الشرح الموسع لدليل الطالب ـ الدرس ( 2 )

الشرح الموسع لدليل الطالب ـ الدرس ( 2 )

مشاهدات: 583

شرح ( دليل الطالب لنيل المطالب )

الدرس الثاني

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المؤلف رحمه الله :

( والثاني : طاهر يجوز استعماله في غير رفع الخبث وزوال الخبث ، وهو ما تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر ، فإن زال تغيره بنفسه عاد إلى طهوريته )

الشرح :

ذكر المؤلف رحمه الله القسم الثاني من أقسام المياه ، وهو ( الطاهر ) وقد أسلفنا القول من أن الطاهر لا وجود له في نصوص الشرع ، ومن ثمَّ لو أن الماء قد سقط فيه شيء طاهر فغير لونه أو ريحه أو طعمه وبقي مسمى الماء عليه ، فإنه طهور ، فلو سقطت فيه أوراق الشجر أو سقط فيه مشروب أو صابون ، فأصبح مسمى الماء موجودا ، فإنه طهور ، يرفع الحدث ويزيل الخبث .

قال رحمه الله :

( ومن الطاهر : ما كان قليلا واستعمل في رفع الحدث ، أو انغمست فيه كل يد المسلم المكلف ، النائم ليلا نوما ينقض الوضوء ، قبل غسلها ثلاثا بنية وتسمية ، وذلك واجب )

الشرح :

( ومن الطاهر : ما كان قليلا واستعمل في رفع الحدث ) هذا على ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، من أن الإنسان لو توضأ عن حدث ، هو محدث فتوضأ ، فهذا الماء المتناثر والمتساقط من أعضاء الوضوء ، لو تساقط في إناء لا يحق ولا يجوز لإنسان أن يتوضأ منه ، لأن هذا الماء قد استعمل في طهارة سابقة .

لكن الصواب : صحة الوضوء به ، لعدم الدليل .

( أو انغمست فيه كل يد المسلم المكلف ) وكذلك من أنواع القسم الطاهر كما ذهب إليه رحمه الله ، من أن الإنسان لو قام من نوم الليل فغمس يده في الإناء ، فإن هذا الماء يكون طاهرا ، لمَ لمْ يكن نجسا ؟ قالوا : لأنا لا نتيقن أن النجاسة وقعت فيه ، ولكن ربما يكون هناك شيء قد وقع فيه لوجود أشياء في اليد ، فنحكم عليه أنه طاهر .

والصواب : أنه طهور ، فلو أن الإنسان غمس يده بعد الاستيقاظ من النوم ، الصحيح أنه طهور ، ولكن أيجوز له هذا الفعل قبل أن يغسل يديه ثلاثا ؟

خلاف بين العلماء : قال بعض العلماء : مكروه .

وبعضهم قال : يحرم أن يغمس يده ، يعني ( كفه ) في الإناء إذا استيقظ من نوم الليل ، وكذلك من نوم النهار عند بعض العلماء ، فكل نوم ينقض الوضوء ، يحرم عليه أن يغمس يده في الإناء بعد هذا الاستيقاظ .

والصواب حتى لا يتشعب القول : أنه يحرم أن يغمس يده في الإناء بعد الاستيقاظ من نوم الليل فقط ، أما نوم النهار فيستحب له ، فليس واجبا ، لأن الأدلة الكثيرة جاءت بذكر الليل ، وبذكر البيتوتة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم والبخاري بنحوه ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا ، فإنه لا يدري أين باتت يده ) ولذلك ذكروا رحمهم الله بعض الأوصاف والقيود في هذه المسألة ، وبعضها لا دليل عليه .

( أو انغمست فيه كل يد المسلم المكلف ) يعني لو أن مجنونا أو صبيا لم يبلغ غمس يده في الإناء ، فلا يدخل ضمن هذا الحكم .

( النائم ليلا ) ذكر النوم ليلا ، لأن بعض العلماء يرى أن نوم النهار داخل ، والذي يظهر أن نوم النهار ليس بداخل .

( نوما ينقض الوضوء ) أما لو كان نوما يسيرا ، فإنه لا يدخل ضمن هذا الحكم ، لأنه لم يستغرق في نومه .

( قبل غسلهما ثلاثا ) فلابد أن يغسلها ثلاثا .

( بنية وتسمية ) ولا دليل على ذلك ، لكن النية مُطالب بها العبد حتى يثاب على ذلك ، امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر .

(  وذلك واجب )  وهذا على القول الراجح .

ثم قال رحمه الله :

( الثالث : يحرم استعماله إلا لضرورة ، ولا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث ، وهو ما وقعت فيه نجاسة وهو قليل ، أو كان كثيرا وتغير بها أحد أوصافه )

الشرح :

هذا هو القسم الثالث من أقسام المياه وهو ( النجس ) والصواب كما سبق أن الماء قسمان [ طهور ، ونجس ] فهذا النجس لا يزيل الخبث ولا يرفع الحدث ، وهذا كما قال رحمه الله ، وهو الصواب .

( إلا لضرورة ) فإن كانت هناك ضرورة ، كأن يحتاج الإنسان إلى أن يداوي جرحه وليس عنده ماء ، وهذه الجروح تحتاج إلى ماء ، أو عطش فخشي أن يهلك فشرب من هذا الماء ، فلا بأس بذلك لأن الله عز وجل أباح المحرم عند الضرورة ، أما في حال السعة فلا .

( وهو ما وقعت فيه نجاسة وهو قليل ، أو كان كثيرا وتغير بها أحد أوصافه ) هو رحمه الله يرى أن الماء النجس يحصل بأمرين .

الأمر الأول : أن يكون الماء قليلا فوقعت فيه نجاسة ، فيقول متى ما وقعت النجاسة في هذا الماء إذا كان قليلا ، فإنه يكون نجسا ، سواء تغيرت أوصافه أو لم تتغير ، والماء القليل ( هو ما دون القلتين ) لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ) كما في السنن .

والقلة : يمكن تصل إلى قربتين أو ما يقارب ذلك .

فهذا هو الماء القليل ، إما إذا بلغ قلتين فأكثر ، فهذا هو الماء الكثير ، فهذا الماء الكثير الذي بلغ قلتين فأكثر ، لو وقعت فيه النجاسة ، ننظر هل هذه النجاسة غيرت أوصافه ، إما أن تغير ريحه أو لونه أو طعمه ، فهنا نحكم بأنه نجس ، أما إذا لم تغير أحد أوصافه ، فإنه يعد طهورا ، وليس المقصود أن تجتمع هذه الأوصاف الثلاثة – كلا – فلو تغير وصف واحد حكمنا عليه بأن نجس .

والصواب : الذي عليه المحققون كشيخ الإسلام رحمه الله ، أن الماء سواء كان قليلا أم كثيرا إذا وقعت فيه النجاسة لا ينجس إلا إذا تغيرت أحد أوصافه ، إما اللون وإما الطعم وإما الريح ، لأنه جاء في السنن قول النبي صلى الله عليه وسلم ، لما سئل عن بئر بضاعة وما يلقى فيه من لحوم الكلاب والنتن ، قال ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء )

فإذاً : خلاصة القول : أن الماء طهور والأصل فيه الطهورية ، فإذا وقعت فيه النجاسة فلم تغير أحد أوصافه ، فهو ماء طهور ، سواء كان الماء دون القلتين أو بلغ القلتين أو أكثر .

قال رحمه الله :

( فإن زال تغيره بنفسه ، أو بإضافة طهور إليه ، أو بنزح ويبقى بعده كثير ، طهر )

الشرح :

ذكر رحمه الله هنا كيفية تطهير الماء النجس .

الحالة الأولى : ( فإن نزال تغيره بنفسه ) دون أن يكون هناك فعل للعبد ، كان نجسا لوقوع النجاسة فيه ، فزالت هذه النجاسة ، تبخرت أو تحللت ، المهم أن الماء عاد إلى طهوريته ، إذاً هو طهور .

الحالة الثانية : ( أو بإضافة طهور إليه ) يمكن أن نطهر الماء النجس بأن نضيف إليه ماء كثيرا طهورا ، فإن الماء النجس إذا زيد عليه من الماء الطهور الكثير ، فإنه يزيل نجاسته .

الحالة الثالثة ( أو بنزح منه ويبقى بعده كثير طهر ) ألا نضيف إليه شيئا ، وإنما ننزح النجاسة عنه ، بمعنى أن نزيل النجاسة عنه ، فنأخذ آنية ونزيل هذه النجاسة ، فيقول : إذا أزيلت النجاسة وزالت أوصافها ، هنا يعد طهورا ، بشرط : أن يبلغ حد الكثير، ما هو الكثير ؟ من قلتين فأكثر ، لكن إذا نزحنا هذه النجاسة وأصبح هذا الماء طهورا ، لكنه دون القلتين ، فيرى رحمه الله أنه نجس ، لأنه قليل .

والصواب : أنه طهور، فبما أن النجاسة زالت عن هذا الماء ، سواء كان قلتين أو أكثر أو دون ، فإنه يعد طهورا .

ما هو مقدار الماء الكثير ؟

 

قال رحمه الله :

( والكثير : قلتان تقريبا ، واليسير : ما دونهما ، وهما : خمسمائة رطل بالعراقي ، وثمانون رطلا وسبعان ونصف سبع رطل بالقدسي ، ومساحتهما : ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا )

الشرح :

ثم ذكر رحمه الله أن الكثير ( قلتان ) ما الدليل ؟ قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ) ومقصود النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الحديث أن الغالب في الماء إذا بلغ هذا الحد عدم تأثير النجاسة فيه ، فمثل هذا الماء إذا بلغ هذا المقدار ، الغالب فيه إذا وقعت فيه النجاسة أنها لا تؤثر فيه ، كما أن الغالب في الماء القليل أن النجاسة تؤثر فيه ، هذا هو الغالب

( واليسير ما دونهما ) فما دون القلتين يعد يسيرا ، متى ما وقعت النجاسة فيه تنجس على رأي المؤلف رحمه الله .

ثم ذكر رحمه الله مقدار ذلك بالأرطال العراقية القديمة ، كانوا يزنون ذلك بأوزان وأرطال عراقية ، قد لا نستفيد منها في هذا العصر لأنها غير معروفة لدينا .

ثم قال رحمه الله :

( فإن كان الماء الطهور كثيرا ولم يتغير بالنجاسة ، فهو طهور ولو مع بقائها فيه ، وإن شك في كثرته فهو : نجس )

الشرح :

نعم ، إذا كان الماء كثيرا ، ما هو أقل الكثير ؟ قلتان ، فلو أن النجاسة وقعت في هذا الماء الكثير من قلتين فأكثر ، فلم تؤثر هذه النجاسة فيه ، فأصبحنا نراها في الماء ، ولكن لم تؤثر فيه ، نقول : طهور ، يرفع الحدث ويزيل الخبث ، لأن المعول عليه هو الماء بقطع النظر عن هذه النجاسة ، لأن النجاسة وجودها كعدمها ، فلم تؤثر في الماء .

( وإن شك في كثرته فهو نجس ) هذا بناء على ما ذهب إليه رحمه الله من أن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه ، والماء الكثير لا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه ، يقول لو أنه شك هل هذا الماء قلتان أم أقل من القلتين ؟ ما يدري ، شك في ذلك ، فيرى رحمه الله أنه نجس ، لأن القاعدة الشرعية [  إذا اجتمع مبيح وحاظر ، غلب جانب الحاظر ] لأن الحاظر هو الممنوع ، فلما اختلط ولم نعلم ، فهنا يتركان  ، ولهذه القاعدة أمثلة كثيرة : لو أن امرأة قالت أرضعتك يا فلان مع بنتي إحداهما أخته ، فماتت هذه المرأة ، ولا يدري ، ويريد أن يتزوج من هذه العائلة ، فهنا إحداهما أخته والأخرى ليست أخته ، فماذا يفعل ؟ يتركهما ، وهذه القاعدة لها أمثلة كثيرة ، ولكن هل كلامه يمشي على ما رجحناه ؟ لا ، لأننا قلنا : إن الماء قل أم كثر إذا وقعت فيه النجاسة لا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه ، ما هي أوصافه ؟ الطعم أو الريح أو اللون .

 

قال رحمه الله :

( وإن اجتمع ما تجوز به الطهارة لما لا تجوز ، لم يتحر ، ويتمم بلا إراقة )

الشرح :

مثال ذلك : لو كان عنده إناءان يعلم أن أحدهما طهور والآخر نجس ، ولا يدري ، اشتبه عليه الأمر ، لكنه موقن أن أحدهما طهور والآخر نجس، هل يستعملهما متحريا أم لا ؟

يقول المؤلف رحمه الله : لا يتحر ، بل عليه أن يتيمم ، لكن لو تيمم هل يلزمه قبل التيمم أن يريقهما حتى يصدق عليه أنه عادم للماء ؟ لأن التيمم لا يصح مع وجود الماء إذا كان يقدر عليه { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ }المائدة6 ، فهل يلزمه أن يريقه قبل أن يتيمم حتى يصح تيممه ؟ لا يلزمه ، لأنه يريد أن يرد على بعض العلماء الذين قالوا يلزمه ، حتى يصدق عليه أنه عادم للماء .

والصواب في هذه المسألة : أنه يتحرى ، فمتى ما اشتبه عليه يتحرى ، ينظر ويغلب ، ربما يكون هذا ، وربما يكون هذا ، فإذا تحرى وغلب على ظنه ، يعمل بالتحري ، لأن التحري أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة – في سجود السهو – فيما لو أن الإنسان اشتبه عليه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم – كما سيأتي معنا إن شاء الله وسنبينه – أمر بالتحري ، بأن يرجح المصلي أحد الطرفين على الآخر .

قال رحمه الله :

( ويلزمُ من علم بنجاسة شيء إعلامُ من أراد أن يستعمله )

الشرح :

هذا واجب ، فإذا علمت أن هناك ماءً نجسا ، فأراد أحدٌ أن يستعمله ، فعليك أن تبين له ، وأن تخبره ، لقوله عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم ( الدين النصيحة ) فهذا واجب شرعي .