بسم الله الرحمن الرحيم
فقه الحج ـ الدرس (8)
باب: [ المواقيت المكانية ]
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى الدين.
جاء في الصحيحين: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ : ” إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ”
فالمواقيتُ في هذا الحديث أربعة
فهذه المواقيت هي المواقيتُ المكانية لأنَّ هناك نوعاً آخر من أنواعِ المواقيت وهي: المواقيتُ الزمانية.
فهذه الأربعةُ هي المواقيتُ المكانية، وقد جاء في صحيح البخاري:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: ( لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ فَقَالُوا:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنَّا إِنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا، قَالَ : فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ. فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ).
(وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا) أي: بعيدة
فهذا اجتهادٌ من عمر رضي الله عنه ويُعَدُّ اجتهاداً قد وافقَ فيه نصاً، لأنه ثبت في سنن أبي داود (أنه عليه الصلاة والسلام وقَّتَ لأهل المشرق ذاتَ عرق)
وعمر رضي الله عنه جعل ذاتَ عرق ميقاتاً لأهل العراق باجتهاده.
إذاً عندنا سبعة مواقيت وهي:
1-ذو الحُلَيفة | 2-الجُحفَة | 3- قَرن المنازل | 4- يلملم |
5- ذاتُ عرق | 6- من كان دون المواقيت | 7- أهلُ مكة |
والذي ينبغي ألا تُلتَغى هذه الأسماءُ الشرعية ولا سيِّمَا من طلابِ العلم في أحاديثهم وفي فتاويهم فَيَنُصُّونَ عليها، فإذا سأل السائل فيقالُ له: أحرِم من قَرن المنازل، ويُمكن أن تُعَرِّفَهُ وتقول: الذي يُسمى الآن بالسيل الكبير،
وتقول: أحرِم من ذي الحُلَيفَة الذي هو أبيارُ عليّ
وهلُمَّ جرّاً، فلا ينبغي أن تندّثِرَ هذه الأسماء الشرعية
والحكمُ باقٍ لهذه الأماكن ولو خَرِبَت: فإن خَرِبَت فَيُنظَرُ إلى ما هو قريبٌ منها مما يكونُ قبلَها فيُحرَمُ منه، فالجُحفةُ مثلاً كانت قرية فاجتاحها السيل فأصبح الناسُ الآن يحرمون من رابغ.
فلو قال قائل: لماذا سُميت بهذه الأسماء؟
فيقال: ذو الحُلَيفَــــة : لأن فيها نبتاً بهذا الاسم .
وقَرن المنازل : فنسبةٌ إلى الجبل .
وأما يلملـــــم : فقيل جبل، وقيل وادي .
وأما الجُحفــة: فهي قرية اجتاحها السيل، وقد سمَّاها النبيُّ ﷺ ( مَهْيَعَة ) فقد دعا النبي ﷺ كما في الصحيح: ( أن ينقل حمى المدينة إلى الجحفة فاستجاب اللهُ له دعاءَه )
قال العلماء: وإنما دعا أن تُنقلَ إلى الجُحفة لأن بها في تلك المدة طائفةً من اليهود.
وأما ذاتُ عرق: فهو لوجودِ جبلٍ فيها.
وذو الحُليفة : الآن تُسمى ” أبيار علي “، قال شيخُ الإسلام رحمه الله: ويَظُنُّ عوام الناس أنَّ علياً قاتل عندها الجن، وهذا ليس بصحيح فإنَّ علياً رضي الله عنه أرفع من أن يُقاتله الجن؛ ثم قال رحمه الله: ولا يستحبُّ أن يُرمَى فيها بحجر.
إذاً لا فضيلة لهذه البئر.
وأما الجُحفـــــــة: فإنه الآن يُحرَمُ من رابغ.
وأما يلملـــــــــــم: فإنها تُسمَّى الآن بالسَّعدِيَّة.
وأما ذاتُ عِــــرق: فتسمى الآن بالضَّرِيبَة.
وأما قرنُ المنازل: فيسمى الآن بالسيل الكبير.
سؤال: هل هو قرنُ الثعالب كما جاء بذلك الحديث: (أنه عليه الصلاة والسلام خرجَ من الطائف مهموماً، قال: ” فَلَمْ أستفِقْ إلَّا وأنا بقرْنِ الثعالِبِ”؟
الجواب: الألباني رحمه الله يقول إنه هو والشيخ ابنُ عثيمين رحمه الله يرى أنه ليس هو، وإنما هو جبلٌ يَطُلُّ على عرفات.
– وأحدُ هذه المواقيت يمتازُ بميزة وهو: ذو الحُلَيفَة، قال الألبانيُّ رحمه الله:
ويستحبُّ الصلاةُ فيه لخصوصِ المكان لا من أجل الإحرام،
فإن النبي ﷺ كما عند البخاري قال:
” أتاني آتٍ من ربِّي اللَّيلةَ ، فقال : صَلِّ في هذا الوادي المباركِ ، وقُلْ : عُمرةٌ في حَجَّةٍ “
والذي يظهر لي أنه لا يُطلَقُ هذا الحُكم وإنما يُقيد، فنقول:
من أتى إلى هذا المكان لغرضِ النُّسُك ولم يوافق إحرامُه وقتَ صلاة فيُصلي، وإن لم يأت لغرض النسك فلا يصلي، وذلك لأنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم كانوا يمرون عليه ولم يقفوا للصلاة عنده.
ومن المسائل المتعلقة بالمواقيت:
أهلُ مكةَ يُحرِمون للحج مِن مكة، لكن هل يُحرمون بالعمرةِ من مكة؟
قال بعض العلماء: نعم يُحرمون، فإحرامُ المكيّ بالعمرةِ من مكة.
ودليلُهم قوله ﷺ: (حتى أهلُ مكةَ من مكة ) لأنه قال قبلها: ( ممن أراد الحجَّ والعمرة).
وبعض العلماء:
يرى أنَّ إحرامَ المكيّ بالعمرة يكونُ من الحِل، من أيِّ موطنِ من مواطن الحِل ولو قَرُبَ.
ويستدلون على ذلك بأنَّ النبيَّ ﷺ لما طلبت منه عائشةُ أن تعتمر أمر أخاها عبدَ الرحمن أن يُعمِرَها من التنعيم وهو وادٍ يسمى بـ:
( نَعمان، عن يمينه جبل يُسمى: نُعَيم، وعن يساره جبل يُسمى بـ: ناعم )
ووجهُ الاستدلال بهذا الحديث أنه ﷺ كان حريصاً على التيسير على أمته وقد ظهر ذلك جلياً في هذه الحّجَّة، فَكَونُهُ يأمُرُها وأخاها أن يذهبا إلى التنعيم مع أنهما قد فَرَغا مِن نُسُكِهِما، وهي امرأةٌ ضعيفة يدل على:
أنَّ المكيَّ عمرته من الحِل، ولذا قال ﷺ كما عند البخاري قال لها:
” أجرُكِ على قَدْرِ نَصَبِك “
وهذا هو القولُ الصحيح/ أنَّ ميقاتَ المكيّ للعمرة مِن الحِل، وميقاته للحج مِن مكة.
لو قال قائل: إذا أثبتنا أنَّ إحرامَ المكيّ بالعمرةِ من الحِل، فهل الأفضل أن يختارَ المكانَ البعيد من الحِل أم القريب؟
الجواب / قال بعض العلماء: يختارُ البعيد لأنه أكثر أجراً، والنبي ﷺ يقول لعائشةَ:
“أجرُكِ على قَدْرِ نَصَبِك”.
وبعض العلماء يقول: الأفضل هو ما كان يسيراً على الإنسان، وهذا هو الصحيح
لأنَّ النبيَّ ﷺ أمرها أن تُحرِمَ من التنعيم، والتنعيمُ قريب، وهو عليه الصلاة والسلام كما قالت عائشة رضي الله عنها:
” ما خُيِّرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُما أَيْسَرُ مِنَ الآخَرِ، إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، ما لَمْ يَكُنْ إثْمًا “.
وأما ما استدلوا به من حديث: “أجرُكِ على قَدْرِ نَصَبِك”.
فإنَّ هذا الحديثَ له محل، ومحلُّهُ:
إذا كانت العبادةُ لا يتأتى الإتيانُ بها إلا من طريقٍ واحد شاق، أما إذا وُجِدَ طريقان للعبادةِ أحدُهما أيسر من الآخر فيختارُ الأيسر.
ولو سلَّمنا بما قُلتم لقلنا/ لماذا لم يأت النبي ﷺ إلى مكة ماشياً؟ إنما أتى راكباً.
ولماذا أمر ﷺ من لم يجِد مركوباً غيرَ هديِهِ أن يركبَهُ بالمعروف؟
ولماذا استظلَّ بِنَمِرَة؟ ولماذا نام في مُزدلفة؟
ولماذا جمع بين الصلاتين في عرفةَ وفي مزدلفة؟
ولماذا يسترُهُ بعضُ صحابتِه عند رميِهِ لجمرةِ العقبة؟ يستُرُه ويظلله بثوب
لو قال قائل: لماذا هذا التفريق في أهلِ مكةَ في الحجِّ وفي العمرة؟
الجواب/ التفريق امتثالا لأمر النبيِّ ﷺ وقد ذكَرَ العلماءُ حكمةً وهي:
[ أنَّ المحرمَ لابد أن يجمعَ في إحرامِهِ بين الحِلِّ والحرم ]
فلو قلنا إنَّ العمرةَ لأهلِ مكةَ من مكة، فأعمالُ العمرة تكون في الحرم، فيُقالُ له:
اذهَب إلى أدنى الحِل فتُحرِم وتَجمَع في إحرامِكَ بين الحِلِّ والحَرَم.
أما لو اعترض معترض فقال: ماذا تقولون في الحج؟
فنقول: أنه لو أحرم بالحج في مكةَ فإنه سيخرُجُ إلى الحِلّ حتماً ولا مَحَالَة
فإنه سيخرُجُ إلى عرفة، والخروج إليها مُحتم وعرفةُ من الحِلّ.
وغيرُ المكي هو كالمكي في هذا الحُكم ولذا النبي ﷺ كما قال جابر رضي الله عنه عند مسلم: ” أَمَرَنَا النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لَمَّا أَحْلَلْنَا، أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا إلى مِنًى، قالَ: فأهْلَلْنَا مِنَ الأبْطَحِ ”
والأبطَح من الحرم، فقد اشترك الصحابةُ رضي الله عنهم معَ أهلِ مكةَ في هذا الحُكم، فكذلك يشترك أهلُ مكةَ مع الآفاقي في الإحرامِ للعمرة من الحِلّ.
باب: [المواقيت المكانية] الجزء الثاني/ الدرس(10)
ومن المسائل المتعلقةِ بالمكيين:
المكي إذا تمتع هل يخرجُ إلى الحِلّ ليأتيَ بعُمْرَتِهِ من هناك؟
الجواب: نعم
ومثلُه الآفاقي إذا رَغِبَ في المُتعة ولم يَكُ قبلَ ذلك اعتمر في أشهر الحج.
لو قال قائل: ما رأيكم في القِران هل يُحرم المكيّ مِن مكةَ أم يُحرِم من الحِلّ؟
لأنَّ القِرانَ عبارةٌ عن نُسُكَين: حَجَّة وعمرة
اختلف العلماء في هذا:
فبعضُ العلماء يقول: يخرج إلى الِحل لأن في نُسُكِهِ عمرة
وبعض العلماء يقول: يُحرِم من مكةَ
وهذا هو الأظهر لأنَّ عمرةَ القارن ليست عمرةً منفصلة، ولذا لم ينكر ﷺ على عائشةَ رضي الله عنها لمَّا قالت: ( يا رسول الله أَتَرْجِعُ نِسَاؤُكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ؟)
فأمر ﷺ أخاها عبدَ الرحمن أن يُعمِرَها من التنعيم مع أنَّها كانت قارِنة.
ومن المسائل المتعلقةِ بالمكي: هل للمكي أن يتمتع؟
موضع خلاف، ولكنَّ الأرجح أن لهم التمتع لعموم قوله تعالى:
{فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} لكنه استثني المكيين من الهدي:
{فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} إلى أن قال:
{ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
لو قال قائل: لو قرَنَ المكي فهل عليهِ هَدِي؟
الجواب: ليس عليه هدي، ثم إنَّ هَدْيَ القِران مُختلفٌ في وجوبه، فالقارن إمَّا أن يكون قد ساقَ الهدي فهذا يجبُ عليه الهدي، لكن مَنْ لم يَسُقْ فَقَرَن؟
بعض العلماء يقول: ليس عليه هدي لأنَّ اللهَ عز وجل لم يذكر ذلك:
{فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ}
ثمَّ ما هي حقيقةُ التمتع؟
أن يستبيحَ بعد العمرة ما كان مُحَرَّما عليه، والقارِن لا تَصدُقُ عليه هذه الحقيقة
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمة الله عليه: وهذا قولٌ قويّ
وأقول: هو قوي من حيثُ النظر لكن جاء دليل يفصِلُ في هذه المسألة وهو:
أنَّ النبي ﷺ نَحَرَ عن عائشةَ -رضي الله عنها- نحرَ عنها بقرة وهي قارنِة،
ولأنَّ القِران يُطلَقُ عليه عند الصحابةِ ” تمتع “، فهو تمتعَ لتحصيلِ نُسُكَين في سَفْرَةٍ واحدة. يمكن يقال بهذا،
ولكنَّ الجواب أن يُقال: لم يوضِّح ﷺ هذا الشيء لأنه نَحَرَ أيضا عن نسائه، ونساؤه كلُّهُنَّ متمتعات، فلو كان الهَدي لا يَجِبُ على القارِن لَوَضَّحَ عليه الصلاة والسلام هذا الأمر في شأنِ عائشة رضي الله عنها.
ومن المسائل المتعلقةِ بالمكيّ: وإذا قلنا المكي فيما يتعلقُ بالإحرام فيدخُلُ فيه: “الآفاقي” الذي رَغِبَ أن يُحرِمَ إما بحج وإما بعمرة، فلا نحتاج إلى تِكرار هذا الأمر فيما سيأتي.
من المسائل المتعلقةِ بالمكي: أن ميقاتَه في الحج من مكة، فيُقالُ مكة أو من الحرم كلِّهِ لأنَّ الحرم مُمْتَد وبعضُ الجهات أطول من الجهاتِ الأخرى وهو خارج مكة؟
إحرامُهم من الحرم
مسألة:
لو أن هناك جزءا من الحرم خارج حدود مكة، فهل يُحرمُ منه المكي إذا أراد الحج؟
قال الشنقيطي رحمه الله: لا يحرم منه، لأنَّ هذا خلاف النص، لأن الحديث قال: (حتى أهل مكة من مكة) وهذا خارج مكة.
القول الثاني: يُحرِم من أي مكان من الحرم سواء كان داخل مكة أو خارجها،
ويمكن أن نستدل لأصحاب هذا القول بحديث جابر عند مسلم:
( أمرنا رسولُ الله ﷺ لما حلَلْنا أن نُحرِمَ إذا توجَّهنَا من الأبْطَح )
ولم يستفصل ﷺ عما لو كان الحرم خارج مكة أو داخلها.
والأحوط ما قاله الشنقيطي رحمه الله.
إذاً: لو أن المكي أحرم بالحج من الحِل، ميقاته في الحج: هو الحرم،
لو أنه خالفَ وأحرَمَ من الحِل فما هو الجواب؟
الجواب/ يحتاجُ إلى تفصيل:
إن كان سيحرم من الحل وسَيَسْلُكُ يعني [يمر] الحرم فلا شيء عليه، فيكونُ حُكْمُهُ كحكم من أحرم قبلَ ميقاته.
وأما إن كان لا يسلُكُ الحرم فيكونُ تركَ الإحرام من ميقاتِهِ المُعتَبَرِ له وعليه دم لتركه الإحرام من ميقاته.
ومثال ذلك: أحرَمَ من عرفة، وعرفة من الحِل.
وهذا يكثُر، بعضُ الناس له نيةٌ سابقةٌ بالحج وهو في الحرم، ولا سيَّما أصحابُ الحملات، فيُؤخِّرُ الإحرام حتى يومِ عرفة فيُحرمُ منها، وعرفةُ من الحِلّ.
إذا: إن كان سَيسْلُكُ الحرم فلا شيء عليه
وإن كان لن يسلكَهُ فعليه دم لتركِهِ الميقات.
ومن المسائل المتعلقةِ بالمكي: أنَّ ميقاتَ المكي للعمرة من الحِل،
فلو أنه خالف وأحرم بالعمرة من الحرم فهل ينعقِدُ إحرامُه؟
الجواب/ نعم ينعقدُ إحرامُه وعليه دم، فحكمه كحكم من ترك الإحرام من الميقات.
ومن المسائل المتعلقةِ بالمواقيت المكانية:
أنَّ من كان مَنْزِلُهُ دونَ الميقات فميقاتُهُ من مَوضِعِه، لقوله ﷺ:
(ومن كان دون ذلك فمن حيثُ أنشأ)
مثل: [أهل الشرائع] يُحرِمون من الشرائع ولا يُلزمون بالرجوعِ إلى الميقات.
وهناك قول ليس عليه دليل: أنهم يُهِلُّون من مكةَ.
سؤال: إذا كان ميقاتُهُ من موضِعِه مثل أهل الشرائع وأهل جدة -هم دونَ الميقات- فهل له أن يُحرِمَ من بيته أو من أيِّ موضعٍ من جدة سواء كان هذا الموضِع قريباً من مكة أو بعيداً؟
الجواب: له أن يحرمَ من أيِّ موضعٍ من قريته لقوله ﷺ: (حتى أهل مكة من مكة).
سؤال: لكن لو كان هذا الشخص له مسكنٌ منفردٌ عن الناس، مسكنُهُ ليس في قرية فمن أين يُحرم؟
الجواب / ميقاتُهُ من مَسْكَنِهِ
وهذا الحكم شامل حتى للمواقيت التي وَقَّتَها النبيُّ ﷺ
فمثلاً: قَرنُ المنازل له أن يُحرمَ من أيِّ مكانٍ من قَرنِ المنازل، ولا يلزَم عند المسجد كما يتصورُه البعض،
ولذا ميقات “وادي مَحْرَم” ليس ميقاتاً مُستقلاً وإنما هو تابعٌ لقرن المنازل.
مسألة: وَلْتَعلَم أنَّ كُلَّ ميقات حَذْوُهُ بِمَنْزِلَتِه، فَرُكَّاب السُّفُن أو الطائرات إذا حاذَوا أقربَ ميقات فيجب عليهم أن يُحرِموا، ولذا جعلَ عمر رضي الله عنه لأهلِ العراق ذاتَ عِرق لأنها حَذو قَرن المنازل.
سؤال: لو أنه حاذى الميقات ولم يُحرِم إلا بعدَه؟
الجواب / عليه دم،
وقولُنا عليه دم لا يعني أنه سليمٌ من الإثم، وَلْيُنَتَبَّه إلى هذه النقطة جيداً:
لأنَّ من تركَ واجباً من واجباتِ الحج من غير عذر فعليه مع الدم ( الإثم )
لكن إن كان لعذر فلا إثم عليه وإنما عليه الدم، لقولِ ابن عباس رضي الله عنهما:
(من ترك نُسُكاً أو نَسِيَهُ فَلْيُهْرِق دماً ).
ولذا ما يفعلُه البعض ممن لا تصريحَ له من تَركِ الإحرام إلى ما بعد مجاوزةِ نقطة التفتيش فهو آثم، وليس هناك عذر يستبيحُ به مجاوزةَ الميقات،
وقولُ ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: (من ترك نُسُكاً أو نَسِيَهُ فَلْيُهْرِق دماً )
فالترك: يُشارُ به إلى العامد -المتعمد-
والنسيان: إلى المعذور. فكلاهما يلزمُهُ الدَّم
وبعض العلماء يقول: لم يرد حديثٌ عن النبيِّ ﷺ في شأنِ لزومِ الدم لمن تركَ واجباً من واجباتِ الحج، إنما الوارد دم المحظور، ومِن ثَمَّ فيقول:
قولُ ابن عباس رضي الله عنهما للرأيِ فيه مجال فلا نُلزِم الناسَ بالدم، لو ترك الواجب يأثم ولكن لا نُلْزِمُهُ بدم.
وكلامهم صحيح أنَّ قولَ ابنَ عباسٍ رضي الله عنهما: للاجتهاد فيه مجال، ولكنَّ إلزامَهُ بالدم فيه حُجَّة، كيف ذلك؟
نقول: هو قولُ صحابي واشتهرَ ولم يُخالَف والقاعدة في الأصول:
[أن قولَ الصحابي حُجَّة ما لم يُعارِض نصَّاً أو يخالِفْهُ صحابيٌّ آخر ]
وهو لم يعارِض نصاً ولم يخالفْهُ صحابيٌّ آخر.
ثُمَّ لو قيل بهذا/ قلنا لهم: إنَّ فديةَ محظورِ الجماع قبلَ التحلل الأول [بَدَنَة] من أين أتت؟ لم تأت عن النبيِّ ﷺ إنما أتت عن بعضِ الصحابة، ولو قيل بما قلتم لأصبح هناك تهاون!
يُقال لمن تَرَكَ الواجب: استغفرِ الله ولا شيءَ عليك وما أسهلَ الاستغفار!
ومن المسائل المتعلقةِ بالمواقيت المكانية:
لو كان مسكنُ الإنسان في الحِل، مثلاً: في التنعيم، فأراد أن يُحرِمَ بالعمرة أو بالحج فماذا نقولُ له؟
الجواب/ نقول له إحرامُكَ من مكانك لعمرتك أو لحجك.
لو قال قائل: لو كان مسكنُهُ في الحرم خارجَ مكة، فمن أينَ يُحرِم بالحج من مكانه أو من أي جهةٍ من الحرم؟
الجواب/ يقول ابنُ قُدامة رحمه الله: ينبغي أن يَجوزَ له الإحرام من أيِّ الحرمِ شاء كالمكيّ
مسألة تتعلق بالمواقيت المكانية: إذا كان يمرُّ بطريقٍ ليس فيهِ ميقات قلنا/ إنه يُحرم إذا حاذاه، فإن كان يَشُك: فَلْيَحتَط فَيُحرِم قبلَه.
مسألة تتعلق بالمواقيت المكانية:
لو أنه من أهلِ الرياض/ ميقاتُه: قَرن، فأرادَ أن يذهبَ إلى المدينة فمن أين يُحرِم، أنلزمُه بالرجوعِ إلى قَرن، أم يحرم من ذي الحُلَيفَة؟
الجواب/ يُحرِم من ذي الحُليفة لقوله ﷺ: (هُنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَ من غيرِ أهلِهنّ)
مثال آخر:
لو أنَّ شخصا من أهلِ المدينة ذهبَ إلى الطائف ثم أراد أن يُنشئ حجا أو عمرة؟
يُحرِم من قَرن.
وهذا يُؤكِّد أنَّ أهلَ مكةَ في الإحرامِ بالعمرة كالآفاقي، خلافا لمن قال إنَّ إحرامَ عائشة بالعمرة من الحِل لكونها من الآفاقيين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب: [ المواقيت المكانية ] الجزء الثالث/ الدرس(11)
مسألة تتعلق بالمواقيت المكانية:
أنَّ النبيَّ ﷺ وقَّتَ لأهلِ الشام الجُحفة، فلو أنَّ شخصاً من أهل الشام مرَّ بذي الحُليفة، وذو الحُلَيفة أسبق في المكان من الجُحفة:
فمن أين يُحرِم هذا الشامي؟
هل يحرم من ذي الحُليفة لأنه أولُ ميقات مرَّ به ولأنَّ رسولَ الله ﷺ قال:
) هُنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهِنّ من غيرِ أهلِهِنّ )؟
أو أنَّ له أن يُؤخِرَ إحرامَه إلى ميقاتِه الأصلي لقوله ﷺ: (يُهِلُّ أهلُ الشام من الجُحفة)؟
الجواب: قولانِ لأهلِ العلم:
يرى الإمام مالك يرحمه الله – ويختارُه شيخُ الإسلام -:
أنَّ له أن يُؤخِرَ إحرامَه إلى أن يصلَ الجُحفه لأنه مرَّ بميقاتٍ أصليّ وفرعيّ: فله ذلك، لكنَّ الأَوْلَى أن يحرمَ من أولِ ميقاتٍ يَمُرُّ بهِ.
وأما جمهور العلماء: فيرون أنه يجبُ عليه أن يُحرمَ من ذي الحُليفة وهو الصحيح،
لأن رسولَ الله ﷺ لمَّا وَقَّتَ لِكُلِّ جهةٍ ميقاتَها، إذ قال في صدرِ الحديث:
( يُهِلُّ أهلُ المدينة من ذي الحُليفة) إلى آخره ثم قال:
(هنَّ لهن ولمن أتى عليهن من غيرِ أهلهن )
وهذا أسلوب بلاغي إذ جاء هذا الحديث في صورةِ الخبر، والمرادُ منه: الطلب، كأنه يقول ( أَهِلُّوا )، بدليل الروايات الأخرى التي أمر فيها النبيُّ ﷺ.
وفائدة مجيء هذا الحديث في صورةِ الخبر مع أنَّ المراد منه الأمر والطلب:
لتثبيتِ هذا الحكم وللزومه كأنه واقعٌ لا خِيارَ للإنسانِ فيه.
مسألة أخرى مشابهة للمسألة السابقة:
وهي: لو أنَّ الإنسان سيَمُر بميقات الجُحفة من غير طريق ذي الحليفة، سواءٌ كان هذا المار شاميا أو غيرَه: فإنه يُحرِمُ من الجُحفة.
ويُحمَلُ عليه فِعلُ عائشةَ رضي الله عنها/ ففي فِعلِها لم تَتْرُك الإحرامَ من ذي الحُليفة لمَّا أحرَمَت بالجُحفة إنما كان مُرُورُها بالجُحفةِ من غيرِ طريقِ ذي الحُليفة،
ومثلُها/ أبو قَتادةَ رضي الله عنه.
إذا/ هذه المواقيت يجب أن يُحرِمَ منها ومِن أيِّ موضعٍ منها من أرادَ حجا أو عمرة.
لو قال قائل: قد يكونُ الإحرام قبلَ هذه المواقيت وقد يكونُ بعدَها، فما حُكْمُ كُلِّ مسألة؟
الجواب/ نقول: مسألة الإحرام قبلَ هذه المواقيت المكانية اختلف فيه العلماء:
فبعض العلماء: يرى أنَّ الأفضلَ أن يُحرِمَ مِن مِصرِهِ، يعني: من بلدتِه،
لأنه كلما أحرَمَ بعيداً عن الميقات كان تَلَبُّسُهُ بالعبادةِ أطول، ولذا قال النبي ﷺ كما في سننِ أبي داود: ( من أهلَّ بحج أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو وجَبَت له الجنة )
ولأنَّ الصحابيَّ الجليل عِمران بن الحُصين أحرَمَ مِن مِصرِهِ.
القول الآخر: أنَّ الأفضلَ أن يُحرِمَ من الميقات، فلو أحرم قبلَهُ انعَقَدَ إحرامُه وَكُرِهَ له ذلك، والدليل: أنَّ النبي ﷺ وخلفاءَهُ الراشدين وسائرَ الصحابة ما كانوا يُحرمون إلا من الميقات، فلو كان الإحرام قبل الميقات فاضلاً لما تركَهُ النبي ﷺ ولا خلفاؤه مع حرصِهِم على الخير. وهذا هو القولُ الراجح.
أما فِعلُ عِمران بن الحُصين فهذا اجتهادٌ منه ولذا أنكر عليه عمر رضي الله عنه وهو مُغضَب، زَجَرَهُ وقال:
(يتسامعُ الناس أنَّ رجلاً من أصحابِ رسولِ الله ﷺ أحرَمَ مِن مِصرِهِ).
وأما الحديثُ الذي رواه أبو داود ففيه مَطعنان:
المطعن الأول: في سنده، والمطعن الثاني: في متنه
فهو ضعيفٌ من حيثُ السند، ومنكرٌ من حيثُ المتن
ولذا قال بعض العلماء: إنَّ كلَّ حديثٍ يأتي بعبادةٍ رُتِّبَ على فِعلِها غُفرانُ الذنوب المتقدمةِ والمتأخرة فهو حديثٌ مُنكر، لأنَّ غفرانَ الذنوب المتقدمةِ والمتأخرة من خصوصياتِ النبي ﷺ، قال تعالى:
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1) لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ }
تنفطرُ قدماه ﷺ من قيامِ الليل فتقولُ عائشةُ رضي الله عنها:
” لِمَ تَصْنَعُ هذا يا رَسولَ اللَّهِ، وقدْ غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ؟ قالَ: أفلا أكُونَ عَبْدًا شَكُورًا “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما مسألة الإحرام بعد الميقات:
فقد قال سعيد بن جبير رحمه الله وهو أحد التابعين:
(أنَّ من ترك الإحرامَ إلى ما بعدَ الميقات فإنه لا ينعَقَدُ حَجُّهُ )
يعني: لا حَجَّةَ له وذلك لأنه ركن.
والقول الآخر يقول: إنه ليس بركن، فلو كان ركناً لم يختلف باختلافِ الناس،
فهو ﷺ جعلَ لأهلِ المدينة ذا الحُليفة، ولأهلِ الشام الجُحفة.
وبالمناسبة: في ذِكْر الجُحفَة لأهلِ الشام – وهي فائدة عَرَضِيَّة – :
هذه من معجزات النبي ﷺ لأنَّ أهلَ الشام في عصره لم يُسلِموا، فكونُه يُوَقِّت لهم عليه الصلاة والسلام ففيها معجزةٌ أنَّ هؤلاء سيُسلِمون ويَحُجُّون ويَعتمرون.
فلما نوَّعَ عليه الصلاة والسلام هذه المواقيت، دلَّ على أنها ليست بركن، فلو كانت ركناً لما اختلفت، كالطواف والوقوف بعرفة، فإنها لا تختلف باختلاف الأشخاص.
والصحيح أنه ليس ركن إنما هو اجب
وعلى هذا القول/ ما حكمُ مجاوزة الميقات أهو محرم مُطلقاً أم يحتاجُ إلى تفصيل؟
الجواب/ الحكم يحتاجُ إلى تفصيل، وهذا التفصيل لا يخلو من حالات:
الحالةُ الأولى: أن يمرَّ بالميقات ولا يريدُ نُسُكاً ولا يُريدُ دخولَ الحرم:
فهذا لا يلزمُه الإحرام بدليل أنَّ النبيَّ ﷺ أتى إلى بدرٍ مرتين ولم يُحرِم ﷺ.
الحالةُ الثانية: أن يمرَّ به ولا يريد نُسُكاً إنما يُريدُ الحرم
فنقول: إن كان مرورُهُ لقتالٍ أو لحاجةٍ متكررة كالتاجرِ مثلاً يتردد، أو الحاطِب يتردد ليحتطب فهذا لا يلزمُه الإحرام،
لأن النبي ﷺ دخلَ يومَ الفتح وعلى رأسه المِغْفَر وهذا الدليل على الدخول للقتال.
أما المتردد: فعليه حرج بإلزامِه بالإحرام كلما مر، والشريعةُ لا تأتي بالحرج.
الحالة الثالثة: إن كان يريد الحرم لغيرِ قتال ولغير حاجةٍ مترددة
فقد اختلف العلماء/ فقال بعضُهم:
يلزمُه الإحرام ويستدلون على ذلك بحديث النبي ﷺ: (لا يَدْخُلْ أحَدٌ مكَّةَ إلَّا بإحرامٍ).
القول الثاني: أنه لا يلزمُه الإحرام، لأنَّ النبيَّ ﷺ لما وقَّت هذه المواقيت قال:
(ممن أرادَ الحجَّ والعمرة ) وهو لم يُرِد لا حَجَّةً ولا عمرة، وهذا هو القول الصحيح.
أما الجواب عن حديثِ ابن عباس رضي الله عنهما:
فالصحيح أنه موقوف على ابن عباس: (لا يَدْخُلْ أحَدٌ مكَّةَ إلَّا بإحرامٍ) وقول النبي ﷺ مُقَدَّمٌ، فقول الصحابي حُجَّة ما لم يُخالف نصاً.
ثُمَّ لو قيل إنه مرفوع/ فلماذا لا تعمونه على الكل؟ لماذا استُثنيَ المتردد دونَ غيرِه!؟
ونحنُ نوافقُهم في حالةٍ واحدة: أنه يلزمُه الإحرام إذا مَرَّ بالميقات وهو لا يريدُ النُسُك وإنما أرادَ الدخولَ في الحرم فنوافِقُهُم في حالة وهي:
ما إذا كان هذا الشخص لم يسبِق أن حَجَّ حَجَّةَ الإسلام فنلزمُهُ، لأنَّ الحجَّ واجبٌ على الفَور، ومثلُهُ العمرة على القولِ بوجوبِها.
الحالةُ الرابعة: إذا مرَّ بالميقات يريدُ النُسك
فهذا يلزمُه الإحرام، فإن تجاوز الميقات فإنه آثم، ويُقال له:
عُد إلى الميقات فأحرِم منه ولا شيءَ عليك،
فإن خالفَ وأحرم فننظر/ إن كان عدمُ رجوعِهِ مِن غيرِ عذرٍ فإنه يأثم وعليه الدم.
وإن كان عدمُ رجوعه لعذرٍ كأن يخاف من فواتِ الحج أو يخاف على نفسِه أو مالِه أو أهلِه أو يخاف أن يَضِلَّ الطريق لو رجع: فإنه لا يأثم وعليه الدم فقط.
وَلْتَعلَم أنه إذا تجاوز الميقات فهو آثم، فإن أحرَم فهو آثم إثمٌ آخَر.
إذاً: إن كان معذورا فعليه الدم ولا إثمَ عليه، وإن كان لغيرِ عذرٍ فإنه يأثم وعليه الدم وينعقِدُ إحرامُهُ.
لكن لو قال/ سأعودُ إلى الميقات – وهو قد أحرم -؟
فنقول/ الدم قد لزمك وهذا على القول الصحيح، خلافاً لمن قال لا شيءَ عليه إن رجع ولم يتلَبَّس بشيءٍ من أفعالِ الحج، فإن تَلَبَّسَ بشيءٍ مِن أفعالِ الحج فلا يَنفَعُهُ رجوعُه.
والصحيح ما قدَّمناه.
ولو قال قائل: ما رأيكم في الصغيرِ مثلاً إذا مَرَّ بالميقات وتجاوَزَهُ ثُمَّ بعد تجاوزِهِ بَلَغ، فماذا يفعل؟
الجواب / يُحرِمُ مِن مَوضِعِهِ ولا يلزمُه الرجوع، لأنه حالَ تجاوُزِهِ غيرُ مُكَلَّف.
وَلْتَعلَم أنَّ من كان منزلُهُ دون المواقيت خارجاً من الحرم فحُكْمُهُ في مجاوزته قريتَه إلى ما يلي الحرم كحكم ما سبق.
[وبهذا انتهت المسائل المتعلقة بالمواقيت المكانية]