شرح ثلاثة الأصول موسع
تتمة الأصل الأول :
معرفة العبد ربه (2 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله :
(( فإذا قيل لك : ما ثلاثة الأصول التي يجب على الإنسان معرفتها ؟ فقل : معرفة العبد ربه ودينه ونبيه ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لماذا خلق الله السموات والأرض في ستة أيام مع أنه قادر على أن يخلقها بكلمة كن ؟
قالوا : لتعليم الخلق على التؤدة والتأني
فهو تعليم منه لخلقه ولذا قال في آيات منها :
((سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ))
لما قالوا :
(({وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }
فهنا تعليم للخلق بأن يتخذوا التؤدة والترسل منهجا لهم والأدلة في هذا المعنى كثيرة
والمراد من هذا المعنى هو التريث
ولذا قال عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة من بينها :
(( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا ينزع من شيء إلا شانه ))
وقال عليه الصلاة والسلام : (( إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه ))
وقال عليه الصلاة والسلام:
(( التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة ))
وقال عليه الصلاة والسلام :
(( التأني من الله والعجلة من الشيطان ))
وقوله : (( في ستة أيام ثم استوى على العرش )):
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يفهم من هذا :
أن استواءه على العرش متى ؟
بعد خلقه للسموات والأرض
واستواؤه على العرش يليق بجلاله وعظمته
ولذ لما سئل الإمام مالك عن الاستواء : كيف استوى الله على العرش ؟
ارتعد الإمام مالك وتصبب عرقا من عظم وفظاعة هذا السؤال فأجاب بإجابة هذه الإجابة أصبحت قاعدة يسار عليها في باب الأسماء والصفات :
قال : ((الاستواء معلوم ، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب ، وما أراك إلا مبتدعا “فأمر أن يخرج من مجلسه .))
تعالوا : لنفهم معتقد أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات
قال : الاستواء معلوم :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني : معنى الاستواء معلوم في لغة العرب
الاستواء في لغة العرب :ارتفع وعلا
والكيف مجهولا :
يعني : كيفية استوائه جل و علا على عرشه مجهول
لا يظن ظانُّ أنه ليست هناك كيفية
لا
هناك كيفية
لكن لا نحيط بها ولا ندركها
ولذا :
نبعت طائفة هي من أشر الطوائف وهي المفوضة :
ما معتقد المفوضة ؟
يقولون : إن صفات الله لا كيف لها ولا معنى وقالوا : نحن أهل السنة نحن أهل القرآن
قالوا : لا معنى ولا كيف
وهذا مذهب باطل
لماذا كان باطلا؟
لأن الأخذ به يفضي إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة لا يفقهون معنى ما يقرءون
وهذا هو الجهل بعينه
لكن المعتقد الصحيح ما هو ؟
معرفة المعنى في أي صفة من صفات الله
والجهل بالكيف
الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب
يجب أن تؤمن بأسمائه وصفاته جل وعلا
والسؤال عنه بدعة :
السؤال عن الكيفية بدعة
لا تقل : كيف خلق الله كذا ؟
لا تقل : كيف استوى على العرش ؟
والسؤال عنه بدعة
لماذا كان بدعة ؟
لأنه لم يؤثر ذلك عن الصحابة الذين هم أحرص الناس على العلم والخير
ومع ذلك لم يؤثر ولم ينقل عنهم ولا كلمة واحدة في الكيفية
لم يصدر منهم سؤال أو جزء من سؤال للنبي عليه الصلاة والسلام في الكيفية مع أنهم أحرص الناس على الخير
فدل على أن السؤال عنه بدعة ليست على طريقة الصحابة
(( ولا أراك إلا مبتدعا ثم أمر به فأخرج ))
لماذا أمر به أن يخرج ؟
تعظيما وتفظيعا وتهويلا لما سأل عنه
فيكون بذلك رادعا لغيره وزاجرا له أن يسأل في المستقبل عن هذا الأمر
قال : (( ثم استوى على العرش )):
لا نريد أن نلج في معتقد السماء والصفات لأن هذا المتن يتعلق بتوحيد الألوهية
وإلا فالحديث عن هذا الجزء من هذه الآية قد يستمر بنا دروس
قال : ((ثم استوى على العرش ))
ما معنى الاستواء في اللغة ؟
علا وارتفع
ما هو العرش ؟
العرش : في اللغة هو سرير الملك
ولذا قال الهدهد : (( ولها عرش عظيم )) عن بلقيس
ومن مجموع ما جاءت به النصوص والآثار أن العرش :
هو سرير
له قوائم
تحمله الملائكة
ثقيل كما في الذكر المعروف : ((زنة عرشه ))
وهو كالقبة على العالَم
هو سقف المخلوقات
إذاً :
هو له قوائم
لماذا قلنا له قوائم ؟
لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأنه يوم القيامة يخرج من قبره فيرى موسى ماسكا بقائمة من قوائم العرش
قال جل وعلا : ( ( ثم استوى على العرش ))
سبحان الله !
هذا العرش آية عظيمة على عظم الله جل وعلا
قد جاءت الأحاديث بأن الكرسي ((وسع كرسيه السموات والأرض ))
الكرسي هذا هو موضع القدمين
وهو كما قال ابن عباس : كالمرقاة إلى العرش
وهذه الجملة من الآية لها اعتبار في موضع الاستدلال هنا :
فهذا الكرسي عند العرش كحلقة ألقيت في فلاة
لو أخذت حديدة وألقيتها في صحراء، هذه الحديدة كم تأخذ حيزا من هذه الفلاة ؟
شيء يسير جدا
هذا هو الكرسي عند العرش
ما رأيكم في هذه السموات وهذه الأرض التي لو سار الإنسان يطرق طريقا وهو مسافر ينظر إلى سعة هذه الأرض وامتداد هذه السماء
ولذا قال :
{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }
{أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا }
هذه السموات وهذه الأرضون هي عند الكرسي كحديدة ألقيت في صحراء
سبحان الله !
هذه السموات وهذه الأرضون عند الكرسي كحديدة ألقيت في صحراء
ما رأيكم في عظمة هذه السموات و الأرض أليست عظيمة دلت على عظم خالقها ؟
هي إذا قيست بالكرسي كحديدة ألقيت في صحراء
هذا الكرسي مع أنه أعظم من السموات والأرض عند العرش كحديدة ألقيت في صحراء
فما ظنكم بالخالق
ولذا قال :
((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ))
يعني :ما عظموا الله حق تعظيمه
((وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )) الزمر67
فإذاً :
ذكر العرش هنا أليس آية على عظم الله ؟
بلى
وقوله : ((يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ))
يعني : يغطي الليل بالنهار والنهار بالليل
((يَطْلُبُهُ حَثِيثاً ))
يعني : كل منهم يسارع الآخر بحيث يحل محله
ومع هذه السرعة الليل يطلب النهار والنهار يطلب الليل
يدخل هذا ويخرج هذا
ويأتي هذا ويذهب هذا دون أن يكون هناك ارتباك أو تبعثر في الكون
ألا يدل هذا الانتظام على ان هناك إلها مدبرا عظيما ؟
بلى
((وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الشمس سلطانها بالنهار
هذا القمر سلطانه بالليل
هذه النجوم التي ازدانت بها السموات والتي جعلها الله علامات يهتدي بها الناس وجعلها رجوما للشياطين وجعلها زينة للسموات
هذه تدل على عظم خالقها عز وجل
((وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ))
يعني :مذللات بأمر عز وجل
يعني :لا تأتي الشمس في سلطان القمر ولا القمر في سلطان الشمس إلا إذا أراد الله أن يختل هذا الكون وتقوم الساعة خرجت الشمس من مغربها
وقوله : ((أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخلق والأمر له جل وعلا
قال : (( إليه يرجع الأمر كله ))
ثم ماذا؟
قال : ( (فاعبده وتوكل عليه ))
فإذا كان الأمر كله يرجع إليه سبحانه ما الذي يلزمك ؟
أن تعبده
ولذا قال : ((أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ ))
يعني : من خلق هذه الأشياء العظيمة ؟
هو الله عز وجل
من له الأمر ؟
هو الله عز وجل
ثم قال بعدها :
(( تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني :كثرت بركات الله
وانظروا :
في مطلع الآية تقرير لتوحيد الألوهية عن طريق توحيد الربوبية آخر الآية كذلك :
ماذا قال ؟
((تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ))
أتى بلفظ الجلالة الله : وهو المألوه أي المعبود مع المحبة والتعظيم
لم ؟
انتم أيها المشركون تقرون أنه رب العالمين قريش يقرون بتوحيد الربوبية :
((وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ))
فإذاً :
إذا اعترفتم بأنه هو الخالق
فما الذي يلزمكم ؟
أن تعبدوه قال : ((تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ))
والعالمون هنا :
جمع عالم وهو كل ما سوى الله
وهنا العالمون يراد منها جميع المخلوقات من إنس وجن وحشرات وحيوانات وما شابه ذلك
فهؤلاء هم العالمون
وفيه فائدة هنا :
وهي تبارك :
ـــــــــــــــــ
تبارك هي لا تطلق إلا على الله
لا يقال : تباركت يا فلان
يصح أن تقول إذا زارك إنسان أن تقول : زارتنا البركة
لا مانع من ذلك بشرط : أن يكون هذا المخاطب أهلا في ديانته بحيث إذا غشى هذا المكان وجدت بركة في هذا المكان
هذه البركة ليست من ذاته ، وإنما من علمه ، من توجيهه ، من نصحه
هذا هي البركة
أما أن يقال : زارتني البركة – لأن البركة في ذاته فهذا لا يجوز
وإنما المقصود : أن بمجيء هذا الرجل حصل نفع وحصلت بركة
والدليل :
ان أسيد بن حضير لما نزلت آية التيمم بسبب ضياع عقد عائشة قال أسيد بحضرة النبي عليه الصلاة والسلام : ((ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر ))
فإذاً :
يتنحى عن أن يتلفظ الإنسان لقوله لشخص : تباركت أو تبارك فلان
قال العلماء : تبارك على وزن تفاعل
يعني : كثرت منه البركة
هذه لا تطلق إلا على الله عز وجل