الشرح الموسع لثلاثة الأصول ـ الدرس الثالث عشر

الشرح الموسع لثلاثة الأصول ـ الدرس الثالث عشر

مشاهدات: 437

شرح ثلاثة الأصول موسع

تتمة شرح قول المؤلف :

(( اعلم أرشدك الله أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين ))

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

.قال المؤلف رحمه الله :

(( اعلم أرشدك الله أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين ))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لما وجه عموم من يقرأ هذا المتن أو يسمعه ذيَّل هذا التوجيه بدعوة طيبة حسنة كيما تستقبل هذه النفوس هذا التوجيه

فسبق الحديث  عن فائدة وثمرة ذكر هذه الدعوة

فهو أراد أن تقبل كلمته وأن تستقبل توجيهاته في  هذا المتن بالقبول والرضا :

فقال :

” إن الحنيفية ملة إبراهيم “

ما هي الحنيفية ؟

الحنيفية : هي الميول والعزوف عن الشرك

وقد وصف الله إبراهيم بهذا الوصف فقال :

{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }

كان أمة : أي إماما يقتدى به في الخير

قانتا : أي مديما له في الطاعة

حنيفا : يعني  مائلا عن الشرك فهو مائل عن الشرك إلى التوحيد

فلتعلم أخي المسلم :

أن الحنيفية ملة إبراهيم

أضاف هذه الملة التي  وصفها بالحنيفية أضافها إلى إبراهيم فهو إمام الموحدين

وقد جاءت آيات كثيرة تدل على محاورته ومناقشته لقومه في قضايا التوحيد

ما هي هذه الملة الحنيفية التي هي ملة إبراهيم ؟

قال : ” أن تعبد الله ”

قال تعالى : للنبي  عليه الصلاة والسلام آمرا له ، فهو مأمور بأمر ذكر في آخر سورة الأنعام قال :

((قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{163} ))

وقال قبلها :

((قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ))

قل : أمر من الله للنبي عليه الصلاة والسلام فهو أمر  يجب أن يأتمر به

((إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ))

ما هو ؟

((دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{161} ))

فنحن مأمورون بأن نقتفي أثر وسنة هذا النبي الكريم

ولذا قال تعالى :

((وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ))

فإذاً :

من كان متمسكا بهذا التوحيد حريصا عليه فقد أخذ بسنة وبطريقة وبمنهج نبي الله إبراهيم الذي أمر نبينا أن نقتفي أثره وسنته

فما هي هذه الملة ؟

الملة هي الطريقة

ما هي هذه الطريقة  ؟

قال : أن تعبد الله

إذاً : ما هو التوحيد ؟

عبادة الله

ما هي الملة الحنيفية ؟

التوحيد

ما هي ملة إبراهيم ؟

التوحيد

ما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام ؟

التوحيد

ما دعت إليه الرسل كافة ؟

الدعوة إلى التوحيد

ما هو هذا التوحيد ؟

هو العبادة

فالعبادة هي التوحيد

ولذا قال تعالى :

{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }

تفسير ” ليعبدون “ إلا ليوحدون

فهو حصر العبادة كلها في دائرة التوحيد

لماذا ؟

لأن التوحيد هو الأصل وهو القاعدة بل كما أسلفت لكم بأنه ما من آية في كتاب الله إلا وهي تدعو إلى التوحيد

ولذا قال بعض السلف : ” كل معصية فيها نوع من الشرك

لماذا ؟

هي ليست شركا ولا تخرج صاحبها عن الملة

ولكن لماذا أصبحت بهذا الاعتبار أصبحت شركا ؟

لأن هذه المعصية تقلل وتضعف جانب التوحيد

فهو أشرك هواه مع الله

 

فقوله :

{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }

أي ليوحدون

هذه آية فسرت بهذا التفسير

قول النبي عليه الصلاة والسلام لما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن قال :

((  إنك تأتي قوما من أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ))

وفي رواية :

(( أن يوحدوا الله ))

فمن أراد أن يصل إلى أعلى وأرفع مقامات العبودية فعليه بالتوحيد

ولذا قول من يقول : ” إن التوحيد قد عرفناه وعلمناه فهذا في الحقيقة جهل ، لأن المسلم في كل ما  يفعل ويذر في  كل ما يفعل من عباده ويذر من معصية إنما له مسيس وعلاقة بالتوحيد “

قد يقول البعض : ” نحن في بلد سلمت والحمد لله من الخرافات والبدع والشركيات فلا حاجة إلى معرفة التوحيد

ولماذا نزعج بعقد دروس تتعلق بالتوحيد

لماذا  هذا الحديث المستمر عن التوحيد ؟

نقول :

يا أخي لا يمكن أن تخرج في عباداتك عن التوحيد ، فمن أراد أن يصل إلى أعلى مقامات العبودية فعليه بالتوحيد ، من أراد أن يكون مع النبيين فعليه بالتوحيد

{وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً }

سبحان الله يفترق الطريق بالإنسان حينما  يخالف هذا المنهج

يعني : حينما يخالف هذا التوحيد لا يمكن أن يظل في مكانه

لا

بل سبحان الله! تلقائيا ينصرف إلى الشرك

وإلى سبيل المشركين

قلنا :

في هذه الآية أن من وحد فهو مع الذين أنعم الله عليهم

إذا لم يوحد الله فهنا سيسلك سبيل المشركين

كيف ذلك ؟

قال تعالى – في سورة الفاتحة ونحن مأمورون في كل ركعة أن نسأل الله أن يهدينا صراطه المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من هم الذين أنعم الله عليهم ؟

ما ذكر في آية النساء :

{وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً }

هل توقفت الآية عند هذا الأمر ؟

لا

هل توقفت السورة وانتهت ؟

لا

((صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ  ))

يعني : غير صراط

((المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7}  ))

من هم المغضوب عليهم ؟

اليهود

والضالون ؟

 النصارى

فقوله : ” أن تعبد الله وحده “

ما هي هذه العبادة التي أثنى عليها ثناء جميلا في كتاب الله وأثنى عليها في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ؟

وليعلم بأن الإنسان لا يمكن أن تحصل له السعادة إذا خرج عن طاعة الله

بل كلما ازداد عبادة كلما ازداد سعادة وكلما ارتفع شأنه وعلت مرتبته عند الله

غلاة الصوفية – لأن الصوفية خطرهم عظيم ولا يدرك هذا إلا من تمعن معتقدهم الفاسد لأن من يرى حالهم يقول : هؤلاء عباد زهاد

لكن هؤلاء لهم عبادات لكنها  شركية :

فيها غلو

فيها رفع لبعض المخلوقين إلى مرتبة الخالق

،  فيعظمون النبي عليه الصلاة والسلام تعظيما يزيد عن حده

ولذا  :

يقول بعضهم يمدحه ويثني عليه ثناء هو في الحقيقة قدح للنبي عليه الصلاة والسلام لأن النبي عليه الصلاة والسلام ما يرضى بهذا :

يقول :

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به  

                               سواك عند حلول الحادث  العممِ

انظروا :

كيف انصرف قلبه كله إلى النبي عليه الصلاة والسلام :

قال :

يا أكرم الخلق ـــــــ نسي الله :

قال :

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به

سواك عند حلول الحادث العمم

فإن من وجودك الدنيا وضرتها ( يعني الآخرة )

ومن علومك علم اللوح والقلم

جعل الدنيا والآخرة في يد النبي عليه الصلاة والسلام

جعل علم الأوليين والآخرين  وعلم المشاهد وعلم الغيب في النبي عليه الصلاة والسلام

فماذا يبقى لله ؟

ولذا يحرصون على الاحتفال بليلة الإسراء و المعراج

ومن يسمع ما يلقى فيها من قصائد وما  يدار فيها من مقالات يقف حقيقة على خبث  هذا المعتقد الذي أوصلهم فالنهاية أوصل غلاتهم إلى أن يقول : ” إذا بلغ العبد مرحلة تسمى [ بمرحلة اليقين ] سقطت عنه التكاليف  ،فلا يلزم بأمر ولا  ينهى عن فحش  ،فحينها يسقطون عن أنفسهم العبادات كلها : لا صلاة ولا صيام ولا حج ولا شيء  ،ويستبيحون لأنفسهم المحرمات يلوطون يزنون يشربون الخمور يقولون : نحن بلغنا مرتبة عالية هذه المرتبة لما وصلناها انقطعت عنا العبادات “

ما دليلكم ؟

يقولون :

قال تعالى : {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }

فنحن قد أتانا اليقين والعبادة مشروط الائتمار بها إلى مرتبة اليقين فلما وصلنا هذه المرتبة فلا عبادة

وهذا تفسير لكلام الله على غير مراده جل وعلا

لأن اليقين معناه هنا : الموت

ولذا لما ذكر الله حال أهل النار والأسباب التي أوصلتهم إلى هذه النار

((مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ{42} قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ{43} وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ{44} وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ{45} وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ{46} حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ{47} ))

يعني  : الموت

فلو كان كما قالت الصوفية لما عذبوا

ولذا  :

قال النبي عليه الصلاة والسلام عن ابن مظعون لما قضى : (( أما هذا فقد أتاه اليقين ))

يعني  :الموت

فإذاً :

لا يمكن للعبد أن يخرج من محيط العبادة ، بل تعلو مرتبة ويعظم شأنه بقدر ما لديه من عبادات

ولذا في  حديث  الشفاعة يوم القيامة حينما يجمع الله الأوليين والآخرين ويشق على الناس الزحام وتدنو الشمس من رءوس العباد مقدار ميل فيستشفعون بالأنبياء حتى يشفعوا لهم عند الله فينزل لفصل القضاء فيعرف أهل الجنة من أهل النار

فيذهبون إلى آدم فيعتذر فيذهبون إلى نوح فيعتذر ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى

فلا يذكر اعتذارا ولكنه يحيل الأمر إلى النبي عليه الصلاة والسلام :

فيقول : ( (اذهبوا إلى محمد ))

لماذا ؟

قال : (( فإنه عبد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ))

فحظي النبي عليه الصلاة والسلام على هذا المقام المحمود الرفيع يوم القيامة بسبب علو مرتبته على سائر الأنبياء في  العبادة

(( فالحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده ))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما هي هذه العبادة حتى نحرص عليها ؟

لها تعاريف لكن من أجمل وأحصر وأشمل التعاريف تعريف لشيخ الإسلام قال :

العبادة :

[ هي اسم جامع لكل ما يحبه ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ]

إذاً :

أي شيء يحبه الله هو عبادة

شيء يرتضيه عبادة

من قول أو فعل  / الصلاة عبادة ، سبحان الله عبادة

أستغفر الله عبادة

لأنها أشياء يحبها الله

فإذاً :

لابد حينما تعرف عظم وفضل أي شيء أن تقف على حقيقته

وإن كنتم تذكرون حتى نربط المتن بعضه ببعض ماذا قال المصنف ؟

قال أول كلامه لما ذكر ما ذكره البخاري قال :

 [ باب العلم قبل القول والعمل ]

واستدل على ذلك بقوله تعالى :

((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ))

فهذه  هي الحنيفية ملة إبراهيم