نضبطها ؟
الجواب / نقول نردك الى ما ذكر في مسألة النجاسة التي تكون على الثوب وفرقنا بين اليسير والكثير وقلنا ان ضابط اليسير ما فحش في كل شخص بحسبه وقلنا انها ترد الى العرف وهذا اضبط فما كان يسيرا في العرف فإنه غير مؤثر وقلنا انه لو تفرقت النجاسة في ثوب فإنها تجمع فإذا جمعت فباعتبار هذا الجمع ان كانت يسيرة فلها حكم وان كانت كثيرة فلها حكم وكذلك الشأن هنا تجمع عن طريق العرض فإن كانت أربع أصابع فما دون جاز وإن كانت أكثر فلا تجوز
فائدة : قول علي فشققتها خمرا بين الفواطم ، الفواطم / ( فاطمة زوجة علي – فاطمة بنت جعفر – فاطمة أم علي )
وإذا قرر بان الأصل في الحرير على الرجال محرم فإنه لا يجوز والحالة هذه ان يستند عليه أو ان يصلي عليه أو ان يجلس عليه او ان يستر شيئا أو يعلق أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه و سلم كما في البخاري ( نهى ان يجلس على الحرير ) وقد استثنى العلماء كما سبق بالاجماع ان الكعبة يجوز ان تستر بكسوة الحرير لتعظيمها لكن لو شاء الانسان ان يجلس على هذا الحرير أو ان يصلي عليه فماذا يرشد ؟
قال بعض العلماء : يضع ثوبا صفيقا أي متينا يضع هذا الثوب الصفيق على الحرير ومن ثم فله ان يجلس عليه وأن يصلي عليه لم ؟
لأنه لم يباشر الحرير ولذا و طينت أرضا نجسة جاز الصلاة عليها لأنك لم تباشر هذه النجاسة
فائدة : ذكر الفقهاء أنه يجوز ان يوضع كيسا للمصحف ومن ثم فإنهم قالوا : يجوز ان يوضع في فتحة اغلاقه شيء من الحرير لتعظميه وليس المقصود الكيس كله وانما المقصود حافتي الكيس ، هذا ما ذكروه رحمهم الله .
والحكمة من تحريم ليس الحرير على الرجال /
هي الحكمة بعينها التي وردت في تحريم الذهب على الرجال وذكرنا فيما سبق اقوال العلماء في تلك الحكمة وذكرنا الدليل الذي يرجح به أحد هذه الأقوال وقلنا ان الراجح انها تكسب القلب بعدا عن عبادة الله فهي ليست من شأن العبد المتذلل لله .
لو قال قائل : ما حكم لبس الحرير الصناعي ؟
الجواب / الحرير الصناعي جائز لأن الأصل في اللباس الحل ولكن لا ينبغي للمسلم ان يلبسه للأمور الآتية :-
أنواع الملبوسات
سؤال : هي يجوز للنساء ان يجلسن ويفترشن الحرير ؟
الجواب : يجوز ، والدليل على ذلك ما يأتي :-
مسألة :
أيجوز للكافر ان يلبس الحرير ؟
الشرح
اختلف العلماء في هذه المسألة مع العلم بان الكافر أتى بذنب أعظم من هذا اللبس الذي هو الكفر فإنه أعظم الذنوب لكن هل يجوز لنا كمسلمين ان نكسوي أو نهدي لهؤلاء الكفار لباس حرير ؟
باعتبار أنهم ارتكبوا ما هو أعظم الذي هو الكفر ام لا ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة
القول الأول : وهو رأي شيخ الاسلام يقول يجوز للكافر ودليله ما جاء في الصحيحين ان عمر ابن الخطاب لما اهدى اليه النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه و سلم حريرا قال : ألم تقل في حلة عطارد كذا ؟ فذكر الحديث ( فأرسل بها عمر الى أخ له مشرك في مكة ) هذا هو دليله وفي هذا اقرار من النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه وسلم
فائدة :
هذا الأخ الذي لعمر هو أخ لأمه وليس هو زيد بن الخطاب لأن زيد بن الخطاب قد سبق عمر في الاسلام .
القول الثاني : ويختاره النووي ويقول انه لا يجوز وذلك لأن الكفار مخاطبون على الصحيح بفروع الشريعة كما انهم مخاطبون بأصولها وهذا هو الراجح وذلك لأن ارسال عمر بهذه الحلة لا يدل على جواز لبسها للكافر انما هي بمثابة الهدية ولأن الأصل عندنا ان الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وليس في النص تصريح بجواز لبس الحرير للكافر
مسألة :
أيجوز ليس الحرير للصغار ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة .
القول الأول : وهو قول للشافعية يرون ان إلباس الحرير والذهب للصغار من الذكور يرون أنه جائز في الأعياد ، أما في غير الاعياد فقد اختلفوا فيما بينهم أيجوز أم لا يجوز ؟
ويستدلون : بحديث علي (رفع القلم عن ثلاث ) ذكر منهم ( الصبي حتى يبلغ ) وهؤلاء ليسوا بمكلفين
القول الثاني :
أنه يحرم إلباسهم ما يحرم على الكبار في كل شيء حتى في قضية الاسبال فلا يمكن ولي الصغير الصغير من أن يلبس ثوبا أسبله أو ان يفصل له ثوبا دون الكعبين ويستدلون على ذلك بما يأتي :-
وهذا هو الصواب ولكن الدليل الثاني وهو حديث ثوبان فإنه حديث ضعيف ولو صح لكان دليلا لنا على مسألة سابقة وهي ان الأصل في الفضة التحريم
والدليل الثالث : روي عن بعض الصحابة فليس مقتصرا فيه على جابر وهذا الدليل يرجح ما ذهبنا اليه من انه لا يجوز للرجل ان يلبس الحرير وان ما ورد عن بعض الصحابة انما هو لعدم علمهم بالنهي ولذا قال جابر بصيغة الجمع قال : كنا ننزعه من الصبيان وندعه على الجواري )