الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس( 189)
حديث (لتتبعن سنن من كان قبلكم) الجزء (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم ذكر المصنف رحمه الله :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال :
(( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه
قالوا : يا رسول الله : اليهود والنصارى ؟
قال : فمن ))
أخرجاه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــ
ذكر المصنف حديث أبي سعيد الذي يفسر مناسبة ذكر الآيات السابقة في الباب
فقوله : (( أبو سعيد )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــ وأبو سعيد مر معنا
وقوله : (( لتتبعن )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذه الجملة ثلاثة مؤكدات :
المؤكد الأول :
ــــــــــــــــــ
القسم الذي دل عليه اللام
المؤكد الثاني :
ـــــــــــــــــــــ
اللام
المؤكد الثالث:
ـــــــــــــــــــــ
نون التوكيد
وإذا كان الخبر مؤكدا بأكثر من مؤكدين يُعد خبرا إنكاريا .
لأن الخبر ثلاثة أنواع :
ـــــــــــــــــــــــــــ
ــ خبر ابتدائي
ــ خبر طلبي
ـــ خبر إنكاري
ــ فإذا قلنا :
إن هذا خبر إنكاري فإن هذا يقدح في تصديق الصحابة للنبي ،لأن الخطاب يوجه لهم وحاشاهم
وقد وصفهم الله بالصدق :
((مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ))
{وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }
ومن هنا فإن الخبر قد يكون بأكثر من مؤكدين لا للدلالة على الإنكار ؟
وإنما الأمور :
ــــــــــــــــــــــ
الأمر الأول :
ــــــــــــــــــــ
إما لشرف المؤكد
الأمر الثاني :
ــــــــــــــــــــ
ــ وإما لتقوية المؤكد وتعظيم شأنه
فأما النوع الأول :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكما لو قلت :
والله إن أفضل كلمة : ” لا إله إلا الله “
فهن تؤكد بهذه المؤكدات لشرف هذه الكلمة لشخص لا ينكرها
وأما الأمر الثاني :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
فهو كما ذكر هنا لتقوية الكلام ، والتنبيه عليه
فليس كل خبر يؤكد ممن مؤكدين يدل على الإنكار
ومن ثم :
فإن البلاغيين يقولون : لا يمكن لشخص يفهم البلاغة إلا مَن عنده تذوق يحصل بإمعان نظر في السياق ، فإذا نظر في السياق تبين للقارئ أو للمستمع تبين له : ما المراد من هذا الخبر
وقوله : (( لتتبعن )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون المحذوفة لتوالي الأمثال ، إذ اجتمعت هنا :
” ثلاث نونات ” :
ــ 1ــ نون الرفع ، لأنه من الأفعال الخمسة : ” تتبعون “
2ـــ النون المشددة عبارة عن نونين :
فحذفت نون الرفع لأن توالي الأمثال لا يستحسن في اللغة ، فلما حذفت النون بقيت الواو ساكنة
ونون التوكيد المثقلة عبارة عن نونين :
الأولى : ساكنة ، والثانية : متحركة
فلما اجتمع ساكنان حذفت واو الجماعة
فالفعل المضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون المحذوفة بسبب توالي المثال ،
و ” واو الجماعة ” المحذوفة لتلاقي الساكنين فيمحل رفع فاعل
و ” نون التوكيد “ حرف لا محل له من الإعراب
ولذا لم يقل :
(( لتَتَبِعَنَّ ))
لو قال : (( لتَتَبِعَنَّ )) لكان الخطاب موجه إلى فرد فلما ضمت العين دل ذلك على أن هناك شيئا محذوفا وهو واو الجماعة
فيكون الخطاب في الاتباع للجمع
ولذا :
إذا جاءك في كتاب الله : (( ليقولَن )) الخطاب لفرد
(( ليقولُن )) الخطاب للجمع
ـــ لكن لو قال قائل :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أخذنا أن الفعل المضارع إذا اتصلت به نون التوكيد يبنى على الفتح
فلم لا يبنى هنا ؟
نقول :
ــــــــ
لم يبنَ هنا لأن نون التوكيد ليست مباشرة ، واشترطنا أن تكون نون التوكيد مؤثرة في بناء الفعل المضارع أن تكون مباشرة
أما إذا لم تكن مباشرة فلا عبرة بها ، يكون الفعل المضارع معربا
ويحصل الفاصل : إما بواو الجماعة أو بألف التثنية أو ياء المخاطبة
وهي العلامات على الأفعال الخمسة
(( لتتبعُنّ )) لا يصح أبدا أن تقول : (( لتتبعون ))
وهنا موضع من المواضع الخمسة التي يؤكد فيها الفعل المضارع
فالفعل المضارع يؤكد ، ولك في توكيده خمس حالات :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يجب أن يؤكد الفعل المضارع كما هنا ــــــ متى ؟
1ــ إذا كان الفعل المضارع واقعا في جواب الشرط
2ـــ وفيما يدل على الاستقبال
3ــ وفي سياق الإثبات
وهنا واقع في جواب الشرط :
الأصل : (( والله لتتبعن ))
فيجب توكيد الفعل المضارع إذا كان جوابا لقسم
إذا كان في سياق الإثبات
وإذا كان في سياق الاستقبال
4ــ إذا لم يفصل فاصل بينه وبين لامه بفاصل يجب أن يؤكد
وهنا توافرت فيه الشروط :
مثل :
(( لتسوون صفوفكم )) هنا يجب أن يؤكد الفعل المضارع بهذه النون ، لأن النون تخلص وتصفي الفعل للاستقبال
ولذا تدخل على فعل الأمر مطلقا ـــــــــ لم ؟
لأن فعل الأمر يدل على الاستقبال
لا تدخل على الماضي مطلقا ــــــــــــ لم ؟
لأنه يدل على المضي
هل تدخل على الفعل المضارع ؟
لابد أن ننظر ،لأن الفعل المضارع ربما يدل على الحال ، وربما يدل على الاستقبال
ولذا الفعل المضارع جعلوا له حالات خمس
وقوله :
(( لتتبعن سَنن ))
وضبطت :
(( سُنن ))
فبالفتح وهي رواية الأكثر تكون ههذ الكلمة مفردة
وما كان على وزن : (( فَعل )) فإنها مفردة
فنن جمعها ـــــــ أفنان
سبب ـــــــ أسباب
وهلم جرا
وأما بالضم فإنه جمع
إذاً :
(( لتتبعن سَنن )) أي طريق من كان قبلكم
(( لتتبعن سُنن )) أي طرق
(( لتتبعن سنن من كان قبلكم )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إضافة إلى أن هناك رواية عند البخاري :
(( لتأخذن بقرون من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ))
وقال :
(( لتتبعن القرون من قبلكم في حلوها ومرها ))
وقال – كما عند أبي يعلى – :
(( لا تفنى هذه الأمة حتى تأخذ بقرون من قبلها حتى لو أن أحدهم أتى امرأته في الطريق لأتاها في الطريق حتى يقول بعض صالحيهم : لو واريتها عن الطريق ))
جاء في رواية – يقول الألباني إذ أورد هذا الحديث في الضعيفة :
قال :
(( فإن مثله فيمن قبلكم كمثل أبي بكر وعمر ))
يعني :
مَن أمر بأن يسترها في الطريق هما بمنزلة أبي بكر وعمر
لكن هذه الجملة ضعيفة
(( لتتبعن سنن من كان قبلكم )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لو قلت : لو حذفنا ” كان ” أيصح ؟
” لتتبعن سنن من قبلكم “
يصح
ومن ثم :
ـــــــــــــــ
فإن ” كان ” هنا : إما أن تكون ناقصة لها حكمها في رفع الاسم ونصب الخبر
وإما أن تكون زائدة
فإذا وقعت “كان ” بين شيئين متلازمين بحيث لو حذفت ما اختل المعنى جاز لك أن تقول : هي زائدة
فلو قلت : (( لتتبعن سنن من قبلكم )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا إشكال في هذا
وقوله : (( حذو )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
حذو : ـــــــــــــــ هنا منصوب على المصدرية
حذا ــــــ يحذو ــــــــــــــــ حذوا
ما تفسير هذا الحذو ؟
قد تحذو حذو فلان لكنه حذو مطلق ؟
إذاً لابد أن نفسر هذا الحذو
رواية البخاري :
(( شبرا بشبر وذراعا بذراع ))
يعني : ما يخطون شبرا إلا وتخطو الأمة مثله ، لا يتقدمون ذراعا إلا وتتقدم الأمة ذراعا بل ما هو أعظم :
قال : (( حذو القذة بالقذة )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القذة بالقذة :
ــــــــــــــ
هي ريشة السهم
فالسهم إذا وضع فيه ريش حتى يكون مسددا في الرمي لابد أن يكون الريش متساويا
هذه بجوار تلك : لا تختلف
وهذا تأكيد لاتباع سنن من كان قبلنا إذاً عندنا مؤكد ؟
ما مضى في : (( لتتبعن ))
الثاني : (( حذو ))
الثالث : (( القذة بالقذة ))
الرابع :((حتى لو خلوا جحر ضب لدخلتموه )) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لو ـــــــ أداة امتناع لامتناع
إذاً كيف نفسر هنا ؟
امتنع دخول الأمة لجحر الضب لامتناع من قبلنا بدخوله
فامتنع هذا الامتناع ذلك
وهنا للمبالغة : وذلك لأن جحر الضب متعذر أن يدخل فيه
ولما كان من المبالغة فمن باب أولى لو دخلوا جحر فيل أو أسد لدخلتموه
[ فما جاء في سياق المبالغة فإنه لا مفهوم له ]
بمعنى : أنهم لو دخلوا جحر ما هو أعظم من الضب لدخلتموه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ