الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
ثم قال رحمه الله :
( فلما استقر في المدينة ، أُمر ببقية شرائع الإسلام : مثل الزكاة ، والصوم ، والحج ، والأذان ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وغير ذلك من شرائع الإسلام ، أخذ على هذا عشر سنين ) .
هذا يشير إلى أن الآيات المدنية تتحدث عن ماذا ؟ عن الشرائع ، والآيات المكية تتحدث عن العقائد ( فالشرائع مثل الزكاة ، والصوم ، والحج ، والأذان ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وغير ذلك من شرائع الإسلام ، أخذ على هذا عشر سنين )
أيهما أكثر في الدعوة ، دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد ، أم دعوته إلى الفروع في مكة؟ دعوته إلى التوحيد .
( وبعدها توفي ، صلاة الله وسلامه عليه ، ودينه باقِ وهذا دينه )
الإشارة هنا تعود إلى ماذا ؟ تعود إلى ما ذكره رحمه الله من ثلاثة الأصول وإلى فروعها ، ثم بيَّن صفة فيه عليه الصلاة والسلام دلَّت عليها آية سابقة وهي قوله تعالى { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } التوبة128 .
( لا خير إلا دلَّ الأمة عليه ، ولا شر إلا حذرها منه )
وأعظم هذا الخير ، قال رحمه الله :
( والخير الذي دلَّها عليه : التوحيد ، وجميع ما يُحبه الله ويرضاه )
( جميع ما يحبه الله ويرضاه ) تفسير لماذا ؟ تفسير لـ [ العبادة ] فالعبادة كما فسرها شيخ الإسلام رحمه الله [ اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ] .
( والشر الذي حذرها منه : الشرك وجميع ما يكرهه الله ويأباه ، بعثه الله إلى الناس كافة ، وافترض طاعته على جميع الثقلين الجن والإنس ).
فائدة عابرة [ والفوائد كثيرة لكني أختصر لأن الوقت مخصص في هذه المدة ، وإلا هذه الرسالة تحتاج إلى كثير وقت ]
لماذا سمي الإنس والجن بالثقلين ؟ لأنها تمر معنا في كتاب الله عز وجل فأحببت أن أبيِّن ما سبب تسمية هذين الصنفين بالثقلين ؟
قيل : لأن لهما ثقلا في الأرض ، فلهما وزنها وقدرها ، ولذلك قال تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } الذاريات56 .
وقيل : لأنها أُثقِلا بالذنوب .
( والدليل ) على أن الله – سبحانه وتعالى – بعثه إلى الناس كافة ( قوله تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } الأعراف158) .
وأكد ذلك بقوله { جَمِيعا } تأكيد لهذا العموم السابق .
( وكمَّل الله به الدين ، والدليل: قوله تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } المائدة3 ) .
والكامل لا يزاد عليه ولا يُنقص منه ، فهو الاعتدال ، فمن انتقص من الدين شيئا فهذا مُعرض للوعيد ، ومن زاد في الدين شيئا فابتدع معرض للوعيد .
ثم مما يدل على فضل الإسلام أن الله – سبحانه وتعالى – قد رضيه لنا دينا ، فلماذا لا نراضاه لأنفسنا ؟!
ثم قال رحمه الله :
( والدليل على موته صلى الله عليه وسلم : قوله تعالى: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ{30} ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ{31} [ الزمر : 30 ، 31] ) .
لماذا ذكر الدليل على موته ؟
الجواب :ليرد على أولئك الذين يتوسلون ويستغيثون بالرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنهم يقولون : ما مات ، ولذا ندعوه ، نستغيث به ، لأنه حي ، ونقول : قد كذبتم ، فإن القرآن نص على موته صلى الله عليه وسلم ، فهو ميت جثماني ، من حيث البدن ميت ، لكن من حيث الحياة البرزخية فإن له حياة برزخية لا نعرف كنهها ولا طبيعتها ، لكنه من حيث البدن ميت ، وقد تواتر النقل على موته عليه الصلاة والسلام .
ثم قال رحمه الله :
( والناس إذا ماتوا يُبعثون )
وهذا الإيمان به من الإيمان باليوم الآخر ، بل هو أعظم أجزاء الإيمان باليوم الآخر ، لم أعظم ؟ لأن كفار قريش أنكروه .
( والدليل : قوله تعالى :{ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } طه55 ) .
أي الدليل على أن الناس يبعثون إذا ماتوا قوله تعالى { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ } أي الأرض { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } بعد الموت { وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } يعني مرة أخرى للبعث والنشور والجزاء والحساب .
( وقوله تعالى : { وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً{17} ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً{18} [ نوح : 17، 18] ) .
دليل آخر على أن الناس إذا ماتوا يبعثون { وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً{17} ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا } إذا مُتُّم { وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً } .
ثم قال رحمه الله :
( وبعد البعث مُحاسَبُون ومجزيون بأعمالهم ، ) .
بمعنى أنهم إذا ماتوا فبعثوا لا يُتركون هملا ، بل يحاسبون كلٌ على حسب ما عمل وفعل .
( والدليل : قوله تعالى : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى } النجم31 ) .
الدليل على أنهم يحاسبون { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى } يعني بالجنة ، فـ { ِالْحُسْنَى } هنا ( الجنة ) والأدلة على هذا كثيرة { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ{7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } .
( ومن كذَّب بالبعث كفر )
لم يكفر ؟ لأنه كذَّب بأصل من أصول الإيمان الستة .
( والدليل ) على أن من كذَِّب بالبعث كفر ( قوله تعالى : { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } التغابن7 ) .
أي إعادتكم وبعثكم يسير، هينٌ على الله – سبحانه وتعالى – وفي هذه الآية أمر – سبحانه وتعالى – النبي صلى الله عليه وسلم أن يُقسم به في تقرير وتحقيق البعث ، وقد أُمر عليه الصلاة والسلام بذلك في ثلاث آيات.
الآية الثانية : قوله تعالى { وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } يونس53 ،
الآية الثالثة : قوله تعالى في سورة سبأ { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ } سبأ3 .
لو سألت سؤالا : لماذا أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يُقسم به ثلاث مرات على تحقيق البعث ؟
الجواب / لعظم وأهمية الأمر .