الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (33)حديث عبادة (من شهد أن لا إله إلا الله … ) (5)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (33)حديث عبادة (من شهد أن لا إله إلا الله … ) (5)

مشاهدات: 415

الشرح الموسع لكتاب التوحيد

الدرس (33)

حديث عبادة(من شهد أن لا إله إلا الله) الخامس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تتمة حديث ” عبادة رضي الله عنه “:

(( من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وان محمدا عبده ورسوله ، وان عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، والجنة حق ، والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله عليه الصلاة والسلام : (( وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” كلمته “ ـــــــــــــــ أي كلمة الله عز وجل ، وليس عيسى عليه الصلاة والسلام كلمة الله ، وإنما خُلق عيسى بقوله عز وجل :

ولذا قال عز وجل : {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }

فيكون عيسى عليه الصلاة والسلام أحد أصناف البشر

وذلك لأن البشر على أربعة أصناف :

الصنف الأول : خلق من غير أب وأم :

” وهو آدم عليه الصلاة والسلام “

الصنف الثاني : من خلق من آدم دون أب :

وهو عيسى عليه الصلاة والسلام

الصنف الثالث : خلق من أب دون أم :

كحواء خلقت من آدم

الصنف الرابع :

خلق من ذكر وأنثى :

وهم غالب البشر

وقد أرسل عز وجل جبريل إليها كما قال عز وجل : ((وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا ))

وقال عز وجل : ((فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا – ( يعني جبريل ) – فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً{17} قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً{18} قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً{19} ))

الآيات في سورة ” مريم ”

وهذه الجملة من الحديث فيها إثبات صفة من صفات الله عز وجل ، وهي : ” صفة الكلام “

والكلام ــــــــــــ من الصفات الذاتية الفعلية :

وذلك لأن صفات الله عز وجل الثبوتية تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

1 ــ صفات خبرية كاليد والقدم

2ـــ صفات ذاتية كالسمع والبصر :

وهي التي لا يزال ، ولم يزل متصفا بها ، فهو موصوف بها في الأزل ، ولا يزال عز وجل

بعضهم يدرج الخبرية في الذاتية

3 ــ الصفات الفعلية لله عز وجل :

كنزوله إلى السماء الدنيا ، فإنها تتعلق بمشيئته عز وجل .

وقد تكون الصفة ذاتية فعلية كالكلام ، فنوع الكلام أزلي وآحاده بمشيئته عز وجل

ومعتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله عز وجل ، وصفاته تقدم ذكره :

فهو يتكلم بحروف ومعاني بصوت يسمع متى شاء كما يليق بجلاله وعظمته :

وذلك لأن صفة الكلام صفة كمال

وأما الخرس صفة نقص في حق المخلوق فكيف بالخالق عز وجل ؟

لذا قال السلف رحمهم الله : ” أي صفة من صفات الكمال التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه ثبتت للمخلوق فالخالق أولى ، وذلك لأنه خلق هذا الإنسان ، وخلق صفاته “

ومما يدل على أن ” الخرس ” صفة نقص : قال الله عز وجل في وصف عجل بني إسرائيل : ((أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ  ………… ))

وكلامه لا يُكيف :

فلا يقل أحد مثلا  : أن له فما ولسانا ، وذلك لأن الله عز وجل لا يقاس بخلقه : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ))

قال عز وجل : {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }

قال عز وجل : ((فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ ))

قال عز وجل : ((وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ))

ولذا بعض المخلوقات تتكلم ولا لسان لها، ولا فم :  كالأرض :

قال تعالى : {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا }

وكتسبيح الحصا في كف النبي صلى الله عليه وسلم

وكلام الأيدي يوم القيامة :

قال تعالى : ((الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ ))

وقد ضل في هذا طوائف :

ومنشأ الضلال يكمن في أمرين :

1ــ البعد عن الاستدلال بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتحكيم العقل

2 ــ اتباع المتشابه :

ولذا فالمتشابه كما قال عز وجل : ((فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ………….. ))

وهم ينظرون إلى بعض إلى بعض النصوص التي فيها نوع من التشابه في ظاهرها، ويتركون الكثير من النصوص المحكمة الواضحة ، بينما الراسخون في العلم يردون هذا المتشابه إلى المحكم ، فيصبح الكل محكما ، ولذا يقولون : ((آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ))

وما كان من عند الله فلا يمكن أن يكون فيه تناقض أو تعارض ، إنما التعارض في أفهام الخلق :

إما لقصورهم ، أو تقصيرهم

ومن بين هذه النصوص التي وقعت فيها الطوائف الضالة هذه الجملة في هذا الحديث : (( وكلمته )) ، فقالوا : (( إن كلامه مخلوق )) ، وليس صفة من صفاته .

ورؤوساؤهم في ذلك النصارى إذ قالوا : (( إن عيسى كلمة الله أي عين كلام الله ))

ومن النصوص قوله عز وجل : ” ((اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ )) :

فيكون القرآن مخلوق ، وهو من كلامه عز وجل ؛ وذلك لأن كلمة ” كل ” من أعظم صيغ العموم مأخوذة من ” الإكليل ” وهو ما أحاط بالعنق إحاطة كاملة .

ومن بين هذه النصوص :

((فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى …………  ))

فيكون الكلام مخلوقا من الشجرة ، فالذي قال هذا الكلام الشجرة

ومن بين هذه النصوص :

قوله عليه الصلاة والسلام : (( زينوا القرآن بأصواتكم )) :

فتزينه يدل على أنه مخلوق إذ لو كان كاملا لما احتاج أن يزين

وبعض الألفاظ جاءت بالمقلوب : (( زينوا أصواتكم بالقرآن )) :

أي التزيين يكون واقعا على الصوت

لكن قال الألباني رحمه الله : ” هذا من القلب ، فالحديث : (( زينوا القرآن بأصواتكم )) “

ومن بين هذه النصوص :

قوله عز وجل : ((إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ))  :

و ” جعل ” تكون بمعنى خلق

قال عز وجل : ((وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ )) :

أي خلق الظلمات والنور

ومن بينها :

قوله عز وجل : ((وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ))

فهذا الإنزال بمعنى الخلق

وكذلك قوله  : ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً )) أي خلقناه

وقوله : ((وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ))

والأنعام مخلوقة فيكوكن إنزال القرآن بمعنى المخلوق

ومن بينها :

قوله عز وجل :{مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ }

والمحدث يطلق على المخلوق

فمن هذه النصوص ضلت طوائف ، واضطربت آراؤهم :

فبعضهم يقول : ” أن كلام الله عز وجل هو المعنى الذي يفيض على النفوس “

وهذا قول الفلاسفة ؛ لأن الفلاسفة يجعلون للشريعة باطنا وظاهرا :

فهم الباطنون :

ولذا يقولون : ” لا بعث ، ولا نشور ، ولا صلاة في الواقع ، ولا حج ، وإنما جُعلت هذه الأشياء في الشرع لضبط عوام الناس ، ولهم في ذلك خزعبلات وتُرهات .

وبعضهم يقول : ” إنه مخلوق ” وهم المعتزلة :

ولتتنبهْ : فهؤلاء المعتزلة قد يقولون : عن القرآن غير مخلوق ، ويقصدون بذلك انه غير مختلق ، وإلا فهم القائلون : أن القرآن مخلوق

ولذا ما قامت الفتنة فيزمن الإمام أحمد إلا عن طريقهم مستعينين بقوة السلطان إذ لبسوا عليه : كـ ” أحمد بن أبي داؤد ”  الذي يرفع راية هذا المذهب في كون القرآن مخلوق

ولتعلم :

أن هؤلاء المعتزلة قد يطلق عليهم ” جهمية ” :

وقد نقرأ بأن ” الجهمية ” هم الذين قالوا بفتنة خلق القرآن في زمن الإمام أحمد

فالجهمية ينكرون أسماء الله وصفاته

والمعتزلة ينكرون الصفات ، ويثبتون الأسماء ، وهم أخف شرا من الجهمية

وأما الأشاعرة : فهم يثبتون الأسماء ، والصفات لا يثبتونها إلا سبعا مجموعة في بيت :

حي عليم قدير والكلام له

إرادة كذلك السمع والبصر

فيقولون بأن العقل دل على هذه السبع فنثبتها

أما عداها فلا يثبتونها لعدم دلالة العقل عليها في ظنهم

وإلا فالعقل السليم الصحيح لا يعارض النقل الصحيح ، فالشرع لا يتعارض مع العقل ـــــــــ أي عقل ؟

العقل الصحيح

ولذا هناك كتاب لشيخ الإسلام (( ابن تيمية )) سماه :

  درء تعارض العقل والنقل “

وعودا إلى تسمية المعتزلة بالجهمية :

فقد قال شيخ الإسلام رحمه الله : ” إن المعتزلة مخانيث الجهمية ، والأشاعرة مخانيث المعتزلة “

بمعنى أن ” الأشاعرة ” في مذهبهم سبيل إلى الاعتزال ، والاعتزال سبيل إلى التجهم

وقالت طائفة أخرى ، وهي : ” الكلّابية ”  ، قالوا : ” إن كلام الله عز وجل معنى في الأزل لا حروف له ولا أصوات “

وينفون بذلك أن يكون الكلام صفة فعلية

وقابلتهم ” الكرامية ” ، فقالوا: ” هو حروف وأصوات تحدث بها بعد أن لم يكن متحدثا في الأزل فينكرون الكلام باعتبار كونه صفة ذاتية “

ومع هؤلاء حق ، وباطل

ومع أولئك حق وباطل

فيؤخذ بالحق :

فقد أخذت به أهل السنة والجماعة ، فقالوا : ” إن كلام الله صفة ذاتية فعلية ، وهو المعاني والحروف :

فمن هذه النصوص المتشابهة ، وعدم تحكيمهم النصوص الكثير المحكمة

ومع تقديمهم للعقل في كون الخالق لا تكون له صفات كصفات المخلوق ضلوا في باب الأسماء والصفات ضلالا مبينا

والجواب عن هذه النصوص كالتالي :

قوله صلى الله عليه وسلم : (( وكلمته ألقاها إلى مريم ))

الجواب مذكور في كتاب الله عز وجل :

قال تعالى : {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }

وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله : ” أن الشيء المعنوي الذي ليس مضافا للمخلوق يكون صفة لله عز وجل إذا أضيف إليه ، فالكلام معنى ، فأضيف إلى الله عز وجل فيكون من صفاته ، ” وهو صفة معنوية ” وأما إذا كان عينا قائما بنفسه أو صفة مضافة إلى المخلوق فإن إضافتها من باب إضافة المخلوق إلى خالقه ، لا من باب إضافة الصفة إلى الموصوف :

ولذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الإضافتين ، فإضافة الصفة إلى الموصوف في قوله : ” وكلمته ” وإضافة المخلوق إلى خالقه في كلمة : (( وروح منه ))

وجملة (( وروح منه )) لها حديث آخر إن شاء الله .

 

 

 

أما قوله عز وجل : ((اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ )) فإن كلام الله عز وجل لا يدخل في هذه الآية ، وذلك لن صفاته جل وعلا ليست منفصلة عن ذاته .

ثم إن كلمة ” كل “ ليس على كل الأحوال تكون للعموم ، ولكن تكون في بعض المواضع حسب موقعها ، وقرائنها لا تفيد العموم

وقد قال عز وجل عن الريح التي أرسلت على قوم ” عاد ” (( تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ))

وهي لم تدمر كل شيء فإن المساكن قد بقيت كما قال عز وجل : ((فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ))

وقوله عز وجل عن بلقيس كما حكاه عز وجل عن الهدهد قال : ((وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ )) :

معناه : أن كل شيء موجود عندها مما عند الملوك ، وليس معناه : ” أن كل شيء موجود لديها “

فائدة :

ــــــــــــــ

المعتزلة أدخلوا القرآن في قوله تعالى : ((اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ )) وهو من كلام الله عز وجل فكيف يكون مخلوقا ؟

وهم بذلك وقعوا في التناقض : إذ إنهم أخرجوا أفعال العباد : ، فقالوا : ” إن العبد يخلق فعل نفسه ” وأخرجوا أفعال العباد من هذه الآية ، وأدخلوا كلام الله فيها ، وهذا برهان صريح على تناقضهم :

وأما قوله عز وجل : ((فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى ……………. ))

فإنهم قد غفلوا عن أول الآية ، وآخرها ، وذلك لأن صدر الآية فيها نداء ، وليست الشجرة هي المتكلمة بما ذكر في سياق هذه الآيات

وإنما المتكلم هو الله عز وجل ، وابتداء الكلام من الشجرة التي في البقعة المباركة كقولك : ” سمعت كلام زيد من البيت ” 

ابتدأ من البيت ، لا أن البيت هو المتكلم :

فقولهم بأن الله خلق الكلام في الشجرة فتكلمت فضلال مبين ، وهل للشجرة أن تقول : ((إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )) ؟!

وأما قوله عليه الصلاة والسلام :(( زينوا القرآن بأصواتكم )) :

فيقال :

بأن من لم يفرق بين القراءة وهي فعل القارئ وبين كلام الله الذي هو المقروء فقد ضل ولذا فالقول قول الباري والصوت صوت القارئ

ولذا أحيانا يقال أن فلانا صوته ليس بجميل أو أن قراءته ليست جيدة إنما المراد الصوت فعل القارئ .

ولو كان يريد القرآن لكفر إنما مراده صوت القارئ

وهذا القول باب من أبواب الغيبة إنما التمثيل به مع كونه محرما للتفريق بين القراءة والمقروء ، فيكون معنى قوله عليه الصلاة والسلام (( زينوا القرآن بأصواتكم ))

 كقوله تعالى :{ وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } يعني قراءة الفجر

(( زينوا القرآن بأصواتكم )) أي القراءة .

وقد يطلق لفظ القرآن على المقروء وهو كلام الله عز وجل قال عز وجل:{ فإذا قرأت القران فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } فالقرآن في هذه الآية هو المقروء أي كلام الله عز جل

وأما قوله عز وجل :{ إنا جعلناه قرأنا عربيا لعلكم تعقلون }:

فنقول :

إن عدم فهمكم للغة العربية أوقعكم في هذا الفهم فإن ( جعل ) تأتي في اللغة العربية بمعان متعددة ولا تكون بمعنى خلق إلا إذا نصبت مفعولا واحدا كقوله عز وجل :{ وجعل الظلمات والنور}نصبت مفعولا واحدا وهي كلمة (( الظلمات ))

فأما إذا نصبت مفعولين فلها معان أخرى :

فقوله عز وجل: { إنا جعلناه قرأنا عربيا }نصبت مفعولين فتكون بمعنى صير وليست بمعنى خلق.

القرآن يفسر بعضه بعضا :

فإن النصوص الكثيرة جاءت بلفظ الإنزال: { إنا أنزلناه قرأنا عربيا لعلكم تعقلون }

{ نزل به الروح الأمين }

{ قل نزله روح القدس من ربك بالحق } {وأنزلنا إليكم نورا مبينا }

ثم إن هناك آيات وضحت المقصود:

 قال عز وجل :{ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} يعني لو صيرنا هذا القرآن على غير لغة العرب لقالوا أقرآن أعجمي ورسول عربي ولذا قال عز وجل { ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين }

ما كانوا به مؤمنين إما لعدم فهمهم أو لأنفتهم قولان لأهل التفسير قال عز وجل { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين }

فقد زعموا أن النبي يتعلم القرآن من رجل أعجمي كان بمكة :

ولذا قال عز وجل {أعجمي وهذا لسان عربي مبين }

وقد قال عز وجل مبينا أن كل رسول قد بعث بلغة قومه :{ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم }

{ بلسان قومه } أي بلغة قومه

ولذا قال عز وجل { فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون }

{ فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا }

ولو كانت (( جعل )) بمعنى خلق على عمومها فبماذا تفسرون قوله تعالى { فجعلهم كعصف مأكول } هل خلقهم كعصف مأكول ؟

أم أنه عز وجل صيرهم كالعصف المأكول بعد نزول هذا العذاب وهذا شأن من أعرض عن هذا القرآن العظيم .

وأما قوله عز وجل :{ وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج }

وقوله عز وجل :{ وأنزلنا الحديد }

وقوله عز وجل :{ وأنزلنا من السماء ماء طهورا }

فيجاب عن ذلك :

بأن الإنزال بالنسبة للمطر أخبر عز وجل بأنه من السماء { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } وأخبر في آية أخرى أنه من المزن وهو السحاب { ءأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون }

وأخبر أنه أنزله من المعصرات { وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا }

وأما هذا القرآن فقد أخبر عز وجل بأن إنزاله من الله وجل  { قل نزله روح القدس من ربك } وأما الإنزال للأنعام :

فإن هذا الإنزال هو إنزال مني الذكور في أرحام الإناث ويكون من أعلى بعلو الذكور الإناث جاء بلفظ الإنزال ولأن الأجنة تنزل من بطون الإناث

وأما قوله عز وجل :{ وأنزلنا الحديد } فالمراد إنزاله من المعادن التي تكون في الجبال والجبال عالية فاستخراجه هو إنزاله من هذه الجبال العالية

وأما قوله عز وجل :{ ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث }

ليس معنى المحدث المخلوق وإنما معناه تجدد  نزوله فإنه ينزل آية أية حسب الوقائع ولذا قالوا كما في سورة الفرقان :{ وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة }

وأما قوله عز وجل { إنه لقول رسول كريم} فإن إضافته إلى النبي جاءت في موضعين الموضع الأول يراد من الرسول جبريل عليه السلام والموضع الثاني المراد به النبي عليه الصلاة والسلام وكلاهما بلفظ { إنه لقول رسول كريم }

ففي سورة التكوير المراد جبريل

وفي سورة الحاقة المراد النبي محمد عليه الصلاة والسلام

فالجواب عن ما استشكل عليهم :

أن إضافة القرآن إلى النبي وإلى جبريل عليهما الصلاة والسلام إضافة تبليغ فإن جبريل بلغه النبي والنبي بلغه قومه ، والكلام إنما يضاف إلى من قاله مبتدأ لا مبلغا

ولذا لو قال متحدث إنما الأعمال بالنيات فماذا يفهم السامعون ؟

أيفهمون أن هذا الكلام كلام هذا الرجل أم كلام النبي ؟

سيقولون أن هذا كلام النبي

لو سمعت قائلا يقول :

ألا كل شيء ما خلا الله باطل .

هذا شطر من بيت للشاعر لبيد فهل يقال أن هذا البيت قاله هذا الرجل أو قاله لبيد ؟

قاله لبيد

ثم لو كان هذا القرآن من غير الله عز وجل لما جاءت إضافته مرة إلى جبريل ومرة إلى النبي

فالجهمية يقولون:أن هذا الكلام مخلوق ولم يكن من الله عز وجل

ويرد عليهم /:

بأن الله عز وجل قال { لقد حق القول مني }

وأما قول الكلابية أنه معنى في النفس /:

فيلزم على قولهم أن الأخرس يقال أنه متكلم لأن الأخرس لديه معان في نفسه ولكنه لا يستطيع أن يفصح عنها ويلزم من ذلك أن معنى قوله تعالى{ وأقيموا الصلاة } ثم معنى { اقترب للناس حسابهم }

فالقاعدة عند أهل السنة والجماعة  :

وهي أن الكلام أو القول إذا أطلق فالمراد منه الكلام المتضمن للفظ والمعنى ولا يكون الكلام خاصا بالمعنى إلا إذا قيد بالنفس كقوله عليه الصلاة والسلام :(( إن الله تجاز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ))

 فهنا الكلام ماذا ؟ معنى ،

ولذا لا يحاسب الإنسان على ما يكون في صدره إذا كان عارضا أما إذا كان متمكنا ففيه نزاع ومحله في غير هذا الموضع

 

قوله عليه الصلاة والسلام: ((وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ))

ألقاها :/ وجهها إلى مريم بكلمة ” كن ” قال عز وجل { إن مثل عيسى عند الله كمثل أدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون }