شرح ثلاثة الأصول موسع
تتمة الأصل الثالث :
معرفة نبيكم عليه الصلاة والسلام
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــ
(( أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني :
أن النبي عليه الصلاة والسلام أخذ على هذا عشر سنين في مكة يدعو إلى التوحيد
ولم يأمر قومه لا بصلاة ولا بصيام ولا بزكاة ولا بحج
ولا بغير ذلك
وهذا يدل على عظم هذا التوحيد : إذ مكث هذه المدة يدعوهم إليه
وهذا فيه تربية لنفوسنا
تربية لكل نفس وداعية إلى الله ألا يتعجل في اقتطاف الثمرة من دعوته
بل عليه أن يصبر
فالنبي عليه الصلاة والسلام عاش في هذا المجتمع الشركي الوثني
ومع ذلك صبر عليه الصلاة والسلام وتريث وترسل في دعوته
كان مأمورا بأن يصبر وأن يصفح : ((فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ))
(( فاصبر صبرا جميلا )
بل كان عليه الصلاة والسلام كما قال ابن القيم :
” كان منهيا عن الجهاد في تلك الفترة “
فإنه لم يؤمر بجهاد
في مكة لم يؤمر بجهاد
بل قال رحمه الله : ” إن الجهاد في أول أمره كان محرما لعدم قدرة المسلمين على مواجهة هؤلاء الطغاة المعتدين الظالمين
ثم :
لما هاجر أذن له في الجهاد
مجرد إذن
قال عز وجل : {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ }الحج39
ثم أمر بمقاتلة من يقاتله :
((وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ))
ثم بعدها أمر بجهاد كل المشركين :
((فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ))
ويستفاد من هذا :
ولاسيما في حياته في مكة :
أن المسلمين متى ما كانوا في حالة ضعف لا يستطيعون أن يقاوموا الأعداء فعليهم أن يصالحوا هذا العدو وأن يعقدوا معه هدنة ومعاهدة على أن لا تكون مؤبدة
وإنما تكون هذه المعاهدة لمدة يتقوى فيها المسلمون حتى لا يتعطل الجهاد
بل إن بعض العلماء المعاصرين مثل الشيخ ابن باز وابن عثيمين يرون أن المسلمين لو كان عليهم حاكم كافر قد صرح بكفره وجهر به وهم لا يستطيعون إزالته وهم في حالة ضعف ويترتب على إزالته سفك للدماء وزهق للأرواح وتدمير للبلاد فعليهم أن يصبروا
وهذا من الفقه
(( وبعد العشر عرج به إلى السماء )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد عشر سنين عرج به إلى السماء
المعراج يختلف عن الإسراء
هما وقعا في ليلة واحدة
قال تعالى في سورة الإسراء :
((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ))
الإسراء :
عبارة عن رحلة أرضية من مكة إلى بيت المقدس
وأما المعراج :
فإنه عليه الصلاة والسلام لما وصل إلى بيت المقدس أوتي بالمعراج فتسلقه وصعد عليه إلى السماء حتى وصل إلى سدرة المنتهى فوق السماء السابعة
وكان هذا الإسراء بروحه وببدنه عليه الصلاة والسلام
وهو يقظة
لأنه لو كان مناما لم تنكره قريش
ولم يحصل إلا مرة واحدة
والله عز وجل قادر على أن يعرج به من مكة إلى السماء
ولكن ما الحكمة في كونه يسري به إلى المسجد الأقصى ثم المعراج منه إلى السماء ؟
الحكمة :
كما قال بعض العلماء :
لتكون آية
فلو أخبرهم أنه عرج به إلى السماء مباشرة لكذبوه
كما كذبوه في إنزال هذا القرآن عليه
ولمَا كانت هناك دلائل حسية تدل على صدقه في زعمهم
وإنما لمَّا أسري به إلى المسجد الأقصى وهو لم يسبق أن أتى إليه وقد أتى إليه جمع غفير منهم قالوا : صفه لنا إن كنت صادقا
فجلَّى الله له المسجد الأقصى لأنه عليه الصلاة والسلام ما ذهب ليستطلع ما يكون في هذا المسجد
إنما ذهب إلى أمر عظيم
فجلَّى الله له هذا البيت ووصفه لهم فآمن من آمن وكفر من كفر عنادا وطغيانا
(( وفرضت عليه الصلوات الخمس )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من دون واسطة
وهذا يدل على عظم هذه الصلاة
فالمتأمل والمتدبر لكتاب الله يجد لهذه الصلاة من الفضائل والمزايا حتى في الأمم السابقة ما ليس لغيرها من سائر العبادات
ويكفي لفضلها :
أن الله قال :
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ ))
وقال لموسى ولقومه لما أنزل بهم فرعون أنواع الأذى قال :
((وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ))
والنبي عليه الصلاة والسلام كان إذا حزبه أمر قال : (( أرحنا بها يا بلال ))
وفضائلها عديدة
وأول ما فرضت فرضت خمسين صلاة في اليوم والليلة
فلما مر النبي عليه الصلاة والسلام بموسى أمره أن يرجع إلى الله ويسأله التخفيف
وقال : قد عالجت بني إسرائيل وإن أمتك لا تطيق هذا
فجعل يراجع ربه كلما مر على موسى حتى جعلها خمسا
فلما مر عليه الصلاة والسلام بموسى قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق هذا
قال : إني استحييت من ربي ))
على كل حال :
هي خمس في الفعل وخمسون في الميزان
يعني : هذه الصلوات الخمس كأننا نؤدي خمسين صلاة
وهذا فضل من الله وكرم
ولذا :
كان الصحابة كما قال عبد الله بن شقيق التابعي :
(( ما كانوا يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة ))
أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ما يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة
والحديث عن الإسراء يطول ونقتصر على هذا
(( وصلى في مكة ثلاث سنين ))
ولاشك أنه لا صلاة بدون وضوء
فيبطل قول من يقول : إن الوضوء لم يشرع إلا بعد الهجرة
فصلى النبي عليه الصلاة والسلام ثلاث سنين
وهذا يدل على أن الصلاة فرضت قبل الهجرة بثلاث سنين
على ما مشي عليه بعض المؤرخين وإلا ففيه من يقول بغير ذلك