الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (22) حديث (أتدرى ما حق الله على العباد … )(3)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (22) حديث (أتدرى ما حق الله على العباد … )(3)

مشاهدات: 570

التوحيد الموسع لكتاب التوحيد

الدرس ( 22 )

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، قال : ” كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي : ( يا معاذ ، أتدرى ما حق الله على العباد ، وما حق العباد على الله ) ؟

الجزء الثالث

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، قال : ” كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي : (( يا معاذ ، أتدرى ما حق الله على العباد ، وما حق العباد على الله ؟ فقلت : ” الله ورسوله اعلم ” ، قال : (( فإن حق الله على العباد : أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وحق العباد على الله ان لا يعذب من لا يشرك به شيئا ))

فقلت : ” يا رسول أفلا أبشر الناس ؟

قال : لا تبشرهم فيتكلوا ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فقلت : يا رسول الله ، أفلا أبشر الناس ؟

الهمزة هنا : همزة استفهام

” والفاء ” حرف عطف

وحرف العطف يحتاج إلى معطوف ومعطوف عليه :

فالمعطوف هنا : ” أبشِّر “

والمعطوف عليه : ” ليس له ذكر “

ومن هنا : فإن بعض العلماء ، وأعني بهم علماء النحو يقولون : ” إن حرف العطف إذا سبقته همزة الاستفهام ، فيُقدَّر ما بعد همزة الاستفهام جملة تناسب السياق “

والمناسب هنا : ” أأسكت فلا أبشر الناس ؟ ”

وهذا الحكم يجري على مل كثيرة واردة في كتاب الله جل وعلا

وبعض العلماء يقول : ” ليس هناك في هذه الجملة معطوف عليه ، وإنما أصل الكلام : ” ان الفاء ” قبل همزة الاستفهام ، فيكون الأصل : ” فألا أبشر الناس “

لكن لما كان هذا السياق ركيكا ، وحق همزة الاستفهام ان تتصدر الكلام جُعلت هكذا : ” أفلا أبشر الناس ”

فتكون ” الفاء ” حرف عطف على الجملة السابقة

وكما قلت : هذا له نظائر ، ولتنزل هذين الحكمين على ما يشابههما :

كقوله تعالى : ((أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ))

وقوله تعالى : ((أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ ))

هذا متى حرف ” الفاء “

ومتى حرف ” الواو “

قال تعالى  : {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم ))

فيكون أصل الكلام :

– متى نقدر كلاما يناسب المقام

” اكذبوا وكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم “

فقوله : (( أفلا أبشر الناس )) فيه هذان الوجهان ، ولتختر ما تشاء

لكن الأقرب فيما أراه هو ” الأول ” ، حتى نسلم من التقديم والتأخير ، وحتى نعطي الكلام زيادة معنى .

 

مازال الحديث حول حديث معاذ رضي الله عنه

وتوقفنا عند قوله : (( أفلا أبشر الناس ))

البشرى في أصلها تكون فيما هو خير ، ولها أوجه ثلاثة :

1ـــ إما أن تُقيد بالخير

2ـــ إما ان تقيد بالشر

وإما مطلقة

فإذا جاءت مقيدة فعلى حسب ما قُيدت به :

فمثال تقييدها بالخير :

قوله تعالى : {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ))

وكقوله تعالى : ((وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ))

والآيات في هذا المعنى كثيرة

فإذا قُيدت بالخير فتكون في الشيء المفروح به .

وإذا قُيدت بالشر فعلى حسب ما قُيدت به ، نحو :

قوله تعالى عن أهل النار من الكفار : ((فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ))

الوجه الثالث : في البشرى :

أن تأتي مطلقة :

كأن يقال مثلا : ” يا فلان بشرى لك ”

فيكون معناها في حال الإطلاق كمعنى التقيد بالخير

ويدل لهذا قوله تعالى : {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى ))

فالبشرى هنا مطلقة وقد فُسرت في آيات أخرى ان هذه البشارة بشارة بمجيء مولود له وهو ” إسحاق ”

وقوله عليه الصلاة والسلام لبني تميم : (( اقبلوا البشرى )) فقالوا : ” بشرتنا فأعطنا “

فدل على أن البشرى إذا اُطلقت لا تكون إلا في الخير

ونحو قوله عليه الصلاة والسلام  : (( أتاني جبريل فبشرني ، فسجدت لله شكرا ))

وجاءت رواية أنه بشره : (( أنه من صلى عليه واحدة صلى الله عليه به عشرا ))

فسجوده عليه الصلاة والسلام يدل على ان إطلاق البشرى لا تكون إلا في الخير

فيكون استعمال البشرى في الخير في  حالتين :

1ـــ أن تأتي مطلقة

2ـــ أن تأتي مقيدة بالخير

فاستعمالها في الشر لا يكون إلا في حالة واحدة ، وهي :

حالة تقييدها بالشر

وسُميت البشرى بهذا الاسم : لأن الخبر السار أو الخبر المحزن تظهر علاماته على بشرة الإنسان إما فرحا وإما حزنا :

ولذا إذا رأى النبي عليه الصلاة والسلام او سمع ما يسره برقت أسارير وجهه عليه الصلاة والسلام

وإذا رأى أو سمع ما يغضبه احمرّ وجهه وظهرت آثار الغضب عليه ، عليه الصلاة والسلام

والوقائع في هذا كثيرة .

ومعلومة :

وقد قال علماء اللغة :

” إن البشرى اُستعملت في الشر استعمال استعارة :

بمعنى :  ” أن كلمة البشرى الموضوعة في الشيء السار اُستعيرت من معناها الأصلي إلى المعنى الآخر، ” هو المعنى المحزن ”

البلاغيون يعدون هذا من أنواع المجاز :

ولكن الصحيح : أنه لا مجاز في القرآن ولا في السنة ولا في اللغة

وهذا ما جرى عليه قول المحققين : كـ ” شيخ الإسلام رحمه الله ، وابن القيم وغيرهما  “

فليس في الكلام ما يُسمى بمجاز  ، وإنما الكلام صنف واحد: وهو صنف الحقيقة ” وإنما جرت هذه الإطلاقات  بناء على أنه أسلوب من أساليب اللغة العربية

وقد مضى طرف من الحديث حول هذه المسألة عند قوله تعالى : ((وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ))

وقد اتفق أهل اللغة على أن المجاز يجوز نفيه على القول بوجوده في اللغة :

فإذا قيل : ” إن في القرآن مجازا “ جاز على هذا القول أن يكون في القرآن ما يجوز نفيه

وهذا من أبطل الباطل

ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله : ” لم يعرف المجاز في القرون الأولى ، ولم يجر على ألسنتهم ، وما ورد أن الإمام أحمد قال في مسألة لغوية : ” هذا مجاز ” ليس مراده المجاز الذي يريده أهل اللغة ، وإنما مراده : أن هذا الاستعمال مما يجوز في اللغة ، لا أنه من قبيل المجاز الذي يجوز نفيه “

وقد عدّ ابن القيم رحمه الله المجاز من الطواغيت

عده طاغوتا

وذلك – كما قلنا أن المجاز يجوز نفيه ، فتوصل به العقلانيون كالمعطلة لأسماء الله وصفاته : فلا يثبتون المحبة ، ولا يدا لله عز وجل ، ولا غيرها من سائر الصفات

ويتبين بهذا بطلان من يقول : ” ما جاز في اللغة جاز في القرآن ، وحجتهم ان القرآن نزل بلغة العرب : قال تعالى:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

وقال تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

وقال عز وجل : ((وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ{192} نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ{193} عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ{194} بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ{195} ))

وقال عز وجل : {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

وقال تعالى : ((وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ))

والآيات في هذا المعنى كثيرة

فحجتهم داحضة وباطلة : فليس كل ما يجوز في اللغة يجوز في القرآن :

وذلك لأن في اللغة ما يسمى بــ ” تجاهل العارف ” :

وذلك كأن يقول شخص لآخر- من باب التهكم – : ” أأنت رجل أم طفل ؟ “

هو يعلم أنه رجل ، لكن من باب تجاهل العارف

وهذا لا يصح في كتاب الله عز وجل ، ففيه نسبة الجهل أو التجاهل من الله عز وجل

وفيه ما يسمى بــ ” الإغراق ” :

وهو المبالغة في الشيء إلى أن يصل إلى أعلى درجات الكذب ، والقرآن منزه عن هذا

وإنما استفضت في هذا لأنه أمر يتعلق بهذا الكتاب العظيم ، والذي نُفي منه ما هو أعظم شيء فيه  ، وهو آيات الصفات

لذا كانت آية ” الكرسي ” أعظم آية ـــــــــ  لم ؟

لأنها تحدثت عن صفات الله عز وجل

سورة ” الإخلاص “ بلغت من الفضل حدا إلى أن جُعلت “ ثلث القرآن ” لأنها أخلصت في ذكر صفات الله عز وجل

ومن ثَم فما ورد من نصوص يزعم أهل المجاز أنها مجاز رُدَّ عليهم ، وأجيب عن هذه الآيات جوابا شافيا من قبل المحققين من أهل العلم

فالجواب المجمل على من زعم أن في القرآن مجازا :

أن يقال : هذا أسلوب من أساليب اللغة العربية ، ولأن المجاز يجوز عندكم نفيه ولا يمكن بأي حال جواز نفي شيء من القرآن .

أما المفصل :

فقد أُجيب عن كل آية ، وسبق معنا آية الإسراء : ((وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ))

ولعل ما يأتي من نصوص من كتاب التوحيد أو غيره يوقفنا على هذه الآيات التي اُدعي فيها المجاز ، ومن ثَم يجاب عنها بالجواب المفصل

كالجواب المفصل في آية الإسراء

وهناك رسالة للعلامة ” الشنقيطي صاحب كتاب أضواء البيان رسالة مفيدة في هذا الباب سماها : ((منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز ))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فقول معاذ رضي الله عنه : (( أفلا أبشر الناس )) :

فيه حرص الصحابة رضي الله عنهم على إيصال الخير من قول أو فعل إلى الناس

كيف وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام ؟

:(( أفضل الأعمال سرور تدخله على قلب أخيك المسلم ))

وهذا إن دل يدل على سلامة قلوبهم ، وطهارة أفئدتهم ممتثلين قول النبي عليه الصلاة والسلام : (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ))

ولذا لما جاءت توبة الله عز وجل على الثلاثة الذين خلفوا :

كعب بن مالك

وهلال بن أمية

ومرارة بن الربيع

نادى المنادي : ” أبشرْ يا كعب بن مالك ”

وكان يصلي على سطح بيته ، فسمع البشرى ، وكان هذا المنادي : ” أبو بكر الصديق ” رضي الله عنه

ولما جاءت ” ثقيف “ مسلمة جاء أحد الصحابة يبشر النبي صلى الله عليه وسلم فاستسمحه أبو بكر أن يبشر هو النبي صلى الله عليه وسلم بهذا

ولذا لما دخل : ” كعب بن مالك ” على النبي صلى الله عليه وسلم بعدما بشر بالتوبة قال : (( يا سعد أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك ))

ولا شك أنه خير : سُطر ذكرهم في كتاب الله عز وجل إلى قيام الساعة

فخليق  وحري بنا أن نحذو حذو هؤلاء القوم :

فهذا معاذ يطرح على النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر يدخل السرور على الناس

كيف وإمامهم محمد بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه ، كان يبشر ، بل عن من أوصافه التي وصف بها في كتاب الله عز وجل : ” مبشر ”

قال عز وجل : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً }

وبشارات النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة من بينها :

مثال واحد :

قوله عليه الصلاة والسلام : (( بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ))

تدخل عليه ابنته فاطمة رضي الله عنها فيهمس في أذنها فتبكي ، ثم همس أخرى ففرحت :

أخبرها أولا بموته عليه الصلاة والسلام

ثم أخبرها ثانيا : بأنها أول نم تلحق به من أهل بيته

فنظافة القلب نحن بحاجة ماسة إليها في هذا العصر لاسيما أنه عليه الصلاة والسلام أخبر أن من أشراط الساعة : ” وقوع التناكر بين الناس “

وهذا إخبار لا إقرار :

وإنما إخبار لتلافي وقوع هذا الشيء

ثم إن من السنة التي أقر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليها من السنة : ” إذا بُشِّرت أن تقابل هذه البشرى بهدية أو عطية للمبشر ، لتدخل السرور على قلبه “

ولذا لما نادى أبو بكر رضي الله عنه لم يكتف الصحابة بهذا

بل ذهب أحدهم إلى كعب بن مالك وبشره :

كان يقول رضي الله عنه : ” كان الصوت أسرع إليّ من الرجل “

فيقول : ” فخلعت ثوبي فأعطيته إياه “

ولذا ما يصنعه البعض من إدخال الحزن على قلب أخيه المسلم عن طريق الدعابة

هذا الصنيع جمع فيه سوء على سوء

فمع إدخال  الحزن على قلب أخيه المسلم كذب :

والكذب ى يجوز لا في جد ولا في هزل

فكيف إذا أُصحب بحزن يقلق قلب أخيه المسلم

ولذا قال عليه الصلاة والسلام : (( أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ، وإن كان محقا ))

فمعنى ربض : أي أدناها

ومعنى المراء : أي الجدل

وموضع الشاهد : ” وببيت في وسط الجنة ، لمن ترك الكذب وإن كان مازحا ”

فقول معاذ رضي الله عنه : (( أفلا أبشر الناس ))

كلمة ” الناس “ يظهر منها في هذا الحديث ليست على العموم ، وإنما يكون التبشير للمؤمنين

وإطلاق كلمة ” الناس ” على البعض موجود في كتاب الله عز وجل :

قال عز وجل : {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ))

فالناس ” في الكلمة الأولى هو ” نعيم بن مسعود ” وهو فرد واحد

والناس ” في الكلمة الثانية هو : أبو سفيان ، وقومه ، لما عادوا من غزوة أحد

وكلمة ” الناس ” لهم من حيث الاشتقاق اللغوي ثلاثة معاني :

المعنى الأول : الأنس

المعنى الثاني : النسيان

المعنى الثالث : الحركة

وهذه المعاني الثلاث موجودة في أفراد الناس :

فهم يأنسون

وينسون

ويتحركون

فالمعنى الأول : وهو ” الأنس ” :

فإن الناس يأنس بعضهم ببعض ، وهذه طبيعة ابن آدم يأنس بغيره ، ولاسيما أحبابه ومعارفه :

ولذا قال عليه الصلاة والسلام – كما عند مسلم –  : (( الأرواح جنود مجندة ، ما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ))

وأعظم وأجل الأنس : ” هو أنس العبد بربه جل  وعلا

ولذا قال بعض السلف : ” مساكين أهل الغفلة خرجوا من الدنيا ، وما ذاقوا أطيب ما فيها

قيل : وما أطيب ما فيها ؟

قال : ذكر الله والأنس به “

وحياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة سلفنا فيها من الوقائع والقصص مت يؤكد هذا

كيف وقد قال عز وجل:(( أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ))

{الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }

المعنى الثاني : النسيان :

وهذا موجود في ابن آدم :

ولذا صحّ : (( أن آدم عليه الصلاة والسلام لما عُرضت عليه ذريته رأى من بينهم رجلا يشع في وجهه النور ، فسأل : من هذا ؟

فقيل : هو داود عليه الصلاة والسلام

فسأل عن عمره : فستقصره واستقله

فقال : ليُؤخذ من عمري أربعين سنة

فلما جاء وقت وفاة آدم ، قال : ” بقي عليّ أربعون سنة

فقيل : ألم تعطها ابنك داود ؟

قال عليه الصلاة والسلام : ” فنسي آدم فنسيت ذريته “

وقال عز وجل:((وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ))

من النسيان على أحد قولي المفسرين

ولذا في الصحيحين :

(( لما سها النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته قال : إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني ))

وأما  حديث : (( إنما أنسى أو أُنسَّى لأشرع لكم )) فلا أصل له

المعنى الثالث : الحركة :

ولذا قالت أم زرع في حديثها الطويل في الصحيحين ، قالت عن زوجها : ” أناسا من حلي أذني ))

يعني : حلاها بالجواهر حتى سُمع لهذه الجواهر صوت لحركتها .

المعنى الثالث من المعاني التي هي أصل اشتقاق كلمة ” الناس ” :

الحركة :

والإنسان بطبعه متحرك ، ولابد أن يكون متحركا

ولذا قال عليه الصلاة والسلام : (( أصدق الأسماء حارث وهمام ))

فصدقها من حيث إن الإنسان يهم ، ويحرث : يعني يكتسب

ولذا قال عليه الصلاة والسلام – كما عند مسلم – : (( كل الناس يغدوا فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها )) يعني مهلكها

ولا يمكن أن يخرج الإنسان عن هذا الأصل

ولذا جاءت عبارة السلف : ” النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية “

والنبي عليه الصلاة والسلام قال كما في صحيحي البخاري : (( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ))

وذلك لأن الفراغ يستفيد منه العاقل فيما يعود عليه بالنفع في دنياه وآخرته

ولذا قال عليه الصلاة والسلام : (( اغتنم خمسا قبل خمس ………… ذكر منها : فراغك قبل شغلك ))

وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله : ” الإنسان بطبعه متحرك ، ومن ثم فلا تظن أن بقاءك منعزلا عن الخير والطاعة لا تظن أن في ذلك سلامة  “

والواقع يشهد بهذا

ولذا قال ابن القيم رحمه الله : ” النفس كالرحى الدائرة التي لا تسكن ،  لابد أن تطحن شيئا ، فإذا وُضع فيها حب أخرجت دقيقا ، وإلا أخرجت حصى وتبنا ، وعند العجن والطبخ يتبن لكل إنسان ما طحنه ، ومن ثم فالعاقل ولاسيما في هذه الأزمان أزمان الفتن : أن يشغل وقته بما هو نافع ومفيد ، وإلا فليعلم أنه على هوة لا يدري ما هي عاقبتها ؟

فلا تدع لهذه النفس مجالا للفراغ إلا فراغا تريح فيه النفس لتستعين بهذه الاستراحة على خير آخر “

وذلك كما قال معاذ رضي الله عنه : ” إني أحتسب قومتي – يعني قيامي بالليل – أحتسب قومتي ونومتي “

وكم رأينا من أناس  كانوا على خير في طلب العلم مثلا فسولت لهم أنفسهم أن يريحوها ، وإذا بهذه الراحة تتبعها راحات حتى أصبح الواحد منهم بمعزل تام عن هذا العلم

ولذا لو رغب أن يعود أعيته نفسه

فهذه هي معاني اشتقاق كلمة : ” الناس ”

وهذا الأصل الأخير وما جرى حوله من تعليق يذكرنا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو أن : (( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ))

كان عليه الصلاة والسلام – كما أخبرت عائشة رضي الله عنه : ” إذا عمل عملا أثبته “

ونحن في زمن قد انفتحت علينا أبواب الدنيا ، والدنيا مشغلة بطبعها،والنفس راغبة إلى الراحة والخلود والدعة:

الشيطان

الأقران

البيئة المحيطة بك

ولذا قال الحسن البصري رحمه الله : ” إياكم وشغل الدنيا ، فإن العبد لا يفتح على نفسه بابا من أبوابها إلا أوشك ذلك الباب أن يفتح معه عشرة أبواب”

وأقوالهم النيرة لو نزِّلت على الواقع لوجدنا أنها منطبقة عليه تماما

فنسأل الله العظيم أن يجعلنا هداة مهتدين ، وان يجعلنا مباركين أينما كنا .