الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (154) حديث ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم )

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (154) حديث ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم )

مشاهدات: 538

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 154)

حديث ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــــــــــ

ــــــــــ وعن عمر :

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

(( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ،  إنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله ))

 أخرجاه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح :

ــــــــــــــــ

ثم ذكر المصنف رحمه الله  الدليل الثاني وهو حديث عمر رضي الله عنه

(( وعن عمر )) :

ــــــــــــــــــــــــ

ـــ عمر معروف

ـــ هو عمر بن الخطاب العدوي القرشي

ـــ ثاني الخلفاء الراشدين المهديين

ــ أفضل الصحابة بعد أبي بكر

ــ يكنى بأبي حفص ، ويلقب بالفاروق

ــ فتح في عهده بلدان فارس والروم

ــ من الموفقين الملهمين الذين توافق آراؤهم ما جاء به القرآن

ــ مناقبه لا تحصى

ــ ظل في الخلافة عشر السنوات ونصف السنة فملأها عدلا وخيرا

ـــ ولو تحدث عن هذا الخليفة الراشد حديثا طويلا مسهبا لما وفته جلسة ولا جلستان ولا ثلاثة ولا أربعة ولا خمس

ــ توفي في السنة الثالثة والعشرين من الهجرة

ــ قتله أبو لؤلؤة المجوسي الخارجي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

(( لا تطروني  )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ذكرنا ” لا ” وأنواعها :

هنا قال : (( لا ))

أولا :

ما هي هذه اللاءات ؟

ــ نافية

ــ وناهية

ــ وزائدة للتوكيد

وهنا ” لا ” ناهية

قال : (( لا تطروني ) ) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هنا نهي منه عليه الصلاة والسلام عن الإطراء ؟

ما هو الإطراء ؟

هو المبالغة في المدح

(( كما أطرت )) :

ـــــــــــــــــــــــ

الكاف هنا : مر معنا أن لها معان :

ــ تشبيه

ــ تعليل

ــ زائدة

ـــ العلو الاستعلاء

الكاف هنا ينظر فيها وفي معناها

لأن الكاف تأتي للتشبيه مثل :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هند كالقمر

وتأتي للتعليل :

ـــــــــــــــــــــ

كما قال تعالى : (( واذكروه كما هداكم ))

الصلاة الإبراهيمية كما صليت على إبراهيم :

ــ فإما أن يراد بها على قول : التشبيه

أو يراد بها على قول : التعليل

وتكون زائدة :

ــــــــــــ

كما في قوله تعالى : (( ليس كمثله شيء ))

وتكون للمبادرة : على فعل الشيء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا نادر :

(( صل كما دخل الوقت ))

وتكون لاستعلاء :

ـــــــــــــــــــــــــــ

كن كما كنت

يعني: كن على ما أنت

وهنا ماذا تقولون ؟

تعليلية : فإن النبي نهى عن مدحه لئلا يفضي بهم هذا المدح إلى مدح النصارى لعيسى بن مريم

ويحتمل أن تكون تشبيهية : يعني لا تطروني كإطراء النصارى ابن مريم

فإذا كانت تشبيهية : فالتشبيه هنا كما يقول أهل اللغة : تشبيه مرسل أي غير مؤكد لوجود أداة التشبيه وهي الكاف

لأن التوكيد عندهم بحسب الأداة ينقسم ثلاثة أقسام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــ  تشبيه مرسل

ـــ وتشبيه مؤكد

ـــ وتشبيه بليغ

يتضح هذا بالأمثلة :

ــــــــــــــــــــــــــــــ

التشبيه المرسل :

كأن تقول : أنت كالنجم في رفعته

ذكرت الأداة

والنجم مرتفع

التشبيه المؤكد :

أن تحذف الأداة :

أنت نجم في رفعته

التشبيه البليغ :

أن تحذف الأداة ووجه الشبه :

تقول : أنت نجم

(( لا تطروني كما أطرت النصارى  )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قبل هذا أيضا :

لكن أيهما أرجح أن تكون الكاف للتشبيه أم للتعليل ؟

الأرجح :

 أن تكون للتعليل لأن النبي نهى عن الإطراء مطلقا

ولذا لك قال بعدها : (( إنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله ))

(( كما أطرت )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــ

ما  : لها أنواع لكنها هنا مصدرية

(( كما أطرت النصارى )) :

ــــــــــــــــــــــــ

كإطراء النصارى

والنصارى :

هذا هو اسمهم سموا بهذا الاسم :

إما لأنهم ينتسبون إلى قرية تسمى بناصرة

وإما لأن الحواريين الذين هم من النصارى نصروا عيسى عليه السلام :

((فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ ))

والنصارى :

إذا ذكروا يذكرون بهذا الاسم سواء كانوا مجموعين أو فرادى :

فمن الخطأ أن ينسبوا إلى المسيحية لأنهم لم ينتسبوا إلى المسيح

فقول البعض :

هذا مسيحي هذا مخالف لصريح القرآن ولواقع النصارى :

فأما مخالفتهم لواقع النصارى :

فإنهم ليسوا متبعين لمسيح

وأما المخالفة لصريح لفظ القرآن :

أنهم بأنفسهم نسبوا هذا الاسم إليهم :

قال تعالى :

((وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ))

فعلى المسلم أن يكون دقيقا في ألفاظه ، لأن الألفاظ مما يعنى بها الشرع

(( كما أطرت النصارى ابن مريم )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يقول القرطبي رحمه الله :

” ما صرح باسم امرأة في القرآن سوى مريم وهذا من أجل أن يبين عز وجل أن عيسى ليس ابنا له ، وإنما هو ابن لمريم  “

(( إنما أنا عبد )) :

ـــــــــــــــــــــــــ

إنما : أداة حصر وقصر

وأدوات الحصر ذكر منها شيء

أبلغها :

النفي مع الاستثناء

وإنما

وتقديم ما حقه التأخير

وتأخير ما حقه التقديم

حروف العطف :

بل ولكن ولا

إذاً عندنا أربعة حروف للحصر :

إنما

بل

لا

لكن

هذه أربعة أحرف للحصر

تمتاز”  إنما ” بشيء  :

وهي أنها تثبت الحكم للشيء وتنفيه عما سواه دفعة واحدة

بينما الحروف الأخرى تثبت الحكم للشيء وتنفيه عما سواه من غير دفعة واحدة

أمثلة على أحرف القصر :

ـــ  جاء زيد لا عمرو :

أثبت المجيء لزيد ، ونفي عن عمرو

لكن ما الذي حصل ؟

جاء إثبات ثم نفي

ــ ما سافر زيد بل عمرو :

حصل نفي ثم إثبات

بينما إنما لا تنفيه دفعة واحدة

(( إنما أنا عبد )) :

ــــــــــــــــــــــــــ

أنا : ضمير مبني على السكون فيمحل رفع مبتدأ

عبد : خبر

فيه مشكلة هنا :

أن الحصر هنا :

فيه بيان أن النبي عبد فكأنه هو الوحيد الذي هو عبد ، ومن سواه ليس بعبد

هذا مقتضى الحصر أليس كذلك ؟

بلى

إنما أنا عبد :

ــــــــــــــــــــ

ففهم أن ما عداه ليس بعبد وهذا لا يمكن

نقول :

إن القصر هنا قصر إضافي لا حقيقي لأن القصر عند البلاغيين نوعان :

ــ قصر إضافي

ــ وقصر حقيقي نسبي

فالقصر الحقيقي :

ـــــــــــــــــــــــــ

أن يُقصر المقصور على المقصور عليه حقيقة باعتبار الواقع :

مثل :

(( إنما الله إله واحد ))

فالألوهية الحقيقية مقصورة على الله وليس هناتك إله حق سواه

ــ أما القصر الإضافي :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 هو أن يقصر المقصور على المقصور عليه باعتبار الإضافة والنسبة

كأن تقول : إنما زيد مسافر

أهو المسافر الوحيد ؟

لا

فكذلك هنا (( إنما أنا عبد )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كما في قوله تعالى :

(( إنما أنت نذير ))

فالقصر هنا قصر إضافي نسبي

(( إنما أنا عبد فقولوا )):

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفاء هنا :

أنواع الفاء :

الفاء تفيد : الترتيب

والترتيب نوعان :

ــ ترتيب معنوي

ـــ ترتيب ذكري

الترتيب المعنوي :

تقول : جاء زيد فعمرو

والترتيب الذكري :

هو أن يأتي تفصيل بعد إجمال

قال تعالى :

((  وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي ))

أين الإجمال ؟

المناداة

ما هي هذه المناداة ؟

فقال

فهنا عطف ذكري وضابطه أن يأتي :

(( تفصيل بعد إجمال ))

وتأتي للتعقيب بحسب كل شيء تقول :

جاء زيد فعمرو

معنى ذلك أنه لما جاء زيد أتبعه عمرو في الإتيان والمجيء وليس هناك تراخي أي ليس هناك زمن طويل

لكن لو قال قائل :

قال تعالى :

((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ))

أمن حين ما ينزل الماء تخضر الأرض أم تحتاج إلى شهور ؟

تحتاج إلى شهور

إذاً التعقيب هنا بحسب كل شيء

دليل أوضح :

في حديث ابن مسعود رضي الله عنه : ان أطوار الخلق ما بينها أربعون

يجمع خلق أحدكم أربعون يوما نطفة وأربعون يوما علقة وأربعون يوما مضغة :

قال تعالى :

((ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ{13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً ))

بالفاء : إذاً هذا للتعقيب بحسب هذا الشيء

مع أن الفترة بينهما أربعون يوما

3ـ للسببية :

مثل :

(( فوكزه موسى فقضى عليه ))

4ــ وتأتي للاستئناف :

مثال على قراءة حفص :

((لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ ))

هذا على قراءة حفص تكون الفاء استئنافية

لأن هناك قراءة : (( فيغفرْ ))

بالجزم ، فتكون الفاء عاطفة

وهناك قراءة بالنصب : (( فيغفرَ ))

فتكون الفاء سببية

ــ يعني يمكن أن يمثل بهذه الآية على :

ــ العاطفة

ــ والسببية

ــ والاستئنافية

والفاء هنا  : (( للترتيب المعنوي ))

(( فقولوا : عبد الله ورسوله ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فقوله عليه الصلاة والسلام :

(( فقولوا : عبد الله ورسوله )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجملة التي سبقتها قال : ((إنما أنا عبد ))

لما حكى عن نفسها وصفها بالعبودية وإنما لما أمر أمر أن يوصف بالعبودية والرسالة .

ويستفاد من هذا :

ـــــــــــــــــــــــــــ

أن أحب وصف إليه عليه الصلاة والسلام أن يوصف بالعبودية

وقد مر معنا أن الله وصفه بالعبودية في أعظم المقامات لكن لما كان الناس بين إفراط وتفريط وبين غلو وتقصير أمرهم عليه الصلاة والسلام أن يقرنوا في وصفه بين العبودية والرسالة :

فقوله : (( فقولوا : عبد الله )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا فيه رد على من رفعه فوق منزلته فاستغاث به أو تضرع إليه أو طلب حوائجه منه أو وصفه بأوصاف لا تليق إلا بالله

وقد سبق معنا ما قاله البوصيري وغيره لما أثنى على النبي ثناء زاد في هذا الثناء إلى أن أوصله إلى مقام الرب عز وجل :

كما قال :

فإن من جودك الدنيا ودرتها

ومن علومك علم اللوح والقلمِ

وكلمة (( ورسوله )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رد على من انتقص من قدره

فهاتان الكلمتان جمعتا التوسط لا إفراط ولا تفريط لا غلو ولا تقصير

وقد سبق أن أستفيض في كلمة عبد الله ورسوله في حديث عبادة بن الصامت في باب فضائل التوحيد :

(( من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبد الله ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله ))

إلى آخر الحديث فلا معنى لإعادة ما سبق

وقول المصنف (( أخرجاه )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اصطلح العلماء على أن كلمة ” أخرجاه ” أو ” كلمة وفيهما “أو كلمة ” ولهما ” اصطلحوا على أن مثل هذه العبارة يشار بها إلى ما عند البخاري ومسلم

وهذا الحديث ليس في صحيح مسلم وقد حصل وهم وإنما هو عند البخاري فقط

ولذا من ذكره من علماء الحديث في الكتب المفردة أو المطولة ما عزوه إلى للبخاري

وما رأيت إلا التبريزي في مشكاة المصابيح عزاه إلى الصحيحين

وقد رجعت إلى صحيح مسلم في النسخة التي عندي فلم أجده

والألباني لما عزا هذا الحديث عزاه إلى البخاري فقط

فلعل المصنف أخذه من التبريزي أو من غير التبريزي ممن نقل عن التبريزي

فهذا الحديث مما هو عند البخاري فقط ، والعلم عند الله