الشرح الموسع لدليل الطالب ـ الدرس ( 11 )

الشرح الموسع لدليل الطالب ـ الدرس ( 11 )

مشاهدات: 523

شرح ( دليل الطالب لنيل المطالب )

الدرس ( 11)

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

قال الماتن رحمه الله :

( باب الوضوء : وتجب في التسمية ، وتسقط سهوا ، وإن ذكرها في أثنائه ابتدأ )

الشرح :

لما ذكر رحمه الله أقسام المياه التي هي سبيل إلى الوضوء ، ذكر الوضوء .

ومذهب الإمام أحمد رحمه الله أن الوضوء له واجب واحد وهو ( التسمية ) لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ) وهذا الحديث اختلف العلماء في تحسينه و تضعيفه ، فالجمهور يرون أنه ضعيف ، ولذا فإنهم لا يرون  الوضوء واجبٌ ، فليست التسمية عندهم واجبة ، إنما هي من السنن ، ولكن خليق بالمسلم أن يحرص على التسمية قبل الوضوء خروجا من خلاف هؤلاء العلماء ، وخروجا مما ذهب إليه بعض العلماء من أن الحديث حسن .

( وتسقط سهوا ) هذا بناء على ما ذهبوا إليه ، بينما الجمهور يرون أنها سنة ولا حاجة إلى مثل هذا الكلام .

لكن لو أنها واجبة كما ذهب إلى ذلك الماتن رحمه الله فتركها الإنسان سهوا ، أيصح وضوؤه ؟ يقول نعم يصح وضوؤه ، لم ؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .

( فإن ذكرها في أثنائها ابتدأ ) إن تركها سهوا حتى فرغ من الوضوء فإنه وضوءه صحيح ولا يلزمه أن يعيد هذا الوضوء ، لكن لو ذكرها في ثناياه بمعنى أنه قبل أن يفرغ من الوضوء تذكر أنه لم يسم ، فماذا يصنع فهل يبتدأ من جديد ، أم أنه يستمر ويسمي ويبني على ما سبق ؟ اختلف فقهاء الحنابلة في هذا ، فمنهم من ذهب إلى إعادة الوضوء كما ذكر الماتن ، ومنهم من قال لا يعيد وإنما يسمى ويبني على ما سبق .

قال رحمه الله :

( وفروضه ستة : غسل الوجه ، ومنه المضمضة والاستنشاق ، وغسل اليدين مع المرفقين ، ومسح الرأس كله ومنه الأذنان ، وغسل الرجلين مع الكعبين ، والترتيب والمولاة )

الشرح :

لما ذكر رحمه الله واجبات الوضوء ، وهي واجب واحد ، ذكر فروض الوضوء ، وكما قلت لكم الجمهور لا يرون أن هناك واجبات للوضوء ، وفروض الوضوء أعظم من الواجبات ، لأن الفرض لا يسقط ، بينما الواجب كما ذهب إلى ذلك الماتن يسقط عند النسيان ، أما هذه الفروض فلا تسقط ، وهي ستة ( غسل الوجه ) لقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ }

( ومنه المضمضة  والاستنشاق ) أي من الوجه ، فدل على أن المضمضة والاستنشاق داخلان ضمن الوجه ، خلافا لما ذهب إليه بعض العلماء من أن المضمضة تسقط وكذلك الاستنشاق بناء على أنهما سنة ، ولكن الصواب أنهما فرض لأنهما دخلان في الوجه ، ولذلك الصائم يتمضمض ويستنشق فلو لم يكونا من الوجه لبطل صيامه ، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كما في السنن ، قال ( إذا توضأ أحدكم فليمضمض ) وفي حديث آخر ( إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ) فهذه أدلة تدل على وجوب المضمضة والاستنشاق .

( وغسل اليدين إلى المرفقين ) لقوله تعالى { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِق}

و{ إِلَى } بمعنى ( مع ) ما الذي فسرها لنا ؟ فسرها الرسول صلى الله عليه وسلم بفعله ، فإنه كان يغسل المرفقين مع اليدين .

( ومسح الرأس كله ومنه الأذنان ) لقوله تعالى { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ } والباء : للإلصاق وليست للتبعيض ، ولذا استقر فعل النبي صلى الله عليه وسلم على تعميم مسح الرأس ولم يقتصر على بعضه ، ومن الرأس (الأذنان) ، لحديث وإن كان فيه مقال ( الأذنان من الرأس ) ولحديث آخر صحيح ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر فضل الوضوء وان الخطايا تتناثر من المتوضأ ، قال ( فإذا مسح رأسه خرجت خطاياه حتى تخرج من أذنيه ) فدل على أن الأذنين من الرأس ) فتمسحان ، خلافا لمن قال إن مسحهما سنة ، فالصواب أن مسحهما فرض كما أن مسح الرأس فرض .

( وغسل الرجلين مع الكعبين ) لقوله تعالى { وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ }

أي مع الكعبين ، لماذا قلنا مع الكعبين ؟ لأن السنة من فعله عليه الصلاة والسلام بينت ذلك .

( والترتيب ) فرض من فروض الوضوء ، فلا يقدم عضوا على عضو ، فلا يقدم غسل اليدين على غسل الوجه ، وإنما كما جاء مرتبا في كلام الله ، وكذلك الفعل المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك إدخال الله سبحانه وتعالى الممسوح بين المغسولات ، فجعل الرأس بين المغسول والمغسول ، وهذا كما قال العلماء لا يتناسب من حيث البلاغة ، فمن حيث البلاغة يؤتى بالشيء المتناسق بعضه يتلو بعضا ، لكن لماذا أدخل الممسوح هنا في ثنايا المغسول ؟ ما وجد العلماء فائدة لذلك إلا لأن الترتيب فرض من فروض الوضوء .

( والموالاة ) فإن غسل عضوا وتركه ثم بعد حين من الزمن غسل العضو الذي يليه لم يصح وضوؤه ، فلابد أن يوالي بين أعضائه ، وأن يواصل غسلها ، وهذا هو الصواب خلافا لمن زعم أن المولاة سنة ، والدليل على ذلك ما جاء في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما وجد في رجل قدم لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء ، أمره أن يعيد الوضوء ) فلو لم تكن الموالاة فرضا لأمره أن يغسل هذا الموضع فقط ، لا سيما وأنه في القدم ، في آخر عضو من أعضاء الوضوء ، فلما أمره بإعادة الوضوء ، دل على أن الموالاة فرض من فروض الوضوء .

قال رحمه الله :

( وشروطه ثمانية : انقطاع ما يوجبه ، والنية ، والإسلام ، والعقل ، والتمييز ، والماء الطهور ، وإزالة ما يمنع وصوله ، والاستنجاء أو الاستجمار )

الشرح :

لما ذكر رحمه الله الفروض ذكر الشروط ، فذكر الشرط الأول :

( انقطاع ما يوجبه ) فلو توضأ والحدث مستمر معه ، فلا يصح وضوؤه ، فلو توضأ والريح تخرج منه ، فإن هذا الوضوء لا يصح ، فلابد أن ينقطع موجب الوضوء ،اللهم إلا إذا كان به سلس بول أو سلس ريح ، فهذا له حكم آخر سيأتي بيانه إن شاء الله .

( والنية ) لابد من النية ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( إنما الأعمال بالنيات )

( والإسلام ) الإسلام شرط من شروط صحة العبادة ، قال تعالى { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ }التوبة54، فالكفر مانع من قبول العبادة .

( والعقل ) فالمجنون لو توضأ لم يصح وضوؤه ، فمثلا لو أن مجنونا توضأ في زمن جنونه الوضوء الشرعي ، ثم لما فرغ من الوضوء عاد إليه عقله ، فوضوؤه غير صحيح ، لأن من شروط صحة العبادة أن يكون الإنسان عاقلا ، وكذلك الشأن في المهذري الذي ذهب عقله من كبار السن ، فحكمه كحكم المجنون .

( والتمييز ) فما دون سبع سنين لو توضأ فإن وضوءه غير صحيح ، وهذه الشروط الثلاثة ( الإسلام والعقل والتمييز ) تشترط في جميع العبادات ، ما عادا الحج ، فإن التمييز غير مشترط ، فلو أن صبيا حُج به وعمره سنة أو سنتان أو شهر أو شهران صح حجه و صحت عمرته ، فيشترط في جميع العبادات الإسلام والعقل والتمييز ، إلا أن الحج مستثنى في التمييز فقط .

( والماء الطهور المباح ) فلو توضأ بماء مغصوب أو مسروق كما سبق في كلام الماتن ، فإن وضوءه غير صحيح ، وقد وضحنا أن الراجح خلاف ما ذهب إليه رحمه الله .

( وإزالة ما يمنع وصوله ) وإزالة ما يمنع وصول الماء ، فلو أن هناك جرما على عضو من أعضاء الوضوء يمنع وصول الماء إلى البشرة ،فإن الوضوء غير صحيح ، والمقصود إذا كان له جرم ، أما إذا كان لونا ، كأن تضع المرأة حناء ، أو أن يتلطخ إنسان بلون الأقلام في يده ، فإنها غير مؤثرة لأنه لا جرم لها ، أما إذا كان لها جرم ، كالبوية ونحوها ، فإنها تمنع صحة الوضوء ، اللهم إلا إذا كان شيئا يسيرا ، فالشيء اليسير لا بأس به ولا يمنع صحة الوضوء ، وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم كانت تجتمع أوساخ تحت أظفارهم وما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرهم بإزالة هذا الشيء ، وما كانوا يتعاهدونه ، فدل على أن الشيء اليسير مغتفر في مثل هذا الحال .

( والاستنجاء أو الاستجمار ) يلزم أن يسبق الوضوء استنجاء أو استجمار ، فلو أنه بال أو تغوط ثم لم يستنج ولم يستجمر ، شرع في الوضوء ، هل يصح ؟ مع أنه سيغسل هذا الموضع بعد ذلك ، هل يصح وضوؤه ؟

قال بعض العلماء / نعم يصح وضوؤه .

لو قال قائل : كيف يصح وضوؤه وهو سيلمس ذكره ؟

قالوا : يمكن أن يغسل ذكره وذلك بأن يصب عليه من الإناء .

والقول الآخر وهو ما ذهب إليه الماتن رحمه الله : من أن وضوءه غير صحيح ، فلابد أن يسبق الوضوء استجمار أو استنجاء ، والأقرب ما ذهب إليه الماتن رحمه الله .

الأسئلة :

س1 : ما هو ضابط الموالاة ؟

ج1 : قال بعض العلماء هي مربوطة بالعرف .

وقال آخرون : هي ألا يؤخر غسل عضو حتى ينشف العضو الذي قبله بزمن معتدل ، بمعنى أنه لو غسل وجهه ثم جلس مدة فنشف الماء الذي على وجهه ثم غسل يديه ، نقول لم يصح وضوؤه ، هذا في زمن معتدل ، لأن في الشتاء ربما لو مكث الإنسان خمس دقائق ما نشف ، بينما في الصيف وشدة الحرارة يمكن لو مكث نصف دقيقة أو أقل نشف ، فنقول بزمن معتدل .