الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فالأصول الثلاثة هي إحدى الرسائل التي كتبها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه ، ورسائله رحمه الله رسائل مفيدة هي مختصرة في ألفاظها لكنها كثيرة في معانيها ونفع الله سبحانه وتعالى بها ومن رحمة الله سبحانه وتعالى بأهل هذه الجزيرة أن يسر لهم وقيض لهم مثل هذا الإمام الذي بدعوته بتوفيق من الله سبحانه وتعالى أخرج الناس من الظلمات إلى النور ، كانوا يعبدون غير الله سبحانه وتعالى من الأشجار والأحجار ونحو ذلك فبين لهم الدين السليم الصحيح ، والإمام المجدد قد عودي في عصره ولكن الله مع المتقين وكذلك عودي بعد وفاته لا سيما في هذا العصر فإنهم ينسبون مَنْ سلك الطريق السليم الصحيح ينسبونه إلى الوهابية ، ومعلوم أن الوهابية ليست مظلة يُستظل بها في هذه البلاد وإنما هي كلمة وفدت إلينا واختلقت وإلا لم تكن هناك فرقة ولا طائفة تُعرف بالوهابية ولا أحد يتبنى هذه الفرقة في هذه البلاد أو في هذا المجتمع وينسبون من سلك الدين السليم الصحيح إلى الوهابية وهذه سنة الله سبحانه وتعالى فيما يجري بين أوليائه وبين أعدائه ، فشيخ الإسلام رحمه الله نُوظر أكثر من مرة من علماء السوء ومن دعاة الضلالة وقالوا إنه يتبنى عقيدة الإمام أحمد وقد ذكروا فقالوا له إنك تتبنى عقيدة الإمام أحمد فكان يقول رحمه الله [ إن هذه العقيدة ليست عقيدة الإمام أحمد إنما هي عقيدة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ] فليتنبه لمثل هذا الأمر لأن الاستظلال بأي طائفة من الطوائف لا يجوز في شرع الله وإنما يجب على المسلم أن يسلك دين النبي صلى الله عليه وسلم وأن يتبع الدليل ، ولا أريد أن أطيل في هذه المقدمة حتى لا يأخذنا الوقت فهو رحمه الله كتب عدة رسائل من أجلها وأنفعها هذه الرسالة المسماة بـ [ الأصول الثلاثة ] .
والوالأمفبين
ووالأصل : هو ما يبنى عليه غيره ، فهو الأساس لأن الأساس إذا زال زال البنيان ولا شك أن ما ذكره هنا في هذه الرسالة لا شك أنها أصول وقواعد وأسس .
وسماها بـ [ الثلاثة ] لأنها تدور على أصول ثلاثة هي محل سعادة العبد إذا أجاب عنها ومحل شقاوته إذا لم يجب عنها وهي الأسئلة الثلاثة التي تُطرح على العبد في قبره ( من ربك ؟ ما دينك ؟ من نبيك ؟ ) هذه هي الأصول الثلاثة التي أراد الإمام المجدد رحمه الله أن يتحدث عنها في هذه الرسالة .
قال رحمه الله :
( بسم الله الرحمن الرحيم )
ذكر البسملة اقتداء بكتاب الله وتأسيا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان يكتب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) إذا أرسل رسالاته إلى ملكوك العرب لدعوتهم إلى الإسلام .
ثم قال رحمه الله ( اعلم )
وهو فعل أمر يدل على الاهتمام بما يكون بعده كما لو قلت لشخص [ تنبه ] أو [ احذر ] أو [ استمع ] فصدَّر رسالته بكلمة ( اعلم ) لأن هناك أمرا عظيما يجب عليك أن تُحضر ذهنك وعقلك وسمعك إليه ، ثم
لما كان [ الأمر] يُؤنف منه ولا يرغب فيه أتى رحمه الله بكلمة ( رحمك الله ) من باب التلطف وهذا أسلوب ينبغي علينا نحن الدعاة أن ننتهجه بأن نأتي بالعبارات الرقيقة التي نستلطف بها قلوب المدعوين فقال ( رحمك الله ) دعوة منه من أجل أن يقبل هذه المستمع أو هذا القارئ ما يقوله رحمه الله .
( أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل )
الوجوب هنا وجوب عيني على كل مسلم ومسلمة ، لأنه قد يكون الوجوب وجوبا كفائيا إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين ، لكن هنا يجب وجوبا عينيا على كل مسلم ومسلمة ويدل له قوله عليه الصلاة والسلام ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) لأن هذا أمر يتعلق بالعقائد وما كان متعلقا بالعقائد فيجب على كل مسلم ومسلمة أن يتعلمه ، ما هي الأربع المسائل ؟
قال رحمه الله :
( الأولى : العلم ، وهو معرفة الله ، ومعرفة نبيه ، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة )
هذه هي الأصول الثلاثة ذكرها رحمه الله على سبيل الإجمال ( معرفة الله ، ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة ) ونص على معرفة دين الإسلام بالأدلة لم ؟ لأن العلم العقائدي لا يجوز فيه التقليد ، بل الواجب على المسلم أن يعرف دين الله بالأدلة الشرعية لا بالأهواء ولا بالآراء ولا بالابتداعات ، هذه هي المسألة الأولى ( العلم ) وقدم العلم لأنه هو الأصل .
ثم قال رحمه الله :
( الثانية : العملُ به )
العمل بما مضى ، ما الذي مضى ؟ معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة ، فلابد من العمل لأن العلم إما أن يكون حجة للإنسان أو حجة عليه ، ولا يُتعلم العلم من أجل الثقافة ( لا ) إنما من أجل العمل ، فمن علم ولم يعمل فلا خير ولا بركة في علمه .
( الثالثة : الدعوة إليه )
علمتَ ثم عملتَ ما الذي حصل لك ؟ حصلت لك نعمة كبرى هذه النعمة التي تنعمت بها لابد أن تبين لإخوانك المسلمين وللبشر كافة هذا الخير الذي أعطاك الله سبحانه وتعالى إياه .
( الرابعة : الصبر على الأذى فيه )
علمتَ وعملت َ ودعوتَ إلى هذا الخير لا تظنن أن الطريق ممهد أو أنه مفروش بالزهور والرياحين ( كلا ) فلابد أن يلقاك أذى في قول أو في عمل فهنا يأتي الصبر .
( والدليل ) أي على هذه المسائل الأربع ( قوله تعالى : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ { وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3} )
يقول ابن القيم رحمه الله : إن من تعلم هذه المسائل الأربع وعمل بمقتضاها وهي المذكورة في سورة العصر أصبح عالما ربانيا ، إذا أردت أن تكون عالما ربانيا فعليك بهذه المسائل الأربع المذكورة في هذه السورة وهي سورة العصر .
{ وَالْعَصْرِ }
قسم من الله سبحانه وتعالى بالدهر ، ويدخل فيه صلاة العصر ، ويدخل فيه وقت صلاة العصر ، أقسم الله بالدهر لم ؟ لأن الدهر محل الطاعات ، محل التقرب إلى الله ، ولذا إن مدحت الدنيا لا تمدح إلا لأنها مطية الآخرة ، فلذلك تأملوا في كلام الله سبحانه وتعالى يقسم بأوقات متعددة { وَالضُّحَى } { وَاللَّيْلِ } { وَالشَّمْسِ } إلى غير ذلك ، فالله سبحانه وتعالى لا يقسم بشيء إلا لكونه عظيما ، ومن حقه سبحانه وتعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته ، أما نحن الخلق فلا نقسم إلا به سبحانه وتعالى .
ما المُقْسَم عليه ؟ ما النتيجة ؟
لو قلتَ : [ والله ] ثم ؟ هناك شيء مؤكد لهذا القسم [ والله لأذهبن ] إذاً هنا أقسم عز وجل بالعصر ، لم ؟
{ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ } وأكد على ذلك بذكر [ إنَّ ] المؤكدة { إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ } أي جنس الإنسان في خسر ، فأصل بني آدم الخسارة كما قال تعالى{ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }الأحزاب72 ، هذا هو أصل ابن آدم إلا من منحه الله عز وجل منحة فرفعه عن هذا الخسران بتقوى منه ، ثم يأتي دائما في الضلال وفي الخسر يأتي بـ [ في ] تدل على أنه مستغرق في الخسران { أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } الزمر22، قال { فِي } بينما إذا أتى بأسلوب يتحدث عن المتقين والمؤمنين يأتي بـ [ على ] لأنهم علوا بفضل من الله سبحانه وتعالى إلى الخير {أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ }البقرة5، والآيات في هذا كثيرة وليتأملها طالب العلم إذا قرأ كلام الله عز وجل .
{ لَفِي خُسْرٍ } هذا هو الحكم الذي حكمه الله سبحانه وتعالى علينا – نحن البشر – ثم استثنى صنفا اتصف بأربع صفات، هذه الأربع صفات هي المذكورة من المسائل الأربع قال تعالى :
{ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا } تدل على العلم ، لأن الإيمان يُتعلم كما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم ( تعلمنا الإيمان والقرآن معا )
{ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } هذه هي المسألة الثانية وهي [ العمل ]
{ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ } هذه هي المسألة الثالثة وهي [ الدعوة ] لأنك إذا أوصيت أخاك بالحق دعوته إليه .
{ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } هذه هي المسألة الرابعة وهي [ الصبر على تحمل الأذى في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ] .
وهذا يدل على أن أهل الخير يجب عليهم أن يتواصوا فيما بينهم كما أن أعداء الدين يتواصون بالباطل فكذلك علينا أن نكون يدا واحدة لا أن نكون متناحرين متنازعين متفرقين وهذا وللأسف قد عمَّ وطمَّ في هذا الزمن بينما أهل الشر يخططون ويدبرون لإسقاط أهل الخير ، وقد ذكر سبحانه وتعالى أن أهل الباطل يتواصون بالباطل { وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } نوح23 هذا تواصي بالباطل { وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } ص6 فهذا تواصٍ بالباطل ، فإذا كان أهل الباطل يتواصون فيما بينهم فكيف بأهل الخير الذين معهم الإيمان ومعهم العلم!
( قال الشافعي – رحمه الله تعالى – لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم ) .
الشافعي / هو محمد بن ادريس الشافعي ، وهو أحد الأئمة الأربعة ، وقد أعطي هذا الرجل حافظة عظيمة كان يحفظ الشيء من أول مرة ، ويرجع نسبه إلى نسب النبي صلى الله عليه وسلم .
قال رحمه الله ( لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم )
وقوله رحمه الله يدل على عظم هذه السورة وأن هذه السورة وهي سورة العصر لو ما أنزل على الخلق إلا هذه السورة لكانت حجة قاصمة لهم .
( وقال البخاري – رحمه الله – : باب العلم قبل القول والعمل )
البخاري / هو محمد بن إسماعيل ، وهو حجة في الحفظ وإمام في الإتقان وكتابه [ صحيح البخاري ] هو أصح الكتب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى ، قال في كتابه صحيح البخاري ( باب العلم قبل القول والعمل ) يدل على أن العلم هو الأصل وأن ثمرة العلم هو العمل ، فكيف نأخذ ثمرة قبل أن نغرس غرسا ؟ وما هو الغرس ؟ العلم ، وما هي الثمرة ؟ العمل ، ولذلك ماذا قال رحمه الله ؟ ( باب العلم قبل القول والعلم )
( والدليل )
على أن العلم مقدم على العمل .
( قوله تعالى : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } محمد19 فبدأ بالعلم قبل القول والعمل ) .
أين مكمن بداية العلم ؟ قوله ( فاعلم ) هذا يدل على العلم ، أول ما أُمر به عليه الصلاة والسلام العلم .
ما موضع الشاهد من هذه الآية للعمل ؟
قوله تعالى : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ } ثم ختم الآية بقوله { وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } بمعنى أنك لم تُخلق عبثا أمرت بالتعلم ثم العمل ، فأنت تتقلب وتذهب ، فمتقلبك ومآلك ومصيرك يعلمه الله سبحانه وتعالى في ليلك ، في نهارك ، في ذهابك ، في إيابك { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ } المؤمنون115 { أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } ( كلا ) .