الشرح الموسع لدليل الطالب ـ الدرس ( 7 )

الشرح الموسع لدليل الطالب ـ الدرس ( 7 )

مشاهدات: 436

شرح ( دليل الطالب لنيل المطالب )

الدرس السابع

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

قال رحمه الله :

فصل

( يسن لداخل الخلاء : تقديم اليسرى ، وقول ” بسم الله ” ، ” أعوذ بالله من الخبث والخبائث ”

وإذا خرج قدم اليمنى ، وقال ” غفرانك ” ، ” الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ” )

الشرح :

يستحب لمن دخل الخلاء أن يقدم رجله اليسرى ، لما ورد من حديث عائشة وحفصة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت يمينه لأكله وشربه وأخذه وإعطائه ، وكانت يديه الأخرى لما سوى ذلك ) فأخذ العلماء من هذا الحديث ومن غيره أن اليمين تقدم لما من شأنه التكريم ، واليسرى لما سوى ذلك ، فهو حينما يدخل الخلاء شيء مكرم أو غير مكرم ؟ غير مكرم ، فيقدم اليسرى .

ويستحب أيضا أن يقول ” بسم الله ” قبل دخوله ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخلوا الكنيف أن يقولوا بسم الله )

وكذلك يستحب له أن يقول ” أعوذ بالله من الخبث والخبائث ” كما جاء في الصحيحين ، وهل يقال هذا الذكر في الصحراء كما يقال عند إرادة الدخول للخلاء ؟ فهذه الأذكار تقال قبل الدخول ، لأن ذكر الله سبحانه وتعالى لا يكون في مثل هذه المواطن ، لكن هل يقال حينما يريد الإنسان أن يقضي حاجته في الصحراء ؟ نعم يستحب له ذلك ، لورود بعض الروايات كما في الأدب المفرد للبخاري ( إذا أتى أحدكم إلى الخلاء ) وهذا شامل للصحراء وللبنيان .

فنخلص من هذا أن قول ” بسم الله ” بمثابة الساتر بين عوراتنا وبين أعين الجن ، وقول ” أعوذ بالله من الخبْث والخبائث ” ويصح بضم الباء ” أعوذ بالله من الخبُث والخبائث ” فالخبُث ” بالضم ، ذكران الشياطين ، و” الخبائث ” إناثهم .

وإن قلت ” الخبث ” بإسكان الباء ” فالخبث ” هو الشر ، ” والخبائث ” يطلق على الشياطين ذكرانهم وإناثهم .

وإذا خرج سيخرج إلى مكان مكرم ويدع مكانا غير مكرم ، فحق اليمين هنا أن تقدم ، لأنها تقدم إلى ما من شأنه التكريم .

ويقول إذا خرج ( غفرانك ) أي اغفر غفرانك ، أو نسألك غفرانك ، يصح على الوجهين ، إما على المصدرية وأما على المفعولية .

ولماذا يقول غفرانك ؟

قال بعض العلماء : لأنه عاجز على أن يشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة إذ سهَّل له هذا الطعام ويسره له ثم يسر له خروجه ، وهذه من أكبر النعم ، ولا يشعر بها إلا من افتقدها ، لأن هناك أناسا لا يتمكنون من إخراج فضلاتهم من طرقها المعتادة ، وإنما بأنابيب ، فالمعافى يحمد لله سبحانه وتعالى ، ولذلك علي رضي الله عنه لما خرج في يوم من الأيام من الخلاء ( مسح بيده على بطنه ، وقال يا لها من نعمة ولو كان العباد يعلمون شكرها ) وبالفعل ممكن يقضي الإنسان كما هو مشاهد ساعتين أو أكثر في غسل الكلى من أجل أن ينظف الأوساخ التي في بدنه ويخرج بعدها وهو ضعيف البدن ومنهك القوى ، نسأل الله لنا ولكم وللمسلمين العافية ، بينما السليم في دقائق معدودة يدخل ثم يخرج وتكون حالته أحسن وأنشط قبل أن يدخل ، فهذه نعمة من الله سبحانه وتعالى { صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ }النمل88

فهو لما عجز عن شكر الله سبحانه وتعالى وما جرى منه من تقصير في شكر النعمة ، ناسب أن يستغفر الله .

وقال بعض العلماء : إنه لما أزيح عنه الأذى في هذه الدنيا بإزالة هذه الفضلات واستراح ، فتذكر الأذى الأعظم الذي يكون يوم القيامة وهو أذى الذنوب ، فسأل الله سبحانه وتعالى مغفرته من الذنوب .

وهذا أصح ما قيل ، وقد قيل إنه لما انحبس عن ذكر الله في هذا المكان ، استغفر الله عن إمساك لسانه من الذكر ، وهذا فيه ما فيه ، لأنه انحبس عن ذكر الله بأمر الله .

ويقول ” الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ” وهذا الحديث عند ابن ماجة ، ويطعن كثير من المحدثين في سنده ، ولو صح كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء ، لكن مناسبا لما ذكرنا من السبب الأول في قول غفرانك وهو استغفاره لله عز وجل على تقصيره في شكر النعمة ، فهو لما خرج تذكر أنه قد قصَّر ، فحمد الله عز وجل بعد أن خرج فقال ( الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ) { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ}النحل53 {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}النحل18

ولذلك العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، عم النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه يسأله ، قال ( سل الله العافية ) ثلاث مرات ، لأنه ما أعطي أحد بعد الإسلام خيرا من العافية ، فلا متعة في مأكل ولا مشرب ولا ملبس ولا مركوب ولا مبنى ولا ذهاب ولا إياب ، إلا بالصحة ، فلو ذهبت الصحة ، فلو كان يملك ما يملك فإنها لا تفيده شيئا

ولذلك لما دخل بعض السلف على رجل فقير يئن من الفقر ، فقال له أترضى أن يكون لك مائة ألف بإحدى يديك ؟ قال : لا ، قال بإحدى رجليك ؟ قال : لا ، قال ببصرك ؟ قال لا ، وجعل يعد عليه نعم الله عز وجل ، فقال أرى عندك مئين من الآلاف وأنت تشكو الفقر ، فهذه نعم من الله عز وجل ، وكم من القصص التي نسمعها وتروى وتذكر لنا في هذا العصر ممَنْ هو ثري ويضرب به المثل في الغنى ، يمكن تقدم له أنواع وصنوف الأطعمة والأشربة لضيوفه وهو لا يتمكن من أن يتناول جزءا يسيرا منها ، وإنما تُعد له مرقة خالية من الأملاح وما شابه ذلك ، فقد حرم من المطعم والمشرب ، يتمنى أن تكون صحته كهؤلاء الآكلين وليس عنده مال ، وقد أخبرت عن شخص بمثل هذه الصفات ، فمن كان عنده نعمة العافية فليحمد الله عز وجل عليها ويحافظ عليها بشكره الله عز وجل .