الشرح الموسع لثلاثة الأصول ـ الدرس الثاني عشر

الشرح الموسع لثلاثة الأصول ـ الدرس الثاني عشر

مشاهدات: 518

شرح ثلاثة الأصول موسع

شرح قوله :

 ( ( اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله مخلصا له الدين ))

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله :

(( وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها ، كما قال : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } ومعنى يعبدون : أي يوحدون ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وبذلك أمر الله جميع الناس على حد سواء

ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتصور أن يكون العبد مرفوعا عنه التكليف أو مسامحا في العبادة إلا لأعذار أخرى

فهذا يؤكد ما ذكر مسبقا من خلال الصوفية الذين يرون أنهم إذا بلغوا مرتبة من المراتب سقطت عنهم التكاليف ومن ثم يستبيحون المحارم ، ويتركون الواجبات

فإذاً :

هذا هو المأمور به لكل مخلوق على حد سواء

بل إنه كلما عظمت العبادة عند الإنسان كلما عظمت مرتبته عند الله

وما حاز النبي عليه الصلاة والسلام هذا الفضل على جميع المرسلين إلا بزيادة عبادته لله

كان يقول :

(( أفلا أكون عبدا شكورا ))

كان يقول :

((إنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله ))

وهكذا وصفه الله في أفضل المقامات

لما ذكر الإسراء وهو مقام عظيم قال :

((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ))

لما أتى في  مقام المعراج قال :

(({فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى }

لما أتى في  مقام الدفاع والتحدي قال :

((  وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ))

وفي مقام الدعوة قال :

(({وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ ))

فتجد أن هذه مقامات رفيعة وصف النبي عليه الصلاة والسلام فيها بوصف العبادة

ولذ ا :

عيسى عليه السلام في  حديث الشفاعة يقول :

(( اذهبوا إلى محمد ))

لماذا ؟

يقول : لسنا لهذا المقام ، وإنما من هو أهل لها هو محمد

(( اذهبوا إلى محمد ))

ما العلة ؟

ما السبب ؟

ما هو هذا الأمر الذي جعله في  هذا المقام الرفيع ؟

قال : (( فإنه عبد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ))

تعبير عيسى : (( فإنه عبد ))

فكلما كثر المسلم من العبادة كلما كثرت سعادته في الدنيا والآخرة

ولا عبادة إلا بالاستعانة بالله

والموفق من وفقه الله

ولكن على المسلم أن يسعى وأن يخطو خطوات تجاه الأعمال الصالحة وسيوفق بإذن الله

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }

لا يقل أحد  :لا أستطيع

لا أتمكن من فعل هذا الشيء

لا

عليك أن تبدأ وتستعين بالله وستجد أن هناك رباكريما عظيما يعينك ويسددك ويوفقك

ومن ثم :

كانت مقولة النبي  عيه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل كانت مقولة شهيرة : ((يا معاذ إني أحبك ))

وكل من روى هذا الحديث عن راوي آخر قال :

(( إني أحبك،  لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ))

فلابد من إعانة الله

فالإنسان بجهده وبطاقته وبقدرته لا يستطيع لكن عليه أن يبذل الأسباب وسيجد الإعانة من الله

والحكمة كما ذكر المصنف :

أن الحكمة من خلق الجن والإنس هي عبادة الله

ما الدليل ؟

قال : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }

انظروا :

كيف حصر هذا الأمر في علة وسبب خلق الجن والإنس حصره في أمر  واحد وهو العبادة

فلم تخلق لأمر آخر إنما خلقت لهذا الأمر العظيم الذي هو عبادة الله

ومعنى : ” يعبدون ” يوحدون

سبحان الله!

لماذا هذا التفسير ؟

لماذا فسرت العبادة بالتوحيد ؟

لأن التوحيد هو العبادة

والعبادة هي التوحيد

فكل ما تقدم به من عبادات قولية أو فعلية هي توحيد

وأنه ما من سورة من سور القرآن إلا وقد اشتملت على التوحيد

إما أمر بالتوحيد

أو بيان فضل الموحدين

أو بيان ما أعده الله للموحدين

أو ما يكمل هذا التوحيد من العبادات

أو نهي عن الشرك

أو بيان لقبح الشرك

أو بيان لما أعده الله للمشركين من العقاب

أو بيان لما يناقض التوحيد من الذنوب والمعاصي

فإذاً :

أنت في  توحيد

ومن ثم كانت مقولة الشيخ في  كشف الشبهات مقولة وقعت في  موقعها الصحيح إذ قال :

” إن من يقول إن التوحيد قد عرفناه ولا حاجة إلى معرفته ولا إلى تعلمه فهو من أجهل الناس “

لماذا ؟

لأنك أيها العبد في  توحيد مستمر

حينما تؤدي هذه الصلاة تكمل التوحيد

حينما تقوم بتلاوة كتاب الله تكمل التوحيد

حينما تترك معصية من المعاصي أنت تكمل هذا التوحيد

حينما تقع في  معصية أنت الآن تضعف هذا التوحيد

فإذاً :

هذا التفسير تفسير في محله

(( ليعبدون )) أي ليوحدون

ثم إن العبادة ليس مأمورا بها الإنس فقط وإنما حتى الجن

والجن مأمورون بمأمورات ومنهيون بمنهيات وأرسل إليهم النبي عليه الصلاة والسلام والتقى ببعض وفودهم

وذهب منهم دعاة إلى ونذر إلى قومهم

ويعذب الكافر منهم يوم القيامة

والمطيع يدخل الجنة

لكن الله أعطاهم  قدرات وطاقات لم يعطها للإنس

لكن :

لا يعني هذا أن هؤلاء لديهم قدرة على معرفة ودراية بعلم الغيب لأن البعض قد يتوهم أو يتلبس عليه بتلبيسات شيطانية أنهم يعرفون الغيب ويطلعون على ما أخفاه الله على خلقه ومن اعتقد بهذا الاعتقاد فهو مشرك بالله كافر

لأن علم  الغيب هو من خصائص الله :

قال :

(( قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ))

وما يعتقد من أن هؤلاء  يستطيعون ضره وإنزال الشر به دون أمر الله ودون إذن الله ففي عقيدته خلل :

((وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ))

ولذا جهلوا موت سليمان ولم  يطلعوا على موته إلا بعد مدة

بسبب أن سليمان كان قد مات وهو متوكئ على عصا

فلم يُفطن لموته من قبل الجن إلا بعد ما رأوا دابة الأرض تأكل منسأته

يعني من عصاته حتى سقط

((فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ))

لأنهم أٌذلوا لسليمان :

منهم مقرنون في الأصفاد

ومنهم من يبنون القصور

ومنهم من يستخرجون له اللآلئ والمرجان من البحار

ومع ذلك ظلوا مدة وفاته وهم يعملون هذه الأعمال الشاقة يعتقدون بأن سليمان حي

فإذاً :

هم ضعفاء كغيرهم

لكن الله أعطاهم قدرة وطاقة على فعل بعض الأشياء