الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 5 ) ( باب النيابة في الحج )

الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 5 ) ( باب النيابة في الحج )

مشاهدات: 817

بسم الله الرحمن الرحيم

فقه الحج ـ الدرس ( 5 )

[باب النيابة في الحج]

فضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يومِ الدين.

قررنا فيما سبق أن الحج مُجمَعٌ على وجوبه، وكذلك العمرة على القول الصحيح.

 والحجُّ والعمرةُ لا يجبان إلا بشروط، وهذه الشروط سبق ذِكْرُها وهي:

 [الإسلام- العقل- البلوغ- الحرية- الاستطاعة]

وكان شرط ُالاستطاعة قد تفرَّعَ بنا فروعاً شتَّى.

 

والاستطاعة تُختَصَرُ في قولنا: [ أن يكون الإنسانُ المسلم قادراً بماله وبدنه ]

ويتخرجُ على هذا الكلام أربع حالات:

الحالة الأولى: أن يكون المسلم قادراً بماله وبدنه فيجبُ عليه الحج بنفسِه.

الحالة الثانية: ألا يكون قادراً لا بماله ولا ببدنه فيسقُطُ عنه الحج.

الحالة الثالثة: أن يكونَ قادراً ببدنه دون ماله فيجبُ عليه الحج على القول الراجح كما سبق.

الحالة الرابعة: أن يكون قادراً بماله دون بدنه فيجب أن يحجَّ بماله، ومن ثَمَّ يلزمه أن يُنيبَ غيرَه، والدليل: قولُه للمرأة التي سألته كما في الصحيحين قالت: ( إنَّ فريضة الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبُتُ على الراحلة، أفأحج عنه ؟ فقال : نعم)

 

هذا إن كان عجزه عجزاً مستمراً.

 وإن كان عجزه يرجى زواله فينتظر حتى يحج بنفسه.

وقبل هذا نقول إن النيابة يلزم: أن يكون فيها نائب ومُنيب.

 

 

ومن المسائل المتعلقة بالإحرام:

أنَّ الُّسَّنةَ في حقِّ النائب أن يذكرَ اسمَ المُنيب، لِمَا جاء في سُنن أبي داود: في قصة الرجل الذي قال: ( لبيك عن شُبرُمة ) وإن لم يَذكُر اسمَهُ فالنيةُ كافية.

 

مسائل النيابة في الحج

المسائل المتعلقة بالمنيب وهو ( العاجز )

مسألة: لو أناب غيرَه ثم عافاه الله، فماذا يُقال له؟

الجواب / هذه العافيةُ لا تخلو من حالات:

الحالة الأولى: أن تكون العافية بعد فراغ النائب من أعمال النُسك فتُجزئه هذه الحَجَّة، قال شيخُ الإسلام رحمه الله: (بلا خلافٍ نعلَمُه).

الحالة الثانية: أن يُعافى قبل دخولِ النائب في النُسُك فهذا لا يُجزئه الحج، من هو؟ المُنيب.

لكن لو قال قائل: ماذا يصنعُ النائبُ بالنفقة؟

الجواب / إن كان يعلم أنَّ المُنيبَ قد شُفِي فيلزمُه أن يردَّ النفقة،

 وإن لم يعلم فلا يلزمُهُ شيء،

 لأن تصرفات الوكيل قبل عِلْمِه بِفَسْخِ الوَكالة تصرفٌ صحيح.

 

الحالة الثالثة: أن يعافى بعد دخول النائب في النُسُك وقبل إتمامه،

فهل تجزئ هذه الحجة عن المُنيب؟

الجواب / قولان لأهل العلم:

القول الأول: وهو قولُ الجمهور/ أنها لا تُجزئه وتكون في حقِّهِ تطوعاً، وحُجتهم في هذا: القياس على المُتيمم، فالمتيمم إذا وجد الماءَ في الصلاة فيقطعُها، واستظهر هذا القول شيخ الإسلام رحمه الله.

القول الثاني: وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد أنها تجزئُه،

وحُجتهم/ أولاً: أن هذا المُنيب قد وَكَّلَ بمقتضى الشرع فدخل نائبُه في النسك، وأفعالُ النائب أو أفعال الوكيل تُعَدُّ أفعالاً للمُوَكِّل، فأفعالُ الوكيل تُنسَبُ إلى المُوَكِّل فهو قد دخل في هذه العبادة بمقتضى الشرع، ولا دليلَ يُبطلُها أو يَعُدُّها نفلاً.

ثانياً: قياساً على المتمتع فإنه إن عَدِمَ الهَدِي وشَرع في الصيام فإن له أن يُتِمَّ الصيام ولا يلزمُه الخروجُ عنه بوجودِ الهدي.

وأما قياس الجمهور: فهو قياسٌ على مسألةٍ مختلفٍ فيها، فمسألة المتيمم إذا وجَدَ الماء في الصلاة هل تبطُل؟ أو له أن يستمر؟ فيها خلاف.

 

ولعلَّ هذا هو الأقرب وهو القولُ الثاني لأنَّ النبيَّ لم يبين مسائل النيابة حال الشفاء من عدمه فيبقى الأمر على أصله وهو صحة الحج وإجزاؤه عن المنيب،

 والأحوط قول الجمهور.

 

مسألة: لو قال قائل: هل يمكن أن يكون الحج واجباً أكثر من مرة؟

الجواب / نعم، وذلك إذا نذر، لقول رسول الله كما عند البخاري:

(مَن نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، ومَن نَذَرَ أنْ يَعْصِيَهُ فلا يَعْصِهِ)

مسألتُنا لم تأتِ بَعد وهي:

مسألة: لو أنَّ شخصاً قد نذر حَجَّة ثم عجَزَ بمرضٍ أو بِكِبَر فماذا يصنع؟

الجواب / يُنيبُ غيرَه.

لو قال قائل: لو كان قادراً فأنابَ غيرَه هل تَصِحُّ هذه النيابة؟ الجواب/ لا تصح.

 

لو قال قائل: لو أنَّ شخصاً أناب غيرَه في حَجَّةِ تطوع فهل له ذلك؟

فالجواب: المسألةُ تحتاجُ إلى تفصيل، والتفصيلُ فيها على ثلاث حالات:

الحالةُ الأولى: ألا يكونَ المُنيبُ قد أدَّى الفرض،

فالجواب: أنه لا يجوزُ مثلُ هذه النِيابة، لماذا؟ لأنه لم يؤدِّ الفرضَ الذي عليه.

لو قال قائل: لو كان عاجزاً؟  فالجواب: أن هذه الحالةَ تشملُ القادرَ والعاجز، فمن كان عاجزاً أو قادراً ولم يؤدِّ الفرض فإن تطوعَهُ بالنيابةِ لا يجوز.

 

الحالة الثانية: أن يكون قد أدَّى الفرض، لكنه عاجزٌ عن التطوع فهل يجوز؟

الجواب / يجوز.

 

 

الحالة الثالثة: أن يكونَ قد أدَّى الفرض ولكنه قادرٌ على التطوع بنفسه فهل يُنيب؟

 مثال ذلك: إنسانٌ ثريّ قال: أديتُ الفرض وكلَّ سَنَة أُحَجِّجُ عن نفسي نيابةً، بل ربما يُحجج عن نفسِه في السنة ثلاثين أو أربعين حَجَّة، فهل يجوز؟

الجواب / اختلف العلماء في هذا:

قال بعضُ العلماء: يجوز لأنَّ ذمَّتَه قد برِئت من الفرض ولا يُحرَمُ من التطوع، والحجُّ فيه جزءٌ من العبادةِ المالية.

القول الثاني: لا يجوز، لأنَّ الأصلَ في العبادات أن يؤديَها الشخصُ بنفسِه، وهذه عبادةٌ لها تعلقٌ بالبدن ولهذا لم يرِد عن رسول الله ولا عن صحابته فِعلُ ذلك، وهذا اختيارُ الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، وهو الصحيح.

 

[أما المسائلُ المتعلقةُ بالنائب فهي]

المسألة الأولى: أنه لا يجوزُ له أن يحج من أجلِ المال، وإنما يأخذُ المال لغرضِ نفعِ أخيه المسلم العاجز، وللاستفادة من تلك المشاعر في العبادةِ والطاعة.

فمن حَجَّ من أجلِ المال فقد قال عز وجل:

{مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود]

ولذا نرى البعض وللأسف يُماكِسُ ويُكاسِر، هذا قليل! أُعطِيَ فلان أكثر! أو وجدتُ من يُعطي أكثر! وما شابه ذلك فمثل هذا لا يجوز.

 

المسألة الثانية: لو أُعطيَ مالاً ليحج، فبقيَ من هذا المال بقيَّة، فهل له أن يأخذَ هذه البقية؟

الجواب / يُنظَرُ إلى العُرف، فإن كان العُرف لا يدلُّ على هذا وإنما يُعطى المال لأداء الحَجَّة فلا يجوزُ أن يأخذَ هذا الباقي،

 وإن كان العُرفُ يدلُّ على أخذِ الباقي كما هو في زماننا هذا فيجوزُ لهُ.

 

 

 

 

المسألة الثالثة:

الواجبُ على النائب: أن يتقيَ اللهَ عز وجل، ويعلم أنها أمانة وأنه مسؤولٌ عنها أمامَ ربِّ العالمين.

والواجبُ على المُنيب: أن يتقيَ الله عز وجل في اختيارِ الشخصِ المُناسب قال تعالى:

{ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } [القَصص:26]، وقال عز وجل عن طالوت الملك: { وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ } [البقرة:247]،

وقوله تعالى: { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل:39]

مما يدل على أنَّ العمل – أيَّ عمَل – لا يَثْمُر إلا بهذين الأمرين: [القوةُ- والأمانة]

فإن كان قوياً وليس بأمين لم يؤمَن على العمل

وكذلك إن كان أميناً وليس بقادرٍ على العمل.

 

ومن المسائل المتعلقةِ بالنائب

المسألة الرابعة: لو أنَّ النائبَ فعل محظوراً من محظورات الإحرام فعلى من تكونُ الفِدية؟

الجواب / تكونُ على النائب.

 

لو قال قائل: هَبْ أنَّ النائبَ اقترفَ محظوراً عظيماً -وهو الجماع قبل التحلل الأول- ويترتبُ على ذلك فساد الحج فماذا يُصنع بهذا؟

الجواب/ أنَّ هذه الحَجَّةَ لا تُجزئُ عن المُنيب ويِلْزَمُ النائبَ:

ردُّ النفقةِ والقضاءُ عن هذا الحجِّ الفاسد.

 

 

 

 

 

 

 

المسألة الخامسة: أنَّ بعض العلماء قال:

يَحُجُّ هذا النائب من حيثُ وجبَ الحجُّ على المُنيب/

صورتُها: لو أنَّ شخصاً من أهلِ الرياض قد عجَزَ عن الحج، فهل له أن يستنيبَ شخصاً في المدينة؟

يقولون: لا، هو من أهل الرياض يكونُ النائب بالحج من الرياض.

 

إذاً ماذا نصنع بمن أناب شخصاً يسكن المدينة وهو من أهل الرياض؟

الجواب / على قولِهم نقول: يأتي من المدينة إلى الرياض ويعقد الحج من الرياض، ولكنَّ هذا القولَ ضعيف

وضعفُهُ لمخالفته النص فإنَّ النبيَّ لما سألته تلك المرأةُ فقالت:

 ( إنَّ فريضةَ الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبُت على الراحلة أفأحجُّ عنه؟ قال :نعم ) ولم يُلْزِمْها بالحجِّ من موطنِ أبيها.

وذلك الرجل الذي لبَّى عن شُبرُمَة فقال ﷺ: (أحججت عن نفسك؟ فقال :لا ،فقال  عليه الصلاة والسلام: حُجَّ عن نفسِكَ ثم حُجَّ عن شُبرُمَة)

ولم يسأله النبي عن هذه النيابة.

 فوقائعُ النيابةِ موجودةٌ في عصره عليه الصلاة والسلام ولم يُنقَل مثلُ هذا الحكم.

فالقولُ الصحيح: أنه لا يجب.

 

المسألة السادسة:

يجوزُ أن يستنيبَ رجلاً بالاتفاق، فهل يجوز له أن يستنيبَ امرأة؟

الجواب / كَرِهَ بعضُ العلماء ذلك.

والصحيح: الجواز دون كراهة، والدليل/ حديثُ المرأة التي سألت النبي وقالت:

( إنَّ فريضةَ الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبُت على الراحلة أفأحجُّ عنه؟ قال :نعم ).

 

 

 

 

 المسألة السابعة:

لو أنَّ شخصاً حجَّ عن ( حيٍّ ) فرضا أو تطوعاً من غيرِ إذنِه، فما هو الحكم؟

مثلا: أراد شخصٌ أن يُقدم خيرا لوالده أو لوالدته أو لصديقه، فحج من غيرِ إذنِهِ:

فالجواب / أن الحجَّ يقعُ عن النائب ولا يقع عَمَّن لم يأذَنْ.

 

لو قال قائل: هَبْ أنه حجَّ عن ميتٍ دونَ إذنِ الوَرَثَة فهل يقع عن الميت؟

فالجواب/ يقعُ عن الميت، لأنه لا حقَّ للورثة في الإذنِ مِن عَدَمِهِ، لأن هذا نفعٌ لِمَيتهِم.

 

المسألة الثامنة:

لو أنَّ المُنيب أمر النائبَ بالتمتع فاجتهد هذا النائبُ، أو نقول تكاسلَ فأقرَنَ، بحُجةِ أنَّ التمتع يقعُ عن عُمرةٍ وحَجَّة، والقِران كذلك، فعمَّن يقعُ حَجُّ القِران؟

 الجواب/ يقعُ عن المُنيب.

وأما النفقة/ فقال بعضُ العلماء: لا يَردُّ شيئاً.

وقال البعض/ وهو الأقرب: يلزمُه ردُّ نصفِ النفقة.

 

لو قال قائل: لو أمرَهُ بالتمتعِ فأفْرَدَ؟

فالجواب / يقعُ حجُّ الإفرادِ عنِ المُنيب ويَلْزَمُ النائبَ ردُّ نصفِ النفقة، لأنه عبارة عن نُسُكَين وهو اجتهدَ من غيرِ إذن.

 

المسألة التاسعة:

لو استنابه شخصان أحدُهما يُريد حَجَّةً، والآخر يُريدُ عمرةً فجعلَها قِراناً؟

فالجواب/ هذا يصح، ومعنى قولنا يصح يعني: تقعُ الحَجَّةُ لمن أنابه في الحج، وتقعُ العمرةُ لمن أنابه في العمرة.

فإذا استنابَه شخصان أحدُهما في حَجة والآخر في عمرة ( فقرَن ) قلنا: إنه يصح،

 لكنَّ دمُ القِران (الهَدي) يكون على من؟

الجواب / إن كانا قد أذِنا له فالدمُ عليهما، وإن لم يأذَنا فالدمُ عليه، ويَرُدُّ لكلِ واحدٍ منهما نصفَ نَفَقَتِهِ.

 

ومن المسائل المتعلقة بالنائب/ المسألة العاشرة:

لو أنَّ المنيب أمر النائبَ أن يُحرِمَ مِن ميقاتٍ مُعين أو في سَنَةٍ مُعينة أو في شهرٍ مُعين ففعل في غيرِه فإنه يجوز.

 

ومن المسائل المتعلقة بالنيابة/ المسألة الحادية عشرة:

 لو أنَّ النائب أنابَه اثنان في حَجَّةٍ واحدة في نفس السنة، فما الحكم؟

الجواب/ لا يجوزُ مثلُ هذا، ويُؤدب هذا النائب.

ولو قال قائل: لو حصل مثلُ هذا، فالحجُّ لمن يكون؟

الجواب/ المسألةُ تحتاجُ إلى تفصيل:

إن كان النائبُ أحرَمَ عن الاثنين في وقتٍ واحد: فإنَّ الحجَّ يقعُ عنِ النائب.

وإن أحرَمَ عن أحدِهِما: فإنه يكونُ لمن أحرَمَ لهُ.

وأما إن أحرَمَ من غيرِ أن يُعيِّنَ أحدَهما: فإنه يصرِفُهُ إلى من شاء ما لم يَطُفْ، فإن بدأ بالطواف فيقعُ عن نفسه وقال ابنُ قدامة رحمه الله:

 ( يُحتَمَلُ أن يقعَ عن نفسِه ولا يصرفه إلى غيره كما لو أحرمَ عنهما جميعاً ).

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

باب النيابة في الحج الجزء الثاني/ الدرس (6)

 

من المسائل: لو قال قائل: لو أنَّ الإنسان تُوفيَ في نُسكه -مات مثلاً في أثناء حَجِّهِ – هل ينوب عنه شخص ليكمل عنه؟ أو لا يُكمَلُ عنه؟ 

الجواب/ قال بعضُ العلماء: يُكمَلُ عنه، وفي هذا نظَر بل قد يكونُ في هذا جنايةٌ عليه

لأنَّ النبي قال في حقِّ من وَقَصَتْهُ دابَّتُهُ فمات كما في الصحيحين قال:

(وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ) والعلة؟ قال: (فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا )

 فيُقال: لا يُكمَلُ عنه وإنما يُحَجُّ عنه.

 

مسألة: لو أنَّ شخصاً أوصى بثُلُثِ مالِه في حَجة فلم يفِ هذا الثُلُث بِحَجِّة فما الحل؟

الجواب / الحل: أن يُعانَ بهذا المال في حَجِّة، فشخصٌ مثلاً عندَه مالٌ يسير لا يستطيعُ به الحج فَيُكَمَّل له هذا الثُلُث لقوله تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }.

 

مسألة: قال النبي كما في سنن أبي داود: لمَّا سمِعَ ذلك الرجل يُلَبِّي فيقول:

“لبيك عن شُبرُمَة، قال: مَن شُبرُمَة؟ قال: قريبٌ لي، فقال ﷺ: أحججتَ عن نفسِك؟

فقال: لا، فقال ﷺ: حُجَّ عن نفسك ثم حُجَّ عن شُبرُمَة “

من هذا الحديث اختلفَ العلماء:

 فيما لو كان هناك شخصٌ أناب من لم يَحُج، بمعنى:

 أنَّ هذا النائبَ لم يسبِق أن حج حَجَّةَ الإسلام؟

فبعضُ العلماء يقول: له أن يحجَّ عن غيره ولو لم يحجَّ حَجَّةَ الإسلام، ودليلُه:

 أنَّ هذا الحديث [مضطرب] والاضطراب ضَعفٌ في الحديث، فيبقى الحكمُ على الأصل وهو الجواز.

وبعضُ العلماء: يُصَحِّحُ هذا الحديث كابنِ حجر رحمه الله ويدفع حُجَّةَ من يقول إنه مُضطرب، صحته – وهو الصحيح – لو أقدَمَ على هذا الأمر فالحَجَّةُ لمن تكون؟

الجواب/ قال بعضُ العلماء: تكونُ لاغيةً لا للنائب ولا للمُنيب.

وقال بعضُ العلماء: تكونُ للنائب.

والصحيح: أنها تقع عن النائب لظاهرِ هذا الحديث.

 

وبعضُ العلماء يقول: يجوزُ أن يُنيبَ غيرَه إن كان هذا النائبُ فقيراً، لماذا؟

لأنَّ حَجَّةَ الإسلام لم تَجِب عليه، ومِن ثَمَّ تَقَعُ هذه الحَجَّةُ عن مَن على هذا القَول؟ عن المُنيب.

وبعضُ العلماء: يُجازِف فيقول تقع عن المُنيب ولو كان النائبُ غنياً.

 

ولكنَّ الصحيح في جميع الأحوال: أنها تقعُ عن النائب، لأنَّ النبيَّ لم يستفسر مِنْ هذا الرجل هل كان فقيراً لما نابَ عن شُبرُمَة؟! فهو لم يستفسر فيبقى الحديثُ على عمومه.

 

وعلى هذا القول: لو أنَّ شخصا حَجَّ حَجَّةً هي فَرضُه فَوَكَّلَهُ شخصٌ معذورٌ بالرمي، فهل له أن يرميَ عن غيرِه أو يبدأ بنفسِه؟

الجواب/ يبدأ بنفسِه، فما ثبَتَ في الحج يثبُتُ في بعضِ أعمالِه.

 

مسألة: لو أن شخصاً لم يَحُج حَجَّةَ الإسلام فقال أتطوع قبلَ أن آتي بِحَجَّةِ الإسلام، قال سأحُجُّ قبلَها حَجَّ تطوع فما الحكم؟

الجواب/ الحكم أنها تقعُ عن حَجَّةِ الإسلام.

يُشابِهُها: لو أنَّ عليه حَجَّ نذر فَقَدَّمَهُ على حَجَّةِ الإسلام فهل تقعُ عن حَجَّةِ الإسلام أو عن حَجَّةِ النذر؟

الجواب / قال بعضُ العلماء: تقعُ عن النذر

ولكنَّ الصحيح: أنها تقع عن حَجَّةِ الإسلام.

فلو قال قائل: هل تسقُطُ المنذورة أو تبقى في ذِمَّتِهِ وعليه القضاء؟

الجواب: قولان لأهل العلم/ والصواب: أنها تبقى في ذمتِه لأنَّ وجوبَ هذه من طريق ووجوب المنذورة من طريقٍ آخر.

 

مسألة/ لو سألتُ سؤالا: أعمالُ النائب الذي هو الوكيل، أهيَ أعمالٌ للمُنيب الذي هو المُوَكِّل، أو غيرُ أعمالِهِ؟ مرت معنا

الجواب: نعم، عَمَلُ الوكيل عملٌ للمُوَكِّل، والدليل قوله تعالى:

{ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ } أضافَ التحليقَ إلى الحاج نفسِهِ،

وهل هو الذي يَحلِقُ نفسَهُ أو أنَّ هناك شخصا وَكَّلَهُ في الحَلْق؟

الجواب: شخصٌ وَكَّلَهُ في الحلق، فأعمالُ الوكيل أعمالٌ للمُوَكِّل.

 

ومِن ثَمَّ نفسُ هذهِ المسألة:

مسألة: لو أنَّ شخصاً عاجزاً وأنابَ غيرَهُ في حَجَّةِ تطوع ولم يَحُجَّ هذا المُنيب حَجَّةَ الإسلام، فَفَعَلَ النائب، فهل تقع عن المُنيب عن حَجَّةِ تطوع أو عن حَجَّةِ الإسلام؟

الجواب: تقع عن حجة الإسلام.

 

مسألة: لو أنَّ المُنيب عليه حَجَّةُ مَنذورة مع حَجَّةِ الإسلام فأنابَ غيرَه في حَجَّةِ النذر، فتقعُ عن ماذا؟

الجواب: تقع عن حَجَّةِ الإسلام وتبقى المنذورة في ذمَّتِهِ على الصحيح.

 

لو قال قائل: لو أن شخصاً عاجزاً أناب ألفَ شخصٍ في حِجَج تطوع في نفس السنة فهل يجوز؟

الجواب: يجوز إن كان عاجزاً، فإن كان قادراً فلا يصح له أن ينيبَ في حَجِّة التطوع.

 

لكن: لو أنَّ شخصاً أناب ألفَ رجل في حِجَجِ تطوع في نفس السنة وهو عاجز

فهل يجوز؟

الجواب: نعم يجوز، لكن ليس معنى هذا أنه مُستحب أو يُؤمَرُ به.

 

 

 

 

لو قال قائل: لو أنَّ شخصاً عاجزاً أناب ثلاثةً:

أنابَ شخصاً عن حَجَّةِ الإسلام

وأناب شخصاً آخرَ عن حَجِّة نذر

وأناب شخصاً ثالثا عن حَجَّةِ تطوع

وكلهم في سنةٍ واحدة،

فسَبَقَ صاحبُ التطوع غيرَه في الإحرام، فهذه الحجة تقع عن ماذا؟

الجواب: تقع عن حجة الإسلام، فالأسبَقُ منها يقع عن حَجَّةِ الإسلام.

(التي بعدَها عن النذر والتي بعدَها وهي الأخيرة عن التطوع)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

لو قال قائل: هل تصح أن يُنيبَ صغيراً أو عبداً في الحج؟

صورة المسألة: لو أن عاجزاً قال لصغيرٍ عمرُهُ مثلاً تسع سنوات: حُجَّ عني فهل تصح هذه النيابة؟

الجواب: لا تصِح، سواءٌ كان هذا الحجُّ حَجَّ تطوعٍ أو فرضٍ أو نذر.

لكن قال ابنُ قدامة رحمه الله: يُحتملُ أن يَصِحَّ في التطوع.

سؤال: لماذا لم يصح؟

الجواب: لم يصح لأنه لم يَحُج حَجَّةَ الإسلام، ولأنَّ من شروطِ صِحَّةِ الوَكالة أن يُنيبَ جائزَ التصرف، ولذا عرَّفَ الفقهاءُ الوَكَالةَ بقولِهِم:

 [ استنابةُ جائزِ التصرف مِثْلَهُ فيما تدخُلُهُ النيابة ]

“جائز التصرف” من أوصافه: أن يكونَ حراً بالغاً،

 وهذا الوكيل هل هو حر؟ لا، هو عبد.

هل هو بالغ؟ لا، هو صغير.

ولهذا لو وَكَّلَ صبياً في الرمي هل يصح هذا الرمي؟

الجواب: لا يصح.