الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (131) باب الشفاعة

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (131) باب الشفاعة

مشاهدات: 464

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس  131

فوائد على باب الشفاعة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الباب : سبق تفسيره وإيضاح معناه في الأبواب المتقدمة

ـــ وأما [ الشفاعة ] :

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

فإنها جعل الشيء الواحد اثنين

ولذا : أقسم عز وجل على أحد أقوال المفسرين أقسم بنفسه لكونه وترا ، وأقسم بالخلق لكونهم شفعا :

قال تعالى :

((والشفع والوتر ))

فالشفع على أحد أقوال المفسرين : هم الخلق

وأما الوتر : فهو الله ، لأنه لا نظير له ولا مثيل له :

قال تعالى :

((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ))

وقال تعالى :

((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{1} اللَّهُ الصَّمَدُ{2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ{4} ))

وأما معناها الشرعي :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فهو التوسط للغير بجلب منعة أو دفع مضرة

ـــ والشفاعة تكون في الدنيا ، وتكون في الآخرة :

فأما الشفاعة التي تكون في الدنيا :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فقد جاءت أحاديث كثيرة تحث عليها إذا لم يلحق بالآخرين ضرر

وأما إذا لحق بالآخرين ضرر فإنها تكون شفاعة محرمة

قال تعالى :

((مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً  )) يعني من يشفع بين الناس

((  مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا ))

أي وزر منها

((وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً ))

يعني : مقتدرا فيجازي كل عامل بما عمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر

فإذا خلت من المفاسد والضرر فإنها تكون خيرا ويثاب عليها صاحبها

ولذا : قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه :

(( اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان رسوله ما يشاء ))

وفي رواية :

(( ما أحب ))

وفي رواية في غير الصحيح :

كان يقول :

(( إني أمنع الرجل الشيء من أجل أن تشفعوا ))

وهذا من باب حرصه أن تظفر أمته بالثواب

ـــ والنبي عليه الصلاة والسلام لما عتقت ” بريرة “ وكانت تحت ” مغيث “ وكان عبدا

وأما رواية جاءت في صحيح البخاري : (( من أنه كان حرا )) فهي مرجوحة ، وإنما الثابت في أكثر الرواة : (( أنه كان عبدا ))

فلما عتقت بريرة اختارت نفسها ورغبت فراق زوجها فكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول للعباس : (( ألا تعجب يا عباس من حب مغيث لبريرة ، وبغض بريرة لمغيث ))

فأرشدها أن تبقى مع زوجها

فقالت : يا رسول الله أتأمرني ؟

قال : (( لا ، إنما أنا أشفع ))

فقالت : لا رغبة لي فيه

ـــ ومن ثم :

ـــــــــــــــ

فإن المرأة إذا عتقت فإنها تملك نفسها ولا يكون لزوجها العبد سلطة عليها

فالشاهد من هذا :

ــــــــــــــــــــــــ

أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( إنما أنا أشفع ))

وهذا هو موضع الشاهد

ومن ثم:

ــــــــــــــــ

فإن ما يجري في هذا العصر من الشفاعة التي تعرف بـ  ” الوساطة “ فإن صاحبها يثاب عليها شريطة أن لا يكون هناك إبخاس لحق أحد أو إلحاق ضرر لأحد

فإذا خلت من الضرر والمفاسد فإن صاحبها يثاب عليها ويشترط في هذا الشافع أن يبذل جاهه في نصح إخوانه وفي نفعهم

ولا يجوز له إذا شفع لأحد أن يأخذ على شفاعته هدية أو عطية

ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام :

(( من شفع لأخيه شفاعة فأهداه هدية فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا ))

قال الشراح :

ــــــــــــــــــــــ

وذلك لأن الربا يمحق بركة الحلال ، وأخذ المال على هذه الشفاعة يبطل هذا الأجر

ـــ وقد رد شيخ الإسلام – كما في الفتاوى – على من قال : إنه يجوز أن يأخذ أجرة على هذه الشفاعة لأنها من باب الجعل

وباب الجعالة واسع الأمر فيها

ولكنه قال رحمه الله :  ” ليست هذه كما ظن بعض الفقهاء من باب الجعالة ، وغنما كما يجب عليه أن يُخلص لله في صلاته وفي صيامه وفي زكاته فكذلك يجب عليه ان ينصح للمسلمين ، وذلك بأن يشفع لمن يعرف أن الخير في الشفاعة له “

ثم قال رحمه الله :

” لو فتح هذا الباب لوُلي من ليس بأهل في وظيفة بما دفعه من مال ولتُرك الفقير الذي هو أهل لعدم دفعه للمال ، ومن ثم يحصل الفساد في الأمة “

ـــ * و [ الشفاعة ] :

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

لو نظر إلى معناها الاصطلاحي لوجد أنها ترتكز على أمرين :

ـــ 1 ــ إما جلب منفعة

ـــ 2 ـــ وإما دفع مفسدة

ومن ثم :

ـــــــــــــــ

فإن من يُشفع عنده ” الذي هو المشفوع عنده ” قد يشفع عنده من غير أن يُستأذن

وهذا كثير ، وذلك لأن الشفاعة يستفيد مها أيضا المشفوع عنده ، وذلك بأن يقبل الرجل شفاعة رجل من أجل أن يستفيد منه في أمر آخر أو أن يعينه في أمر آخر

فلربما أتى عليه زمان يحتاج إليه

الوزير : قد يشفع عند الملك من غير أن يستأذن في الشفاعة ، وذلك لأن الملك بحاجة إلى هؤلاء الأعوان فلربما لم يقفوا معه في تدبير مملكته

ـــ وأما [ الله عز وجل ] فليس بحاجة إلى أحد

ومن ثم :

ــــــــــــــــ

فإنه لا يحصل شفاعة إلا بإذنه لأنه لا يخاف نقمته أحد ولا يؤمل خيرا من أحد فهو الغني :

قال تعالى :

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }

ـــــــــــــــــــــــــــــ

والمصنف رحمه الله ذكر هذا الباب البابين السابقين :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[ باب قوله تعالى : حتى إذا فزع عن قلوبهم ]

والذي قبله :

[ باب قوله تعالى : أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ]

وهذه أدلة ساطعة وبراهين نيرة على بطلان عبادة ما سوى الله فكذلك هنا

فإذا كانت الشفاعة لله ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه ، فأين نصيب هؤلاء العابدين من معبوديهم في الشفاعة ؟

ولذا قال تعالى – في مطلع سورة الزمر عن هؤلاء المشركين :

((وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ))

فيقولون :  ما تقربنا إليهم إلا من أجل أن يكونوا وسائط لنا عند الله

((مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ))

ثم ختم الآية بقوله :

((إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ))

فهذا كفر بالله عز وجل

ولذا قال تعالى عن هؤلاء المشركين :

{فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ }

وقال :

((مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ))

وقال عن الملائكة :

((وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ))

وقال :

{وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى }

وقال :

((لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ ))

وقال :

{وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }

فنفى أن يكون لهؤلاء شفاعة

وفي هذا :

ـــ دليل ساطع في نفي الشفاعة عن هؤلاء المعبودين .

ـــ دليل ساطع على بطلان ما عليه الكفار في اتخاذ هؤلاء معبودات يرغبون أن يكونوا لهم شفعاء عند الله عز وجل

و [ الشفاعة ] :

ـــــــــــــــــــــــــــ

اختلف فيها الناس على ثلاث فرق :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفرقة الأولى :

ـــــــــــــــــــــــــــ

وهم غلاة الصوفية و من نحا نحوهم أثبتوها من غير شرط

فهم يثبتونها مطلقة

الفرقة الثانية :

ــــــــــــــــــــــــ

نفوها :

وهم الخوارج والمعتزلة

وذلك لأن معتقدهم أن صاحب الكبيرة خالد مخلد في النار

وهذا هو معتقدهم في الآخرة بانه خالد مخلد في نار جهنم فيكون في عداد الكفار فيصدق عليهم قوله تعالى : {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ }

ولكن لتعلم :

ــــــــــــــــ

أن هؤلاء لا ينفون الشفاعات ، وذلك لأن الشفاعات أنواع :

فهم ينفون شفاعة العقاب أو من استحق العقاب

أما شفاعة الثواب فإنهم يثبتونها :

ومثالها :

ـــ الشفاعة لرفع الدرجات

فهذه من قبيل شفاعة الثواب

ـــ أما شفاعة العقاب كمن دخل النار من أهل التوحيد فإنهم ينفونها ، وذلك لأن مصيره الخلود في نار جهنم

ــــ وقد تكون [ الشفاعة ] بمعنى ( الدعاء ) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لذلك الرجل الضرير : (( أتاه رجل ضرير البصر فقال : يا رسول الله ادع الله أن يشفيني

فقال : (( إن شئت صبرت ولك الجنة ))

فقال : ادع الله أن يشفيني

فأمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يصلي ركعتين وأن يقول : ( اللهم إني أتوسل بنبيك فشفعه فيّ ))

وهذا الدليل قد لبس على البعض فقال : إن هذا الدليل يفيد جواز التوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام

لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمره أن يتوسل به

فنقول :

ــــــــــ

ليس في هذا مستند لكم

وذلك لن الرجل ابتدأ كلام فقال : يا رسول الله ادع الله ان يشفيني

ثم إن قول الرجل في آخر دعائه :  (( اللهم فشفعه فيّ )) أي فاقبل دعاءه فيّ فإن الشفاعة هي [ الدعاء ]

ومن ثم :

ـــــــــــــــ

فإن هذا الحديث ليس مستندا لمن قال بجواز التوسل بذوات الصالحين أو التوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام

ــــ ومما يدل على أن [ الشفاعة ] بمعنى الدعاء :

قول النبي عليه الصلاة والسلام عند مسلم – :

(( ما من رجل يقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه ))

يعني : إلا قبل الله دعاءهم فيه

ولذا قال :

(( إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء ))

سؤال :

ـــــــــــــ

هل في قوله : (( اللهم إني أتوسل بنبيك )) هل فيه شيء محذوف ؟

الجواب :

ـــــــــــــــ

نعم

هنا شيء محذوف ، وهو ما يسمى بـ  ” حذف المضاف “

كقوله تعالى :

((وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ))

أي أهل القرية

فقول الرجل : ” أتوسل بنبيك ” أي بدعاء نبيك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ