الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (16) قوله تعالى {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ …}(2)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (16) قوله تعالى {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ …}(2)

مشاهدات: 482

التوحيد الموسع لكتاب التوحيد

الدرس ( 16 )

قوله تعالى :

{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } [الأنعام: 151]

الجزء الثاني

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى : {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) } [الأنعام: 151]

الوصية الرابعة :

{وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151]

قال : { وَلاَ تَقْرَبُواْ  } ولم يقل ” ولا تفعلوا “

لأن النهي عن القرب نهي عن الفعل وعن أسبابه الموقعة فيه ، كما قال عز وجل : {وَلَا تَقْرَبُوا } [الإسراء: 32]  ولم يقل : ” ولا تزنوا “

وكما قال عز وجل : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] فالأمر بالاجتناب أبلغ من النهي عن الفعل كقوله عليه الصلاة والسلام : ( اجتنبوا السبع الموبقات ).

 

 

 

قوله تعالى :  {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ}

جاء في آيات أخر التصريح بتحريم الله جل وعلا للفواحش ، ففي سورة الأعراف : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33]

والفواحش : هي ” ما استقبح شرعا وتناهى وتعاظم في قبحه “

والفواحش هنا ” عامة ” تشمل الظاهر منها والباطن ، لكن جاء التصريح بهذا المفهوم فيما بعدها ، وذلك لتأكيد حرمة وقبح هذه الفواحش ، ولذا قال { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}

فقوله { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} يشمل كل الفواحش ، فلا تبقى صورة من صور الفواحش إلا وقد نُهي عنها .

ما معنى : { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} ؟

قال بعض العلماء : يرجع فيها إلى الذنب ذاته ، فيكون المعنى : ” ما ظهر قبحه من الذنوب وما خفي ” فقد تكون بعض الفواحش خفية .

وقال بعض العلماء : يُرجع فيها إلى ” المذنب ” فيكون المعنى : ” ما أظهره المذنب وما أخفاه “

وقال بعض العلماء : ”  ما ظهر منها ”  أي ما عظم ، ” وما بطن ” أي ما دونها في الفحش ، فهي كلها فواحش ، لكن بعضها أعظم ، كما قال عليه الصلاة والسلام : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر )

فدلَّ على أن الكبائر منها ما هو عظيم ومنها ما هو أعظم .

ومن أمثلة الفواحش مما جاء في كتاب الله عز وجل ، وصرح بها القرآن بتسميتها فاحشة  ” الزنا ” : 

قال تعالى : { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا } لم ؟ { إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } [الإسراء: 32] .

ومن أمثلتها في القرآن ” اللواط ” :

كما قال لوط عليه الصلاة والسلام  : {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 28] .

ومنها : عقد النكاح على زوجة الأب ، ولو لم يجامعها فبمجرد عقده على زوجة أبيه فقد ارتكب فاحشة :

قال عز وجل في سورة النساء : {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا } [النساء: 22] .

ومن أمثلة الفواحش المذكورة في القرآن : ” كشف العورات ” :

قال عز وجل : {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ } [الأعراف: 28] .

ومن أمثلتها عند بعض العلماء ” منع الزكاة ” :

قال عز وجل في سورة البقرة : {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 268] .

ونكتفي بهذا .

الوصية الخامسة :  {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151]

فقوله عز وجل : {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151]

هذا على وجه العموم ، وما سبق في قوله تعالى : {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام: 151] على وجه الخصوص ، فيكون القرآن نهى عن قتل الأولاد مرتين : مرة على وجه الخصوص  ، ومرة على وجه العموم .

فقوله تعالى : {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151]

وسبق بيان نوعي التحريم :

وأنه تحريم شرعي ديني ، وتحريم كوني قدري

وهنا تحريم شرعي

فالنفس المحرمة هي النفس المعصومة :

والنفس المعصومة : ” هي التي عُصم دمها ومالها ، ” وهي أربعة أنفس :

1 ـــــ نفس المسلم

2ــــ نفس الذمي

3ــــ نفس المعاهد

4ــــ نفس المستأمن

فنفس المؤمن واضحة

” نفس الذمي ” :

الذمي : ” هو الذي دفع الجزية نظير بقائه على دينه مع دفع الجزية للمسلمين “

وهل عقد الذمي يخص اليهود والنصارى أم أنه شامل لجميع الكفار بجميع أصنافهم ؟

سيأتي حديث عنه في باب قوله تعالى : { وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] بإذن الله تعالى .

وعقد الذمة : لا يعقده إلا الإمام أو نائبه أي الحاكم أو نائبه .

” نفس المعاهد “

وهو ” الكافر ” الذي بيننا وبينهم حرب فتوقف القتال لمعاهدة جرت بيننا وبينهم .

وهذه لا يعقدها إلا الإمام أو نائبه .

” نفس المستأمن ” :

” هو الكافر الذي بيننا وبينه حرب فيطلب الأمان لغرض من الأغراض يكون له في بلد المسلمين “

كتجارة يبيعها  أو رغبة في سماع القرآن، فهذه تجوز مع كل أحد على حسب ما يقتضيه العرف، فأمان المسلم للكافر ليس كأمان الأمير للكفار من حيث العدد

وأمان الأمير للكفار ليس كأمان الحاكم من حيث العدد .

فعقد الأمان يكون من كل أحد بحسب ما يقتضيه العرف ، حتى من المرأة لقوله عليه الصلاة والسلام لأم هانئ : ( قد أمّنا من أمنتي )

قال عز وجل عن المعاهدين : {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [التوبة: 7]

وقال عز وجل في حق الذميين : {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]

وقال عز وجل في المستأمن : {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) } [التوبة: 6] .

فهذه الأنفس الأربع لا يجوز الاعتداء عليها .

قوله تعالى : {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151]

واستثنى عز وجل قال : { إِلَّا بِالْحَقِّ}: أي إلا ما أقره الشرع ، وقد أقر الشرع :

بأن يُقتل المسلم الزاني المحصن ، وغيره مما جاءت به النصوص ،

كقوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه  : ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة )

وقال عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري : ( من بدل دينه فاقتلوه )

فهذه الأنفس الأربع لا يجوز الاعتداء عليها ، ولذا قال عز وجل في حق المسلم ، وفي أمر قتله : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً } [النساء: 92] يعني ما كان الإيمان ليدعو المسلم إلى أن يقتل أخاه ، فهذا أمر مستحيل ، فمن كان في قلبه إيمان لا يدعوه بأي حال من الأحوال إلا خطأ من غير قصد  ، ولذا قال عز وجل بعدها : {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح من حديث ابن مسعود ، قال : ( أول ما يقضى بين العباد يوم القيامة في الدماء  )

وقال عليه الصلاة والسلام : ( لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم )

حتى قال ابن عباس رضي الله عنهما : ” إن القاتل لا توبة له “

وسيأتي كلام عن رأي ابن عباس رضي الله عنهما في باب ( ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان )

 

 

وأما النفوس المعصومة غير المسلمة :

فقد قال عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري ( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ) فهذا من الخيانة .

ولذا قال عز وجل في حق المعاهدين إذا لمسنا منهم نوعاً من الخيانة أو خفنا من أن يخونوا  أو أن يغدروا بنا أمر عز وجل أن نبين أنه لا عهد  بيننا وبينهم ، فقال عز وجل في سورة الأنفال : {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ } ختام الآية { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ } [الأنفال: 58]

ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله : ” إن المسلم لا يُقتل بالكافر ” لو أن المسلم قتل كافرا فلا يقتل المسلم ، لأن نفسه أعظم وحرمته أكبر ، لقوله عليه الصلاة والسلام : ( لا يقتل مسلم بكافر )

ولكنه رحمه الله قال : ” لو أن المسلم قتل المعاهد أو الذمي غيلة – يعني غدرا –فإن المسلم يُقتل به “

ولا تشترط المكافأة بين هذا المسلم وبين هذا الكافر ؛ وذلك لأن  هذا المسلم من المفسدين في الأرض ، والإفساد في الأرض لا تشترط فيه المكافأة .

ولذا المحاربون – الذين يحاربون أهل الإسلام – وهم مسلمون إذا قُبض عليهم ، وقد قتلوا أنفساً فإنهم يقتلون ، حتى لو جاء أولياء المقتولين وعفوا فإنهم يقتلون ، لقوله عز وجل : {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33] الآية .

ولذا ما يجري الآن من زهق لأرواح هذه الأنفس المعصومة مخالف ومنابذ للشرع ، مهما كانت الشبه والتعليلات ، فإن هذه الأفعال ليست من الإسلام في شيء بل تُعدي في هذه الأمر إلى أن يقتل المسلم في سبيل قتل هؤلاء المعاهدين ، ولا أضر على المسلم من الشبة ، ولذا الخوارج لما وقعوا في الشبهات والتأويلات وفهموا من النصوص على غير مراد الله عز وجل، مع أن الصحابة وهم الصحابة كما قال عليه الصلاة والسلام : ( يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم )

هؤلاء لما وقعوا في التأويل وفهموا من النصوص على غير مراد الله عز وجل ، وعلى غير مراد رسوله صلى الله عليه وسلم قتلوا من قتلوا من الصحابة ، حتى إنهم ذبحوا أحد المسلمين كما تُذبح الشاة في عهد علي رضي الله عنه ، فحاربهم ، لا لأنهم كفار ، وإنما لأنهم استباحوا دماء وأموال  المسلمين  ، ولذا كما قال عليه الصلاة والسلام ( يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان )

وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بكثرة القتل في آخر الزمان ، وهذا مشهود الآن ، قلَّما تسمع خبراً يذاع إلا وفيه قتل ، وهذا ناتج من  قلة العلم ، وكثرة الجهل ، قال عليه الصلاة والسلام : ( إن من أشراط الساعة أن يقل العلم ، ويكثر الجهل، ويكثر الهرج ، قيل : ما الهرج يا رسول الله ؟ قال : القتل القتل )

وسيأتي حديث موسع بإذن الله تعالى عن الفتن ، وكثرة الهرج ، ومنهج الخوارج في باب : ( ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان )

قوله تعالى : { ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 151]

في هذه الآية خمس وصايا :

{أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا }

{ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }

{ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ }

{ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ }

{ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}

ثم قال عز وجل : { ذَلِكُمْ }

اسم الإشارة في اللغة العربية ثلاثة أنواع :

 النوع الأول : إما أن يشار به إلى القريب  كما يقال : ” هذا رجل “

النوع الثاني :  أن يشار به إلى التوسط ، يعني بين بين ، ليس قريبا وليس بعيدا ، كأن تقول : ” ذاك رجل ” .

النوع الثالث : أن يشار به إلى البعيد ، فتقول : ” ذلك رجل “

فقوله عز وجل : { ذَلِكُمْ }

بالإشارة إلى البعيد ، ولم يقل ” هذا ” ؟

والفائدة البلاغية هنا تشير إلى أن ما ذُكر مرتفعة وعالية مكانته .

قوله : { وَصَّاكُمْ بِهِ }  

الوصية كما سبق : ” هي الأمر المؤكد المقرر للاهتمام به “

ثم ختم الآية فقال : { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

قوله : { لَعَلَّكُمْ }

قال بعض العلماء : ” ما ورد في القرآن من لفظة” لعل ” فتفيد التعليل ما عدا آية واحدة ، وهي في سورة الشعراء في قصة عاد عليه السلام ، قال عز وجل : {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 129]

لعل هنا بمعنى ” كأن “.

فيكون معنى الآية : وتتخذون مصانع كأنكم تخلدون “

فيا ترى ما معنى التعليل هنا على ضوء هذه الآية ؟

معناه كالتالي :

ذلكم وصاكم به لتعقلوا ، أي من أجل أن تكونوا عقلاء .

والعقل : هو حسن التصرف .

وضده : السفه ، وهذا يدل على ان من التزم وامتثل بما سبق ، فهو عاقل رشيد ، وأن من لم يمتثل بما سبق فهو بمنزلة السفيه .

وقد جاء هذا مصرحا في آيات أخر :

قال عز وجل : { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ } [البقرة: 130]

وقال عز وجل عن اليهود : {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142]  الآية .

وقال عز وجل عن الجن فيما ذكروه عن المشركين من الجن : {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا } [الجن: 4]  .

إلى غير ذلك من الآيات