الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (127)حديث ( إذا قضى الله الأمر في السماء)(3)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (127)حديث ( إذا قضى الله الأمر في السماء)(3)

مشاهدات: 445

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 127 )

حديث ( إذا قضى الله الأمر في السماء) الجزء الثالث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أما دليل العقل :

ــــــــــــــــــــــــــ

فإن العقل السليم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يظن بأن الله الخالق العظيم الجبار أن يكون بين خلقه ، أو أن خلقه أحاطوا به ، أو أنهم قد أظلوه ، فإن هذا لا يدل عليه العقل السليم الصحيح

والذي جعل هؤلاء يقعون في هذا المأزق أنهم قاسوا الله بخلقه

وهذه هي مزلة كثير من أصحاب الفرق إذ قاسوا الله عز وجل بخلقه

فما يجوز للمخلوق لا يعني انه لا يجوز في حق الخالق :

ولذا قال تعالى :

((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ))

فلو أخذنا بهذه القاعدة ، وهي قاعدة قوله تعالى : ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ))

علمنا أنه جل  وعلا لا يقاس بخلقه

فكيف يقاس الخالق بالمخلوق ؟!

فهو جل  وعلا  لا يقاس بخلقه

وذلك لأنه قد اتصف بصفات الكمال :

ومن صفات الكمال : (( العلو ))

ولذا :

ـــــــــــــــ

يفرق العقل بين العلو وبين السُفل :

فالسفل عند العقل صفة نقص

وأما صفة العلو فهي صفة كمال

ولذا :

ـــــــــــــــــ

لما اختلت تلك العقول قال بعضهم وهو ” بشر المريسي “ كان يقول في سجوده : ” سبحان ربي الأسفل ” فضاق عقله وقلبه عن إدراك إثبات هذه الصفة العظيمة لله نسأل الله العافية

أما دليل الفطرة :

ـــــــــــــــــــــــــ

فإن القلوب مجبولة إذا دعت الله أن تتجه بقلوبها إلى العلو :

ولذا :

ـــــــــــ

لما حاور  أبو المعالي الجويني  الهمداني في عرفات ، وقال له :

ـــ كيف استوى الرحمن على العرش ؟

فقال :  دعنا من هذا يا أبا المعالي لكن ما رأيك ( وأبو المعالي يريد أن ينفي صفة العلو لله )

فقال له : دعنا من هذا ، فماذا تقول في العبد إذا دعا الله ، قلبه يرتفع إلى العلو قبل أن ترتفع يداه ؟

فأطرق برأسه وضرب برأسه ، وقال : حيرني الهمداني ، حيرني الهمداني

وأما دليل الإجماع :

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

فإن إجماع سلف هذه  الأمة على أنه جل وعلا متصف بالعلو اتصافا يليق بجلاله وعظمته ، ولم يخالف في ذلك أحد إلا من ضلّ من أصحاب هذه الفرق

والنبي عليه الصلاة والسلام قال : (( لا تجتمع أمتي على ضلالة ))

وقد أجمع سلف هذه الأمة على إثبات صفة العلو لله عز وجل

ولذا : أخبر النبي عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين – قال : (( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ))

ومَن أنكر صفة العلو فهو”  فرعوني “  شبيه بفرعون

ومن أثبته فهو ” موسوي “

يعني : منسوب إلى موسى عليه الصلاة والسلام

إذ قال فرعون منكرا لعلو الله :

((وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ{36} أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً ))

وأما دليل اللغة :

ـــــــــــــــــــــــــــ

فإن اللغة لا توجب في إثبات المعية أن يكون هناك اختلاطا

تقول مثلا : زوجتي معي

وهي في مكان وأنت في مكان آخر

فإن المعية عند أهل اللغة تفيد الإطلاق : إطلاق المصاحبة

ولذا : يقول أهل اللغة في شأن المسافرين : ” مازلنا  نسير والقمر معنا “

فالقمر معهم ، لكن أين هو ؟

في السماء ، في العلو

فإذا كان هذا يثبت في حق المخلوق أن يكون مع الخلق وهو في العلو

فالله الخالق من باب أولى

ولو قال قائل :

ــــــــــــــــــــــ

ماذا يقال في الأحاديث الواردة ان الله بين يدي المصلي ؟

وأن المصلي إذا قام قام بين يدي الله عز وجل ؟

فيقال :

ـــــــــــــــــــ

لا يلزم من هذا ، أي لا يلزم في كون الله في قبلة المصلي أن يكون مختلطا بالخلق ، فإن هذه الشمس تقول : ” الشمس بين عيني “

تقول : ” الشمس بين عيني ” وهي في العلو

أو ” في قبلتي “

أو ” في وجهي “

وهي في العلو

فإذا كان هذا ثابتا في حق المخلوق فالله من باب أولى

ـــ * * وأما قولهم في قوله تعالى : ((وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ )):

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن الفوقية بمعنى الخيرية فهذا قول مَن لا عقل له :

إذ يقولون : ” إن هذا بمثابة قولهم : ” إن الأمير فوق رعيته “

يعني : خير من رعيته

فيقال :

ــــــــــــــــــــ

هذا قول من لا عقل له ، وذلك لأنه من باب العبث كما يقال : ” الثلج بارد ، والسماء فوقنا “

فلا شك أن الله ليس كمثله شيء ، ولا يمكن أن يقال : ” إن معنى الفوقية أن الله خير من عباده ، فإن هذا مجبول مطبوع في النفوس

ـــــ * * وأما نزوله عز وجل :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كما جاء في الصحيحين :

(( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث من الليل ……….. الحديث ))

فإن هذا يدل على العلو ، لأن النزول يدل على العلو

لكن لا يعني أن الله في نزوله قد أحاطت به السموات والأرض أو أنه بين السماء والأرض ، أو ان السماوات قد علته

هذا لا يمكن بحال من الأحوال

وسبق بيان ذلك

ــ لكن النزول هو نزول يليق بجلاله وعظمته

وكما قلت لكم : لا يقاس الله بخلقه

فالمقارنة بين الناقص والكامل يُعد نقصا في هذا الكامل 

فكيف إذا جُعل مساويا له ؟!

قال الشاعر :

ألم تر أن السيف ينقص قدره

إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

لو قال قائل :

ـــــــــــــــــــــــ

سيفي هذا أقوى من العصا

فإن في هذا تحقيرا وإحطاطا لقدر هذا السيف

ولذا قال تعالى :

((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{1} اللَّهُ الصَّمَدُ{2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ{4} ))

وقال تعالى – في انه لا يشابهه أحد في صفاته :

((وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ ))

المثل الأعلى : يعني الصفة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقوله : (( وهو العلي الكبير )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكبير : من أسمائه عز وجل

ويجب أن يؤمن بهذا الاسم ، وبما يقتضيه من صفة تليق بجلاله وعظمته

قال تعالى :

{وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

وقال النبي عليه الصلاة والسلام عن ربه عز وجل : (( الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما عذبته ))

ولذا من وُجد فيه صفة الكبر والتعالي فإنه رام أي أراد أن يكون مثل الله فيخنعه الله ويذله

ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( إن أخنع )) يعني أوضع :

(( إن أخنع اسم عند الله عز وجل رجل تسمى بملك الأملاك ، لا مالك إلا الله ))

وقال :  (( ما تواضع أحد لله إلا رفعه ))

ولذا :

ــــــــــــ

اليهود لما أخذت الكبر طريقا لها غضب الله عليها وكان مصيرها أن قال تعالى : ((كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ))

((وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ))

وقال النبي عليه الصلاة والسلام – كما عند مسلم – : (( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ))

فهذه الذرة

فما ظنكم بمن امتلأ قلبه كبرا وعلوا

وإذا رأى الإنسان غيره ممن يولد تذكر حقيقة واقعه ، وأنه قد خرج من مخرج البول والحيض ، فكيف يتكبر ويتعالى ؟!

وهذه الآية فسرها النبي عليه الصلاة والسلام

وكما قلنا : لا يُقبل تفسير أحد بعد تفسير النبي عليه الصلاة والسلام

فما رُوي عن بعض العلماء من تفسير هذه الآية على أنها نزلت في المشركين ، وأن هؤلاء المشركين إذا رأوا الموت وعاينوه قد أبصروا الحق فتسألهم الملائكة عن هذا الحق ، فيقولون : (( قال الحق ، وهو العلي الكبير ))

وذلك لأن هؤلاء العلماء نظروا إلى ما قبلها من آيات ، وأنها تتحدث في الشرك والمشركين ، فقالوا بهذا القول

لكننا نقول :

ــــــــــــــــــــــ

جاء القول والتفسير من النبي عليه الصلاة والسلام ولا حاجة إلى مثل هذا التفسير

وفي هذه الآية ” فائدة ” :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهي أن القرآن منزل غير مخلوق :

وذلك لأن الملائكة قالوا : ماذا قال ربكم ؟

ولم يقولوا : ماذا خلق ربكم ؟

فتكون هذه الآية ، وما يشابهها دليل على أن كلام الله عز وجل منزل غير مخلوق

إذ لو كان مخلوقا لقالوا : ماذا خلق ربكم ؟