الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
ثم قال رحمه الله :
( والرب هو : المعبود )
لم ؟ لأنهم يقرون بأن الله هو الرب ولذلك يقول العلماء [ توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية ] إذا أقررت بأن الله هو الرب الذي أكرمك وأوجدك وخلقك وأنعم عليك وتولى أمرك يلزمك لزوما أن تعبده لأن هذه الأشياء تدل على عظمته ، فتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ }الزخرف87
{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ } الزمر38 .
والدليل على أن الرب هو المعبود ، والدليل على أن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية .
( والدليل : قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{21} الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ البقرة 21، 22 ] )
خطاب لجميع الناس { اعْبُدُواْ } أمر بالعبادة ، نعبد مَنْ ؟ { رَبَّكُمُ } ما صفاته ؟ { الَّذِي خَلَقَكُمْ } هذا من توحيد الربوبية ، يقرون بأن الله هو الخالق { وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } يعني خلق مَنْ قبلكم { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{21} الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً } مبسطة ، مذللة { وَالسَّمَاء بِنَاء } سقفا عاليا { وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ } هذه نِعم ، تقرون بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي أوجدها وفعلها ، في ختام الآية { فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً } أي مثلاء ونظراء { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } أنه هو الرب ، أنه هو المعبود ، وتعلمون أن هذه الأوثان لا يمكن أن تفعل ما فعله سبحانه وتعالى ، والأدلة من كتاب الله عز وجل على أن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية كثيرة جدا ، منها قوله تعالى { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ } ما ختام الآية ؟ { فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } يونس31، إلزام لكم .
ثم ذكر رحمه الله كلام ابن كثير رحمه الله عن هذه الآية :
( قال ابن كثير- رحمه الله – : الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة ) .
ابن كثير / هو أبو الفداء إسماعيل بن كثير ، وله كتابه [ التفسير العظيم ] .
( قال ابن كثير- رحمه الله – : الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة ) تقرير لما ذكرنا .
ثم قال المصنف رحمه الله :
( وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل : الإسلام ، والإيمان ، والإحسان )
هذه مراتب الدين ، فإذا قيل لك : ما مراتب الدين ؟ فقل : ثلاثة [الإسلام و والإيمان و والإحسان ] وذكر الإسلام لأنه هو الخطوة الأولى ثم يليه في الكمال الإيمان ثم المرتبة العليا الإحسان .
ثم قال رحمه الله :
( ومنه ) أي من الدين ( الدعاء ، والخوف ، والرجاء ، والتوكل ، والرغبة ، والرهبة ، والخشوع ، والخشية ، والإنابة ، والاستعانة ، والاستعاذة ، والاستغاثة ، والذبح والنذر ) ثم لما كانت كثيرة نبه على أن العبادة أنواع شتى قال رحمه الله ( وغير ذلك من أنواع العبادة )
كيف نعرف أنها عبادة ؟ ما ختام كلامه ؟ ( التي أمر الله بها ) وكل ما أمر الله به فهو عبادة ، صرف شيء مما أمر الله به يكون شركا ( كلها لله ) أي ما أمر الله به ( كلها لله سبحانه وتعالى ) .
ثم ذكر الدليل على كل نوع من أنواع هذه العبادة التي ذكرها قبل قليل.
، قال رحمه الله : ( والدليل ) أي الدليل على أن الدعاء عبادة ( قوله تعالى :{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً } الجن18)
وقد سبق الحديث عن هذه الآية فيما مضى مما ذكره المؤلف رحمه الله.
ثم قال رحمه الله : ( فمن صرف منها شيئا لغير الله فهو مشرك كافر ) .
والدعاء هنا / يشمل نوعي الدعاء ، فهناك دعاء عبادة ، وهناك دعاء مسألة .
فدعاء العبادة / مثل [ الصلاة ، والزكاة ، والصوم ] فهذه ونحوها أمثلة لدعاء العبادة .
أما دعاء المسألة فهو / كأن تقول : يا الله ارزقني ، رب ارحمني ، رب اغفر لي ، رب يسر لي أمري ، فما جاء بصيغة الدعاء فهو دعاء مسألة ، وما كان من عبادة يفعلها الإنسان فهو دعاء عبادة .
( والدليل ) أي الدليل الثاني على أن الدعاء نوع من أنواع العبادة ، ( قوله تعالى : { وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ }المؤمنون117 ) .
وذكر رحمه الله هذه الآية مع أن الآية الأولى كافية من باب تأكيد الأمر على أن ما يفعله كثير من الناس في هذا العصر وفي عصره رحمه الله من صرف الدعاء لغير الله أنه شرك بالله سبحانه وتعالى ، فقد أكثر من الأدلة على هذا النوع من أجل ماذا ؟ من أجل أن يبين ضلال وكفر من صرف هذا الدعاء لغير الله سبحانه وتعالى .
فقوله تعالى : { وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ } هذا شامل لكل مَنْ دعا مع الله من ذكر أو أنثى أو حُر أو عبد ، ثم قال { لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } أي لا دليل ولا حجة له على ذلك ، وهذا من باب بيان أن هؤلاء قد صرفوا عقولهم وأذهانهم عن الخير وإلا فإنه لن يأتي أحد ببرهان أو حجة على جواز صرف الدعاء لغير الله ، ثم قال { فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ } وهذا يدل على عِظم الوعيد فإن الله سبحانه وتعالى قد تكفل أو أرصد له عذابا شديدا ثم ختم الآية بقوله { إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } فدل على أن مَنْ دعا غير الله فإنه من الكافرين الذين لا يفلحون ، وهذه نقطة مهمة ينبغي لقارئ القرآن أن يتنبه إليها ، فإنه حينما يذكر الله سبحانه وتعالى حكما في أول الآية أو في آخر الآية فلتعلم أن لهذا الحكم متعلقا بما ذُكر ، فإنه لما قال { إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } استفيد من ذلك أن مَنْ دعا غير الله أنه كافر .
ثم قال رحمه الله :
وفي الحديث ( الدعاء مخ العبادة )
وهذا الحديث عند الترمذي ، والأصح والصواب في متن هذا الحديث ، لأن السياق المذكور هنا فيه ضعف ، فالسياق الصحيح ( الدعاء هو العبادة ) هذا هو الذي صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكأنه عليه الصلاة والسلام قال : إن العبادة هي الدعاء وأن الدعاء هو العبادة ، تصوروا لو أن شخصا صرف عبادة لغير الله يكون حكمه الكفر، كذلك من دعا غير الله ، فهو عليه الصلاة والسلام حصر الدعاء في كونه هو العبادة وأن العبادة هي الدعاء .
والدليل الرابع ، وهو يُعد دليلا ثالثا من كتاب الله عز جل على أن الدعاء عبادة
( والدليل : قوله تعالى : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } غافر60 ) .
فقوله سبحانه وتعالى { عَنْ عِبَادَتِي } أي عن دعائي ، ولعل المصنف رحمه الله ذكر الحديث قبل الآية من باب أن يُبين أن الحديث توافقه آية وهي الآية المذكورة ، فإنه لما ذَكَر في صدر الآية { ادْعُونِي } ماذا قال في ختامها؟{ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } ولم يقل [ عن دعائي ] فدل على أن الدعاء عبادة ، ثم بماذا حكم عليه ؟ { سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } يعني صاغرين محتقرين .