الشرح المختصر لثلاثة الأصول ( الدرس الخامس )

الشرح المختصر لثلاثة الأصول ( الدرس الخامس )

مشاهدات: 506

شرح الأصول الثلاثة

الدرس الخامس

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

ثم قال رحمه الله :ودليل الرغبة والرهبة والخشوع : قوله تعالى : { ِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}الأنبياء90) .

لما ذكر سبحانه وتعالى كوكبة من الأنبياء في سورة الأنبياء ختم الحديث عنهم بقوله{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}الأنبياء90 ، يعني ما وصلوا إلى هذه المناقب العليا إلا بأمر ، ما هو هذا الأمر ؟ أنهم فعلوا أشياء ثلاثة [ الرغبة وهو نوع من أنواع الرجاء ، والرهبة وهو نوع من الخوف ، و الخشوع ] { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } وهذا هو الأمر الرابع { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }الأنبياء90 ،مع أنهم يسارعون في الخيرات لم يكتفوا بذلك ، فإنهم خائفون وجلون راجون الله سبحانه وتعالى فيما فعلوا ، ومع الرجاء والخوف والعمل والمسارعة في العمل ، ما طبيعة عملهم ؟ الخشوع ، ليس عملا خاليا من خشوع في عباداتهم .

ولتعلم – أن الله سبحانه وتعالى كثيرا ما يقرن بين الخوف والرجاء كما قرن هنا فقال { رَغَباً وَرَهَباً } فيدل على أن الإنسان لابد له من أن يسير في طريق الخوف والرجاء ، لأن مراتب العبادة ثلاث [ المحبة ] وهي الأصل و[ الخوف ] و[ الرجاء ] يقول شيخ الإسلام رحمه الله : إذا أحب العبد ربه ألقته المحبة في طريق العبادة ، فالأصل هو المحبة ، فهي تلقيه في طريق العبادة ، والخوف يمنعه من أن يخرج عن هذا الطريق ، والرجاء يقوده إلى هذا الطريق الذي يُوصله إلى الله سبحانه وتعالى ،  والأدلة على أن الله سبحانه وتعالى يقرن الرجاء والخوف آيات كثيرة قال تعالى { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } هذا دليل الرجاء { وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ } الحجر50 ، هذا دليل الخوف ، وقال تعالى { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } السجدة16.

ثم قال رحمه الله :ودليل الخشية : قوله تعالى : { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ}المائدة3 ) .

والخشية تختلف عن الخوف ، فهما يلتقيان في طريق واحد لكن الخشية تختلف عن الخوف , الخشية لا تكون إلا من عظيم ، بينما الخوف قد يكون من عظيم وقد يكون من غير عظيم ، وقد يكون توهماً.

والخشية لا تكون إلا لأمر مستقبل لا لأمر ماضي ، فهو يخشى من شيء سيحدث له في المستقبل ، بينما الخوف يختلف عن الخشية ، ولذلك يمكن أن نأخذ هذين الفرقين من قوله تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} فاطر28 ، فالخشية حاصلة من العلماء ، ممن ؟ من الله عز وجل لأنه عظيم ، وخشيتهم من أمر مضى أو مما يستقبل مما سيواجهونه بعد الموت ؟ مما سيواجهونه بعد الموت .

 ( ودليل الإنابة : قوله تعالى : { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ } الزمر54 ) .

فالإنابة هي أخص من التوبة ، فإنها تدعو إلى العمل ، قد يتوب الإنسان من ذنب اقترفه لكن لا تدعوه إلى العمل ، لكن الإنابة أعظم من هذا فإنه يتوب وينوب إلى الله بالعمل الصالح ، ولذلك قال سبحانه وتعالى عن آدم { وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى{121} ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى } هداه إلى الأعمال الصالحة.

(ودليل الاستعانة : قوله تعالى :{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }الفاتحة5).

يقول شيخ الإسلام رحمه الله : إن العبد مأمور بعبادة الله ولا يمكن أن يأتي بهذه العبادة إلا بالاستعانة بالله ، ولذلك جمع بينهما { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } لا تظنن أنك إذا عبدت الله أن هذا منك ومن حولك ومن قولتك( كلا ) إنما هو عون من الله  .

ولذلك يقول رحمه الله :  إن معاني الكتب السابقة موجودة في القرآن وأن معاني القرآن موجودة في الفاتحة وأن معاني الفاتحة موجودة في قوله تعالى { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وقد نقل هذا الكلام عن بعض السلف .

ثم هنا قدَّم المعمول على العامل ، لأن العامل الفعل { نَعْبُدُ }                  و{  نَسْتَعِينُ } والمعمول {إِيَّاكَ} فلما قال { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } دل على الحصر أي نعبدك وحدك ونستعين بك وحدك ، لم يقل نعبدك ونستعينك، وإنما قال {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } الفاتحة5 .

( وفي الحديث ( إذا استعنت فاستعن بالله ) .

هذا ابن عباس رضي الله عنهما كما عند الترمذي لما أوصاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال لما أردفه قال ( إني أعلمك كلمات :احفظ الله يحفظك ) إلى أن قال من ضمن ما قال ( وإذا استعنت فاستعن بالله ).

( ودليل الاستعاذة : قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } الناس1) إلى ما ذكر سبحانه وتعالى في هذه السورة ، مما يدل على أن الإنسان محتاج إلى أن يستعيذ بالله سبحانه وتعالى الذي هو رب الناس ومالكهم وإلههم كما ذكرت السورة  {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ{1} مَلِكِ النَّاسِ{2} إِلَهِ النَّاسِ } .

( ودليل الاستغاثة : قوله تعالى : {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ } الأنفال9) .

هذه الآية نزلت في قصة بدر لما استغاث النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم بالله عز وجل .

وسورة الأنفال التي فيها هذه الآية تحدثت عن غزوة بدر .

و سورة الأحزاب تحدثت عن عزوة الأحزاب  .

وسورة آل عمران تحدثت عن غزوة أحد .

وسورة التوبة تحدثت عن غزوة تبوك .

( ودليل الذبح : قوله تعالى : قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{163} الأنعام .

فمن ذبح لغير الله فقد أشرك بالله جل وعلا شركا أكبر  .

ومعنى { نُسُكِي } هنا أي ذبحي ، فصلاتي وذبحي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، ثم لما كان الذبح لغير الله شركا ماذا قال بعدها ؟ { لاَ شَرِيكَ لَهُ } وفي ختام الآية قال { وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } بمعنى أن هذه الطريقة وأن هذه الأشياء المذكورة هي طريقة الإسلام وأهله .

قال رحمه الله : ( ومن السنة ) على أن الذبح عبادة ( قوله عليه الصلاة والسلام 🙁 لعن الله من ذبح لغير الله ) .

هذا حديث علي رضي الله عنه ، أخرجه الإمام مسلم .

واللعن / هو الطرد والإبعاد من رحمة الله ، ثم انظروا إلى العموم ، قال              ( مَنْ ذبح ) والذي يذبح لغير الله سواء كان عبدا أو حُرا أو رجلا أو أنثى فإنه داخل تحت هذا الحكم ، ثم أتى تعميم آخر ( لغير الله ) لو ذبح لمَلك لجبريل أو إسرافيل ، أو ذبح لنبي أو ذبح لولي يدخل تحت هذا الحكم ،  ويخرج من هذا من ذبح لغير الله سبحانه وتعالى إكراما للضيف حتى لا يُشتبه على الإنسان في هذه المسألة ، فمن ذبح لضيفه إكراما فهذا ليس داخلا في هذا الحكم ، أما مَنْ ذبح لقادم وترك الذبيحة دون أن يفعل فيها شيئا من أكل ونحوه ، يدل على أنه ذبحها لهذا القادم فيدخل تحت هذا الحكم وهو الشرك بالله عز وجل .

( ودليل النذر : قوله تعالى : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً}الإنسان7 ) .

النذر / هو إلزام المكلف نفسه عبادة لم تكن واجبة عليه في أصل الشرع ، كأن يقول : [ لله علي أن أصلي ركعتين ] أو [ لله علي أن  أصوم يوما ]  فمن نذر لغير الله فقد أشرك بالله شركا أكبر ، ولذلك امتدح الله سبحانه وتعالى الموفين بالنذر وأن هؤلاء الموفين بالنذر ما وفُّوا بنذرهم إلا لأنهم يخشون { وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } أي كثيرا منتشرا عظيما .