الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 24 ) ( صفة الحج )الجزء السادس

الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 24 ) ( صفة الحج )الجزء السادس

مشاهدات: 507

بسم الله الرحمن الرحيم

فقه الحج ـ الدرس ( 24 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

فتوجه إلى منى ولم يصلِ صلاةَ العيد

فمنى ليس فيها صلاةُ عيد إنما الرمي بمنزلة صلاة العيد لهم.

فبات في منى ليلة الحادي عشر

والمبيتُ في منى اختلف العلماء في وجوبه/

فبعض العلماء يرى: أنه سنة لعدم الدليل على وجوبه، ولأن العباس لم يبت بها وكذا الرعاة وهذا مجرد فعل منه لا يدل على الوجوب إنما يدل على الأفضلية، ولأنه كان يزورُ البيت لياليَ منى فيطوف به.

والصحيح: أنه واجب لأن العباس أرخَصَ له النبي ، والرخصةُ لا تكون في الغالب إلا بعد عزيمة أي: بعد واجب، وكذا أرخَصَ للرعاة، ويؤكد هذا فعلُه مع قولِه:

 ( خذوا عني مناسككم ).

 

أما ذهابُه إلى البيت لياليَ مِنى فقد اختُلِفَ في ثبوته

وممن يصححه الألباني رحمه الله، وعلى القول بصحته لا يدلُّ على عدم وجوب المبيت بمنى وإنما يدل على أن الواجب المبيت فيها مُعظَمُ الليل.

 

ومن ترك مبيت الليالي كلها لزمه الدم

 أما من ترك ليلة أو ليلتين إن كان من المتأخرين فلا شيءَ عليه

 وإنما قال بعضُ الفقهاء: عليه إطعام مسكين عن كل ليلة، ولم أرَ دليلاً على هذا الإطعام.

 

 

 

فبات ليالي منى فلما جاء يوم الحادي عشر

 وهو يوم [ القر ] خطب وقال فيها كما أسلفنا:

 ( إن دماءكم وأموالَكم وأعراضكم عليكم حرام ) .

وسمي يوم القر بهذا الاسم كما ثبت عند أبي داود: (أفضل الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر) سمي بهذا الاسم: لأن الناس يستقرون بمنى.

 وهذا اليوم وهو الحادي عشر يسمى أيضاً: بيوم الرؤوس لأن الناس لما أفنوا اللحوم اشتغلوا بأكل الرؤوس.

 وهو أوسط أيام التشريق، يعني خِيار أيام التشريق، وهو من أعياد الإسلام قال ﷺ:

 ( يومُ عرفة ويومُ النحر وأيامُ منى عيدُنا أهلَ الإسلام )

 

 والبعضُ من الناس يظن أن التعجل يحصُلُ في هذا اليوم فيضمه إلى يوم النحر وهذا خطأ، وانما التعجل يكون: في اليوم الثاني عشر فإذا زالت الشمس رمى الجمرات.

 

والسنة أن يأتي إليها ماشياً لفعله ﷺ.

 

وهل الرمي قبل الزوال يجزئ؟

الجواب: اختلف العلماء / فبعض العلماء: يرى الجواز لأن صنيع النبي مجردُ فِعل لا يدل على الوجوب.

ولكن الصواب/ أنه لا يجزئ فهو فعلٌ ليس مجردا، إنما هو فِعلٌ دلَّت قرينَةٌ على وجوبه، وذلك أنه كان يترقب الزوال، والصحابةُ يتحينون الزوال،

 ومن عادته التخفيف ولاسيما في الحج فلما لم يخفف دلَّ على أنه واجب

 ولأنه لا يصلي إلا بعدما يرمي، والصلاةُ في أول وقتها لها فضل فلا يؤخرُ هذا الأمر الفاضل إلا لشيءٍ واجب.

 

 

 

فيأتي الجمرة الأولى التي هي قريبة من مسجد الخَيف

 والسنةُ أن يصلي فيه المسلم أيام منى إن تيسر فقد ورد أنه: (صلى فيه سبعون نبياً ) أما ما ورد أن فيه قبر سبعين نبياً فضعيف.

فيأتي الجمرة الأولى: ويستقبل القبلة ولا يستقبل الجمرة، وهذا من السنة وإلا فمن أيِّ جهةٍ رمى جاز، ويكبرُ معَ كل حصاة.

 فإذا فرغ يأخذُ ذات اليمين ويتقدم حتى لا يصيبَهُ الحصى ويدعو، فقد دعا النبي دعاء طويلاً، حتى قال ابنُ القيم رحمه الله: بقدرِ سورةِ البقرة، ويرفعُ يدَيه.

 والذي ينبغي للمسلم ألا يدعَ هذه السنة حتى لو دعا بدعاء يسير.

 

ثم يأتي إلى الجمرة الوسطى: فيصنعُ عندها كما صنع عند الأولى فإذا رمى الوسطى يذهب لجهة الشمال بعكس الأولى.

ثم يأتي إلى العقبة: فيستقبلها ويجعلُ مكةَ عن يساره ومنى عن يمينه، ولا يقِفُ للدعاء.

 

ويبدأ مَرَتِّباً الأولى ثم الوُسطى ثم العقبة

 فلو قدَّم مثلاً العقبة على الأولى أو قدَّمَ بعضَها على بعض؟

 فقد قال بعض العلماء: لا يجزئ لأنه خلافُ فِعلِ النبي .

 وقال بعض العلماء: يجزئ لأنه ما سُئل عن شيء قُدم أو أخر إلا قال افعل ولا حرج.

 وقال المانعون: إن حديث النبي في التقديم والتأخير لا يدخلُ هنا، لأن هذه عبادة واحدة رميُ الأولى ثم الوسطى ثم العقبة عبادة واحدة فلا ينطبق عليها هذا الحديث. والأحوط: هو الترتيب لأنه مجرد فعل، فنأمر الناسَ أن يُرَتبوا، لكن لو أتى شخصٌ بعد أن انتهى وقتُ الرمي في اليوم الرابع عشر وقال قدمتُ وأخرتُ؟ فلا نلزمه بدم.

 

 

 

 

 

وجمرة العقبة تسمى بالجمرة الكبرى

وهل له أن يؤخر رمي هذه الأيام إلى آخر يومِ من أيامِ التشريق؟

الجواب: بعض العلماء يُجيزُ هذا ويستدلون بفعل الرعاة إذ أمرَهم أن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رميَ يومين بعد يوم النحر يرمونه في أحدِهما.

وقالوا: لأن أيام التشريق بمنزلة اليوم الواحد.

والذي يظهر: رجحان القول الآخر إنه: لا يُفعل هذا إلا إذا كان هناك عذر كأن يشق عليه التردد على الجمرات إما لمرض أو لبعد أو لمصلحة تخصُّ المسلمين.

ولو قال قائل: هل ينسحب هذا الاختلاف على جمرة العقبة في يوم النحر فهل له أن يؤخرَها؟

الجواب: نعم ينسحبُ هذا الاختلافُ عليها.

 

وعلى ما رجحناه/ لو أنه أخره لعذر فيلزم ترتيب كل يوم بنيته:

 يبدأ من الأولى ثم الوسطى ثم العقبة عن اليوم الأول ثم يعود وهلم جراً.

 

وإذا كان من المتعجلين

فعليه أن يخرجَ من منى قبل مغيبَ شمسِ اليوم الثاني عشر، وإلا لَزِمَهُ المبيتُ والرميُ في اليومِ الثالث عشر، كما رُوِيَ ذلك عن ابنِ عمر رضي الله عنهما

 لكن إذا تهيأ للخروج وحبَسَهُ المسير؟ فالصحيح: أنه يخرج لوجود العذر.

 

والرمي من واجبات الحج

 فمن ترك رميَ جمرةٍ فعليه دم، وكذا لو تركَ جميع الأيام.

أما لو ترك حصاة أو حصاتين؟

 فقد قال بعض العلماء: أن عليه دما لقول ابن عباس رضي الله عنهما:

 ( من ترك نسكاً أو نسيه فليهرق دما ).

وقال بعض العلماء: لا يلزمُه شيء لأنه ما ترك نُسُكاً وانما ترك بعضَه أو شيئاً منه.

 

وقال بعض العلماء: يطعم عن كل حصاة مسكينا.

والصحيح: أنه لا شيء عليه، ويدل لذلك:

 (أن الصحابة رضي الله عنهم لما رجعوا وكان بعضُهم يقول: رميت بسبع وآخَرون يقولون: رميت بست ).

 

وآخر أيام الرمي هو غروب شمس اليوم الثالث عشر

فمن تركه متعمداً: فلا يجزئ رميُه وهو آثم وعليه الدم

 وإن تركه معذورا: كنسيان فلا يأثم وانما عليه الدم لأن رميَهُ لا يجزئ

 

 فلما فرغ ذهب إلى التحصيب

المٌدعى بالمُحَصَّب لأنَّ به حَصباء، ويسمى: بالأبطَح لأن به بطحاء

 ويسمى: بخَيف بني كِنانة قال ﷺ:

 ( إنَّا نازلون غداً بخَيف بني كنانة حيث تقاسَموا على الكفر )

 وتعرفون في السيرة قصة مقاطعة قريش لبني عبد المطلب وبني هاشم على ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يُسملوا إليهم النبي فأراد أن يُقيمَ في هذا المقام شعائرَ الإسلام ليُخفيَ بها شعائر المشركين.

 

وهل التحصيب بعد النفر هل هو سنة أو غيرُ سنة؟

فهو صلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم اضطجع بعد العشاء يسيراً ثم دخل مكة ثم طاف طواف الوداع ثم صلى الفجر فسمعته أم سلمة وهي تطوف راكبة من وراء الناس سمعته يقرأ في هذه الصلاة بسورة بالطور.

ثم خرج راجعاً إلى المدينة

 فهل هذا التحصيب سنة أم غيرُ سنة؟

الجواب/ قال بعض العلماء: انه سنة لفعله وكان أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم يفعلونه.

 

وقال بعض العلماء: ليس بسنة، ولذا قالت عائشة رضي الله عنها:

 ( إنما فعله لأنه أسمَحُ لخروجِه ) أي: أيسر لخروجه، كما هو الشأنُ في دخوله إلى مكة من أعلاها وفي خروجه من أسفلها.

 وعلى كُلِّ حال الآن لا حَصباء ولا بَطحاء فقد أقيمت فيهِ أسواق.

 

فإذا أراد الخروج فعليه أن يطوفَ طواف الوداع

 وهل هو من واجبات الحج أو من الواجبات للحج؟

فرقٌ بين العبارَتَين

الجواب/ إن قلنا إنه من واجبات الحج: فيلزم الإتيانُ به من الكُل.

 وإن قلنا إنه من الواجبات للحج: فلا يلزم على الكل فيكونُ واجباً منفصلاً عن الحج

فقد أمر به فقال: (لا ينفرنَّ أحدٌ حتى يكونَ آخر عهدِه بالبيت )

وكان طواف الوداع واجباً على الجميع حتى الحائض والنفساء لكنه رخَّصَ للحائض.

 

وإذا طاف فله أن يصلي ركعتين لقول ابن عمر رضي الله عنهما: ( على كل سبع ركعتان)

 

فالحائضُ رُخِّصَ لها/ لكنها لو طهُرَت قبل مفارقة بنيان مكة؟

 رجعت، وإن لم ترجع من غير عذر: فتأثم وعليها الدم.

 وإن كان لعذرٍ: فعليها الدم فقط.

 

فإذا طاف طواف الوداع فليخرج

 فلو أقام أو اتَّجَرَ: لزمه أن يعيد الطواف.

 لكن لو أقام لسبب: كأن ينتظر حضورَ زملائه أو الحافلة، فلا يُعيد لأنه إنما أقام لسبب كما بقيَ بعد الطواف يصلي صلاة الفجر.

 

 

 

 

ويجوزُ أن يؤخرَ طواف الإفاضة مع طواف الوداع على القول الصحيح

 لأن البعضَ لا يرى الجواز وهنا لا يخلو من ثلاث حالات :-

الحالة الأولى: أن ينويَ طواف الإفاضة والوداع معاً، أي: يطوف سبعةَ أشواط ناوياً طواف الإفاضة والوداع فيجزئ.

الحالة الثانية: أن ينويَ طواف الإفاضة فقط فيجزئ.

الحالة الثالثة: أن ينويَ طواف الوداع فقط، فهذا لا يُجزئ لا عن طواف الإفاضة ولا عن طواف الوداع، لأن طواف الوداع لا يكونُ إلا بعدَ إتمامِ النُّسُك.

ولذا لو أن شخصاً معذوراً وكَّلَ من يرمي عنه ثم طاف قبل أن يرمي وكيلُه؟

 فلا يصح هذا الطواف.

 

وطواف الوداع يجب أن يخرجَ بعده خارجَ مكة

فلو طاف طوافَ الوداع ثم سكن في ضواحيها في خارجٍ منها: فلا شيءَ عليه،

 وكذا لو عاد إلى منى: كأن يعود المُتعجل، فإنَّ الرخصةَ قد حصلت له.

 وطوافُ الوداع إنما هو على من هو خارجَ مكة

ولذا لو أن الآفاقي أراد أن يستوطنَ مكةَ، سواء كان قبل النفر أو بعده فلا وداعَ عليه خلافاً لمن قال: عليه الوداع إذا نوى الإقامةّ بعد النَّفْر.

 

ومن منزلُهُ في الحرم؟ فهو كالمكيّ، لا وداعَ عليه.

ومن منزلُهُ خارجَ الحرم قريباً من الحرم؟

 فقولان/ والصحيح: أن عليه الطواف.

 

وطوافُ الوداع لو تركه الإنسان ورجع قريباً

يعني: لم يبعًد في مسافةِ خروجِه أجزأه، ولو أراد أن يعودَ بعدما بَعُدَ فيستقرُّ عليه الدم

  قال ابن قدامة رحمه الله: يحتمل سقوط الدم عنه كما يسقُطُ عن القريب.

 

 

وإذا طاف طواف الوداع لا يمشي القَهقَراء

 وهو المشي إلى الخلف، فالبعضُ يفعله يقول: حتى لا استدبِرَ الكعبة! وهذا من البدع.

 

ولما أراد عليه الصلاةُ والسلام أن يخرج قيل له: إنَّ صفيةَ قد حاضت ولم تَطُف، قالﷺ: ( أحابستنا هي ؟ فقالوا: إنها لم تطف طواف الوداع، فقال ﷺ: فلتنفِر إذاً )

 ومقصودُه من قوله: ( أحابستنا هي ؟) طواف الإفاضة.

 

ولو قال قائل / طواف الوداع للعمرة هل هو واجب أم سُنَّة؟

الجواب: اختلف العلماء في هذا/ فبعض العلماء: يرى الوجوب لأن هذا هو آخِرُ الأمر، قال: (لا ينفرنَّ أحدٌ حتى يكونَ آخر عهدِه بالبيت)، ولقوله: (أحابستنا هي؟)

ولقوله لصاحب الجبة كما في الصحيحين:

” وَاصْنَعْ في عُمْرَتِكَ ما أَنْتَ صَانِعٌ في حَجِّكَ “

 

والقول الثاني: إنه سُنَّة لأنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم لما خرجوا من مكةَ في عمرةِ التمتع لم يأمرْهُم بطوافِ الوداع، ولأنه جاء حديث:

” أُمِرَ الحاج أنْ يَكونَ آخِر عَهْدِهِ بالبَيْتِ “

ولذا فالأحوط للمسلم ألا يدعه فالمسألةُ قوية.

 

لكن بعض العلماء قال: من أتى وطاف وسعى ثم خرجَ فلا طوافَ وداع عليه

 ويستدلون لذلك: بأن عائشة رضي الله عنها اعتمرت بعد الحج فطافت وسعت ثم خرجت فيقولون: هذا السعي لا يُعَدُّ فاصلاً طويلاً.