الشرح الموسع لثلاثة الأصول ـ الدرس السادس عشر

الشرح الموسع لثلاثة الأصول ـ الدرس السادس عشر

مشاهدات: 429

شرح ثلاثة الأصول

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

ثم قال رحمه الله :

 ( والدليل ) على معرفة الرب وأنه أنعم علينا بالنعم ( قوله تعالى :{ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } الفاتحة2 ) 

الذي يُحمد هو الذي أسدى إليك الخير ويوصف بصفات الكمال التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم ، أحمد الله لم ؟ ما الذي في ختام الآية ؟ { رَبِّ الْعَالَمِينَ } لأنه رب العالمين ، كأنه يقول لماذا أحمده ؟ لأنه رب العالمين ، وهذه الآية ذكرت التوحيد بجميع أنواعه { الْحَمْدُ } يدل على توحيد الأسماء والصفات { للّهِ} يدل على توحيد الألوهية { رَبِّ الْعَالَمِينَ } يدل على توحيد الربوبية .

 

وأراد رحمه الله أن يفسر العالمين فقال :

( وكل ما سوى الله عالم ، وأنا واحد من ذلك العالم )

 

إذاً لما أنعم سبحانه وتعالى على العالمين ، العالمون مخلوقون أم خالقون ؟ مخلوقون ، إذاً ما سوى العالمين هو الإله سبحانه وتعالى ، فيكون كل ما سوى الله عالم ، إذاً كل ما سوى العالم هو الله، إذاً أيستحق أحد من هؤلاء العالمين أن يعبد وأن تصرف له العبادة ؟ لا والله لا يستحق لأنه مخلوق ، لأنه مُنعم عليه ، لأنه لا يعرف مصالحه مهما كانت المرتبة التي هو فيها حتى لو كان أعلم الناس ، حتى لو كان نبيا ، فمن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويستغيث به أو يأتي إلى الأولياء الصالحين ويستغيث بهم هذا كله من الشرك بالله سبحانه وتعالى ثم قال رحمه الله :

( فإذا قيل لك : بم عرفت ربك ؟ )

كما قلت لكم [ تلقين ]

( فقل : بآياته ومخلوقاته )

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه واحد

 

قال تعالى { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} لم ؟ { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }الذاريات49 ما الذي بعدها ؟ { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ } لا تفروا إلى غيره ، هو الواحد سبحانه وتعالى ، كل شيء يدل على الله سبحانه وتعالى .

( فقل : بآياته ومخلوقاته ، ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر) هي عبر ، ولذلك قلت لكم أقسم بالعصر لم ؟ لأنه محل الطاعات ، { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً } يخلف أحدهم الآخر ، لم ؟{ لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } الفرقان62 ، { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ } لمن ؟ { لِّأُوْلِي الألْبَابِ } إذا رأوها أكثروا من ذكر الله { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } آل عمران191، فليتأمل الإنسان إذا ذُكر الليل والنهار والشمس والقمر فلتعلم أن فيهما عبرة وعظة لك وهي تدل على الله سبحانه وتعالى الذي خلقها وأوجدها ، لو اختل الليل والنهار – سبحان الله – كيف ننام ؟! كم أعمارنا ؟ كل يحسب عمره ، هذا الليل والنهار لم يختلف ، يقصر أو يطول ؟ نعم ، يبرد  أو يحتر ؟ نعم ، لكن بانتظام ، مجيء الشمس ، ذهاب القمر ، وهكذا دواليك ، يدل على ماذا ؟ يدل على عظمة الله ، على أن لهذا الكون خالقا ،{ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }الأنبياء33 ، بانتظام .

( ومن مخلوقاته السماوات السبع ، والأرضون السبع ومن فيهن وما بينهما )

ولذلك ماذا قال سبحانه وتعالى ؟ { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }غافر57 ، فإذا ذُكر الشمس والقمر والليل والنهار والأرض والسماوات فلتعلم أن فيهما عبرة ، انظروا إلى السماوات السبع كيف رفعها من غير عمد وهي سقف للأرض ! والأرض كيف مدها وبسطها وجعلها سهلا ذلولا يستخرج منها الخير ، ينبت فيها الزرع والثمر ! انظروا إلى جبالها ، إلى أوديتها ، إلى سهولها ، إلى تنوع ألوان جبالها وحصاها ورملها وما شابه ذلك ، هذا كله يدل على أن هناك خالقا ورازقا وهو الله سبحانه وتعالى الذي يجب أن تُفرد العبادة له سبحانه وتعالى .

والدليل على أن هذه الآيات تدل على الله سبحانه وتعالى

( والدليل : قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } فصلت37 )

سبحان الله – مَنْ يعبد الشمس والقمر يندد بهم أشد التنديد هنا ، لم ؟ لأن الشمس والقمر يتغيران بحصول الخسوف والكسوف ، فيقول من يتغير ، من يزول نوره وضوؤه أيكون إلها ؟ أيعبد ؟ لا والله ، ولذلك ماذا قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام ؟ { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ} أي ذهب { قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ{76} لأن من يذهب ويزول ليس بإله .

ودليل آخر :

( { إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } الأعراف54) .

{ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } وهو قادر على أن يخلقها بكلمة { كُن }  لكنها عز وجل جعلها ستة أيام كما قال بعض العلماء من أجل أن يُعلِّم عباده كيف يترفقون ويتريثون ، فلا يكون المخلوق عجلا { خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ } الأنبياء37 .

{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } واستواؤه على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته جل وعلا .

والعرش : هو سرير المُلك له قوائم تحمله الملائكة ، وهو أكبر المخلوقات على الإطلاق ، وهو فوق السماء السابعة ، وقد استوى سبحانه وتعالى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته .

( يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ } يعني يغطي الليل النهار { يَطْلُبُهُ حَثِيثاً } كل واحد منهما يطلب الآخر حثيثا سريعا ، كأن الليل يقول للنهار سارع وقتي سيأتي وكأن النهار يقول له كذلك ،{ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً } بانتظام { وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ } مذللات تجري { فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ{15} الْجَوَارِ الْكُنَّس } تجري بانتظام ثم ما الذي بعد هذه الآيات والدلائل والبراهين الساطعة ؟ { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } فكل يُقر ، وقريش وكفارها يقرون بأن الله عز وجل هو الخالق ، قال تعالى { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ }الزخرف87 ، فإذا اعترفتم بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق ، إذاً هو الآمر ، وأمركم بعبادته { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ } ثم ختم الآية بقوله{ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } و{ تَبَاَرَك ] تدل على كثرة الخيرية وكثرة نعمه سبحانه وتعالى ، الذي أنزل من بركاته الشيء الكثير على خلقه ، على العالمين ، من هم العالمون ؟ كل ما سوى الله من أرض ومن شمس ومن بشر ومن حيات ومن حشرات .