الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (150) أثر(هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح)(1)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (150) أثر(هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح)(1)

مشاهدات: 452

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس(150)

أثر(هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح)الجزء الأول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى :

{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً }

قال :

 هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا
أوحى الشيطان إلى قومه أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ، ونسخ العلم عُبدت

وقال ابن القيم رحمه الله :

 ” قال غير واحد من السلف : لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح :

ـــــــــــــــــــ

ذكر المصنف قول ابن عباس :

قال : ” وفي الصحيح “ المراد من الصحيح هنا هو صحيح البخاري:

وقلنا : إن قاعدة المصنف هنا لا يلزم أن يكون في البخاري ربما يريد من ذلك في صحيح مسلم أو في صحيح البخاري أو في الصحيحين

وهذا الأثر من ابن عباس رضي الله عنهما طعن فيه مع أنه في صحيح البخاري

وسبب الطعن :

أن من رواه عن ابن عباس هو ” عطاء الخرساني ” وعطاء الخرساني لم يدرك ابن عباس فيكون هذا الأثر منقطعا

ومعلوم أن المنقطع هو أحد أقسام الحديث الضعيف

ومثل هذا :

 لو سلم به مثله مأخذ على البخاري مع شدته في اختيار الأحاديث الصحيحة وفي قبول ما يقوله الرجال فشرطه معروف فهو شرط شديد

لكن ابن حجر قال :

إن من رواه عن ابن عباس ليس الراوي عطاء وحسب بل معه عطاء بن أبي رباح ، وعطاء بن أبي رباح أدرك ابن عباس

ويكون عطاء بن أبي رباح قد حدث به في غير مذاكرته في التفسير

بينما في التفسير حدث بعه عطاء الخرساني

ثم قال رحمه الله ولاسيما أن المعلوم من البخاري أنه كان شديدا في شرطه فيكون الحديث لا غبار عليه

وابن عباس  :

ــــــــــــــــــــ

سبق الحديث عنه كما في إرسال النبي معاذ إلى اليمن لأنه هو راوي الحديث

في قول الله تعالى : ((وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من القائل ؟

هم الكفار من قوم نوح عليه السلام

قال بعضهم لبعض : ((لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا من باب التواصي على الباطل

والتواصي على الباطل موجود في كفار قريش ، وقد ذكر عز وجل عنهم ذلك في سورة ” ص” :

{وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ }

فإذا كان أهل الباطل يوصي بعضهم بعضا على الباطل فخليق بمن هم على طريق الحق أن يوصوا به وأن يتواصوا به

ولذا مدح الله العلماء الربانيين الذين توافرت فيهم صفات أربع في سورة العصر :

((وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3} ))

وقال تعالى :

((ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ{17} ))

فهؤلاء أوصى بعضهم بعضا بأن يبقوا على الباطل

وهذه سنة أجراها الله

حتى في عصرنا هذا فأهل الباطل يتواصون فيما بينهم على نشر رذائلهم ويتعاونون في ذلك حتى ولو كانوا فيما بينهم أعداء

ولا أدل في قول الله عز وجل في عداء اليهود للنصارى وعداء النصارى لليهود :

((وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ))

لكن إذا كان العدو بالنسبة إليهم هو الإسلام فإنهم يتفقون وهذا مذكور في كتاب الله والواقع يشهد بهذا

فإن ما يجري في فلسطين فإنما هو حاصل بإعانة النصارى :

قال تعالى :

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ))

وقوله : (( لا تذرن )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا ناهية

فإن كبراءهم ينهون من دونهم أن يدعوا آلهتهم

و ” لا ” لها ثلاثة أنواع :

النوع الأول :

ــــــــــــ

النهي كما هنا

كما لو قلت : لا تفعل

النوع الثاني :

ــــــــــــــــــــــ

النافية :

وقد مر معنا  كما في قولك :

وكما قال تعالى : ” لا تعبدون إلا الله “” لا إله إلا الله “

النوع الثالث :

ـــــــــــــــــــ

أن تكون زائدة للتوكيد

ويأتي مثالها في هذه الآية

” لا تذرن : :

ــــــــــــــ

أي لا تتركن ولا تدعن آلهتكم : أ ي معبوداتكم

ولتعلم :

ـــــــ

أن ذكر الآلهة في كتاب الله عز وجل لا يلزم من ذكرها أنها معبودة بحق ، فإن المعبود بحق هو الله عز وجل ، وما سوى عبادته فإنها آلهة معبودة بباطل

ولذا ذكر عز وجل آلهتهم ووصفها وسماها بأنها آلهة لكنها آلهة باطلة

ولذا قال تعالى :

{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

((وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ))

قال تعالى :

((أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ))

(( ولا تذرن ودا ولا سواعا)) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

أين الزائدة ؟

فهذه الـ ” لا ” التي هنا زائدة ، فهي وما بعدها زائدة

{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } :

ــــــــــــــــــــــــ

ولا سواعا ” زائدة للتوكيد

” ولا يغوث ” كذلك زائدة

بدليل ما بعدها :(( ويعوق ونسرا ))

وذكر هذه الأصنام :

ود

سواع

يغوث

يعوق

نسر

هو من باب ذكر الخاص بعد العام فأفاد أن لديهم آلهة كثيرة وأن من أعظمها هذه المذكورات .

والشأن في هذا مثل الشأن في فرعون :

فإن فرعون زعم الألوهية لكنه جعل له آلهة صغارا :

فقوله : (( أنا ربكم الأعلى ))

((  ما علمت لكم من إله غيري ))

لأنه في نظره هو الإله الأعظم الأكبر

ولذا قال تعالى :

((وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ))

ففهم أن هناك آلهة تابعة لفرعون

وأنه أمر قوه أن يعبدوها وأن عبادتهم لها هي عبادة لهم لأنهم أطاعوه

(( ولا تذرن ودا )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

لو قلنا إنها زائدة ما بعده (( لا تذرن ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا ))

(( قال : وهذه أسماء رجال صالحين ))

ابن عباس أخبر أن ما بين آدم ونوح عشرة قرون كان الناس فيها على دين التوحيد والقرن على القول بأنه مضبوط بالعدد هو مائة سنة

فيكون الوقت الذي بين آدم ونوح ألف سنة

فهذه الألف لم يعبد فيها إلا الله

ومما يدل على هذا قوله تعالى :

(( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ ))

كان الناس أمة واحدة على التوحيد

وهنا فيه حذف فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين منذرين

والدليل على هذا الحذف :

ما قاله عز وجل في سورة يونس :

((وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ ))

فكان أول شرك وقع في قوم نوح بسبب تعظيم هؤلاء الصالحين

(( قال : وهذه ))

اسم الإشارة يعود إلى : ود وسواع ويعوق ويغوث ونسرا (( أسماء رجال صالحين من قوم نوح ))

في هذا القول رد على الواقدي

الواقدي :

يتركه أهل الحديث لا يعتدون بما ينقله مع أنه واسع العلم ، واسع الإطلاع لكن أهل الحديث لا ينظرون إلى من هو واسع الإطلاع ينظرون إلى ما هو محقق ، إلى من هو ثقة في نفسه

إلى من هو ضبط في حفظه في نقله

ولذا هو رحمه الله حاطب ليل يجمع كل شيء الغث والسمين ما وقعت عينه على شيء نقله سواء كان موافقا للشرع أو مخالفا له

فهو كحاطب ليل

ليس كحاطب النهار

حاطب النهر ينتقي الحطب الجيد ولذا تكون بضاعته بضاعة جيدة

ولذا يكون التعب الذي حصل منه تعب في محله

لكن حاطب الليل لا يدري ما يحتطب ، يقول : ربما تكون هذه جيدة أحتطبها

فإذا به إذا أصبح الصبح فتبين له بضاعته يكون فيها الغث والسمين يكون فيها الجيد والرديء

ولذا هو حاطب ليل

لأنهم إذا رأوا في السند أن الواقدي فيه تركوا السند فهو متروك عندهم

فما ذكر هنا عن ابن عباس  قوله : (( هذه أسماء رجال صالحون )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رجال إذا ليسوا بإناث وليسوا بحيوانات ولا طيور فهو جعل يفسر

فيقول : ود اسم رجل

سواع : اسم أنثى

يغوث : أسد

نسر : هو النسر إلى غير ما ذكر

فما ذكره رحمه الله باطل لأن الأثر ينص على أنهم أسماء رجال صالحين

ولذا لو قيل : إنهم فسقة

يرد عليه بقوله : (( صالحين ))

ولو زعم زاعم فقال : إنهم رجال صالحون من قوم يونس أو هود يرد عليه بأنه قال هنا من قوم نوح

ولذا قال تعالى :

(( كذبت قوم نوح المرسلين ))

مع أنه ليس هناك رسل سبقوه

وما يذكر من أن إدريس هو سابق لنوح فإنه نقل لا يصح

لم ؟

من بينها حديث الشفاعة يقولون : إنك أول رسل الله إلى أهل الأرض “

فيكون حديث الشفاعة نافيا لهذا المزعم

ولأثر ابن عباس ما ذكر هنا : ” كان بين آدم ونوح عشرة قرون “

(( كذبت قوم نوح المرسلين ))

مع أن ليس هناك رسل سبقوا نوحا

أما آدم فهو نبي مكلم ليس رسولا

أما نوح فهو نبي رسول

فيكون تكذيب قوم نوح لنوح في أوليته من أجل أن من كذب رسولا فقد كذب بجميع الرسل لأن الإيمان بجميع الرسل  لا يتجزأ فمن كفر بواحد منهم فقد كفر بالجميع :

((إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً{150} أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً ))

قال : ((أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً ))

من باب التأكيد لأنه قد يشتبه على الإنسان أن فيهم من الإيمان ما فيهم لأنهم لم يكذبوا بجميع الرسل فلما جاءت كلمة حقا دل على أنهم كفار ليس في قلوبهم شيء من الإيمان

أو لأن تكذيب قوم نوح لنوح لأنه مكث فيهم زمنا طويلا

فلما لم يفد ذلك الوقت قال تعالى :

((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً ))

فلما لم يفد ذلك الوقت الطويل في نصحهم ولم ينتصحوا فكأنهم كذبوا بجميع الرسل لأن هذه الفترة فترة طويلة لأن يتعظوا

مع أنه نوّع الأسلوب في دعوتهم كما ذكر عز وجل في سورة نوح

ولذا لما ذكر عز وجل في سورة النجم الأمم السابقة :

ماذا قال ؟

((وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى{50} وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى{51} وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى{52} ))

فدل على أن طغيانهم بلغ حده مما ليس في طغيان غيرهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ