بسم الله الرحمن الرحيم
فقه الحج ـ الدرس ( 6 ) [محرم المرأة في الحج]
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
مسألة: هل يدخل المحرم للمرأة في مسألة الاستطاعة؟
قلنا فيما سبق إنَّ ضابطَ الاستطاعة: أن يكون قادراً بماله وبدنه،
فلو اعترض علينا مُعترض وقال: إن هناك شخصاً قادراً بماله وبدنه ولم يلزمْهُ الحج!
قلنا له من هو؟
فقال: المرأة ُالقادرةُ ببدنِها ومالها ولم تجد محرماً؟
فالجواب/ مسألةُ كَونِ المحرم من الاستطاعة أو ليس منها؟ موضعُ خلافٍ بين العلماء:
القول الأول: أن المحرم لا يُشترط في الحج الواجب، فمتى ما قَدِرت بمالها وبدنها يلزمُها الحج، فتخرُجُ مع ثقاتٍ سواءٌ كانوا رجالاً أو نساءً، ولهم دليلان:
الدليل الأول: قول النبي ﷺ:
(يوشِكُ أن تخرجَ الظعينةُ من الحِيرَةِ تؤمُّ البيتَ لا جِوارَ معها لا تخافُ إلا الله)
الدليل الثاني: وهو دليلٌ من القياس، أنها تُقاسُ على الأسيرة، فالأسيرةُ إذا انفك أسرُها فإنها تخرُجُ إلى بلد الإسلام ولو لم تجد مَحرَماً.
القول الثاني: -وهو القول الصحيح- أن المحرمَ يُعدُّ نوعاً من أنواع الاستطاعة، ويستدلون بما يلي:
الدليل الأول: قول النبي ﷺ كما في الصحيحين:
( لا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ، أن تُسَافِرَ إلَّا مع ذِي مَحْرَمٍ )
الدليل الثاني: قول النبي ﷺ لذلك الرجل الذي اكتتب في غزوة، فَقالَ:
( يا رَسولَ اللهِ، إنَّ امْرَأَتي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وإنِّي اكْتُتِبْتُ في غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قالَ: انْطَلِقْ فَحُجَّ مع امْرَأَتِكَ).
والصحيح هو القولُ الثاني
أما ما استدلوا به من حديثِ النبي ﷺ فإنه إخبارٌ عما سَيَقع وليسَ إقراراً منه عليه الصلاةُ والسلام، وفرقٌ بين الإخبار والإقرار، ولذا جاءت أحاديثُ كثيرة منها:
(يقِلُّ العلم ويَكثُرُ الجهل ويُلقى الشُّح) ولا يدلُّ هذا على جواز مثل هذه الأشياء، إنما هو إخبار منه عليه الصلاة والسلام لِيُحَذِّرَ أُمَّتَه.
وأما القياسُ على الأسيرة فقياسٌ مع الفارق، لأن الأسيرةَ مُضطرة وهذه ليست مثلَها واشتراطُ المحرم في حالةِ الضرورة غيرُ مُعتبر، ولذا لمَّا ترك النبيُّ ﷺ عائشة رضي الله عنها في تلك البرية -في الصحراء -في حادثةِ الإفك أتت مع صفوان بن المُعطَّل السُلَمي.
وعلى هذا القول الذي رُجِّح، فمن هو المَحرم؟
الجواب: المحرم هو من تَحرُمُ عليه المرأةُ على التأبيد بنسبٍ أو سبب.
النسب: مثلُ أبيها، مثل أخيها.
السبب: ويندرج تحتَه أمران:
مثالُ المَحرم من الرَّضَاع: أبوها أو أخوها من الرَّضَاع.
ومثالُ المَحرمِ من المُصاهرة: أبو الزوج أو ابنُ الزوج.
واشترطنا أن تَحرُمَ عليه على التأبيد، فلا يجوزُ أن تحجَّ مع زوج أُختِها ولو كانت أُختُها معها.
إذاً ما خرج عن هذا الضابط لا يُعَدُّ مَحرَماً.
لو قال قائل: عبد المرأة هل هو محرم لها مع أنه في مُلكها؟
الجواب: ليس بمحرم.
فإذا قُرر أنَّ هذا هو ضابطُ المَحرَم، فيشترط فيه ثلاثةُ شروط:
شروط المحرم:
العقل البلوغ الإسلام
الشرط ُالأول/ العقل: فلو كان محرمُها مجنوناً فكأنه عَدَم، لماذا؟ لأن المقصود من المحرم أن يحفظها وأن يقوم بأمرها ويصونَها.
الشرط الثاني/ البلوغ: فالصغيرُ في السفر لا يُعَدُّ مَحرَماً.
الشرطُ الثالث/ الإسلام: قد يكونُ لها أب كافر فهل يكونُ محرَماً لها؟
الجواب/ لا يكون محرماً لها على قَول،
وبعضُ العلماء يقولُ:
إنه محرمٌ لها إذا أَمِنَتِ الفتنة، فإذا أُمِنَتِ الفتنة فيكونُ محرَما لها.
ويستدلُ أصحابُ القولِ الأول: بأن المَحرمية مثلُ الحضانة، ويُشتَرَطُ في الحاضن أن يكون مسلماً حتى لا يفتنَ الصبي الذي هو المحضون، فكذلك هنا فيُخشى على هذه المرأة أن يفتنَها عن دينها لا سيَّما أن المرأةَ ضعيفةٌ في طبعِها وهذا هو الأقرب
ولكن مع علمنا أنه في سفرِ الحج لا يجوزُ أن يدخلَ الكافرُ الحرم، فالحديثُ هنا مُنصبٌّ على سفرٍ لا يدخلُ فيه هذا المَحرَمُ الحَرَم.
وبعض العلماء يشترط شرطاً رابعاً وهو: أن يكونَ المحرمُ بصيراً أي غير أعمى، ولكن لا دليلَ على هذا، ولا شكَّ أن البصير أحسن وأولى.
لو قال قائل: لو وجدت محرماً -عندها أب أخ- لكنه لم يوافِقْها في الحج معها، فماذا تصنع؟
الجواب/ قال بعضُ العلماء: يلزمُه أن يحج معها وإن لم يحج فهو آثم، ويستدلون على ذلك بقصةِ الرجل الذي قال إن زوجتي خرجت حاجة فقال ﷺ: ( انطلق فحج مع امرأتك )
وبعض العلماء يقول: إنه لا يلزمُه أن يحج بها إلا في حالتين:
الحالةُ الأولى/ خاصةٌ بالزوج وهي: إذا اشترطت عليه في عقد النِّكاح أن يحجَّ بها، فيجب عليه لقول النبي ﷺ: (إن أحقَّ ما وفَّيتُم به من الشروط ما استحللتم به الفروج).
الحالة الثانية/ إذا وعدها المحرمُ فيجبُ عليه لقوله ﷺ كما في الصحيحين:( آيةُ المنافق ثلاث) ذكر منها: (إذا وعد أخلف)، ما لم يحصُل عليه ضررُ في وفائه بالوعد فإن حصل ضررٌ في معيشته أو في صحته فلا يلزمه للقاعدة الشرعية: [الضرر لا يُزال بالضرر].
وهذا القول هو الصحيح:
أنه لا يلزم المحرم أن يحجَّ بها، والأدلةُ على قوةِ هذا القول قولُه عز وجل:
{ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} فالخطابُ بالحج موجَّهٌ إلى المرأة ولا يتحمل المحرمُ تَبِعَةَ هذا الأمر.
أما الجواب عن حديث الرجل: فإن النبي ﷺ إنما أمرَهُ أن ينطلقَ مع زوجته لأنها شرعَت في السفر فوجبَ عليه أن يحافظَ عليها.
لو قال قائل: هَبْ أن المحرمَ وافق، فنفقةُ حَجِّهِ تكونُ على من؟
الجواب / نفقةُ حَجِّهِ عليها.
لو قال قائل: هل هناك امرأةٌ تخرجُ عن هذه الشروط التي اشتُرِطَت في المحرم؟
الجواب / نعم، مَنْ؟ إماءُ المرأة، فإماءُ المرأة إذا لم يجدن محرماً فإن لهنَّ أن يُسافرنَ معها، وهذا أشبَه ما يكونُ بالمرأةِ المُضطرة.
لو قال قائل: لو يئست المرأةُ من المحرم، يئست يأساً لا رجاءَ معه في وجودِ محرم،
-على القولِ الذي رجَّحناه- ماذا تصنع؟
الجواب/ تُنيب، أما على القول الآخر فإنها تحج مع نساءٍ ثقات.
مسألة: -على هذا القول المُرَجَّح- لو أنَّ المرأةَ خالفت وحجَّت من غير محرم فهل يصح حَجُّها ويُجزئها؟
الجواب: نعم، لأن المحرَمَ من الاستطاعة، والاستطاعةُ شرطٌ للوجوب؛
فلو تعمدت الذهاب للحج دون محرم فإن حجها صحيح ولكنها آثمة.
فإذاً: إذا يئست تستنيب.
لو قال قائل: لماذا لا نُلزِمُها أن تتزوجَ وتشترطَ في العقد أن يحج بها؟
فالجواب/ أن يُقال: إنَّ هذه المرأةَ قد تكونُ متزوجة، ونحنُ نريدُ حكماً عاماً،
ثم على افتراض أنَّ هذا الحكمَ ليس بعام -وهو كذلك ليس بعام- فلا تُلزَم لو لم تكن ذاتَ زوج لا تُلزَمُ بالزواج، لأن هناك قاعدةً شرعيةً تقول:
[ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب] ولا تلتبس بالقاعدة الأخرى، وهي:
[ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب]
عندنا هنا وجوب وليس عندنا واجب
مثال على القاعدة الأولى: فلا يُقال مثلاً لشخصٍ اجمَعِ المال حتى تُزكي، وإنما يُقالُ له متى ما ملكتَ مالاً فزكِ.
مثال على القاعدة الثانية: الوضوء واجب، والوضوء لا يكون إلا بماء، فلو كان الماء بعيداً عنه في مكان يستطيع أن يصل إليه فيجب عليه أن يبحث عن الماء فذهابه لإحضار الماء واجب، لأنه [ما لا يتم الواجب] وهو الوضوء [إلا به] وهو المشي [فهو واجب] فيكون المشي في حقه واجبا.
مسألة: لو أن المحرَم وافَقَها ثم مات في سفرِ هذا الحج فما الحل، هل تمضي إلى حَجِّها أو تعود؟
الجواب / قال الإمامُ أحمد رحمه الله: إن بَعُدَت عن بلدَتِها فتمضي في حَجِّها ولا سِيَّما إذا كان فرضاً، لأنها لو رجعت مع هذا البُعد فهي تحتاجُ إلى محرم.
لو قال قائل/ نعِكس المسألة: لو أنَّ أباها مثلا سافر معها إلى الحج، فَبَلَغها في سفرِها في حَجِّها وفاةُ زوجِها، فهل تعود لِتَعتَدَّ عدةَ الوفاة في بيتِها أو تمضي؟
الجواب / إن بَعُدَت فتمضي وإلَّا رجعت.
وأقول: يمكن هذا الجواب يُتصور في العصور السالفة لأن وسائل النقل بطيئة أما في هذا العصر فالمسألةُ تحتاجُ إلى تفصيل فنقول:
أولاً: إن لم تدخل في النُسُك فتعودُ إلى بيتِ زوجها.
ثانياً: أما إذا كانت قد دخلت في النسك فلا تعود
لأنه تعارض هنا حقَّان، حقُّ الله وحقُّ الزوج فيُقدم الأسبق وهو حقُّ الله عز وجل.
أما حُجَّة من قال بالجواب السابق قال: لأنها لو تباعدت احتاجت إلى وقتٍ طويل لتصلَ إلى بيت زوجها، فلربما ذهبت العِدةُ أو أكثرُ وقتِها.
لو قال قائل: لو كانت المرأة في عدة وفاة في بيت زوجها ثم تبرَّعَ محرمُها بالحج معها، فهل تخرج أم تبقى؟
الجواب: لا تخرج، لأنه تعارضَ حقَّان، حقُّ الله عز وجل وحقُّ الزوج فيُقدمُ الأسبق وهو حق الزوج.
لو قال قائل: لو كانت المرأةُ في عدةِ طلاقٍ بائن -يعني: لا رجعةَ فيه للزوج- فتَبَرَّعَ محرمُها -كأخيها أو أبيها- فهل تحج؟
الجواب / نعم تحج، فلم يتعارض حقّان فليس هناك إلا حقٌ واحد وهو حقُّ اللهِ عز وجل.
ومن المسائل المتعلقة بالمَحرَم
لو أنَّ المرأةَ وجدت محرماً فمنعها زوجُها من الحج، فهل له ذلك؟
الجواب / المسألةُ تحتاجُ إلى تفصيل فنقول:
الحالة الأولى: إن كان هذا الحجُّ حجَّ تطوُّع فله أن يمنعَها لقولِ النبي ﷺ:
(لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أنْ تَصُومَ وزَوْجُها شاهِدٌ إلَّا بإذْنِهِ)
لكن لو عارضت ودخلت في النُسك، فهل تستمرُّ في نُسُكها؟
الجواب: لزوجها أن يُحَلِلَها وتكونُ في حكْمِ المُحَصر.
الحالةُ الثانية: أن يكونَ هذا الحج حجاً منذوراً، ومِن ثَمَّ فليس له تحليلُها ولا منعُها، ومِن بابِ أَولى وهي الحالةُ الثالثة:
أن يكون حج فرض، والدليل قول النبي ﷺ:
(لا يَحِلُّ لِامرأةٍ أنْ تَصُومَ وزَوْجُها شاهِدٌ إلَّا بإذْنِهِ)
وفي رواية: (سِوى رمضان). بل قال شيخُ الإسلام رحمةُ اللهِ عليه:
” كثيرٌ من العلماء في حجِّ الفرض يُلزِم الزوجَ بالنفقةِ عليها” ويُستحب أن تستأذنه.
من المسائل المتعلقة بالمَحرَم:
من مات مَن لَزِمَهُ الحج، فهل يُخرَجُ مِن تَرِكَتِهِ أو يَسقُطُ عنه؟ الجواب / قولان لأهل العلم:
القول الأول: قال بعضُ العلماء: يسقُطُ بالموت.
القول الثاني: لا يسقُطُ بالموت وهو القولُ الصحيح، لأن النبي ﷺ قال كما في صحيح البخاري: (دَيْنُ اللهِ أحقُّ بالقضاء) وهذا دَيْن.
لكن متى يُخرَجُ من تَرِكَتِهِ؟ الجواب / يُخرج من تركته إذا لَزِمَهُ.
ولماذا هذا التعبير؟ هذا التعبير لأنَّ المرأةَ قد تكونُ قادرةً ببدنِها ومالِها، بل ربما تكونُ من الثراء ما لا يُقَدَّرُ بِقَدَر ولكنها لم تَجِد محرماً فماتت وتركَت هذه الأموال الطائلة،
فهل يُخرَجُ مِن تَرِكَتِها؟ الجواب / لا يُخرَجُ مِن تَرِكَتِها لأنَّ الحجَّ لم يلزمْها لعدم وجود المحرم، إلا على قول من يقول إن المحرم ليس شرطا للوجوب.
والأحوط أن يُخرج من مالها لمن يحج عنها.