الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (193) حديث ( إن الله زوى لي الأرض فرأيت) الجزء (3)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (193) حديث ( إن الله زوى لي الأرض فرأيت) الجزء (3)

مشاهدات: 444

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس( 193)

حديث( إن الله زوى لي الأرض فرأيت) الجزء (3)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله : (( إني سألت ربي لأمتي  )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فهذه هي الدعوة الأولى من النبي عليه الصلاة والسلام لأمته :

قال :

(( وإني سألت ربي  ))

فالربوبية هنا هي ربوبية خاصة الخاصة

لأن الربوبية ثلاثة أنواع :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النوع الأول : الربوبية العامة لجميع الخلق مسلمهم وكافرهم

النوع الثاني : الخاصة في للمؤمنين

يربي قلوبهم بالإيمان ، ويغذيها بذلك

النوع الثالث :  ربوبية خاصة الخاصة

وهي التي للأنبياء لأنهم أعظم قدرا من غيرهم

فقوله : (( وإني سألت ربي لأمتي  )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأمة : هنا هي أمة الإجابة

(( وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفي بعض  النسخ :

((بسنة بعامة ))

وهاتان روايتان كلتاهما في صحيح  مسلم : بوجود الباء وبحذفها

فإذا حذفت فلا إشكال

وإذا بقيت فإنها حرف زائد يراد منها التأكيد

ودلّ على أنه حرف زائد الرواية الأخرى

و [ عامة ] تعد صفة للسنة

و [ السنة ] هي   الجدب والقحط  :

ولذا قال تعالى :

(( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ))

ودعا النبي عليه الصلاة والسلام على قريش فقال :

(( اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف ))

وهل استجاب الله لنبيه ؟

سيأتي بيان ذلك إن شاء الله

هذه هي الدعوة الأولى

الدعوة الثانية :

(( وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العدو ضده الولي

والنتائج لو سلط عليهم عدو :

(( فيستبيح بيضتهم )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

و [ البيضة ] : هي  ما يوضع على الرأس لتتقي به ضربا السيوف

هذا في أصلها

وأما  معناها في  الاصطلاح في هذا الحديث :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فقال بعض العلماء :

الجماعة :

بمعنى : أن يستبيح جماعتهم ومعظمهم

وقال بعض العلماء :

المراد من ذلك ساحتهم

فيكون المعنى : أن لا يسلط عليهم عدوا فيستبيح ما  حازوه من الأراضي ، وإذا سلط عليهم العدو فأخذ منهم هذه الأراضي فإن الهلاك قريب منهم

والتعبير بالاستباحة :

يدل على أن العدو إذا سلط على هذه الأمة فإنه يجعل القتال فيهم بمثابة الشيء المباح الذي هو بمثابة ما يعتاد فعله

فلا يستأنف ولا يأنف ولا يتعاظم ما يفعله في الأمة

بدلالة أنه يستبيح البيضة ، وهي المجموعة العظمى :

إما منهم من عددهم

وإما من أراضيهم

وقوله : (( وإن ربي )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يقال فيها ما قيل في السابقة

ربوبية خاصة الخاصة

وقوله : (( وإن ربي قال يا محمد )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[ يا ] : حرف نداء

وفي الجملة دلالة على إثبات الكلام لله

وكلام الله قد مر معنا

وهنا : أي نوع من أنواع الكلام ؟

هو نوع المناداة

قوله : (( قال : يا محمد )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وكلمة : [ محمد ] مؤكدة للقول في قوله : (( قال )) فهاتان الجملتان تدلان على إثبات الكلام لله

و [ محمد ] منادى مبني على الضم

و [محمد ] مر معنا أنه من أسماء النبي عليه الصلاة والسلام

وقوله : (( قال : إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كلمة قضاء : تدل على إثبات القضاء لله

وقد مر معنا : أن القضاء نوعان :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قضاء كوني

وقضاء شرعي

ــ والذي دل على أنه قضاءان ما جاءت به النصوص الواردة في القضاء :

ــ فمنها ما يدل على أنه قضاء شرعي لا يلزم وقوعه ، وهو يحبه الله :

كقوله :

((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ))

فقد يُكفر بالله ويُعق الوالدان

ـــ ومن أدلة القضاء الكوني قوله :

((وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ))

ووقع هذا

ــ * ومما يؤكد أن القضاء أنواع : الإطلاق  هنا :

فإنه قال :

(( إني إذا قضيت قضاء )) فيفهم منه أن هناك أنواعا

ولذا قال :

(( إني إذا قضيت قضاء  ))

لما كان فيه من دلالة ، فلما نكَّر : (( قضاء  ))  دل على أن هناك أنواعا فقال : (( لا يرد ))

فهذه تفيدنا أيضا بأن القضاء المذكور في الحديث كوني

وهذا يدل على عظمة الله وقوته وجبروته ، وعظيم سلطانه

وذلك بأن المخلوق قد يقضي بشيء ويرد

أما الله فإن قضاءه لا يرد

ولذا : في الدعاء الذي بعد الصلاة :

(( ولا راد لما قضيت ))

كما جاء عند الطبراني ويصححها ابن حجر ، ويضعفها آخرون

وكذلك قوله :

{وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }

وقضاء الله الكوني يلزم وقوعه ، وقد يكون فيما يحبه الله ، وفيما يكرهه

ولكن إذا قضى شيئا مكروها فإنه لا يقضيه لإرادة الشر ، وإنما للخير :

لأن فعله كله خير

فالشر ليس في فعله وإنما في  المفعول

الشر ليس في القضاء ، إنما في  المقضي

ولذا في  دعاء القنوت :

(( وقني شر ما قضيت ))

ولم يقل : (( وقني شر قضائك ))

فالشر في مفعولاته لا في  فعله

وقوله :

 (( وإني أعطيتك لأمتك : أن لا أهلكهم بسنة عامة )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقد استجيب للنبي عليه الصلاة والسلام في الدعوة الأولى

ولذا قال كما عند مسلم  :

(( سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني الثالثة

قال : سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها ، وٍسألته ان لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها ))

وأما الثالثة فمنع

ما هي هذه الثالثة ؟

لا نعجل عليها

وقوله :

(( وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما إعراب فيستبيح ؟

” الفاء ” سببية

” يستبيح ” فعل مضارع منصوب بفاء السببية المسبوقة بالنفي

(( فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم بأقطارها أو قال : من بين أقطارها حتى يكون ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حتى ما نوعها ؟

غاية

” يكون ” فعل مضارع منصوب بـ ”  حتى ”  وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره

هذا هو رأي الكوفيين

أما بالنسبة إلى رأي البصريين فإنه كذلك

لكن الناصب له [ أن ] المضمرة بعد حتى

ويمكن أن تكون حتى هنا عاطفة :

فيكون معنى الحديث :

وأن لا تسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم  إلى أن قال :

(( ويكون بعضهم يهلك بعضا ))

أو إلى ان يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا

هذه الدعوة استُجيبت أم لم تستجب ؟

هذه الدعوة مستجابة بشرط أو مقيدة

لكن هذا التقييد لما اختلف عن الإطلاق في  الدعوة الأولى دل وأشار إلى أن هذه الدعوة لم تستجب

وبالفعل لم تستجب

ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في  الحديث المذكور آنفا عن مسلم :

(( سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني الثالثة : سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها ، وٍسألته ان لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها ، وسألته ان لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها ))

فهي لم تستجب

وهذا القيد بين في الهلاك والسبي

فدل على أن العدو لا يسلط على هذه الأمة إلا إذا وقع منهم أمران :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأمر الأول :

أن يهلك بعضهم بعضا

الأمر الثاني :

أن يسبي بعضهم بعضا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ