الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (107) قوله تعالى (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن )

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (107) قوله تعالى (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن )

مشاهدات: 450

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ درس(107)

قوله تعالى (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـ” باب من الشرك الاستعاذة بغير الله عز وجل “

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

قال رحمه الله : ” من الشرك ” :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” من ” هنا تبعيضية ، وإذا قلنا إنها تبعيضية لزم أن نقول بأن الاستعاذة بغير الله قد تجوز أحيانا في بعض صورها

وإن قلنا إنها بيانية فلا يلزمنا هذا ، فتكون الاستعاذة بغير الله في جميع صورها شرك لا تجوز

ولكن الصواب : أنها تبعيضية 

فتكون الاستعاذة بالمخلوق فيما يقدر عليه جائزة :

والدليل على هذا :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

ما جاء في صحيح مسلم :

ــــ أن تلك المرأة المخزومية التي كانت تستعير المتاع وتجحده استعاذت بأم سلمة

ومنها :

ـــــــــــــــــ

قول النبي عليه الصلاة والسلام – في الفتن – : (( من وجد مَعاذا فلْيلُذ به ))

إلى غير ذلك من الأدلة الواردة في جواز الاستعاذة بالمخلوق فيما يقدر عليه

لكن يجب عليه إذا استعاذ بالمخلوق فيما يقدر عليه أن يعتقد بأن هذا المخلوق سبب ، ولو شاء الله لعطل هذا السبب

فهو  يستعيذ به فيما يقدر عليه مع تعلق قلبه بالله عز وجل

وقوله : (( من الشرك )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراد منه : الشرك الأكبر

فأي عبادة صُرفت لغير الله يكون صاحبها مشركا بالله شركا أكبر

وقوله : (( الاستعاذة )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاستعاذة في اللغة : الالتجاء والاعتصام

وفي الاصطلاح : الالتجاء والاعتصام بالله من شيء تخافه

فهي تكون لدفع الشر

بينما اللياذة تكون لطلب الخير

ففرق بين ” أعوذ ” وبين ” ألوذ “

فأعوذ : ــــــــــ كلمة التجاء لدفع الشر

وألوذ : ــــــــــ كلمة لطلب الخير

ولذا قال الشاعر :

يا من ألوذ به فيما أؤمله

ومن أعوذ به مما أحاذره

إلى آخر ما قال

فتكون اللياذة لطلب الخير ، والاستعاذة لدفع الشر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال المصنف :

وقول الله تعالى : {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً }

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح :

ــــــــــــــــــــــــ

هذه الآية لها سبب نزول :

وسبب نزولها هو بيان لواقع أهل الجاهلية كانوا إذا مروا بواد في سفر قالوا : ” نعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه ” فيأمن على نفسه وماله وأولاده بهذه الاستعاذة ،

فأنزل الله عز وجل هذه الاية إنكارا لفعلهم

فقوله : ((وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ )

قوله : ((بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لأن الإنس سبق الحديث عنه كما انه سبق الحديث عن الجن

لكن قوله : ((بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ )) :

كلمة رجال : يفهم منها أن هناك إناثا ، وأنه يكون تزاوج بين الجن فيما بينهم

ولذا قال تعالى  : ((أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ))

فأثبت أن له ذرية

فما هي العاقبة من هذه الاستعاذة ؟

قال : ((فَزَادُوهُمْ رَهَقاً )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كلمة ” الزيادة “ تنبئ عن أصل موجود ، فلا تكون زيادة إلا على أصل

فيكون الرهق موجودا عند هؤلاء المستعيذين ، فلما استعاذوا بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه زاد الرهق الذي كان في قلوبهم

فهم خائفون من حيث الأصل

فلما استعاذوا زادهم خوفا على خوف

وكلمة ” (( رهقا )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أي زعرا وخوفا

والتعبير بالرهق يدل على أن هذا الخوف قد بلغ منهم مبلغه إلى أن أرهق أبدانهم

وهذا يدل على أن هناك تلازم بين الظاهر والباطن وأن الأمور النفسية القلبية يكون لها أثر على ظاهر الإنسان

فإذا حزن القلب ظهر الحزن على الجوارح

إذا اتقى القلب ظهرت التقوى على الجوارح

إذا مرض القلب ظهر المرض على الجوارح

ولذا :

ــــــــــــ

من يصاب – عفانا الله وإياكم من البلايا : من يصاب بأمراض نفسية وليست عضوية يكون المرض في الأصل نفسيا ثم يتدرج به الأمر إلى ان يمرض بدنيا

فقوله : ((فَزَادُوهُمْ رَهَقاً )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أي زادوهم خوفا على خوفهم ، حتى بلغ هذا الخوف أبدانهم فأصابها الرهق

ويستفاد من هذا :

ـــــــــــــــــــــــــ

أن هؤلاء أرادوا بهذه الاستعاذة بأن يهدءوا وأن يطمئنوا فعاملهم الله عز وجل بنقيض قصدهم

فيكون في هذه الآية دليل على معاملة الإنسان المخالف لشرع الله بنقيض قصده

ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( لا يرث القاتل ))

معاملة له بنقيض قصده

فكذلك هنا عاملهم الله عز وجل بنقيض قصدهم أرادوا الأمن من غير طريقه الشرعي فأرهقهم الله عز وجل وأخافهم

والقرآن يفسر بعضه بعضا :

فكما أن هذا الرهق قد بلغ بهم منتهاه في الدنيا فإنه شر وبلاء في الآخرة ، وذلك يوم يحشرهم الله جميعا

فهذه الآية تفسر بالآية التي في سورة الأنعام :

قال تعالى : ((وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا ))

استمتع بعضهم ببعض

فهذا الجني يفتخر ويزهو ويطغى حينما يستعاذ به، فيرى ان له قدرا ومكانة وقوة

وأما الإنسي فيستمتع بالأمان في ظنه بهذا السيد:

((اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ ))

ومهما استمتع العاصي بما هو عليه فهو استمتاع حسي سرعان ما يزول

ولذا قال عز وجل : ((قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ))

ـــ فآية الأنعام : ((وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً …………………. ))

يفسرها حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي سبق معنا : (( من تعلق بشيء وكل إليه ))

فهؤلاء لما تعلقت قلوبهم بالجن ، قال جل  وعلا : {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

ولذا يقول تعالى : ((احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ – يعني قرناؤهم – وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ{22} مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ{23} ))

وقوله تعالى : (( فزادوهم رهقا )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا على أحد القوال : ” من أن الجن زادوا الإنس ذعرا وخوفا ”

وقول آخر :

” أن الإنس زادوا الجن ذنبا وطغيانا وإثما “

فيكون كل منهما أصيب بالرهق :

ـــ إما أن يكون هذا الرهق : هو الذنب والطغيان الذي حصل للجن

ــــ وإما أن يكون الخوف والذعر الذي يحصل للإنس

* وموضع الشاهد من هذه الآية :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن الله عز وجل عاقب الإنس باستعاذتهم بالجن ، ولا يعاقب جل وعلا إلا على أمر قد خولف فيه شرعه

فدل على أن الاستعاذة التي صرفت من الإنس للجن أنها عبادة من صرفها فقد أشرك بالله شركا أكبر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ