الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ درس(55)
مسائل على باب
(من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب)الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكر المصنف رحمنا الله وإياه :
المسألة الثالثة عشرة :
ــــــــــــــــــــــــ
قلة من استجاب للأنبياء :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــــ
هذه المسألة دليلها :
أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( فرأيت النبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد ))
وهذا يدعو الدعاة إلى الله عز وجل أن يثبتوا في هذا الطريق ، وأن لا يستوحشوا من قلة عدد المستجيبين ، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أفصح وأنصح منهم للخلق ، ومع ذلك لا يستجيب لبعض الأنبياء أحد .
فسبيل الدعوة إلى الله عز وجل لا يستعجل فيه الداعية الثمرة .
ويكفي في الدعوة إلى الله عز وجل أن تبرأ الذمة .
ولذا قال عز وجل عن تلك الطائفة من بني إسرائيل : {وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }
أي قال الناصحون : ((مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ)) أي : إعذارا وإبراء للذمة
((وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)) :
لعل هذه الدعوة أن تصادف قلبا مفتوحا مقبلا فتؤثر فيه .
فأنت أيها الداعية إلى الله عز وجل ما عليك إلا التبليغ : {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ }
وذلك لأن البعض قد ينحسر في دعوته إلى الله عز وجل إذا رأى صدود وانصراف الناس .
ولكن لا يضيره ذلك ؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام لم يستجب له من أمته مجموعها إلا قلة :
قال عز وجل :{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }
قال عز وجل : {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ {
ولنا عبرة في سيرته عليه الصلاة والسلام :
ــــ في أول دعوته فكان لا يؤمن إلا آحاد من الناس على خفاء
فبارك الله في دعوته عليه الصلاة والسلام ، فما تُوفي إلا وقد رأى الناس يدخلون في دينه أفواجا :
كما قال عز وجل :
(( إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ{1} وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً{2} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً{3}))
وهذه الصورة نعيت نفس النبي عليه الصلاة والسلام إليه
فلا يظن ويتوهم الداعية أنه على غير هدى إذا لم يستجب له ( كلا ) إذا كان منطلقه : ” قال الله ” و ” قال رسوله صلى الله عليه وسلم مما صح عنه “
فليعلم :
ــــــــــــــ
أن سبيله سبيل النبي عليه الصلاة والسلام :
قال عز وجل : ((قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ))
على أحد وجهي التفسير
وسيأتي له حديث في أحد أبواب هذا الكتاب :
يعني :
ــــــــــــــــ
أنا وأتباعي يدعون إلى الله عز وجل ، ولاسيما في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن ، وتشاغل الناس فيه بالمغريات من :
قنوات
ومن أجهزة
ومن أموال
فإن النفس تهوى حب الشهوات ، ولاسيما إذا كانت البيئة المحيطة به قد انشغلت بهذا
البيئة : لها أثر
وبالتالي فالدعوة في هذا الزمن تحتاج إلى صبر ومصابرة
ولكن ليعلم :
ــــــــــــــــــ
أن العاقبة للمتقين كما قال عز وجل : ((وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ))
((وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ))
نوح عليه الصلاة والسلام مكث في قومه فقط – هذا مدة مكثه داعيا قومه – ألف سنة إلا خمسين عاما
زمن طويل ، ومع ذلك قال عز وجل له : ((أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ ))
في آية أخرى : ((وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ))
مع أنه اتخذ جميع الوسائل :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
((قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً{5} فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً{6} وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً{7} ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً{8} ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً{9} ))
فجميع وسائل الدعوة إلى الله عز وجل قام بها ، ومع ذلك ما آمن إلا القلة ، وهو من أول الرسل عليه الصلاة والسلام
فهذه إمرارة سريعة نعتبر منها .
فما يسمع الآن من استهداف وطعن في الإسلام ، وأهله عبر الصحف ، وعبر القنوات لا يجعل قوى الإنسان تخور
والإمام أحمد رحمه الله في فتنة ” خلق القرآن ” تصدى لهم وحده ، فكانت عاقبته أن الله جعله إماما من الأئمة ، وأنقذ الله به هذه الأمة من هذه البدعة
والله المستعان ، ونسأل الله أن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرابعة عشرة:
ـــــــــــــــــــــــــــ
أن من لم يجبه أحد يأتي وحده :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــ
كما قال عليه الصلاة والسلام : (( فرأيت النبي وليس معه أحد )) فدل على أنه منفرد
الخامسة عشرة :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثمرة هذا العلم ، وهو عدم الاغترار بالكثرة ، وعدم الزهد في القلة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــ
هذه المسلة تعود بنا إلى ما توقفنا عنده في الدعوة إلى الله عز وجل .
فليست الكثرة دلائل الهدى :
فقد يكون لشخص أتباع كُثر لكنه من أسوأ الناس طريقة ومنهجا
وكذلك لا يزهد في القلة :
فقد يكون بعض الناس الأتباع له قلة لكن منهجيته وطريقته على هدى ونور .
ولذا قال عز وجل كما أسلفنا : {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ))
وقال عز وجل في الإعجاب بالكثرة حتى لو كان في أمور الخير : ((وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ))
وفي المقابل لا يزهد في القلة :
قال عز وجل : ((كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ ))
فمدار الأمر على سلامة المعتقد والمنهج
إذا ضاقت بك الأمور فلتتذكر حال هؤلاء الأنبياء
السادسة عشرة :
ــــــــــــــــــــ
الرخصة في الرقية من العين والحُمة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــ
هذه المسألة يستدل عليها بقوله عليه الصلاة والسلام : (( لا رقية من عين أو حمة ))
والرخصة سبق تعريفها ، ومحل تعريفها في أصول الفقه
لكن مقابل الرخصة : العزيمة :
ويتضح هذا بالمثال :
فإنا إتمام الصلوات في الحضر عزيمة ، فإذا سافر الإنسان رُخص له أن يقصر الرباعية إلى ركعتين
فهي في الحضر الإتمام عزيمة
وفي السفر رخصة
والأصل : أن الرخصة لا تكون إلا بعد أمر محتم
فإذا قال رخص النبي عليه الصلاة والسلام في كذا دل على أن الأصل هو العزيمة الذي هو الوجوب
فالترخيص تخفيف ، ولكن ليس هذا على عمومه ، فليست الرقية محرمة في أول الأمر حتى يرخص فيها .
السابعة عشرة:
ـــــــــــــــــــــــــ
عمق علم السلف لقوله : (( قد أحسن من انتهى إلى ما قد سمع ))
ولكن كذا ، و كذا، فعُلم أن الحديث الأول لا يخالف الحديث الثاني :
الشرح :
ـــــــــــــــــ
عمق علم السلف :
ولا يكون الإنسان عميقا في علمه إلا إذا كان هذا العلم مبنيا على الكتاب والسنة ، فيقف عند النص .
ولذا عقَّب المصنف رحمه الله بقوله : ” قد أحسن من انتهى إلى ما قد سمع “
فمن وقف عند ما سمعه من نص فقد أحسن .
ثم قال :
” فعُلم أن الحديث الأول لا يخالف الحديث الثاني :
فالحديث الأول حديث : (( لا رقية إلا من عين أو حُمة ))
والحديث الثاني : (( هم الذين لا يسترقون ))
فلا مخالفة ، ولا معارضة بينهما :
لأن الأول : ” الرقية من غير طلب : إما أن تفعل من غير طلب أو يفعلها بنفسه “
وأما الثاني : ” أن تفعل له بطلب ، وهذا يفيدنا بأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هناك تعارض بين النصوص ؛ لأن النصوص الشرعية كلها حق وصدق ، والحق والصدق لا يعارض بعضه بعضا
فإن حصل تعارض فإنما هو في فكر وعقل العالم : إما لقصور في علمه أو تقصير فيه
بمعنى : أن يكون مقصرا في طلب التوافق بين النصوص أو أنه لم يفهم النصوص فهما جيدا
وهذا هو القصور في الفهم
الثامنة عشرة :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بُعد السلف عن مدح الإنسان مما ليس فيه :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــــــــ
هذا يؤخذ من قول ” حصين بن عبد الرحمن “ : (( أما إني لم أكن في صلاة )) فأراد أن يبعد عن نفسه الثناء
التاسعة عشرة :
ـــــــــــــــــــــــــــ
قوله صلى الله عليه وسلم : (( أنت منهم )) علم من أعلام النبوة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــ
هذا إذا جعلنا لا الجملة خبرية ، وهي جملة : ” أنت منهم ” ؛ لأن خبره عليه الصلاة والسلام صدق ، وذلك أن عكَّاشة ظل بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام على الخير والهدى حتى استشهد في عهد أبي بكر رضي الله عنه
وأما إذا قلنا أنها ” جملة طلبية ” يعني : دعا له النبي عليه الصلاة والسلام فلا تدل تلك الدلالة ؛ وذلك لأن دعوة الأنبياء ليس على كل حال تستجاب ، كما قال عليه الصلاة والسلام : (( سألت ربي ثلاث فأعطاني اثنتين ومنعني الثالثة ))
العشرون :
ــــــــــــــــــــــــ
فضيلة عكَّاشة
ـــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــــ
حيث مدحه النبي عليه الصلاة والسلام بجعله في هؤلاء السبعين الألف ، وهذه فضيلة عظيمة
الحادية والعشرون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
استعمال المعاريض :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــــــ
استعمال المعارض
والمعارض ” هو أن يعرِّض بكلامه حتى لا يقع في الكذب ، ولذا جاء حديث لكنه ضعيف : (( إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب ))
النبي عليه الصلاة والسلام قال للرجل : (( سبقك بها عكاشة ))
وذلك : إما أن يكون هذا الرجل كما قيل كان منافقا ، او انه خشي عليه الصلاة والسلام أن ينفتح الباب ، فكانت هذه الجملة بمثابة المعاريض .
الثانية والعشرون :
ــــــــــــــــــــــــــــ
حسن خلقه عليه الصلاة والسلام :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــــــ
وذلك إذ لم يواجه هذا الرجل بالنفي ، وإنما قال : (( سبقك بها عكَّاشة )) إذ لو قال : ” لست منهم ” لكان في ذلك إدخال حزن على هذا الرجل
فمن حسن خلقه عليه الصلاة والسلام أن أجاب بهذا الجواب :
وهو عليه الصلاة والسلام رمز الخلق :
لما سئلت عائشة رضي الله عنها :
ما خلق النبي عليه الصلاة والسلام ؟
قال : (( كان خلقه القرآن ))
يعني :
ـــــــــــــ
القرآن متمثل فيه عليه الصلاة والسلام
فمن أراد الخلق التام العظيم فعليه أن يتمثل بهذا القرآن ،
ولذا مدحه جل وعلا فقال : (( وإنك لعلى خلق عظيم ))
قال عز وجل : (( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ))
وقد قال عليه الصلاة والسلام : (( أثقل ما يكون في الميزان تقوى الله وحسن الخلق ))
قال عليه الصلاة والسلام : (( إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ))
وقال عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي ذر : (( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحوها وخالق الناس بخلق حسن ))
وأحاديث حسن الخلق كثيرة جدا