الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 61)
حديث(من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم ذكر المصنف رحمه الله :
قال : ” ولمسلم عن ” جابر ” رضي الله عنه :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار ))
الشرح :
ـــــــــــــــــــــــ
ولمسلم : عن جابر رضي اله عنهما ،
ـــــــــــــــ
وذلك لأن أباه صحابي وهو ” جابر بن عبد الله بن حرام السُلمي ”
ولأبيه مناقب متعددة
وهو من المكثرين من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام
وهذا الحديث المذكور يسمى بـت ” حديث الموجبتين “
قال عليه الصلاة والسلام :
(( أتدرون ما الموجبتان ؟ من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار ))
فقوله عليه الصلاة والسلام : (( من لقي الله )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللقيا مرت معنا في الحديث القدسي : (( يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ))
وقد مضى الحديث هناك عن رؤية الكفار ربهم
هل يرى الكفار الله عز وجل في عرصات يوم القيامة أم أنهم لا يرونه ؟
الإجماع انقعد على أنهم لا يرونه رؤية نعيم ، لكنهم
اختلفوا : هل يرون اله عز وجل في العرصات كما يراه المؤمنون أم لا ؟
مسألة تقدم الحديث عنها
وقد استوفى الحديث عنها شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى
فقوله : (( من لقي الله لا يشرك به شيئا )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله “(( لا يشرك )) ” :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هنا فعل في سياق النفي ليس في سياق الإثبات فيعم
فهذا الأجر المترتب في هذا الحديث لا يحصل إلا إذا خلا الإنسان من الشرك كله ومن عمومه صغيره وكبريه
ولذا فإن الفعل المنفي عند علماء أصول الفقه يدل على العموم
فقوله هنا : (( لا يشرك به شيئا )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بمعنى أنه لا يشرك به لا شركا أصغر ولا أكبر، لا خفيا ولا جليا لا دقيقا ولا عظيما
وقوله : (( شيئا )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
شيئا نكرة في سياق النفي
والنكرة في سياق النفي عند علماء الأصول تفيد العموم
بمعنى : أنه لا يشرك بالله عز وجل لا حقيرا ولا عظيما ، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ، ولا من هو دونهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم قال : (( دخل الجنة )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ودخل ـــــــــــــــــــ هنا فعل في سياق الإثبات :
فهو محتمل إلى أن يكون دخوله للجنة غي مسبوق بعذاب
ويحتمل أن يكون دخوله للجنة مسبوقا بعذاب
ولذا جاء الفعل في سياق الإثبات فهذا مطلق
فيكون دخول الموحد للجنة على صورتين :
إما دخولا كاملا :
وذلك بألا يسبقه عذاب كأن لا تكون له سيئات أو تكون له سيئات فيعفو عنه عز وجل
وإما أن يكون دخولا ناقصا :
وذلك بأن يسبق دخوله عذاب
كأن تكون له معاصي فيعذبه عز وجل بعدله ، ثم يكون مصيره إلى الجنة
ــــــــــــــــ
وقوله : (( ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار ))
ومن لقيه ــــــــ الضمير يعود إلى من ؟
يعود إلى الله
يعني من لقي الله
لم يقل : ” من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل النار ” فأتى بالضمير هنا :
فهذا من باب الإيجاز والاختصار
وأما ما جاء في صحيح مسلم :
أن النبي عليه الصلاة والسلام سمع خطيبا يقول : ” من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى “
فقال عليه الصلاة والسم : (( بئس الخطيب أنت قل : ومن يعص الله ورسوله فقد غوى ))
فأنكر عليه الصلاة والسلام أن يأتي بالضمير
فما وجه الجمع بين ما جاء في صحيح مسلم وبين ما جاء هنا ؟
قال هنا : (( ومن لقيه )) أتى بالضمير
وهناك : لما أتى الخطيب بالضمير قال عليه الصلاة والسلام : (( بئس الخطيب أنت قل : ومن يعص الله ورسوله فقد غوى ” ))
فالجواب عن هذا كما قال النووي رحمه الله :
قال : ” إن الخطبة يحتاج فيها إلى بيان وإيضاح فلا ينبغي في خطبة العظة والعبرة أن يختصر فيها
ففي مقام الخبرة يؤتى بالاسم الظاهر وفي نقام التعليم يؤتى بالضمير للاختصار .”
وأما ما جاء عند أبي داود :
من حديث ابن مسعود أنه قال في تشهد النبي عليه الصلاة والسلام في خطبته :
قال : ” من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا “
فيقال : ” إن هذا الحديث جاء في مقام الخطبة ، ومع ذلك أتى بالضمير
فما الجواب عن هذا الحديث ؟
الجواب :
ــــــــــــــ
أن هذا الحديث ضعيف ، والضعيف لا يحتج به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقوله : (( ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القول في هذه الجملة كالقول في الجملة السابقة من حيث العموم في قوله : (( يشرك به شيئا ))
فـ ” شيئا ” ــــــــــ نكرة فتعم
وكذلك ما جاء في بيان الفعل : ” دخل ” أنه يفيد الإطلاق
كما سبق الحديث عن ذلك في الجملة الأولى من الحديث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ