الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
ثم قال رحمه الله :ودليل الرغبة والرهبة والخشوع : قوله تعالى : { ِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}الأنبياء90) .
لما ذكر سبحانه وتعالى كوكبة من الأنبياء في سورة الأنبياء ختم الحديث عنهم بقوله{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}الأنبياء90 ، يعني ما وصلوا إلى هذه المناقب العليا إلا بأمر ، ما هو هذا الأمر ؟ أنهم فعلوا أشياء ثلاثة [ الرغبة وهو نوع من أنواع الرجاء ، والرهبة وهو نوع من الخوف ، و الخشوع ] { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } وهذا هو الأمر الرابع { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }الأنبياء90 ،مع أنهم يسارعون في الخيرات لم يكتفوا بذلك ، فإنهم خائفون وجلون راجون الله سبحانه وتعالى فيما فعلوا ، ومع الرجاء والخوف والعمل والمسارعة في العمل ، ما طبيعة عملهم ؟ الخشوع ، ليس عملا خاليا من خشوع في عباداتهم .
ولتعلم – أن الله سبحانه وتعالى كثيرا ما يقرن بين الخوف والرجاء كما قرن هنا فقال { رَغَباً وَرَهَباً } فيدل على أن الإنسان لابد له من أن يسير في طريق الخوف والرجاء ، لأن مراتب العبادة ثلاث [ المحبة ] وهي الأصل و[ الخوف ] و[ الرجاء ] يقول شيخ الإسلام رحمه الله : إذا أحب العبد ربه ألقته المحبة في طريق العبادة ، فالأصل هو المحبة ، فهي تلقيه في طريق العبادة ، والخوف يمنعه من أن يخرج عن هذا الطريق ، والرجاء يقوده إلى هذا الطريق الذي يُوصله إلى الله سبحانه وتعالى ، والأدلة على أن الله سبحانه وتعالى يقرن الرجاء والخوف آيات كثيرة قال تعالى { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } هذا دليل الرجاء { وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ } الحجر50 ، هذا دليل الخوف ، وقال تعالى { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } السجدة16.
ثم قال رحمه الله :ودليل الخشية : قوله تعالى : { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ}المائدة3 ) .
والخشية تختلف عن الخوف ، فهما يلتقيان في طريق واحد لكن الخشية تختلف عن الخوف , الخشية لا تكون إلا من عظيم ، بينما الخوف قد يكون من عظيم وقد يكون من غير عظيم ، وقد يكون توهماً.
والخشية لا تكون إلا لأمر مستقبل لا لأمر ماضي ، فهو يخشى من شيء سيحدث له في المستقبل ، بينما الخوف يختلف عن الخشية ، ولذلك يمكن أن نأخذ هذين الفرقين من قوله تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} فاطر28 ، فالخشية حاصلة من العلماء ، ممن ؟ من الله عز وجل لأنه عظيم ، وخشيتهم من أمر مضى أو مما يستقبل مما سيواجهونه بعد الموت ؟ مما سيواجهونه بعد الموت .
فالإنابة هي أخص من التوبة ، فإنها تدعو إلى العمل ، قد يتوب الإنسان من ذنب اقترفه لكن لا تدعوه إلى العمل ، لكن الإنابة أعظم من هذا فإنه يتوب وينوب إلى الله بالعمل الصالح ، ولذلك قال سبحانه وتعالى عن آدم { وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى{121} ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى } هداه إلى الأعمال الصالحة.
(ودليل الاستعانة : قوله تعالى :{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }الفاتحة5).
يقول شيخ الإسلام رحمه الله : إن العبد مأمور بعبادة الله ولا يمكن أن يأتي بهذه العبادة إلا بالاستعانة بالله ، ولذلك جمع بينهما { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } لا تظنن أنك إذا عبدت الله أن هذا منك ومن حولك ومن قولتك( كلا ) إنما هو عون من الله .
ولذلك يقول رحمه الله : إن معاني الكتب السابقة موجودة في القرآن وأن معاني القرآن موجودة في الفاتحة وأن معاني الفاتحة موجودة في قوله تعالى { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وقد نقل هذا الكلام عن بعض السلف .
ثم هنا قدَّم المعمول على العامل ، لأن العامل الفعل { نَعْبُدُ } و{ نَسْتَعِينُ } والمعمول {إِيَّاكَ} فلما قال { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } دل على الحصر أي نعبدك وحدك ونستعين بك وحدك ، لم يقل نعبدك ونستعينك، وإنما قال {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } الفاتحة5 .
( وفي الحديث ( إذا استعنت فاستعن بالله ) .
هذا ابن عباس رضي الله عنهما كما عند الترمذي لما أوصاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال لما أردفه قال ( إني أعلمك كلمات :احفظ الله يحفظك ) إلى أن قال من ضمن ما قال ( وإذا استعنت فاستعن بالله ).
( ودليل الاستعاذة : قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } الناس1) إلى ما ذكر سبحانه وتعالى في هذه السورة ، مما يدل على أن الإنسان محتاج إلى أن يستعيذ بالله سبحانه وتعالى الذي هو رب الناس ومالكهم وإلههم كما ذكرت السورة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ{1} مَلِكِ النَّاسِ{2} إِلَهِ النَّاسِ } .
( ودليل الاستغاثة : قوله تعالى : {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ } الأنفال9) .
هذه الآية نزلت في قصة بدر لما استغاث النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم بالله عز وجل .
وسورة الأنفال التي فيها هذه الآية تحدثت عن غزوة بدر .
و سورة الأحزاب تحدثت عن عزوة الأحزاب .
وسورة آل عمران تحدثت عن غزوة أحد .
وسورة التوبة تحدثت عن غزوة تبوك .
( ودليل الذبح : قوله تعالى : قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{163} الأنعام .
فمن ذبح لغير الله فقد أشرك بالله جل وعلا شركا أكبر .
ومعنى { نُسُكِي } هنا أي ذبحي ، فصلاتي وذبحي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، ثم لما كان الذبح لغير الله شركا ماذا قال بعدها ؟ { لاَ شَرِيكَ لَهُ } وفي ختام الآية قال { وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } بمعنى أن هذه الطريقة وأن هذه الأشياء المذكورة هي طريقة الإسلام وأهله .
قال رحمه الله : ( ومن السنة ) على أن الذبح عبادة ( قوله عليه الصلاة والسلام 🙁 لعن الله من ذبح لغير الله ) .
هذا حديث علي رضي الله عنه ، أخرجه الإمام مسلم .
واللعن / هو الطرد والإبعاد من رحمة الله ، ثم انظروا إلى العموم ، قال ( مَنْ ذبح ) والذي يذبح لغير الله سواء كان عبدا أو حُرا أو رجلا أو أنثى فإنه داخل تحت هذا الحكم ، ثم أتى تعميم آخر ( لغير الله ) لو ذبح لمَلك لجبريل أو إسرافيل ، أو ذبح لنبي أو ذبح لولي يدخل تحت هذا الحكم ، ويخرج من هذا من ذبح لغير الله سبحانه وتعالى إكراما للضيف حتى لا يُشتبه على الإنسان في هذه المسألة ، فمن ذبح لضيفه إكراما فهذا ليس داخلا في هذا الحكم ، أما مَنْ ذبح لقادم وترك الذبيحة دون أن يفعل فيها شيئا من أكل ونحوه ، يدل على أنه ذبحها لهذا القادم فيدخل تحت هذا الحكم وهو الشرك بالله عز وجل .
( ودليل النذر : قوله تعالى : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً}الإنسان7 ) .
النذر / هو إلزام المكلف نفسه عبادة لم تكن واجبة عليه في أصل الشرع ، كأن يقول : [ لله علي أن أصلي ركعتين ] أو [ لله علي أن أصوم يوما ] فمن نذر لغير الله فقد أشرك بالله شركا أكبر ، ولذلك امتدح الله سبحانه وتعالى الموفين بالنذر وأن هؤلاء الموفين بالنذر ما وفُّوا بنذرهم إلا لأنهم يخشون { وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } أي كثيرا منتشرا عظيما .