الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (44) ( باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (44) ( باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب)

مشاهدات: 395

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 44 )

( باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

((باب:من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ))

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

www.albahre.com

قال المصنف رحمه الله تعالى

((باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ))

المصنف رحمه الله حسب التتبع لما يذكره من أبواب نجد أنه قد جعل هذا الكتاب حسنا زيادة على حسنه :

وذلك لحسن ترتيبه ، ووضع الأبواب المناسبة فيها بينها إثر بعض .

مناسبة ذكر هذا الباب بعد باب فضائل التوحيد :

يريد منه رحمه الله أن يبين أن للتوحيد كمال فضل يحصل لصاحبه إذا حقق التوحيد فيكون إذاً من فضائله دخول الجنة بغير حساب

وتحقيق التوحيد نوعان :

واجب

ومندوب

فأما الواجب  :

فهو على الكل

وأما المندوب :

فيكون للمقربين فهو توحيد المقربين

فتحقيق التوحيد يكون بتصفيته من الشرك الأكبر والأصغر والبدع القولية والفعلية

ويكون بالمحافظة عليه بما يجرحه من كبيرة أو إصرار على معصية

فقلنا إصرار على معصية لأنه لا يسلم أحد من أن يقع في الذنب اليسير،  لكن العتب والملامة على من أصر على هذه المعصية فيكون إذن تحقيق التوحيد بتنقيته من الشرك الأكبر والأصغر ، ومن البدع القولية والفعلية وبالمحافظة عليه من الذنوب الكبيرة ومن الإصرار على الذنوب الصغيرة .

وأما التوحيد المندوب : فهو توحيد المقربين وذلك بأن يجمعوا مع ما ذكر أن يتركوا ما لا بأس به حذرا مما به بأس فيدعون ما ليس فيه بأس حذرا مما فيه بأس .

والمصنف رحمه الله جزم قال :  ((باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ))

ولم يقل : ” إن شاء الله ” :

وذلك لأن هذه الجملة فيها حكم بالجزم لأنها من باب الوصف لا من باب التعيين وذلك لأن الشرع أتى بجواز هذا

أم التعيين فلا يجزم به ويتضح هذا بالأمثلة تقول قولا عاما من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب فلم تخصص أحدا بعينه هذا جائز ،

أما لو قلت : ” فلان من الناس سيدخل الجنة بغير حساب لأنه حقق التوحيد “

 فهذا غير جائز إلا من جاء الشرع بالشهادة له بهذه المزية وحكمها كحكم الشهادة لمعين بالجنة فنحن بأن كل مؤمن في الجنة ، متى نقول بهذا ؟

إذا جاء الشرع بالتنصيص على فلان بعينه وذلك لأن الإنسان لا يدري ما هي عاقبة فلان ؟

ولهذه المسألة مزيد حديث إن شاء الله في بابه

(( وقوله رحمه الله : من حقق )) :

من/ اسم شرط

حقق / فعل الشرط
وجوابه / دخل الجنة بغير حساب

ثم ذكر المصنف رحمه الله ثلاثة نصوص :

نصان من القرآن

ونص من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم

قال رحمه الله : وقول الله تعالى :{ إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين }

هذا هو النص الأول .

 

قال رحمه الله :

وقول الله تعالى :

{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }

 

هذا هو النص الأول .

 قوله عز وجل :{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ  }

لو سأل سائل لماذا إبراهيم بالذات ذكر في ضمن هذه الآية تحت هذا الباب ؟

الجواب / :

أولا : لأن إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء قال تعالى{وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب }

فكل نبي يأتي بعد إبراهيم عليه السلام أنه من صلبه ومن ذريته  .

وليس في هذا تعارض مع قوله تعالى :{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}

فنوح عليه السلام أبقى الله له ذريته قال الله تعالى في سورة الصافات :{ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ{75} وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ{76} وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ{77}}

فكما أن الأنبياء الذين أتوا بعد إبراهيم عليه السلام من ذريته فكذلك نوح .

ثانيا :

أن إبراهيم عليه السلام ابتلى بلايا عظيمة ومن بين هذه الابتلاءات الابتلاءات الكونية القدرية مثالها عداوة قومه له إذ نصبوا له النار :{قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين }

ومن بينها منازعة ومخاصمة أبيه له :{ قال لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا}

والصحيح  : “أن اسم أبيه آزر “

وهذا هو صريح القرآن وما عداها ما ذكر من أسماء فليضرب عنه صفحا :

قال تعالى :{ وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر }

ومن بينها  :

مخاصمة ” النمرود ” له  ، هذا إن جاء دليل على اسم هذا المخاصم بأنه النمرود هذا وهو دليل المفسرين

قال عز وجل : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آته الله الملك }

وهذه بعض أمثلة الابتلاء الكوني ومنها 

ابتلاؤه ابتلاء شرعيا :

قال عز وجل :{ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن }

قال عز وجل :{ وإبراهيم الذي وفى } في سورة النجم

ومنها ابتلاؤه ابتلاءا شرعيا بذبح ابنه :

{ فلما بلغ مع السعي } أي ليس صغيرا لم تتعلق به النفس ذلك التعلق وليس كبيرا ولكن بين بين،فامتحنه الله عز وجل بذبح ابنه ليمحص قلب إبراهيم عليه السلام : هل محبته لربه زاحمتها محبته لابنه ؟ :{ فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى }

ثم قال عز وجل :{ إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم }

ثالثا : أن الأمم تفتخر بأن يكون إبراهيم عليه السلام منها ، وعلى طريقتها ، ولقد افتخرت بذلك اليهود والنصارى دعوى من أنفسهم فقال تعالى :{ ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين }

رابعا : ثناء الله عز وجل عليه وعلى طريقته قال الله تعالى :{ ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا } أي في القرآن

خامسا : أننا أُمرنا باتباعه ،  بل أُمر النبي عليه الصلاة والسلام باتباعه قال تعالى :{ ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين }

ثم قال تعالى آمرا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم :

{ قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين }

سادسا : ثناء الأمم عليه ولذا  دعا الله عز وجل أن يجعل له ثناء من بعده قال الله عز وجل :{ واجعل لي لسان صدق في الآخرين }

سابعا :أنه حظي على مرتبة الخلة التي هي أعلى درجات المحبة فدرجات المحبة عشر أعلاها الخلة قال تعالى :{ ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا }

فقد أكرم هو والنبي عليها الصلاة والسلام بالخلة من الله عز وجل

ثامنا :أنه اعتزل أحب الناس إليه وهو أبوه وقومه قال تعالى :{ فلما اعتزلهم قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي }  إلى أن قال :{ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله }

فاعتزل أهل الشرك وموطنه ، ولذا قال تعالى عنه :{ إني ذاهب إلى ربي سيهدين }

وقال عز وجل :{ ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين }

تاسعا :أنه تبرأ من قومه  قال عز وجل :{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ}

عاشرا :

تبرؤه عليه الصلاة والسلام من عبادة قومه قال تعالى :{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ{26} إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ{27}}

الحادي عشر :

أن الله جل وعلا ألهمه الرشد في أول أمره قال تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ }

الثاني عشر :

أن النبي رآه ليلة عرج به في السماء السابعة مسندا ظهره إلى البيت المعمور

الثالث عشر :

أنه النبي الذي بنا قبلة المسلمين البيت الحرام .

وما ذكر بأن الملائكة بنته أو آدم فإنما هي روايات يذكرها المؤرخون لا دليل عليها قال الله عز وجل :{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ }

فهو أول نبي بنا أول بيت لله عز وجل قال تعالى : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ }

الرابع عشر:

صبره عليه الصلاة والسلام لمفارقته لزوجته هاجر مع ابنه إسماعيل في ذلك الوادي قال تعالى حكاية عنه :{ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}

الخامس عشر :

أنه أول نبي أمر بأن يؤذن الناس ويعلمهم بأداء الحج الذي يظهر فيه التوحيد ظهورا جليا حتى قال بعض المفسرين في قوله تعالى :{ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ  }

قال في تفسير :{ حُنَفَاء } حجاجا ، ولذا قال جابر رضي الله عنه كما عند مسلم في حديث الطويل قال : (( فأهل النبي عليه الصلاة والسلام بالتوحيد ))

قال ابن القيم رحمه الله : “استقرت الشريعة على مخالفة المشركين ،لاسيما في المناسك  قال عز وجل عن إبراهيم عليه السلام :{ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ }

ومزاياه عليه الصلاة والسلام لا تحصر في هذا المقام 

وذكر الله عز وجل لإبراهيم أو لغيره من الأنبياء يراد منه أمران :

الأمر الأول : محبة هذا المثنى عليه ، لأن هذا من أوثق عرى الإيمان فنحب من أحبه الله فمن لوازم ومكملات محبة الله عز وجل أن نحب من يحبه

الأمر الثاني : أن يقتدى به فيما صنع وعمل ولذلك قال الله عز وجل لما ذكر الأنبياء في سورة الأنعام :{ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ }

وقال عز وجل : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ }

وكذلك يكون الشأن في كل من أثنى الله عليه من الأنبياء أو غيرهم ، وكذلك العكس من أثنى الله عليه بشر فإننا نبغضه لأن هذا من أوثق عرى الإيمان ، وهو البغض في الله ، ونجتنب ما عمله وصنعه كثناء الله عز وجل بالشر على أبي لهب  ، فإنا نبغضه وواجب علينا أن ننأى بأنفسنا عن طريقته وعن هديه