الشرح الموسع لثلاثة الأصول ـ الدرس الحادي والأربعون

الشرح الموسع لثلاثة الأصول ـ الدرس الحادي والأربعون

مشاهدات: 430

شرح ثلاثة الأصول

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

ثم قال رحمه الله :

( فلما استقر في المدينة ، أُمر ببقية شرائع الإسلام : مثل الزكاة ، والصوم ، والحج ، والأذان ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وغير ذلك من شرائع الإسلام ، أخذ على هذا عشر سنين ) .

هذا يشير إلى أن الآيات المدنية تتحدث عن ماذا ؟ عن الشرائع ، والآيات المكية تتحدث عن العقائد ( فالشرائع مثل الزكاة ، والصوم ، والحج ، والأذان ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وغير ذلك من شرائع الإسلام ، أخذ على هذا عشر سنين )

أيهما أكثر في الدعوة ، دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد ، أم دعوته إلى الفروع في مكة؟ دعوته إلى التوحيد .

( وبعدها توفي ، صلاة الله وسلامه عليه ، ودينه باقِ وهذا دينه )

الإشارة هنا تعود إلى ماذا ؟ تعود إلى ما ذكره رحمه الله من ثلاثة الأصول وإلى فروعها ، ثم بيَّن صفة فيه عليه الصلاة والسلام دلَّت عليها آية سابقة وهي قوله تعالى { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } التوبة128 .

( لا خير إلا دلَّ الأمة عليه ، ولا شر إلا حذرها منه )

وأعظم هذا الخير ، قال رحمه الله :

( والخير الذي دلَّها عليه : التوحيد ، وجميع ما يُحبه الله ويرضاه )

( جميع ما يحبه الله ويرضاه ) تفسير لماذا ؟ تفسير لـ [ العبادة ] فالعبادة كما فسرها شيخ الإسلام رحمه الله [ اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ] .

( والشر الذي حذرها منه : الشرك وجميع ما يكرهه الله ويأباه ، بعثه الله إلى الناس كافة ، وافترض طاعته على جميع الثقلين الجن والإنس ).

فائدة عابرة [ والفوائد كثيرة لكني أختصر لأن الوقت مخصص في هذه المدة ، وإلا هذه الرسالة تحتاج إلى كثير وقت ]

لماذا سمي الإنس والجن بالثقلين ؟ لأنها تمر معنا في كتاب الله عز وجل فأحببت أن أبيِّن ما سبب تسمية هذين الصنفين بالثقلين ؟

قيل :  لأن لهما ثقلا في الأرض ، فلهما وزنها وقدرها ، ولذلك قال تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } الذاريات56 .

وقيل : لأنها أُثقِلا بالذنوب .

( والدليل ) على أن الله – سبحانه وتعالى – بعثه إلى الناس كافة                   ( قوله تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } الأعراف158) .

وأكد ذلك بقوله { جَمِيعا } تأكيد لهذا العموم السابق .

( وكمَّل الله به الدين ، والدليل: قوله تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } المائدة3 ) .

والكامل لا يزاد عليه ولا يُنقص منه ، فهو الاعتدال ، فمن انتقص من الدين شيئا فهذا مُعرض للوعيد ، ومن زاد في الدين شيئا فابتدع معرض للوعيد .

ثم مما يدل على فضل الإسلام أن الله – سبحانه وتعالى – قد رضيه لنا دينا ، فلماذا لا نراضاه لأنفسنا ؟!

ثم قال رحمه الله :

( والدليل على موته صلى الله عليه وسلم : قوله تعالى: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ{30} ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ{31}             [ الزمر : 30 ، 31] ) .

لماذا ذكر الدليل على موته ؟

الجواب :ليرد على أولئك الذين يتوسلون ويستغيثون بالرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنهم يقولون : ما مات ، ولذا ندعوه ، نستغيث به ، لأنه حي ، ونقول : قد كذبتم ، فإن القرآن نص على موته صلى الله عليه وسلم ، فهو ميت جثماني ، من حيث البدن ميت ، لكن من حيث الحياة البرزخية فإن له حياة برزخية لا نعرف كنهها ولا طبيعتها ، لكنه من حيث البدن ميت ، وقد تواتر النقل على موته عليه الصلاة والسلام .

ثم قال رحمه الله :

( والناس إذا ماتوا يُبعثون )

وهذا الإيمان به من الإيمان باليوم الآخر ، بل هو أعظم أجزاء الإيمان باليوم الآخر ، لم أعظم ؟ لأن كفار قريش أنكروه .

( والدليل : قوله تعالى :{ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } طه55 ) .

أي الدليل على أن الناس يبعثون إذا ماتوا قوله تعالى { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ } أي الأرض { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } بعد الموت { وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } يعني مرة أخرى للبعث والنشور والجزاء والحساب .

( وقوله تعالى : { وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً{17} ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً{18} [ نوح : 17، 18] ) .

دليل آخر على أن الناس إذا ماتوا يبعثون { وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً{17} ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا } إذا مُتُّم { وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً } .

ثم قال رحمه الله :

( وبعد البعث مُحاسَبُون ومجزيون بأعمالهم ، ) .

بمعنى أنهم إذا ماتوا فبعثوا لا يُتركون هملا ، بل يحاسبون كلٌ على حسب ما عمل وفعل .

( والدليل : قوله تعالى : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى } النجم31 ) .

الدليل على أنهم يحاسبون { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى } يعني بالجنة ،  فـ { ِالْحُسْنَى } هنا ( الجنة )  والأدلة على هذا كثيرة { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ{7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } .

( ومن كذَّب بالبعث كفر )

لم يكفر ؟ لأنه كذَّب بأصل من أصول الإيمان الستة .

( والدليل ) على أن من كذَِّب بالبعث كفر ( قوله تعالى : { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } التغابن7 ) .

أي إعادتكم وبعثكم يسير، هينٌ على الله – سبحانه وتعالى – وفي هذه الآية أمر – سبحانه وتعالى – النبي صلى الله عليه وسلم أن يُقسم به في تقرير وتحقيق البعث ، وقد أُمر عليه الصلاة والسلام بذلك في ثلاث آيات.

الآية الثانية : قوله تعالى { وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } يونس53 ،

الآية الثالثة : قوله تعالى في سورة سبأ { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ } سبأ3 .

لو سألت سؤالا : لماذا أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يُقسم به ثلاث مرات على تحقيق البعث ؟

الجواب / لعظم وأهمية الأمر .