الشرح الموسع لثلاثة الأصول ـ الدرس الثاني والعشرون

الشرح الموسع لثلاثة الأصول ـ الدرس الثاني والعشرون

مشاهدات: 517

شرح ثلاثة الأصول موسع

تتمة أنواع العبادة وأدلتها ( 2 )

الأصل الثاني : معرفة العبد دينه

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله :

(( ودليل الاستعانة ))

الاستعانة :

هي الاعتماد على الله والثقة به

يقول شيخ الإسلام :

” تأملت أجمع وأنفع الدعاء فما رأيت أجمعه وأنفعه إلا دعاء  الله أن يعينك على عبادته

ثم تأملت هذا فوجدت في قوله :

(( إياك نعبد وإياك نستعين ))

فجمع بين العبادة والاستعانة

فأنت تستعين بالله على عبادته

 

قال المؤلف رحمه الله :

(( ودليل الاستعانة ))

ولذا يقول شيخ الإسلام : ” كل  معاني الكتب موجودة في ( إياك نعبد وإياك نستعين )

فالإنسان لا يستغني عن ربه طرفة عين :

ولذا كان الدعاء الذي أوصى به النبي عليه الصلاة والسلام هو الدعاء المشهور :

(( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ))

لأن الإنسان بحاجة ماسة إلى أن يعينه الله وأشرف  ما يعان عليه العبد هو أن يوفق إلى عبادة الله

ولذا قال رحمه الله :

” مناط سعادة الإنسان بعبادته لربه “

وكلما كان الإنسان لله أعبد كان في حياته أسعد “

وقد وجد هذا المعنى في عدة آيات :

قال تعالى :

(( فاعبده وتوكل عليه ))

قال  شعيب :

((وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ))

وقال يوسف :

((إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ))

فقوله : (( ودليل الاستعانة ))

أو كونها عبادة من العبادات لا  يجوز صرفها لغير الله

قوله : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } الفاتحة5

أصلها  : نعبدك

وأصلها  : نستعينك

فالعامل هو المقدم

لكن هنا قدم المعمول على العامل

والقاعدة المقررة في اللغة وقد سلفت الإشارة إلى هذه

وهي إذا قدم المعمول على العامل فإنه يفيد الحصر

المعمول : إياك

العامل : نعبد

وكذلك :

إياك هو المعمول

ونستعين هو العامل

فهنا حصر للعبادة لله

وحصر للاستعانة لله

فلا يجوز حينئذ أن تصرف هذه العبادة لغيرلله

ومما يقرر ما ذكره شيخ الإسلام من أن العبد محتاج إلى إعانة الله له على عبادته :

ما جاء  في الحديث  القدسي :

قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه فيما جاء في صحيح مسلم :

قال : ( (قسمت الصلاة ))

يعني : الفاتحة

وسميت الفاتحة بالصلاة لأهمية هذه السورة

وقد قال في حقها عليه الصلاة والسلام :

” لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب “

قال : ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل :

فإذا قال العبد : ((الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2} )) قال الله عز وجل : ” حمدني عبدي “

فإذا قال العبد  : ((الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} ))  قال الله عز وجل : أثنى علي  عبدي

فإذا قال : ((مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{4} ) ) قال الله عز وجل  : مجدني عبدي

فإذا قال : ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{5} )) قال : هذا بيني  وبين عبدي ولعبدي ما سأل

ما الذي لله ؟

العبادة

وما الذي للمخلوق ؟

وهو محتاج إليه :

الاستعانة

فإذا قال :

((اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7} ))

قال :  ( ( هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) )

ولذا أصبحت هذه السورة هي أعظم سورة في  كتاب الله

وقد تضمنت هذه السورة من الفوائد ما لا يحصر في هذا المقام

بل تضمنت أصول الدين:

من التوحيد

من إثبات الميعاد

من إثبات النبوة

من التحذير من طرق وسبل المنحرفين

فهذا دليل على أن الاستعانة عبادة لا يجوز صرفها لغيره عز وجل

وهذا دليل من كتاب الله

وقوله :

( (وفي  الحديث إذا استعنت فاستعن بالله ))

هذا حديث  ابن عباس وهو الحديث المشهور :

حينما  قال :

( (كنت رديف النبي عليه الصلاة والسلام فقال :  يا غلام ألا أعلمك كلمات ؟ احفظ الله يحفظك ))

الله جل  وعلا ليس  محتاجا إلينا حتى نحفظه

ولكن احفظ حدود الله وشرائع الله يحفظك الله

(( احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة إذا استعنت فاستعن بالله ))

فهنا حصر الاستعانة بالله

فهذا دليل  من السنة على أن الاستعانة عبادة لا  يجوز صرفها لغير الله

فمن صرفها لغيره فقد أشرك بالله

 

 

 

 

 

 

(( ودليل الاستعاذة ))

الاستعاذة :

هي  الالتجاء والاعتصام بالله من شيء تخافه

فهي التجاء إلى الله واعتصام به من شيء تخافه

وهي تفترق عن اللياذة

اللياذة بالله تتعلق بالمحبوب

وأما  الاستعاذة تتعلق بالمكروه

فإذاً:

ما كان مرغوبا فيه فيسمى لياذة

وما كان مكروها يسمى استعاذة

ولذا قال الشاعر :

يا من أعوذ به مما أحاذره

ومن ألوذ به فيما أؤمله

انظروا إلى التعبير اختلف هنا

فالاستعاذة عبادة لا يجوز صرفها لغيره عز وجل

وقد قال بعض العلماء :

أنه يجوز أن يستعاذ بالمخلوق  فيما يقدر عليه

ويستدل على ذلك:

أن المرأة المخزومية التي سرقت في غزوة الفتح استعاذت بأم سلمة

وقد قال عليه الصلاة والسلام في زمن الفتن : ( (من وجد مَعَاذا فليلتجئ به ))

فما يقدر عليه المخلوق يجوز أن يستعاذ به شريطة أن يكون معتقدا أنه سبب

فلا يفرغ قلبه لهذا المخلوق وإنما هو يعتصم به لكونه سببا ولو شاء الله لعطل هذا السبب

على كل حال :

الاستعاذة عبادة لا يجوز أن تصرف لغيره عز وجل

ودليل الاستعاذة قوله تعالى :

((قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ{1} ))

 و

((قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ{1} ))

هذا هو دليل الاستعاذة

هاتان السورتان قد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه ما  استعاذ مستعيذ ولا سأل سائل بمثلهما

وقد أرشد بعض الصحابة إلى أن يقرأها قال : (( اقرأها كلما قمت وكلما نمت ))

وكان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله من الجن وعين الإنسان

فلما نزلت هاتان السورتان أقبل عليهما وترك ما  سواهما

وموضع الشاهد :

((قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ{1} ))

قل :

أمر من الله للنبي عليه الصلاة والسلام أن يستعيذ به الذي هو رب الفلق

رب الصبح الذي يقهر الظلمة ويقهر أهلها من شياطين الإنس والجن

والسورة الأخرى : ((قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ{1} ))

فأمره الله أن يستعيذ به وهو رب الصبح ورب الناس

وأيضا من الأدلة التي ذكرها الماتن:

{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً }الجن6

يعني : كان الإنس إذا نزلوا بوادي استعاذوا بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه

فأنزل الله هذه الآية مبينا ان هؤلاء الجن قد أغووا هؤلاء الإنس و زادوهم رهقا وتعبا في أبدانهم وإثما ورجسا في قلبوهم ويوم القيامة يتبرأ بعضهم من بعض :

قال تعالى في سورة الأنعام :

{وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ }الأنعام128

وأيضا مما ذكره في كتاب التوحيد حديث خولة رضي الله عنها الثابت عند مسلم :

قال النبي : (( من نزل  منزلا فقال : أعوذ بكلمات الله التامات من  شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك ))

وهذا يدل على ان الاستعاذة عبادة لا  يجوز أن تصرف لغيره