والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
( الحمد لله رب العالمين : قال العلامة أبو جعفر الورَّاق الطحاوي بمصر – رحمه الله :
هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة : أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني ، رضوان الله عليهم أجمعين ، وما يعتقدون من أصول الدين ، ويدينون به رب العالمين )
أما بعد :
فمن فوائد مقدمة الشارح ابن أبي العز الحنفي رحمه الله :
أن علم التوحيد هو الفقه الأكبر ، ولا يمكن أن تستقل العقول بمعرفة ذلك على وجه التفصيل ، ومن هنا أرسل الله الرسل لكي يبينوا الشريعة ويخبروا السالكين عن النعيم المعد لهم .
ومن الفوائد :
لقد سمى الله ما أنزله على رسوله روحا لتوقف الحياة عليه ، وسماه نورا لتوقف الهداية عليه ، وسماه شفاءً ، وهو شفاء مطلق ، لكن لما كان المنتفع به هم المؤمنين خصوا بالذكر كما في قوله تعالى { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء } فصلت44 .
ومن الفوائد :
يجب على كل أحد أن يؤمن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إيمانا عاما ، أما التفصيل ففرض كفاية ، وما يجب على أعيانهم فهو يختلف باختلاف قدراتهم وباختلاف ما أُمر به أعيانهم ، فمثلا يجب على المزكي ما لا يجب على من ليس كذلك وهلم جرا.
ومن الفوائد :
الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان مضوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى { قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي } يوسف108، فإن كان قوله { وَمَنِ اتَّبَعَنِي } معطوفا على الضمير في { أَدْعُو } فمعناه أن أتباعه هم الدعاة إلى الله ، وإن كان معطوفا على الضمير المنفصل { أَنَاْ } فمعناه أن أتباعه وحدهم هم أهل البصيرة ، وكلا المعنيين حق .
ومن الفوائد :
من أسباب اندراس علم الشريعة إما الجهل وإما العدوان .
ومن الفوائد :
ذم السلف علم الكلام ، فقد قالوا العلم بالكلام هو الجهل ، والجهل بالكلام هو العلم ، وأرادوا بالجهل به اعتقاد عدم صحته وترك الالتفات إلى اعتباره ، وقيل إذا صار الرجل رأسا في الكلام رمي بالزندقة ، وقيل من طلب العلم بالكلام تزندق ، وقال الشافعي : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام .
قال الطحاوي رحمه الله :
( نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله : إن الله واحد لا شرك له )
من الفوائد :
التوحيد دعت إليه جميع الرسل ، كقوله تعالى { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ } النحل36 ، وهو أول واجب على المكلف ، لا النظر ولا القصد إلى النظر ولا الشك ، كما عند أهل الكلام .
ومن الفوائد :
اتفق السلف على أن من تلفظ بالشهادة قبل البلوغ لم يؤمر بتجديدها عقيب بلوغه .
ومن الفوائد :
الصحيح أن الإنسان يصير مسلما بكل ما أتى به من خصائص الإسلام ولو لم يتكلم بالشهادتين .
ومن الفوائد :
التوحيد هو أول واجب وآخر واجب ، فهو الأول باعتبار الدخول به في الإسلام ، وهو الآخر باعتبار الخروج به من الدنيا ، والمراد توحيد الألوهية .
ومن الفوائد :
معتقد جهم بن صفوان أن إثبات الصفات يستلزم تعدد الآلهة ، ويرد هذا ضرورة العقل ، لأن إثبات ذات مجردة عن جميع الصفات لا يتصور لها وجود في الواقع إنما هو شيء يفرضه الذهن ، وبقوله هذا قيل بالحلول والاتحاد ، وهذا أقبح من كفر النصارى ، فإن النصارى خصوا الحلول بالمسيح ، وهؤلاء عموا جميع المخلوقات ، بل يترتب على قولهم هذا :
أولا : أن فرعون كامل الإيمان .
ثانيا : أن عباد الأصنام عبدوا الله لا غيره .
ثالثا : أنه لا فرق بين الزنا والنكاح .
رابعا : أن الأنبياء ضيقوا على الناس .
ومن الفوائد :
أن توحيد الربوبية هو الغاية عند أهل الكلام وطائفة من الصوفية ، وأشهر من تظاهر بإنكاره فرعون ، وكان مستيقنا به في الباطن ، فسؤاله لموسى { وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ }الشعراء23 ؟ سؤال إنكار وجحود ، ولم يسأله عن ماهيته ، فذكر موسى له دلائل ربوبيته .
ومن الفوائد :
لم يقل أحد أن العالَم له صانعان متماثلان ، حتى المجوس الذين قالوا بالنور والظلمة فقد اتفقوا على أن النور هو الإله المحمود ، وأن الظلمة شريرة ، واختلفوا هل الظلمة قديمة أم محدثة ، حتى إن النصارى لم يقولوا إلا بصانع واحد ، ويقولون هو مركب من الابن والأب وروح القدس.
ومن الفوائد :
أن توحيد الألوهية هو الذي دعت إليه الرسل ، ونزلت به الكتب ، وهو متضمن لتوحيد الربوبية ، وهو التوحيد المطلوب ، ولذلك كان كفار قريش يقرون بتوحيد الربوبية فقط .
ومن الفوائد :
أن الفطرة السليمة إذا لم يحصل لها ما يفسدها كانت مقرة بالله .
ومن الفوائد :
أن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية .
ومن الفوائد :
قال تعالى { قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً }الإسراء42
قيل لاتخذوا سبيلا لمغالبته ، وقيل وهو المنقول عن السلف لاتخذوا سبيلا للتقرب إليه .
ومن الفوائد :
التوحيد نوعان :
أولا : توحيد المعرفة والإثبات ، ويعني به توحيد الربوبية و توحيد الأسماء والصفات .
ثانيا : توحيد القصد والطلب ، ويعني به توحيد الألوهية .
وكل سورة من سور القرآن متضمة لنوعي التوحيد ، فالقرآن إما ن يخبر عن الله وصفاته ، أو يأمر بعبادته أو ينهى عن عبادة من سواه ، أو آمرا لمكملات التوحيد كفعل طاعة وترك معصية ، أو مخبرا عن إكرامه لموحده أو مخبرا عن عقوبة من أشرك به .
ومن الفوائد :
شهد الله لنفسه بالتوحيد ، وشهد له بذلك كل الملائكة وأولوا العلم كما في قوله تعالى {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }آل عمران18 ، فتضمنت أجل شهادة من أجل شاهد بأجل مشهود به ، ولها أربع مراتب :
الأولى : علم بالمشهود به .
الثانية : تكلمه به .
الثالثة : أن يعلم غيره به .
الرابعة : أن يلزمه بمضمونه .
وشهادته سبحانه لنفسه بالوحدانية تضمنت هذه المراتب من علمه وتكلمه بذلك ، وإعلامه جل وعلا بالشهادة إما بقوله كإرساله الرسل وإنزاله الكتب ، أو بفعله كما قيل :
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
ودلالة فعله إنما هي بخلقه ، والدلالة على هذه المراتب ما يأتي :
أولا : مرتبة العلم:قوله تعالى{إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}الزخرف86 .
ثانيا : مرتبة التكلم والإعلام : قوله تعالى { وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}الزخرف19
ثالثا : مرتبة الإلزام : قوله تعالى { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ}الإسراء23 .
ومن الفوائد :
الله سبحانه وتعالى لكمال عدله ورحمته ومحبته لإقامة الحجة لم يبعث نبيا إلا ومعه آية تدل على صدقه ، قال تعالى{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ}الحديد25 ، حتى إن من أخفى آيات الرسل هود ، ولكنها واضحة لمن وفقه الله لتدبرها ، وهي في قوله { إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ{54} مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ{55} ، فهذه أعظم آية إذ إنه وحده يخاطب أمة عظيمة بهذا الخطاب غير جزع ولا فزع حيث تبرأ من شركهم ، وتحداهم أن يمسوه بسوء إلا ما كتب الله عليه ، ولهذا من أسمائه سبحانه [ المؤمن ] وهو على أحد التفسيرين المصدق رسله بالآيات .
ومن الفوائد :
لا عبرة بتقسيم الصوفية للتوحيد إلى ثلاثة أقسام ، وهو عندهم توحيد العامة ، أي الذي جاءت به الرسل بكلمة ( لا إله إلا الله )
النوع الثاني : توحيد الخاصة وهي كلمة (الله) .
النوع الثالث : توحيد خاصة الخاصة وهي كلمة (هو)
والرد عليهم : أنه لا أكمل من توحيد من أٌمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهم ، ولهذا كان يعلم صلى الله عليه وسلم أصحابه إذا أصبحوا أن يقولوا [ أصبحنا على فطرة الإسلام وعلى كلمة الإخلاص وعلى دين نبينا محمد وملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين ]
إذاً هذا توحيد خاصة الخاصة ، الذي من رغب عنه فهو أسفه السفهاء ، قال تعالى {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ }البقرة130 ، ولا شك أن النوع الثاني والثالث الذي ذكروه يفضي إلى الفناء المفضي إلى الاتحاد ، ثم إن هذا التقسيم لم يرد علي دليل لا من كتاب ولا من سنة .
قال المصنف رحمه الله :
( ولا شيء مثله )
من الفوائد :
الدليل قوله تعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11 ، وفيه رد على النفاة المعطلة ، ومن جعل صفات المخلوق كصفات الخالق ، فهو نظير النصارى في كفرهم .
ومن الفوائد :
النفاة أحسنوا في تنزيه الخالق وأساءوا في نفي الصفات ، والممثلة أحسنوا في إثباتها وأساءوا في زيادة التشبيه .
قول المصنف رحمه الله :
( ولا شيء يعجزه )
من الفوائد :
وذلك لكمال قدرته ، فالنفي بكمال ضده ، كما في قوله تعالى { وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً }الكهف49 ، لكمال عدله ، لأن النفي الصِّرف لا مدح فيه ، ألا ترى إلى قول الشاعر :
قُبَيِّلة لا يغدرون بِذِمَّة ولا | يظلمون الناس حبة خردل |
وما قبل هذا البيت وما بعده يدل على ضعفهم .
وقال آخر :
ولكن قومي وإن كانوا ذوي عدد | فليسوا من الشر في شيء وإن هانوا |
ولهذا يأتي الإثبات في كتاب الله مفصلا والنفي مجملا ، عكس ما عليه طريقة أهل الكلام ، فيقولون ليس بجسم ولا لحم ولا جثة ، ونحو ذلك ومع كونه لا مدح فيه ، ففيه إساءة أدب ، كما لو قلت لسلطان ” لست بزبال ولا حجام ” لأدَّبك .
إنما تكون مادحا إذا أجملت النفي ، كما لو قلت أنت لا نظير لك ، فإذا أجملت في النفي أجملت في الأدب ، وله سبحانه صفات لم يطلع عليها أحداً من خلقه ، كما في دعاء ( اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب )
قال المصنف رحمه الله :
( ولا إله غيره قديم بلا ابتداء ، دائم بلا انتهاء )
من الفوائد :
الدليل قوله تعالى {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ }الحديد3 .
ومن الفوائد :
قد أدخل المتكلمون في أسمائه ( القديم ) ولم يأت به الشرع ، لأن القديم هو المتقدم على غيره ، لا فيما يسبقه العدم كما قال تعالى{ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ }يس39 .
قلت :
ما أطلقه الطحاوي من باب الإخبار ، وهو أوسع من باب الإنشاء.
قال المصنف رحمه الله :
( ولا يفنى ولا يبيد )
من الفوائد :
الدليل قوله تعالى { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ{26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ{27} .
قال المصنف رحمه الله :
( ولا يكون إلا ما يريد )
من الفوائد :
في هذا رد على قول القدرية والمعتزلة القائلين بأن الله أراد الإيمان من الناس كلهم ، لكن الكافر أراد الكفر فغلبت إرادة الكافر إرادة الله ، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، وقد يطلق على الجبرية قدرية ، ولكن التسمية على من أنكر القدر هي الأغلب .
ومن الفوائد :
يقول أهل السنة إن الله وإن كان يريد المعاصي قدرا ، فهو لا يحبها ولا يأمر بها .
قول المصنف رحمه الله:
( ولا يكون إلا ما يريد )
ومن الفوائد :
الإرادة في كتاب الله نوعان : قدرية كونية خلقية ، وهي المشيئة الشاملة لجميع الموجودات ، لقوله تعالى {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام125، وهذا كقول المسلمين ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .
الثانية : إرادة دينية أمرية شرعية متضمنة للمحبة والرضى كقوله تعالى { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ }البقرة185 .
ومن الفوائد :
جهة خلقه لأفعال الخلق غير جهة أمره لهم على وجه البيان لما هو مصلحة لهم أو مفسدة ، فهو سبحانه لما أمر فرعون بيَّن له طريق الإيمان ، ولا يلزم إذا أمره أن يعينه ، ولا يلزم إذا كان الفعل المأمور به مصلحة للمأمور أن يكون مصلحة للآمر إذا فعله هو أو جعل المأمور فاعلا له ، فإنه يخلق جل وعلا لحكمة ، والواحد من الناس قد يأمر غيره مريدا النصيحة له وإن كان مع ذلك لا يعينه على هذا المأمور إذا لم يكن مصلحة ، فإذا أمكن في حق الخلق فهو في حق الله أولى بالإمكان ، وقد قال الرجل لموسى { إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ }القصص20، فهذه مصلحته أن يأمر موسى بالخروج لا إن يعينه على ذلك إذ لو أعانه لأضره قومه .
إذاً / من أمره جل وعلا وأعانه على فعل المأمور كان ذلك المأمور به خلقه وأمره خلقا ومحبة وكان مرادا بجهة الخلق وجهة الأمر ، ومن لم يكن فيكون قد تعلق به أمره ولم يتعلق به خلقه لعدم الحكمة المقتضية لتعق الخلق به .
قال المصنف رحمه الله :
( لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام )
من الفوائد :
الدليل قوله تعالى { وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً }طه110 .
قال المصنف رحمه الله :
( ولا يشبه الأنام )
من الفوائد :
فيه رد على المتشبهة ، قال إسحاق بن راهويه رحمه الله : علامة جهم وأصحابه قولهم إن أهل السنة مشبهة ، فإن النفاة يسمون المثبت للصفات مشبها ، وقد قال أبو حنيفة رحمه الله : يعلم لا كعلمنا ويقدر لا كقدرتنا ويرى لا كرؤيتنا .
ومن الفوائد :
أن العلم الإلهي لا يجوز أن يستدل فيه بقياس تمثيلي يستوي فيه الأصل والفرع ، ولا بقياس شمولي يستوي أفراده ، فلا يجوز أن يمثل بغيره ولا أن يدخل هو وغيره تحت قضية كلية يستوي أفرادها ، ولكن يستعمل في ذلك القياس الأولى سواء كان تمثيليا أو شموليا، ولله المثل الأعلى مثل أن يعلم أن كل كمال ثبت للمخلوق لا نقص فيه بوجه من الوجوه فالله به أولى ، لأن المخلوق استفاده من خالقه ، وكل نقص وجب نفيه عن المخلوق فوجوب نفيه عن الرب من باب أولى .
قول المصنف رحمه الله :
( حي لا يموت قيوم لا ينام )
من الفوائد :
الدليل قوله تعالى { اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ }البقرة255 ، والحي والقيوم قيل إنهما الاسم الأعظم ، والقيوم أبلغ من القيام ، لأن الواو أقوى من الألف ، وهو يفيد قيامه بنفسه بالاتفاق وعلى الأصح يفيد إقامته لغيره .
قول المصنف رحمه الله :
( خالق بلا حاجة ، رازق بلا مؤنة )
من الفوائد :
الدليل قوله تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ{57} .
قول المصنف رحمه الله :
( مميت بلا مخافة ، باعث بلا مشقة )
من الفوائد :
الموت حقيقة خلافا للفلاسفة ، لأن الله عز وجل قال {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ }الملك2 ، والعدم لا يوصف بكونه مخلوقا ، وهو يؤتى به يوم القيامة على صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار ، وهو إن كان عرضا فالله يقلبه عينا كما أن العمل الصالح يتمثل لصاحبه في القبر بصورة شاب حسن الوجه .
وورد في شأن القرآن أنه يأتي على صورة شاب شاحب الوجه ، والمراد قراءة القارئ .
وورد أن العمل يوزن والأعيان هي التي تقبل الوزن دون الأعراض .
قول المصنف رحمه الله :
( ما زال بصفاته قديما قبل خلقه ، لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفته ، وكما كان بصفاته أزليا ، كذلك لا يزال عليها أبديا )
من الفوائد :
أي أنه سبحانه لم يزل متصفا بصفات الكمال صفات الذات وصفات الفعل ، ولا يجوز أن يكون حصل له الكمال بعد أن كان متصفا بضده ، ولا يرد على هذا الصفات الفعلية وإن كانت هذه الأفعال تحدث في وقت دون وقت ، فالساكت من غير آفة يسمى متكلما بالقوة ، بمعنى يتكلم إذا شاء ففي حال تكلمه يسمى متكلما بالفعل ، وكذلك الكاتب حال الكتابة هو كاتب بالفعل وفي حال عدم مباشرته الكتابة لا يخرج عن كونه كاتبا .
ومن الفوائد :
هل الصفات زائدة على الذات ؟
هذا اللفظ مجمل ، إن أريد أن هناك ذاتا قائمة بنفسها منفصلة عن الصفات فغير صحيح ، وإن أريد به أن الصفات زائدة على الذات التي يفهم من معناها غير ما يفهم من معنى الصفة فهذا حق ، ولكن ليس في الخارج ذات غير موصوفة ، هذا محال ، إنما هذا شيء يفرضه الذهن فإذا قلت أعوذ بالله ، فقد عذت بالذات الموصوفة بصفات الكمال التي لا تقبل الانفصال ، وإن قلت أعوذ بعزة الله فقد عذت بصفة من صفاته ولم تتعوذ بغير الله ، لأن ( ذات ) في أصل معناها لا تستعمل إلا مضافة ، أي ذات وجود ، ذات قدرة ، ذات علم ، ونحو ذلك ، فعُلم أن الذات لا يتصور انفصال الصفات عنها بوجه من الوجوه .
ومن الفوائد :
قولهم هل الاسم عين المسمى أو غيره ؟
إن قلت قال الله كذا فهذا المراد به المسمى نفسه ، وإذا قلت ( الله ) اسم عربي ، فالاسم هنا هو المراد لا المسمى ، ولا يقال ( الاسم غير المسمى ) لما في لفظ الغير من الإجمال ، فإن أريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى فحق ، وإن أريد أنه كان ولا اسم له حتى خلق لنفسه أسماء أو سماه خلقه من صنعهم فهذا إلحاد .
ومن الفوائد :
أراد الماتن رحمه الله الرد على الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم من الشيعة إذ قالوا إنه صار قادرا على الفعل والكلام بعد أن لم يكن ، وفيه ردٌ على ابن كلاب والأشاعرة إذ قالوا إن الفعل صار ممكنا له بعد أن كان ممتنعا منه ، ولهذا فالكلام عندهم صفة ذاتية فقط .
قول المصنف رحمه الله :
( ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق ، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري )
من الفوائد :
وصف الله عز وجل نفسه بأنه { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }هود107 ، وهذا يدل على أمور :-
أولا : أنه يفعل ذلك بإرادته .
ثانيا : أنه لم يزل كذلك ، لأنه ساق الآية في معرض المدح .
ثالثا : أن ( ما ) موصولة ، أي يفعل كل ما يريد أن يفعله ، وهذا في إرادته المتعلقة بفعله ، أما المتعلقة بفعل العبد فإن أراد فعل العبد ولم يرد أن يعينه عليه لم يوجد الفعل .
رابعا : أن فعله وإرادته متلازمتان ، فما أراد أن يفعل فعل ، وما فعله فقد أراده بخلاف المخلوق .
خامسا : أن كل ما صح أن تتعلق به إرادته لم يمتنع عليه فعله ، كإرادته النزول إلى السماء الدنيا .
سادسا : أن كل فعل له إرادة تخصه .
ومن الفوائد :
جاء في صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال ،
( قال أهل اليمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم جئناك لنتفقه في الدين ونسألك عن أول هذا الأمر ؟ فقال ” كان الله ولم يكن شيء قبله ” ) وفي رواية ( ولم يكن شيء معه ) وفي رواية ( غيره ، وكان عرشه على الماء ، وكتب في الذكر ) اللوح المحفوظ ( كل شيء، وخلق السماوات والأرض ) وفي لفظ ( ثم خلق السماوات والأرض ) .
والناس في هذا الحديث على قولين :
القول الأول : أن الله صار فاعلا بعد أن لم يكن يفعل شيئا في الأزل .
القول الثاني : إخباره عن مبدأ خلق هذا العالم المشهود .
وعند مسلم ( قدَّر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء ) ويدل لصحة هذا القول أنهم قالوا ( جئنا نسألك عن أول هذا الأمر ) أي المأمور الذي كوَّنه الله بأمره ، فأجابهم عن ابتداء هذا العالم الموجود ، لا عن جنس المخلوقات ، وقد أخبرهم عن خلق السماوات والأرض ، ولم يخبرهم عن خلق العرش ، وهو مخلوق قبلهم ، وأما رواية ( معه ) و رواية ( غيره ) فرواية بالمعنى ، لأن المجلس كان واحدا ، ولفظ ( قبل ) ورد في دعائه عليه الصلاة والسلام ( أنت الأول فليس قبلك شيء ) وإذا كان كذلك لم يكن في هذا اللفظ تعرض لأول مخلوق ، ولم يأت في الكتاب والسنة على المعنى الآخر ، ولم يرد ( كان الله ولا شيء معه ) مجردا قلتُ : وقع في بعض الروايات ( كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان ) قال شيخ الإسلام رحمه الله : ليست في شيء من كتب الحديث .
قول المصنف رحمه الله :
( له معنى الربوبية ولا مربوب ، ومعنى الخالق ولا مخلوق ) .
من الفوائد :
أي أن الله موصوف بأنه الرب وبأنه خالق قبل أن يوجد مربوب ومخلوق .
قال المصنف رحمه الله :
( وكما أنه محي الموتى بعدما أحيا ، استحق هذا الاسم قبل إحيائهم ، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم )
من الفوائد :
تقدم الحديث عنه.
قال المصنف رحمه الله :
( ذلك بأنه على كل شيء قدير وكل شيء إليه فقير ، وكل أمر عليه يسير لا يحتاج إلى شيء ، { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11)
من الفوائد :
إثبات صفاته في الأزل قبل خلقه لمخلوقاته .
ومن الفوائد :
قالت المعتزلة في قوله تعالى { وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة284، أي قادر على كل ما هو مقدور له ، أما أفعال العباد فلا .
ومن الفوائد :
أهل السنة يعتقدون أنه على كل شيء قدير ، وأما المحال لذاته ككون الشيء موجودا معدوما في حال واحدة ، فهذا لا حقيقة له ولا يسمى شيئا باتفاق العقلاء ، ولا يتصور وجوده ، ومن هذا خلق مثل نفسه وإعدام نفسه ، وأمثال ذلك .
ومن الفوائد :
هل يدخل المعدوم الممكن ؟
الصحيح / أن المعدوم ليس بشيء في الخارج فيكون شيئا في العلم والذكر والكتابة كما في قوله تعالى { إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ }الحج1 ، وقوله تعالى { وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً }مريم9، أي لم تكن شيئا في الخارج ، وإن كان شيئا في علمه .
ومن الفوائد :
لا يتم كمال الإيمان بربوبيته إلا من آمن أنه على كل شيء قدير .
ومن الفوائد :
قوله تعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } رد على الممثلة ، وقوله تعالى { وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } رد على المعطلة .
ومن الفوائد :
قال نعيم بن حماد ، شيخ البخاري رحمه الله : من شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، وليس ما وصف الله به نفسه ولا ما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم تشبيها .
ومن الفوائد :
من سلب صفة الكمال عن الله تعالى فقد جعل له مثل السوء
ومن الفوائد :
يستحيل أن يشترك في المثل الأعلى المطلق اثنان .
ومن الفوائد :
المثل الأعلى يتضمن أربعة أمور :
أولا : الصفات العليا .
ثانيا : وجودها في العلم ، أي ما في قلوب عابديه من معرفته وذكره .
ثالثا : الإخبار عنها وتنزيهها من العيوب .
رابعا : محبة الموصوف بها وتوحيده .
إذاً / عبارات السلف كلها تدور على هذه المعاني الأربعة في تفسير المثل الأعلى .
ومن الفوائد :
أشار أحمد بن أبي دؤاد على المأمون أن يكتب على الكعبة ( ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم ) وقال جهم وددت أني أحك من المصحف قوله { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } .
ومن الفوائد :
الأظهر أن الكاف في قوله تعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } زيدت للتأكيد ، فيكون { مثله } خبر واسمها شيء .
قال المصنف رحمه الله :
( خلق الخلق بعلمه )
ومن الفوائد :
تأتي ( خلق ) بمعنى أوجد ، وبمعنى قدر .
ومن الفوائد :
أي خلقهم عالما بهم ، كما قال تعالى { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ }الملك14
ومن الفوائد :
لما ناظر عبد العزيز المكي صاحب الشافعي بشرا المريسي عند المأمون في صفة العلم فقال بشرٌ هو لا يجهل ، ولم يعترف بعلمه ، فقال الإمام عبد العزيز : نفي الجهل لا يكون مدحا ، فهذه الأسطوانة لا تجهل ، فمن أثبت العلم فقد نفى الجهل ، ومن نفى الجهل لم يثبت العلم .
ومن الفوائد :
الدليل العقلي على علمه تعالى أن إيجاده للأشياء بإرادته ، والإرادة تستلزم العلم.
إذاً / لو لم يكن عالما للزم أن يكون المخلوق أكمل منه .
قال المصنف رحمه الله :
( وقدر لهم أقدارا )
من الفوائد :
قال تعالى { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49
قال المصنف رحمه الله :
( وضرب لهم آجالا )
من الفوائد :
الدليل ما جاء في صحيح مسلم ، قالت أم حبيبة رضي الله عنها ( اللهم أمتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأبي سفيان وبأخي معاوية ، قال عليه الصلاة والسلام : قد سألت الله آجالا مضروبة وأياما معدودة وأرزاقا مقسومة ، لن يعجل شيء قبل أجله ، ولن يؤخر شيء عن أجله ، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار وعذاب في القبر ، كان خيرا وأفضل ) .
ومن الفوائد :
المقتول ميتٌ بأجله ، قد علم الله وقدر أن هذا يموت بسبب المرض ، وهذا بسبب القتل ، إلى غير ذلك من الأسباب ، فالله خلق الموت والحياة وخلق سببهما ، خلافا للمعتزلة إذ قالوا إن المقتول قطع عليه أجله ، فلو لم يقتل لعاش إلى أجله ، فكأن له أجلين ، وهذا باطل لأنه لا يليق أن ينسب إلى الله أن يجهل أجله كفعل الجاهل بالعواقب ، وعلى هذا يخرج حديث ( صلة الرحم تزيد في العمر ) أي سبب طول عمره ، فقدر الله هذا السبب وقضاه .
ومن الفوائد :
كان الإمام أحمد يكره أن يدعى له بطول العمر ، ويقول هذا أمر قد فرغ منه .
ومن الفوائد :
قلت في حديث ( صلة الرحم تزيد في العمر ) قيل فيها إنها البركة في العمر ، وقيل لما يظهر للملائكة ، وقيل بقاء ذكره الجميل ، وقيل هو حث على البر وصلة الرحم ، وقيل هي الذرية الصالحة يدعون له بعد موته .
ومن الفوائد :
قوله تعالى { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }فاطر11 ، قيل أي لا ينقص من عمر مُعَمَّر آخر ، وقيل إن الحديث عن شخص واحد و الزيادة والنقصان في الصحف التي في أيدي الملائكة ، كما في قوله { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ{38} يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ{39} أي اللوح المحفوظ .
قال المصنف رحمه الله :
( ولم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم ، وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم )
من الفوائد :
فيه رد على الرافضة والقدرية إذ قالوا لا يعلم شيئا قبل أن يخلقه .
ومن الفوائد :
الدليل على سعة علمه ، قوله تعالى{بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }الأنعام28
قال المصنف رحمه الله :
( وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته )
من الفوائد :
الدليل قوله تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56
قال المصنف رحمه الله :
( وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته ، ومشيئته تنفذ ، لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم ، فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن )
من الفوائد :
الدليل قوله تعالى { وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{29}
ومن الفوائد :
من أضل ممن يزعم أن الله شاء الإيمان من الكافر ، والكافر شاء الكفر ، فغلبت مشيئة الكافر مشيئة الله .
ومن الفوائد :
رد الله عز وجل على من جعل مشيئته دليلا على رضاه ، قال تعالى {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ }الأنعام148، فهو جعل المشيئة العامة دافعة للأمر كفعل الزنادقة إذا أمروا أو نهوا احتجوا بالقدر ، وقد احتج سارق على عمر رضي الله عنه بالقدر ، فقال ( وأنا أقطع يدك بقضاء الله وقدره ) ويشهد لذلك ما جاء في سياق الآية { كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم } الأنعام148، فعلم أن مرادهم التكذيب ، فمن أين له أن الله لم يقدره عليه ؟ هل اطلع على الغيب ؟
ومن الفوائد :
حديث ( حج آدم وموسى ) أي غلب عليه بالحجة ، هو حديث صحيح خلافا للقدرية الذين ضعفوه ، فآدم لم يحتج بالقدر على الذنب ، وموسى لم يلمه على ذنب قد تاب منه ، فوقع اللوم على المصيبة ، فاحتج آدم بالقدر على المصيبة لا على الخطيئة .
إذاً على العبد أن يتوب من المعائب ويصبر على المصائب ، قال تعالى { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ }غافر55 .
ومن الفوائد :
قال عز وجل عن إبليس {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ }الحجر39، ذم على احتجاجه بالقدر لا على إثباته للمقدر .
ومن الفوائد :
قال وهب بن منبه رحمه الله ( نظرت في القدر فتحيرت ، ثم نظرت فيه فتحيرت ، فوجدت أعلم الناس بالقدر أكفهم عنه ، وأجهلهم به أنطقهم به ) .
قال المصنف رحمه الله :
( يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلا ، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلا )
من الفوائد :
الدليل قوله تعالى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }القصص56 .
ومن الفوائد :
فيه رد على المعتزلة إذ قالوا يجب على الله أن يفعل الأصلح للعبد ، وقالوا إن الهدى من الله بيان الطريق والاضلال منه المقصود منها:تسمية العابد ضالا .
والرد عليهم : لو كان الهدى من الله هو البيان ، وهو عام في كل نفس لما صح التقييد بالمشيئة ، كقوله تعالى { يَهْدِي مَن يَشَاءُ } .
قال المصنف رحمه الله :
( وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله )
من الفوائد :
الدليل قوله تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ }التغابن2 .
قال المصنف رحمه الله :
( وهو متعالٍ عن الأضداد والأنداد )
من الفوائد :
الدليل قوله تعالى { وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }الإخلاص4 .
ومن الفوائد :
أن الضد : هو المخالف .
الند : هو المثل .
فهو سبحانه لا معارض له ولا مثل له ، وفيه رد على المعتزلة في زعمهم أن العبد يخلق فعله .
قال المصنف رحمه الله :
( لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ولا غالب لأمره )
من الفوائد :
معنى ( لا معقب ) أي لا يؤخر حكمه .
قال المصنف رحمه الله :
( آمنَّا بذلك كله وأيقنا أن كلا من عنده )
من الفوائد :
أي كل محدث من عند الله بقضائه وقدره .
قال المصنف رحمه الله :
( وإن محمدا عبده المصطفى ونبيه المجتبى ورسوله المرتضى )
من الفوائد :
الاصطفاء والاجتباء والارتضاء متقارب المعنى .
ومن الفوائد :
كلما ازداد العبد تحقيقا للعبودية ازداد كماله .
ومن الفوائد :
من توهم أن المخلوق يخرج عن العبودية في حالة ما يكون الخروج عنها أكمل ، فهو من أجهل الناس وأضلهم ، ولهذا ذكر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم باسم العبد في أشرف المقامات ، في ذكر الإسراء والمعراج ، وفي مقام التحدي وفي مقام الدعاء وبذلك استحق التقديم على الناس في الدنيا والآخرة كما في حديث الشفاعة .
من الفوائد :
طريقة أهل الكلام في تقرير النبوة بالمعجزات :
و لا ريب أنها دليل صحيح ، لكن لا تحصر فيها ، فإن النبوة إنما يدعيها أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين ، وما من أحد يدعيها من الكذابين إلا ظهر كذبه لمن له أدنى تمييز ، ويظهر ذلك فيما يأمر به ويفعله ، فكل شخصين ادعيا أمرا أحدهما فيه صادق والآخر كاذب ، فلابد أن يظهر صدق هذا وكذب هذا ، ولو بعد مدة ، كما جاء في الحديث ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور )
فالكهان يخبرون بشيء من المغيبات فيكون صدقا ، ومعهم من الكذب ما يبين أن الذي يخبر به ليس عن مَلَك ، وليسوا أنبياء ، فالناس يميزون بين الصادق والكاذب حتى المدعي صناعة كذبا فإنه سيفتضح أمره .
والنبوة هي أشرف العلوم وأشرف الأعمال ، قال تعالى { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ }محمد30 ، وقد قيل (ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه) ولهذا قالت خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم ( كلا ، والله لا يخزيك الله ، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق ) وذلك لما جاءه الوحي ، وقال ( إني خشيت على نفسي )
وقد أنكر ابن حجر وأبو بكر بن العربي تفسير ( إني خشيت على نفسي ) أي خشي من الجنون .
وهناك خطأ فاحش فلعله من الناسخ ( خشيت على عقلي ) وتتضح صفاته الطيبة صلى الله عليه و سلم في حديث هرقل الطويل مع أبي سفيان لما ذكر صفات النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن الفوائد :
أن إنكار رسالته عليه الصلاة والسلام طعن في الرب إذ لو كان مفتريا ظالما كيف يتركه الله يحلل ويحرم ويضرب الرقاب ويسبي ويغنم وذلك في ثلاث وعشرين سنة ويؤيده وينصره إذ لا يليق هذا بالملوك ، فكيف بملك الملوك ؟ فدل عل صدقه عليه الصلاة والسلام ولذلك قال تعالى{ وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ }الأنعام91 .
فقول المصنف رحمه الله :
( وإن محمدا عبده المصطفى ونبيه المجتبى ورسوله المرتضى )
من الفوائد :
الرسالة أعم من جهة نفسها وأخص من جهة أهلها .
قال المصنف رحمه الله :
( وأنه خاتم الأنبياء )
من الفوائد :
الدليل ما جاء في الصحيحين ، قوله عليه الصلاة والسلام ( إن لي أسماء ، أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي )
قال المصنف رحمه الله :
( وإمام الأتقياء وسيد المرسلين )
من الفوائد :
الدليل قوله عليه الصلاة والسلام ( أنا سيد ولد آدم ويوم القيامة ، وأول من يشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع ) رواه مسلم .
ومن الفوائد :
هذه الحديث ظاهره التعارض مع ما جاء في الصحيحين ( لا تفضلوني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بساق العرش فلا أدري هل أفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله )
فالجواب / أن هذا الحديث له سبب كما في قصة المسلم مع اليهودي ، فيُذَم التفضيل إذا كان :
على وجه الحمية .
على وجه الانتقاص بالمفضول ، لحديث ( لا تفضلوا بين الأنبياء).
يحمل على تفضيل بعض الرسل على بعض بعينه.
ومن الفوائد :
جاء عند مسلم ( لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خيرٌ من يونس بن متَّى ) وأما حديث ( لا تفضلوني على يونس بن متَّى ) فلا أصل له .
ومن الفوائد :
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه سيد ولد آدم ) لأنه لا نبي بعده يخبرنا بذلك ، كما أخبرنا هو بفضائل من قبله ، ولهذا أتبعه بقوله ( ولا فخر ) .
قال المصنف رحمه الله :
( وحبيب رب العالمين )
من الفوائد :
الصحيح أن يقال ( خليل رب العالمين ) للنصوص الكثيرة في ذلك ، وأما حديث ( إن إبراهيم خليل الله وأنا حبيب الله ولا فخر ) فضعيف ، إذاً / الخلة خاصة بهما .
ومن الفوائد :
المحبة مراتب :
1) العلاقة .
2) الإرادة .
3) الصبابة .
4) الغرام .
5) المودة .
6) الشغف .
7) العشق ، ولا يوصف به الرب ولا العبد لمحبته ربه ، والسبب عدم الدليل ، ولأن العشق محبة مع شهوة .
8 ) التَّيْم .
9 ) التعبد .
10 ) الخلة .
قال المصنف رحمه الله :
( وكل دعوى النبوة بعده فغيٌ وهوى )
من الفوائد :
سبق الحديث عن شيء منها .
قال المصنف رحمه الله :
( وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى بالحق والهدى وبالنور والضياء).
من الفوائد :
هو مرسل إلى الجن أيضا ، وهل هذا خاص به ؟
قولان ، والظاهر أنه ليس خاصا به ، لقوله تعالى عن الجن
{ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى }الأحقاف30 وقوله تعالى { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ }الأنعام130 والمراد الإنس .
إذاً على القول الصحيح أن في الجن نذرا وليس فيهم رسل .
ومن الفوائد :
قول النصارى إنه رسول إلى العرب خاصة – فباطل – ويلزمهم لما صدقوا برسالته أن يصدقوا بخبره ، وقد قال إنه مرسل إلى الناس عامة .
قال المصنف رحمه الله :
( وأن القرآن كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولا ، وأنزله على رسوله وحيا ، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا ، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقية ، ليس بمخلوق ككلام البرية ، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر ، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر حيث قال تعالى {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ }المدثر26 فلما أوعد الله بسقر لمن قال {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}المدثر25 ، علمنا وأيقنا أنه قول خالق الشر ، ولا يشبه قول البشر)
من الفوائد :
اختلفوا في مسألة كلام الله على تسعة أقوال :
أولا : أنه ما يفيض على النفوس من معاني ، وهذا قول الفلاسفة .
ثانيا : أنه مخلوق منفصل عنه ، كما عند المعتزلة .
ثالثا : أنه معنى واحد قائم بذات الله ، فإن عبر عنه بالعربية كان قرآنا، وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة كما عند الكلابية .
رابعا : أنه حروف وأصوات أزلية ، كما عند بعض أهل الحديث .
خامسا: أنه حروف وأصوات تكلَّم بها بعد أن لم يكن متكلما ، كما عند الكرامية .
سادسا: أنه يرجع إلى ما يحدثه من علمه القائم بذاته ، كما عند الرازي
سابعا: أنه يتضمن معنى قائما بذاته هو ما خلقه في غيره .
ثامنا : أنه مشترك بين المعنى القديم وبين ما يخلقه في غيره من الأصوات، كما عند أبي المعالي .
تاسعا : أنه لم يزل متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء وهو يتكلم به بصوت مسموع و هذا هو المأثور عن أئمة السنة .
ومن الفوائد :
إضافة الأعيان إلى الله هي مخلوقة كـ{ نَاقَةُ اللّهِ }الأعراف73 ، أضيفت للتشريف ، أما إضافة المعاني إليه كعلم الله وكلامه فهذا كله من صفاته .
ومن الفوائد :
التكلم من صفات الكمال ، قال تعالى عن العجل { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ}الأعراف148 .
ومن الفوائد :
نحن نؤمن أنه يتكلم ولا نعلم الكيفية ، قال تعالى { وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ } يس65 ، فلا نعلم كيف تتكلم ، مثله تسبيح الحصى ، وكل ذلك بلا فم .
ومن الفوائد :
أثبت الله تكليم الكفار في موضع ونفاه في موضع آخر ، والمراد أنه لا يكلمهم من باب التكريم ، وهذا يدل على أنه ليس معنا واحدا .
ومن الفوائد :
قال تعالى { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ }الزمر62 ، قد أدخلت فيه المعتزلة القرآن ، مع أنهم أخرجوا أفعال العباد .
ومن الفوائد :
قال تعالى {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ }الأعراف54 ، فَفَرَق بين الخلق والأمر
ومن الفوائد :
لو كان كلامه يقوم بغيره للزم أن يكون ما أحدثه من الكلام في الجماد كلامه ولا يفرق حينها بين نطق وأنطق ، ولصح أن يقال للمبصر أعمى ، ولأن الكلام لا يكون إلا من متكلم و العلم لا يكون إلا من عالم .
ومن الفوائد :
عموم ( كل ) في كل موضع بحسبه ، فقوله تعالى { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ}النمل23 ، أي ما يحتاج إليه الملوك .
ومن الفوائد :
قوله تعالى { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ }الزمر62 ، أي كل شيء مخلوق كأفعال العباد ، ولم يدخل في هذا العموم (الخالق) ، وصفاته ليست غيره فهي ملازمة لذاته المقدسة .
ومن الفوائد :
قوله تعالى {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }الزخرف3، إن تعدت ( جعل ) إلى مفعول واحد فهي بمعنى خلق ، كقوله تعالى{ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}الأنعام1 ، وإن تعدت إلى مفعولين لم تكن بهذا المعنى
ومن الفوائد :
قوله تعالى { نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ } القصص30 ، فقولهم إن الله خلق الكلام في الشجرة ، عموا عما قبلها ، إذ قال{ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي } أي أن النداء كان في البقعة المباركة عند الشجرة ، كما يقال ” سمعت كلام زيد من البيت ”
فـ ( من ) هنا لابتداء الغاية ، لا أن البيت هو المتكلم ، وهل يمكن للشجرة أن تقول لموسى { إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }القصص30 ؟ لو كان كذلك لكان قول فرعون { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى }النازعات24 : صِدْق .
ومن الفوائد :
قوله تعالى {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }التكوير19 ، إضافته إلى جبريل في آية وإلى النبي صلى الله عليه وسلم في آية أخرى إضافة تبليغ ، ولهذا وُصفا بالأمانة ، والكلام كلام من قاله مبتدءا لا من قاله مُبَلِّغا ، فمن سمع قائلا يقول ( قفا نبك ………) قال هذا شعر امرئ القيس .
ومن الفوائد :
بعض المعتزلة قد يطلق على القرآن أنه غير مخلوق ، مرادهم أنه غير مختلق .
ومن الفوائد :
مشائخ المعتزلة وأهل البدع معترفون أن عقائدهم دلهم عليها العقل .
ومن الفوائد :
كلامه جل وعلا لموسى يُعْلم منه أنه حيث جاء كلمه لا أنه لم يزل ولا يزال يقول ( يا موسى ) .
إذاً ما قالته المعتزلة من أن كلامه متعلق بمشيئته ، ومن قال إنه قائم بذاته فيجب الأخذ بالصواب من أقوالهم ورد ما كان مخالفا .
ومن الفوائد :
قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ) هل يقول عاقل أنه عليه الصلاة والسلام استعاذ بمخلوق .
ومن الفوائد :
من قال إنه معنى واحد يلزمهم أن يقولوا إن معنى قوله {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ}البقرة43 كمعنى قوله { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }المسد1 .
ومن الفوائد :
لو كان ما في المصحف ليس كلام الله ، وإنما هو عبارة عن كلامه لما حرم على المحدث مسه ، بل كلام الله محفوظ في الصدور مقروء بالألسن مكتوب في المصاحف .
ومن الفوائد :
من لم يفرق بين القراءة التي هي فعل القارئ والمقروء الذي هو قول الباري ، فقد ضل ، فلو أن إنسانا وجد في ورقة مكتوب ( ألا كل شيء ما خلا الله باطل ) من خط كاتب معروف ، لقال هذا من كلام لبيد حقيقة وهذا خط فلان حقيقة .
إذاً القرآن قد يذكر ويراد به القراءة كقوله تعالى { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}الإسراء78 ، وحديث ( زينوا القرآن بأصواتكم ) وتارة يراد به المقروء كقوله تعالى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }النحل98 .
ومن الفوائد :
لم يقل الله عز وجل{وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ } حكاية أو عبارة { كَلاَمَ اللّهِ }التوبة6 وإنما قال { فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ } .
ومن الفوائد :
قالت الجهمية : إنه خلق الكلام في محل ، فبدأ الكلام من ذلك المحل ، ويرده الآيات الكثيرة التي ذكرت أنه من عنده، قال تعالى {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}الزمر1، وقوله تعالى { وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مني}السجدة13 .
ومن الفوائد :
إنزال القرآن مذكور أنه إنزال من الله، أما إنزال المطر فمقيد بأنه منزل من السماء، وجاء في موضع آخر أنه منزل من المزن ، ومنزل من المعصرات ، وأما إنزال الحديد والأنعام فمطلق ، فكيف يشبه هذا الإنزال بهذا الإنزال ؟ فالحديد إنما يكون من المعادن التي في الجبال ، وهي عالية على الأرض ، وأما الأنعام تخلق بالتوالد المستلزم إنزال المني من الأصلاب إلى الأرحام ، ولهذا قال ( أنزل ) ولم يقل ( نزل ) ثم الجنين ينزل من البطن إلى وجه الأرض ولأن الذكور تعلو الإناث .
ومن الفوائد :
إن قالوا إنه كلام نفساني ، فيلزم أن يكون الأخرس متكلما ، وهم لا يسمون الله أخرسا ، لكن يقولون إن المَلك فهم فهما مجردا من الحروف والصوت ثم عبر عنه .
ومن الفوائد :
من قال إنه معنى واحد فيلزم من ذلك أن موسى سمع جميع كلام الله ، وهذا فاسد .
ومن الفوائد :
مسمى الكلام والقول عند الإطلاق يتناول اللفظ والمعنى جميعا كما قال السلف ، خلافا لمن حصره في اللفظ فقط ، أو حصره في المعنى فقط ، وخلافا لمن قال إنه مشترك بين اللفظ والمعنى .
ومن الفوائد :
من قال إنه معنى واحد يستدل بقول الأخطل :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما | جعل اللسان على الفؤاد دليلا |
فالجواب عن هذا البيت :
أنهم لا يأخذون بالأحاديث الثابتة في الصحيحين فكيف يأخذون بهذا البيت الموضوع على الأخطل مع أنه روي بلفظ ( إن البيان لفي الفؤاد ) وهذا أقرب إلى الصحة ، وعلى افتراض صحته فلا يجوز الاستدلال به لأن النصارى ضلوا في معنى الكلام وزعموا أن عيسى نفس كلمة الله ، والأخطل نصراني ويرد عليهم بحديث ( لا تكلموا في الصلاة ) فاتفق العلماء على أن ما يقوله المصلى في القلب لا يبطلها ففرق بين حديث النفس وبين الكلام.
ومن الفوائد :
لا شك في تكفير من أنكر أن القرآن كلام الله .
قال المصنف رحمه الله :
( ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر ، من أبصر هذا اعتبر ، وعن مثل قول الكفار انزجر ، علم أنه بصفاته ليس كالبشر )
من الفوائد :
المعطل يعبد عدما والمشبه يعبد صنما ، ولا شك أن التعطيل شر من التشبيه .
فقول المصنف رحمه الله :
( والرؤية حق لأهل الجنة ، بغير إحاطة ولا كيفية ، كما نطق به كتاب ربنا { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ{22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ{23} القيامة : 22-23، وتفسيره على ما أراد الله تعالى وعلمه وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما قال ، ومعناه على ما أراد ، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا ، فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه )
من الفوائد :
المخالف في الرؤية هم الجهمية والمعتزلة .
ومن الفوائد :
كم جنى التأويل الفاسد من جناية فهل قُتِل عثمان والحسين وكذا ما جرى في يوم الجمل وصفين ونحو ذلك إلا به .
ومن الفوائد :
إضافة النظر إلى الوجه الذي هو محله وتعديته بأداة ( إلى ) صريحة في نظر العين ، لأن النظر له عدة استعمالات :
فإن عدي بنفسه فمعناه الانتظار ، كقول تعالى { انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ }الحديد13
وإن عدي بـ ( في ) فمعناه التفكر ، كقوله تعالى { أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ }الأعراف185.
وإن عدي بـ ( إلى ) فمعناه المعاينة بالأبصار ، كقوله { انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ}الأنعام99 ، فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر .
ومن الفوائد :
قوله تعالى {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }يونس26، فسر النبي صلى الله عليه وسلم ( الزيادة ) كما عند مسلم بـ ( النظر إلى الله عز وجل ) وكذا فسرها الصحابة رضي الله عنهم .
ومن الفوائد :
قوله تعالى{ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } المطففين15 ، قال الشافعي رحمه الله : لما حجب هؤلاء بالسخط كان دليلا على أن أولياءه يرونه في الرضى ” .
ومن الفوائد :
قوله تعالى لموسى { لَن تَرَانِي }الأعراف143، ليس فيها دليل للمعتزلة ، بل فيها أدلة لأهل السنة ، من بينها :-
أولا : أنه لا يظن بموسى أن يسأل ما لا يجوز .
ثانيا : لم ينكر الله عليه كما أنكر سؤال نوح في نجاة ابنه .
ثالثا : أنه لم يقل ” لا أُرى ” أو ” لست بمرئي ” وإنما قال { لن تراني } لأن موسى لا يحتمل رؤيته سبحانه في هذه الدار .
رابعا : أن الله عز وجل أعلمه أن الجبل مع قوته لا يثبت فكيف بالبشر
خامسا: أنه إذا جاز أن يتجلى للجبل وهو جماد ، فكيف يمتنع أن يتجلى لأوليائه في دار كرامته .
سادسا: أن الله كلمه ، ومن جاز عليه التكلم والتكليم فرؤيته أولى بالجواز ، ولهذا لا يتم إنكار الرؤية إلا بإنكار كلامه .
أما دعواهم بتأبيد النفي بـ ( لن ) فيقال : لو قيدت بالتأبيد ، فلا يدل على دوام النفي في الآخرة ، فكيف إذا أطلقت ، قال تعالى { وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً }البقرة95 والمراد ( الموت ) مع أن أهل النار يتمنونه {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ }الزخرف77 ، فثبت أنها لا تقتضي النفي المؤبد .
قال ابن مالك :
ومن رأى النفي بـ لن مؤبدا | فقوله اردد وسواه فاعضدا |
ومن الفوائد :
قوله تعالى { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ }الأنعام103 ، استدل بها المعتزلة على نفي الرؤية ، وفي الحقيقة هي دليل لإثباتها ، لأن الله عز وجل ذكره في سياق المدح .
والمدح إنما يكون بالصفات الثبوتية ، وأما النفي المحض فليس بكمال ، إذاً المعنى أنه يرى ولا يدرك ، بحيث لا يحاط به لكمال عظمته ، والإحاطة قدر زائد على الرؤية ، ولذلك لما قالت بنو إسرائيل لموسى { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ{61} قَالَ كَلَّا } فلم ينف موسى الرؤية ، كما قال تعالى {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ }الشعراء61 وإنما نفى الإدراك .
إذاً هو جل وعلا يُرى ولا يُدرك ، كما يعلم ولا يحاط به علما ، بل هذه الشمس لا يتمكن رائيها من إدراكها .
ومن الفوائد :
أحاديث الرؤية متواترة قد رواها نحو ثلاثين صحابياً ، ومنها حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( أن ناسا قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا ؟ قال ” هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ؟ قالوا لا ، قال هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا لا ، قال فإنكم ترونه كذلك ” ) وليس هو تشبيه المرئي بالمرئي ، بل هو تشبيه الرؤية بالرؤية ، ومن قال يُرى لا في جهة فليراجع عقله ، فإذا قال يُرى لا أمام الرائي ولا خلفه ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا فوقه ولا تحته ، رد عليه مَنْ له فطرة سليمة.
ومن الفوائد :
إنَّا لم نره في الدنيا لعجز أبصارنا ، فهذه الشمس إذا أحدق الرائي البصر في شعاعها ضعف عن رؤيتها ، ولهذا كان البشر يعجزون عن رؤية المَلكَ في صورته إلا مَنْ أيده الله كالنبي صلى الله عليه وسلم .
ومن الفوائد :
أهل الجنة يرونه فيها وفي المحشر ، وقيل يراه أهل الموقف ثم يحتجب عن الكفار ، وقيل يراه مع المؤمنين المنافقون في المحشر .
ومن الفوائد :
اتفقت الأمة على أنه لا يراه أحدٌ في الدنيا بعينه ، وتنازعوا في النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، فمنهم من نفى ومنهم من أثبت ، ولهذا نفت ذلك عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين ، وما جاء عند ابن خزيمة عن ابن عباس رضي الله عنهما إثبات ذلك فهو ضعيف .
ومن الفوائد :
الرؤية في الدنيا ممكنة وإلا لم يسألها موسى عليه الصلاة والسلام ، قد قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم لما سئل ( هل رأيت ربك ؟ قال ” نور أنَّى أراه ” ) وفي حديث آخر ( حجابه النور ) وفي رواية ( النار ) .
ومن الفوائد :
معنى قوله عليه الصلاة والسلام ( نورٌ أنَّى أراه ) أي النور الذي هو الحجاب يمنع من رؤيته ، أي كيف أراه والنور حجابٌ بيني وبينه يمنعني من رؤيته .
ومن الفوائد :
لا يتصور تعارض عقل صريح ونص صحيح أبدا .
ومن الفوائد :
هنا توحيدان لا نجاة للعبد إلا بهما :
أولا : توحيد المرسِل ( الله ) .
ثانيا : توحيد متابعة النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن الفوائد :
كان جماعة من الصحابة قد ذكروا آية فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا قد احمر وجهه يرميهم بالتراب ويقول ” مهلا يا قوم ، بهذا هلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم وضربهم الكتب بعضها ببعض ، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا بل يصدق بعضه بعضا ، فما عرفتم منه فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه ” ) .
قال المصنف رحمه الله :
( ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام )
ومن الفوائد :
روى البخاري عن الزهري قوله ( من الله الرسالة ومن الرسول البلاغ وعلينا التسليم )
ومن الفوائد :
إن العقل مع النقل أقل من العامي المقلد مع العالم المجتهد ، فإن العامي يمكنه أن يصير عالما ، ولا يمكن للعالم أن يصير نبيا .
ومن الفوائد :
العقول متفاوتة والشبهات كثيرة فكيف تحكم العقول فيما يجب لله عزوجل .
قال المصنف رحمه الله :
( فمن رام علم ما حُظر عنه علمه ولم يقنع بالتسليم فهمه ، حجبه مرامه عن خالص التوحيد وصافي المعرفة وصحيح الإيمان )
من الفوائد :
إنما دخل الفساد في العالم من ثلاث فرق كما قال ابن المبارك رحمه الله :
وهل أفسد الدين إلا الملوك | وأحبار سوء ورهبانها ؟ |
ومراده بالرهبان جهال المتصوفة الذي يعتمدون على الخيال والأذواق والكشوفات .
ومن الفوائد :
أئمة السلف حرَّموا الكلام لأن الصحابة لم يتكلموا فيه ولا أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، والسلف كما قال ابن أبي العز لم يكرهوه لمجرد كونه اصطلاحا جديدا ، بل لاشتماله على أمور تخالف الشرع .
ومن الفوائد :
إنما سُموا أهل الكلام لأنهم لم يفيدوا علما لم يكن معروفا وإنما أتوا بزيادة كلام لا يفيد .
ومن الفوائد :
من عارض النص بعقله فقد ضاه إبليس .
قال المصنف رحمه الله :
( فيتذبذب بين الكفر والإيمان والتصديق والتكذيب والإقرار والإنكار موسوسا تائها شاكا لا مؤمن مصدقا ولا جاحدا مكذبا )
من الفوائد :
الغزالي انتهى أمره إلى الحيرة فأعرض عن علم الكلام وأقبل على الحديث فمات وصحيح البخاري على صدره .
وقال الرازي :
نهاية إقدام العــقول عِقال | وغاية سعي العالمين ضلال | |
وأرواحنا في وحشة من جسومنا | وحاصل دنيانا أذى ووبال | |
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا | سوى أن جمعنا قيل وقالوا | |
فكم قد رأينا من رجال ودولة | فبادوا جمعيا مسرعين وزالوا | |
وكم من جبال علت شرفاتها | رجال فزالوا والجبال جبال |
ولقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ، أقرأ في الإثبات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }طه5 ، وأقرأ في النفي { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } الشورى11 ، ثم قال ( ومن جرَّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ) .
وقال محمد الشهرستاني :
لقد طفت المعاهد كلها | وسيرت طرفي بين تلك المعالم | |
فلم أر إلا واضعا كف حائر | على ذقن أو قارعا سن نادمي |
وقال أبو المعالي الجويني ( يا أصحابنا لا تشتغلوا بعلم الكلام فلو عرفت أنه يبلغ بي ما بلغ ما اشتغلت به ) وقال عند موته ( لقد خضت البحر الخضم وخليت أهل الإسلام وعلومهم ودخلت فيما نهوني عنه والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني ، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي ) .
ومن الفوائد :
قال أبو يوسف رحمه الله ( من طلب الدين بالكلام تزندق ومن طلب المال بالكيمياء أفلس ، ومن طلب غريب الحديث كذب )
وقال الشافعي رحمه الله ( لقد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننت مسلما يقوله ، ولأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ما خلا الشرك خير له من أن يبتلى بالكلام ) .
ومن الفوائد :
الدواء النافع لمثل هذا المرض دعاء استفتاح صلاة الليل ) اللهم رب جبرائيل ، وميكائيل ، إسرافيل فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون . اهدني لما اختلفت فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)
فالتوسل إلى الله بربوبيته لهؤلاء الملائكة الموكلين بالحياة له تأثير عظيم في حصول المطلوب ، فجبريل موكل بالوحي ، وميكائيل موكل بالقطر ، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور .
قال المصنف رحمه الله :
( ولا يصح الإيمان بالرؤية أهل دار السلام لمن اعتبرها منهم بوهم ، أو تأولها بفهم ، إذ كان تأويل الرؤية وتأويل كل معنى يضاف إلى الربوبية بترك التأويل ، ولزوم التسليم ، وعليه دين الإسلام ، ومن لم يتوق النفي والتشبيه زل ولم يصب التنزيه )
من الفوائد :
سموا التحريف تأويلا ليقبل .
ومن الفوائد :
التأويل في النصوص الشرعية هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام ، فتأويل الخبر هو عين المخبر به ، وتأويل الأمر نفس الفعل المأمور به ، قال تعالى {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } الأعراف53 .
وقالت عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده ” سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ” يتأول القرآن ) .
فهذا الحديث دليل تأويل الأمر في قوله تعالى {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ }النصر3، والآية السابقة دليل تأويل الخبر .
وهناك تأويل يراد منه تفسير الكلام يُحمد حقه ويُرد باطله ، قال تعالى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ }آل عمران7 .
وهناك تأويل وهو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح ، فإن دلت عليه النصوص فيقبل ، وما خالف ذلك فهو تأويل فاسد .
ومن الفوائد :
مرض الشبة هو أردى من مرض الشهوة ، لأنه يرجى له الشفاء بقضاء الشهوة ، أما مرض الشبة لا شفاء له إن لم يتداركه الله برحمته
قال المصنف رحمه الله :
( فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية ، منعوت بنعوت الفردانية ، ليس في معناه أحد من البرية ، وتعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات ، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات )
من الفوائد :
إطلاق لفظ الحد والغاية ونحوها : طائفة تنفيها وطائفة تثبتها وطائفة تفصل ، وهم المتبعون للسلف ، فينظر في معناها فإن كان صحيحا قبل ويعبر عنه بما جاء به النص دون الألفاظ المجملة إلا عند الحاجة كمخاطبة من لا يتم المقصود معه إلا به .
ومن الفوائد :
داود الجواربي قال بالتشبيه .
ومن الفوائد :
كان السلف لا يلحدون ولا يشبهون ولا يمثلون يروون الحديث ولا يقولون كيف .
فقول المصنف رحمه الله :
( فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية ، منعوت بنعوت الفردانية ، ليس في معناه أحد من البرية ، وتعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات ، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات )
ومن الفوائد :
إبليس مع كفره كان أعرف بربه من الجهمية الذين فسروا اليد بالقدرة .
ومن الفوائد :
إطلاق مثل هذه الألفاظ مع ما فيها من الإجمال كان تركه أولى من الماتن .
ومن الفوائد :
مراد الماتن أن الله منزه من أن يحيط به مخلوقات وأن يكون مفتقرا إلى شيء منها .
قلت :
قال ابن باز رحمه الله : ” فمراده بالحدود يعني التي يعلمها البشر ، فلا يعلم حدوده سبحانه وتعالى إلا هو لأن الخلق لا يحيطون به علما ، ومن قال من السلف بإثبات الحد في الاستواء أو غيره فمراده حداً يعلمه الله سبحانه ولا يعلمه العباد ” .
وقال أيضا رحمه الله : ” ذكره للغايات إلى قوله الأدوات ، مراده رحمه الله تنزيهه عن مشابهة المخلوقات ، وأهل البدع يطلقون مثل هذه الألفاظ لينفوا بها الصفات حتى لا يفتضحوا ، والطحاوي لم يقصد هذا ، لأمور منها :
أولا : كونه من أهل السنة .
ثانيا : كلامه في هذه العقيدة يفسر بعضه بعضا .
وأما قوله ( لا تحويه الجهات إلى قوله المبتدعات ، فمراده الجهات الست المخلوقة وليس مراده نفي علو الله واستوائه على عرشه لأن ذلك ليس داخلا في الجهات بل هو فوق العالم ومحيط به .
قال المصنف رحمه الله :
( والمعراج حق ، وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وعُرج به بشخصه في اليقظة ، إلى السماء ، ثم إلى حيث شاء الله من العلا وأكرمه الله بما شاء ، وأوحى إليه ما أوحى ، ما كذب الفؤاد ما رأى ، فصلى الله عليه وفي الآخرة والأولى )
من الفوائد :
المعراج بمنزلة السُلم ، وهو من المغيبات نؤمن به ولا نشتغل بكيفيته
ومن الفوائد :
الصحيح أنه أسري بروحه وجسده ، وأما قول عائشة رضي الله عنه أنه أسري بروحه فقط ليس مرادها كان مناما ، لأن المنام أمثلة يضربها ملك الرؤيا ، إنما أرادت أن روحه فارقت جسده ، وهذا من خصائصه ، فإن غيره لا تصعد روحه الصعود الكامل إلى السماء إلا بعد الموت .
ومن الفوائد :
قال ابن القيم رحمه الله : ” عجبا لمن زعم أن الإسراء كان مرارا ، كيف ساغ لهم أن يظنوا في كل مرة أن تفرض عليه الصلاة ، وقد غلَّط الحفاظ ( شريكا ) في ألفاظ من حديث الإسراء .
ومن الفوائد :
ما جاء عند ابن ماجة ( أنه نزل بيت لحم وصلى فيه ، فلا يصح .
ومن الفوائد :
الدنو والتدلي في سورة النجم من جبريل ، وأما في حديث الإسراء فهو من الله عز وجل ، قلت : قال الألباني رحمه الله ( إن ثبت ) .
ومن الفوائد :
مما يدل على أن الإسراء بروحه وجسده : ما تدل عليه عبارة العبد في قوله تعالى [سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ] {الإسراء:1} .
ومن الفوائد :
الحكمة من إسرائه إلى بيت المقدس قبل المعراج لكي تنكره قريش فينعت لهم المسجد فتقوم عليهم الحجة .
قال المصنف رحمه الله :
( والحوض الذي أكرمه الله تعالى به غياثا لأمته – حق )
من الفوائد :
أحاديث الحوض تبلغ حد التواتر .
ومن الفوائد :
الحوض في العرصات ويصب فيه ميزابان من الكوثر ، وهو قبل الصراط لأن هناك من يُمنع منه ، ومثل هؤلاء لا يجاوزون الصراط ، إذاً هو حوض عظيم أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك ، عرضه وطوله سواء كل زاوية من زواياه مسيرة شهر ، كلما شُرِب منه اتسع وينبت في خلاله المسك واللؤلؤ والذهب والجواهر .
ومن الفوائد :
جاء عند الترمذي ( أن لكل نبي حوضا ) .
ومن الفوائد :
قال القرطبي رحمه الله وغيره : ” الصحيح أن الحوض قبل الميزان والصراط ، لأن الناس يخرجون عطاشا من قبورهم .
ومن الفوائد :
من أنكره خليق أن يحال بينهم وبينه .
قال المصنف رحمه الله :
( والشفاعة التي ادخرها لهم حق ، كما روي في الأخبار )
من الفوائد :
أنواع الشفاعة :
أولا : الشفاعة العظمى الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وسجود النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث الصور في مكان يقال له (الفحص) قلت : ضعفه الألباني .
ثانيا : شفاعته في قومٍ استوت حسناتهم وسيئاتهم .
ثالثا : شفاعته في أقوام قد استوجبوا دخول النار .
رابعا : شفاعته في رفعة درجات أهل الجنة ، وقد وافقت المعتزلة على هذه الشفاعة خاصة .
خامسا : شفاعته في أقوام يدخلون الجنة بغير حساب .
سادسا : شفاعته في تخفيف العذاب لعمه أبي طالب ، وهذه خاصة به عليه الصلاة والسلام .
سابعا : شفاعته للمؤمنين في دخول الجنة ، وهذه خاصة به عليه الصلاة والسلام .
ثامنا : شفاعته لأهل الكبائر من أمته ممن دخل النار أن يخرج منها ، وهذه الشفاعة تتكرر منه أربع مرات .
ومن الفوائد :
الغلاة يثبتون الشفاعة مطلقا بغير شروط ، ونقيضهم المعتزلة والخوارج في إنكار شفاعته لأهل الكبائر .
وأهل السنة والجماعة يثبتونها للنبي صلى الله عليه وسلم إذا أذن الله له ويحد له حدا .
ومن الفوائد :
أن قول ( بحق نبينا ) فيه محاذير :
أولا : أنه أقسم بغير الله .
ثانيا : اعتقاده أن لأحد على الله حقا وليس لأحد حق عليه إلا ما أحقه على نفسه كما في حديث معاذ وإردافه على الحمار ، وكقوله تعالى{ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }الروم47
ومن الفوائد :
ما جاء في المسند في قول الماشي إلى الصلاة ( أسألك بحق ممشاي هذا ، وبحق السائلين عليك ) فهذا حق أوجبه على نفسه سبحانه ، فهو الذي حق للسائلين أن يجيبهم وللعابدين أن يثيبهم .
قلت :
وقد ضعفه الألباني ، فإن قيل أي فرق بين ماء جاء في الحديث وبين الجملة السابقة ( بحق نبينا )
فالجواب / أن معنى قوله ( بحق السائلين ) أي إنك وعدتهم بالإجابة وأنا من جملتهم فأجب دعائي .
أما الجملة الأولى وهي (بحق نبينا) فكأنه يقول كون فلان من عبادك الصالحين أجب دعائي ولا مناسبة بين هذا وإجابة دعاء السائل .
ومن الفوائد :
قول عمر ( إنا نتوسل إليك بعم نبينا ) أي بدعائه وليس بجاهه وإلا لكان جاه النبي صلى الله عليه وسلم أعظم .
قال المصنف رحمه الله :
( والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق )
من الفوائد :
أخبر سبحانه بقوله { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ }الأعراف172 ، أخبر سبحانه أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم وإلههم ، وقد وردت أحاديث بأخذ الذرية من صلب آدم وتميزهم إلى أصحاب اليمين وإلى أصحاب الشمال ، وفي بعضها الإشهاد عليهم بأن الله ربهم ، وهذه الآثار لا تدل على أن الأرواح سبقت الأجساد ، وإنما تدل على أن الله صوَّر النسمة وقدَّر أجلها وعملها ولا تدل على أنها استمرت موجودة ناطقة ثم يرسل منها إلى الأبدان جملة بعد جملة خلافا لابن حزم، إذاً يجيء الخلق الخارجي مطابقا للتقدير السابق ، وأما الإشهاد عليهم فهو في حديثين موقوفين ، ومن ثم قال بعض السلف المراد بهذا الإشهاد في الآية هو فطرتهم على التوحيد .
ومن الفوائد :
آية الأعراف لا تدل على أن الأخذ كان من ظهر آدم ، إنما فيها الأخذ من ظهور بني آدم ، وإنما ذُكر الأخذ من ظهر آدم والإشهاد عليهم وإيراء آدم إياهم وتميزهم في بعض الأحاديث ( والذي فيه الإشهاد على الصفة التي استخرج الله ذرية آدم من ظهره وأشهدهم على أنفسهم ثم أعادهم ) موقوفا على ابن عباس وعمر رضي الله عنهم وتكلم فيه .
ومن الفوائد :
قال بعض العلماء في آية الأعراف أن الإشهاد أدلالهم على توحيد الله كما قالت السماوات والأرض { أَتَيْنَا طَائِعِينَ }فصلت11، ويشهد له بعض الأحاديث .
إذاً الآية لا تدل على ما ذكروا لأنه قال { مِن بَنِي آدَمَ } ولم يقل [ من آدم ] ولأنه قال { مِن ظُهُورِهِمْ } ولم يقل [ من ظهره ] وقال { ذُرِّيَّتَهُمْ} ولم يقول [ ذريته ] وقال { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ } .
ولابد أن يكون الشاهد ذاكرا لما شهد به ، ولأن هذا الإشهاد لإقامة الحجة عليهم .
وإنما قامت عليهم بالرسل والفطرة ومعلوم أنهم غافلون عن هذا الإخراج لهم من صلب آدم وإشهادهم جميعا ذلك الوقت ومثل هذا لا يذكره أحدٌ منهم .
وقد أخبر سبحانه لم يكن ليهلك القرى بظلم إلا بعد إرسال الرسل .
ومن الفوائد :
الدين الذي يأخذه الصبي عن أبويه هو دين التربية والعادة ، ولهذا جاءت الشريعة بأن الطفل مع أبويه على دينهما في أحكام الدنيا ولا يعاقبه الله عليه على الصحيح حتى يبلغ ويعقل وحينئذٍ عليه أن يتبع دين العلم الذي يعلم بعقله أنه دين صحيح سواء كان أبوه مهتديا كيوسف أو أبوه ضالا كأبي إبراهيم عليه السلام .
قال المصنف رحمه الله :
( وقد علم الله تعالى فيما لم يزل عدد مَن يدخل الجنة وعدد من يدخل النار جملة واحدة ، فلا يزداد في ذلك العدد ولا ينقص منه ، وكذلك أفعالهم فيما علم منهم أن يفعلوه ، وكلٌ ميسر لما خُلق له ، والأعمال بالخواتيم ، والسعيد من سعد بقضاء الله ، والشقي من شقي بقضاء الله ، وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه ، لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل ، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان ، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة ، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه ، كما قال تعالى في كتابه { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }الأنبياء23 ، فمن سأل لم فعل ؟ فقد رد حكم الكتاب ، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين )
من الفوائد :
خالف في ذلك القدرية والمعتزلة فزعموا أن الله شاء الإيمان من الكافر ولكن الكافر شاء الكفر، ويترتب على ذلك أن مشيئة الكافر غلبت مشيئة الله تعالى ، وقد ذُكر أن قدريا قال لمجوسي أسلم ، فقال المجوسي حتى يريد الله ، فقال القدري إن الله يريد ولكن الشيطان لا يريد ، فقال المجوسي هذا شيطان قوي فأنا مع أقواهما ، ولما دخل أعرابي على عمرو بن عبيد قال ادع الله أن يرد علي ناقتي التي سرقت ، فقال عمرو : اللهم إنك لم ترد أن تُسرق ناقته فسرقت فارددها عليه ، فقال الأعرابي لا حاجة لي في دعائك ، قال أخاف كما أراد أن لا تسرق فسرقت ، أن يريد ردها فلا ترد .
ولما قال قدري أرأيت إن منعني الهدى وقضى علي بالردى أحسن إلي أم أساء ؟ فأجابه السني : إن منعك ما هو لك فقد أساء وإن منعك ما هو له ، فهو يختص برحمته من يشاء .
ومن الفوائد :
منشأ ضلال القدرية التسوية بين الإرادتين الكونية والشرعية .
ومن الفوائد :
كان من دعائه عليه الصلاة والسلام ( اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ) وهذا يدل على أن المحبوب والمكروه كله بقضائه ، فإن قيل كيف يريد الله أمرا ولا يرضاه ولا يحبه ؟
فالجواب / أن المراد نوعان :
أولا : محبوب لذاته .
ثانيا : محبوب لغيره ، وذلك كقطع العضو المتآكل إذا علم أن في قطعه بقاء جسده ، إذاً هو سبحانه وتعالى يكره الشيء ولا ينافي كونه سببا إلى أمرٍ هو أحب إليه ، ومن ذلك خلقه لإبليس مع أنه سبب لفساد الأديان وشقاوة كثير من العباد ، ومع هذا فهو وسيلة إلى أمور منها :
أنه وسيلة إلى محاب كثيرة لله عز وجل وجودها أحب إليه من عدمها .
ومنها :
أن يظهر للعباد قدرة الله عز وجل على خلق المتضادات .
ومنها :
ظهور آثار أسمائه عز وجل المتضمنة لشدة عقابه وواسع فضله .
ومنها :
حصول العبادات المتنوعة إذ لو كان الناس كلهم مؤمنين لتعطلت عبودية الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك من الحكم التي تعجز العقول عن إدراكها .
ومن الفوائد :
لم يخلق سبحانه شرا محضا من جميع الوجوه .
ومن الفوائد :
اعلم أن أسباب الخير ثلاثة :
أولا : جاد .
ثانيا : إعداد .
ثالثا : إمداد .
فإن لم يحدث فيه إعداد ولا إمداد حصل الشر ، فاقتضت حكمته جل وعلا أن يوجد الخير ويترك إمداد العبد له لأن إعانته عليه قد تستلزم فوات محاب أعظم ، قال تعالى { وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ }التوبة46 .
ومن الفوائد :
الطاعة هي موافقة الأمر الديني لا الأمر الكوني ، ولو كان موافقة القدر طاعة لكان إبليس من أعظم المطيعين .
ومن الفوائد :
القضاء له وجهان :
أولا : تعلقه بالرب سبحانه ، فمن هذا الوجه يُرضى به .
ثانيا : تعلقه بالعبد ، فمنه ما يرضى به ومنه ما لا يرضى به ، مثاله / قتل النفس ، فمن حيث إن الله قدره فيرضى به ومن حيث من صدر منه القتل لا نرضى به .
ومن الفوائد :
مدافعة الوسوسة واستعظامها صريح الإيمان كما قال النبي صل الله عليه وسلم .
ومن الفوائد :
الدليل على أن الشرع نهى عن الخوض في القدر ، كما جاء في المسند أنه عليه الصلاة والسلام خرج ذات يوم والناس يتكلمون في القدر ، قال كأنما يتفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب ، ثم قال ( ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض ؟ بهذا اهلك من كان قبلكم ) وقال تعالى { فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ }التوبة69 ، فجمع الله سبحانه وتعالى بين ما يفسد الدين من جهة الشهوة ومن جهة الشبهة .
ومن الفوائد :
مراتب تعظيم أمر الله عز وجل :
أولا : التصديق به .
ثانيا : العزم الجازم على فعله .
ثالثا : المسارعة إليه .
رابعا : الحذر من الموانع .
خامسا : الاجتهاد بالإتيان به على أكمل الوجوه .
سادسا : فعله لكونه مأمورا به علمت الحكمة أم لم تعلم .
قال المصنف رحمه الله :
( فهذا جملة ما يحتاج إليه من هو منور قلبه من أولياء الله تعالى ، وهي درجة الراسخين في العلم ، لأن العلم علمان : علم في الخلق موجود ، وعلم في الخلق مفقود ، فإنكار العلم الموجود كفر ، وادعاء العلم المفقود كفر ، ولا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود وترك طلب العلم المفقود)
من الفوائد :
مراده بالعلم المفقود علم القدر، ومراده بالعلم الموجود علم الشريعة .
فقول المصنف رحمه الله :
( ونؤمن باللوح والقلم ، وبجميع ما فيه قد رقم )
من الفوائد :
القلم المذكور هو الذي خلقه الله وكتب به في اللوح المحفوظ كل المقادير .
ومن الفوائد :
الصحيح أن العرش مخلوق قبل القلم ، وقد قيل إنه القلم الذي أقسم الله به في سورة القلم .
القلم الثاني : قلم الوحي ، وهو الذي يكتب به وحي الله إلى أنبيائه عليهم الصلاة والسلام .
قال المصنف رحمه الله :
( فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه ، ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه ليجعلوه كائنا ، لم يقدروا عليه ، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة )
من الفوائد :
لابد لكل إنسان أن يتقي أشياء ولو كان ملكا مطاعا فإن لم يتق الله اتقى المخلوق .
ومن الفوائد :
قال الشافعي رحمه الله : ” إرضاء الخلق لا مقدور ولا مأمور ، وإرضاء الخالق مقدور ومأمور ”
وتقوى المخلوق ضررها أكثر من نفعها ، وقد قال بعض السلف ” ما احتاج تقي ، لقول تعالى { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }
فإذا لم يحصل ذلك كما في الآية دل على أن في التقوى خللا ، فليتب إلى الله ، ثم قال { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } أي كافيه لا يحوجه إلى غيره
ومن الفوائد :
التوكل لا ينافي فعل الأسباب ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أفضل المتوكلين إذ كان يلبس الدرع في الحرب .
قال المصنف رحمه الله :
( وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه ، وما أصابه لم يكن ليخطئه )
من الفوائد :
قال ا لشاعر :
ما قضى الله كائنٌ لا محالة
|
والشقي الجهول من لام حاله |
وقال آخر :
اقنع بما ترزق يا ذا الفتى | فليس ينسى ربنا نملة | |
إن أقبل الدهر فقم قائما | وإن تولى مدبرا فنم له |
قال المصنف رحمه الله :
( وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه ، فقدر ذلك تقديرا محكما ، ليس فيه ناقض ، ولا معقب ، ولا مزيل ، ولا مغير ، ولا ناقص ، ولا زائد من خلقه في سماواته وأرضه )
من الفوائد : قال غلاة المعتزلة إن الله لا يعلم أفعال العباد حتى يفعلوا ، ولهذا قال الشافعي رحمه الله ( ناظروا القدرية بالعلم فإن اقروا به خصموا وإن أنكروا كفروا ) .
قال المصنف رحمه الله :
( وذلك من عُقَد الإيمان وأصول المعرفة ، والاعتراف بتوحيد الله تعالى وربوبيته ، كما قال تعالى في كتابه { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً}الفرقان2 ، وقال تعالى { وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً}الأحزاب38 )
من الفوائد :
لا يتم توحيد الربوبية إلا بالإيمان بصفاته تعالى .
ومن الفوائد :
جاءت الأحاديث بأن القدرية مجوس هذه الأمة .
ومن الفوائد :
كل أحاديث القدرية المرفوعة ، من أنهم ( مجوس هذه الأمة ) ضعيفة إنما يصح الموقوف منها .
قلت :
وقد صححها الألباني رحمه الله .
ومن الفوائد :
لما قيل لابن عمر إن هناك من يزعم أنه لا قدر وأن الأمر أُنُف ، قال ( أخبرهم أني منهم بريء وأنهم مني برآء ) .
ومن الفوائد :
ضل من قال إن الله يعلم الكليات دون الجزئيات .
قال المصنف رحمه الله :
( فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيما وأحضر للنظر فيه قلبا سقيما ، لقد التمس بوهمه في فحص الغيب سرا كتيما ، وعاد بما قال فيه أفاكا أثيما )
من الفوائد :
قال الحسن البصري رحمه الله ( إن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى وهم أقل الناس فيما بقي ، الذين لم يذهبوا مع أهل الأتراف في أترافهم ولا مع أهل البدع في بدعهم .
ومن الفوائد :
من طلب الشفاء في غير الكتاب والسنة فهو من أجهل الجاهلين ، قال تعالى { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً }الإسراء82 ، و { مِنَ } هنا لبيان الجنس لا للتبعيض ، إذاً هو الشفاء التام من جميع الأمراض القلبية والبدنية ، فإذا أحسن العليل التداوي به لم يقاوم الداء أبدا ، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها ؟
قال المصنف رحمه الله :
( والعرش والكرسي حق )
من الفوائد :
ذهبت طائفة من أهل الكلام إلى أن العرش فلك مستدير ، والصحيح أنه سرير ذو قوائم تحمله الملائكة وهو كالقبة على العالم وهو سقف المخلوقات.
ومن الفوائد :
من قال إن العرش عبارة عن الملك فهل يمكن أن يقول ” ويحمل ملكه يومئذ ثمانية ” أو أن موسى آخذ بقوائم الملك ؟
ومن الفوائد :
الصحيح أن الكرسي غير العرش ، ولا يصح ما نُسب إلى ابن عباس رضي اله عنهما أن الكرسي هو العلم .
إذاً ا الكرسي هو موضع القدمين ، وهو بين يدي العرش كالمرقاة إليه.
قال المصنف رحمه الله :
( وهو مستغنٍ عن العرش وما دونه ، محيط بكل شيء وفوقه ، وقد أعجز عن الإحاطة خلقه )
من الفوائد :
السماوات فوق الأرض وليست مفتقرة إليها ، فالرب أعظم شأنا .
ومن الفوائد :
قلت :
قول الإمام مالك رحمه الله ( الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ) لا يصح مرفوعا كما قال الألباني رحمه الله ، والصواب وقفه على مالك أو أم سلمة رضي الله عنها .
ومن الفوائد :
النصوص تنوعت في إثبات علو الله جل وعلا على خلقه فهي تقرب من عشرين نوعا ، منها :
أولا : التصريح بالفوقية مقرونة بأداة ( من ) المعينة للفوقية بالذات لقوله تعالى {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }النحل50.
ثانيا : ذكرها مجردة عن الأداة ، قال تعالى { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }الأنعام18 .
ثالثا : التصريح بالعروج إليه قال تعالى [تَعْرُجُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ] {المعارج:4} .
رابعا : التصريح بالصعود إليه قال تعالى [إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ] {فاطر:10}.
خامسا : التصريح برفعه بعض المخلوقات إليه ، كقوله تعالى { بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }النساء158 .
سادسا : التصريح بالعلو المطلق العام ، لقوله تعالى { وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}البقرة255 .
سابعا : الصريح بتنزيل الكتاب منه ، قال تعالى {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }الزمر1.
ثامنا : الصريح بأن بعض المخلوقات عنده ، قال تعالى {وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ }الأنبياء19.
تاسعا : التصريح بأنه سبحانه وتعالى في السماء ، قال تعالى {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ }الملك16.
عاشرا : التصريح بالاستواء مقرونا بأداة ( على ) مختصا بالعرش الذي هو أعلى المخلوقات ، قال تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }طه5.
الحادي عشر : التصريح برفع الأيدي إليه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله يستحي من أحدكم إذا رفع يديه أن يردهما صفرا ) .
ومن الفوائد :
وبناء على هذا فالقول بأن ( العلو قبلة الدعاء فقط ) باطل بالضرورة والفطرة ، إذاً قبلة الدعاء هو قبلة الصلاة كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأن القبلة هي ما يستقبله العابد بوجهه ، وأما ما حاذه الإنسان برأسه أو بيديه فلا يسمى قبلة ، ومن قال إن للدعاء قبلة غير قبلة الصلاة أو أن له قبلتين الكعبة والسماء فبدعة .
أما واضع الجبهة على الأرض إنما قصده الخضوع لمن فوقه بذل له ، ولكن حكي عن بشر المريسي أنه كان يقول في سجوده ( سبحان ربي الأسفل ) .
الثاني عشر : التصريح بنزوله إلى السماء الدنيا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فيقول هل من داع فأستجيب له ، هل من سائل فأعطيه ، هل من مستغفر فأغفر له) .
الثالث عشر : الإشارة بالأصبع حسا إلى العلو كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
الرابع عشر : التصريح بلفظ ( أين ) ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للجارية ( أين الله ؟ قالت في السماء )
الخامس عشر : شهادته صلى الله عليه وسلم بالإيمان لمن قال ( إن ربه في السماء ) ، كما جاء في ذلك الحديث السابق ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( اعتقها فإنها مؤمنة )
السادس عشر : إخباره تعالى عن فرعون أنه رام الصعود إلى السماء، قال تعالى { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ{36} أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً } .
إذاً من نفى العلو فهو فرعوني جهمي ، ومن أثبته فهو موسوي محمدي .
السابع عشر : صعود النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه بالمعراج .
الثامن عشر : النصوص الدالة على أنهم ( أي أهل الجنة ) يرفعون رؤوسهم إلى الجبار جل جلاله ، ولا يتم إنكار العلو إلا بإنكار الرؤية وإلا صار متذبذبا .
ومن الفوائد :
لا عقل لمن حرَّف الفوقية بقوله أنه خير من عباده ، كما يقال الأمير فوق الوزير ، فهذا من جنس قوله الثلج بارد والنار حارة ، وقيل في المثل :
ألم تر أن السيف ينقص قدره | إذا قيل إن السيف أمضى من العصا |
فالتفاوت الذي بين المخلوق والخالق أعظم وأعظم بخلاف ما إذا احتيج إلى ذلك في الرد على مبطل كقول يوسف عليه السلام { أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }يوسف39 ؟ فلا بأس .
إذاً له سبحانه وتعالى فوقية القهر والقدر والذات .
ومن الفوائد :
علوه سبحانه وتعالى كما هو ثابت بالسمع ثابت بالعقل والفطرة ، فإن الخلق يقصدون جهة العلو بقلوبهم وعند التضرع إلى الله عز وجل .
قال المصنف رحمه الله :
( ونقول : إن الله اتخذ إبراهيم خليلا وكلم الله موسى تكليما إيمانا وتصديقا وتسليما )
من الفوائد :
أنكرت الجهمية أن الله يُحِب أو يُحب ، قالوا إن المحبة لا تكون إلا لمناسبة بين المحب والمحبوب ، ولا مناسبة بين الخالق والمخلوق .
ومن الفوائد :
أول من ابتدع هذا هو الجعد بن درهم في أوائل المائة الثانية فضحى به خالد بن عبد الله القسري أمير العراق وأخذ عنه هذا المعتقد الجهم بن صفوان فقتله سلم بن أحوز أمير خراسان ، ثم انتقل إلى المعتزلة أتباع عمرو بن عبيد، وظهر قولهم في خلافة المأمون .
ومن الفوائد :
كمال الخُلَّة لا تقبل المشاركة ولا المزاحمة ولهذا لما أحب إبراهيم إسماعيل أراد الله أن يمتحنه ليظهر سر الخلة .
ومن الفوائد :
النبي صلى الله عليه وسلم كما شارك إبراهيم في الخلة ، كذلك شارك موسى في التكليم .
ومن الفوائد :
أكثر الروايات في الصلاة الإبراهيمية ( كما صليت على آل إبراهيم ) و في قلة منها ( كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ) وفي كثير منها ( كما صليت على إبراهيم ) وما ذلك إلا لأنه في قوله ( كما صليت على إبراهيم ) يدخل آله تبعا ، وفي قوله ( كما صليت على آل إبراهيم ) هو داخل نفسه في آل إبراهيم ، ولهذا لما جاء أبو أوفى بصدقة قال النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم صل على آل أبي أوفى ) وكما في قوله تعالى{ إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ }القمر34 ، فإن لوطا داخل في آل لوط .
ومن الفوائد :
بيت إبراهيم عليه السلام أشرف بيوت العالم على الإطلاق إذ خصهم الله بخصائص منها :
أولا : أنه جعل فيهم النبوة والكتاب ، فلم يأت بعد إبراهيم نبي إلا من أهل بيته .
ثانيا : جعلهم أئمة هدى .
ثالثا : أنه سبحانه اتخذ منهم الخليلين .
رابعا: أنه جعل صاحب هذا البيت إماما .
خامسا: أنه أجرى على يديه بناء البيت .
سادسا : أن العباد أمروا أن يصلوا على أهل هذا البيت .
قال المصنف رحمه الله :
( ونؤمن بالملائكة والنبيين والكتب المنزلة على المرسلين ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين )
من الفوائد :
هذه المذكورات من أصول الإيمان ، كما ذكر سبحانه في آخر سورة البقرة قال تعالى [آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ] {البقرة:285} ، فهذه الأصول اتفقت عليها الأنبياء ، وأعظم الناس إنكارا لها الفلاسفة إذ إن عندهم أن القرآن فاض من العقل الفعال ، وليس هناك جنة ولا نار ، وإنما هي أمثال مضروبة لتفهيم العوام ومنعهم من الوقوع في الخطأ ، وقد أبدلتها المعتزلة بأصول خمسة هدموا بها أكثر الدين ، وهذه الأصول :
أولا : التوحيد ، والمراد منه نفي الصفات .
ثانيا : القدر ، وسموه بالعدل .
ثالثا : إنفاذ الوعيد .
رابعا : المنزلة بين منزلتين .
خامسا : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وضمنوه جواز الخروج على الأئمة .
وأما الرافضة فبدلوها بأصول ،هي :
أولا : التوحيد .
ثانيا : العدل .
ثالثا : النبوة .
رابعا : الإمامة .
فقول المصنف رحمه الله :
( ونؤمن بالملائكة والنبيين والكتب المنزلة على المرسلين ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين )
ومن الفوائد :
كل حركة في العالم فهي ناشئة عن الملائكة ، قال تعالى {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً}النازعات5 ، خلافا لمن فسرها بالنجوم ، وقد وكل جل وعلا بالجبال ملائكة ، وبالمطر ملائكة ، وهكذا ، فهم أعظم جنود الله ، ومعنى جمع التأنيث في الآية منسوب إلى الجماعات لا أنهم إناث ، ولفظ (المَلَك) يشعر بأنه مأمور لا آمر فالأمر كله لله عز وجل .
ورؤسائهم ( جبريل وميكائيل وإسرافيل ) وهم الموكلون بالحياة ، كما سبق في استفتاح صلاة الليل ، وعددهم كثير ، ولهم صفات مذكورة في كتاب الله عز وجل .
ومن الفوائد :
ذكر الشارح هل الملائكة أفضل أم صالحو البشر ؟
فقال رحمه الله ثمرة هذه المسألة قليلة والسكوت عنها أولى ، وقال إنما تحدثت عنها لأن البعض يسيء الأدب إذ قالوا إن بعض الملائكة خدام بني آدم ، لأن التفضيل على وجه التنقص أو الحمية مردود ، وليست هذه المسألة نظير المفاضلة بين الأنبياء ، فإن تلك وجد فيها النص قال تعالى { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ }البقرة253 ، ولم يتكلم في هذه المسألة الصدر الأول من هذه الأمة .
ومن الفوائد :
المعطوف أفضل من المعطوف عليه قال تعالى [لَنْ يَسْتَنْكِفَ المَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا للهِ وَلَا المَلَائِكَةُ المُقَرَّبُونَ] {النساء:172} ، فيقال : لن يستنكف الشرطي أن يكون خادما للملك ولا الوزير ، فلا يجوز أن يقال ” لن يستنكف الوزير أن يكون خادما للملك ولا الشرطي ”
ومن الفوائد :
قال الشارح علينا الإيمان بالرسل جملة ، فلم يأت في عددهم نص ، قلت ورد في المسند وصححه الألباني رحمه الله من أن عددهم (ثلاثمائة وبضعة عشر رسولا) .
ومن الفوائد :
أولو العزم من الرسل ( نوح وإبراهيم وعيسى ومحمد وموسى ) عليهم الصلاة والسلام ، وجاء ذكرهم في آية الأحزاب { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً }الأحزاب7 .
ومن الفوائد :
نؤمن بما سمى الله عز وجل من الكتب وأن له ما سوى ذلك كتب لا يعرف أسماءها ولا عددها إلا هو سبحانه ، إذاً نؤمن بأنها من عند الله وأنها نزلت من عنده وتكلم بها وكذلك يجب الإيمان بالقرآن ولكن يزيد عليها بأمر وهو وجوب اتباع ما فيه .
قال المصنف رحمه الله :
( ونسمى أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ، ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين ، وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين ، ولا نخوض في الله ولا نماري في دين الله ، ولا نجادل في القرآن ونشهد أنه كلام رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، فعلمه سيد المرسلين محمدا صلى الله عليه وسلم ، وهو كلام الله تعالى لا يساويه شيء من كلام المخلوقين ، ولا نقول بخلقه ولا نخالف جماعة المسلمين )
من الفوائد :
كانت القراءات على سبعة أحرف جائزة لا واجبة فهي رخصة .
ومن الفوائد :
من نقل عن ابن مسعود أنه كان يجوز القراءة بالمعنى فقد كذب عليه .
قال المصنف رحمه الله :
( ولا نُكفِّر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله ، ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله ) .
من الفوائد :
فيه ردٌ على الخوارج والمرجئة .
ومن الفوائد :
التكفير بالوصف جائز ، أما التعين فلا إلا ذا توفرت الشروط وانتفت الموانع .
ومن الفوائد :
بعض الذنوب سماها الشارع كفرا والمراد الكفر غير المخرج من الملة ، إذ لو كان كافرا كفراً أكبر لما وُرِّث الزاني ولم يكن القاتل أخا لولي القصاص .
ومن الفوائد :
شبهة المرجئة قد وقعت لبعض الأولين إذ تأولوا قوله تعالى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }المائدة93 ، إذ تأولوا جواز شرب الخمر فاتفق الصحابة على أنهم إن اعترفوا بالتحريم جلدوا وإن أصروا على استحلالها قتلوا ، ولهذا قال عمر رضي الله عنه ( أما إنك لو اتقيت وآمنت وعملت الصالحات لم تشرب الخمر ) وهذه الآية نزلت بعد تحريم الخمر بعد وقعة أُحد ، إذ قالوا كيف بمن مات وهو شاربٌ لها ؟
قال المصنف رحمه الله :
( ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته ، ولا نأمن عليهم ، ولا نشهد لهم بالجنة ، ونستغفر لمسيئهم ، ونخاف عليهم ولا نقنطهم )
من الفوائد :
الرجاء إنما يكون مع الإتيان بالأعمال ، قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }البقرة218.
ومن الفوائد :
من رجا شيئا استلزم رجاؤه أموراً ، هي :
محبة ما يرجوه .
خوفه من فواته .
سعيه في تحصيله بحسب الإمكان وإلا صار أماني .
ومن الفوائد :
الكبيرة قد يقترن معها من الحياء والخوف ما يلحقها بالصغائر ، وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء والاستهانة ما يلحقها بالكبائر وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب .
ومن الفوائد :
العقوبة تسقط بعشرة أسباب :
التوبة ، وعلى الصحيح أن توبته تقبل من ذنب ولو أصر على آخر وعلى الصحيح لابد من التوبة مع الإسلام فالإسلام يجب الشرك ، إذاً لو أسلم وهو مصر على الزنى فهل يؤاخذ بما كان منه في كفره من الزنى ؟ الصحيح نعم إلا إذا تاب .
الاستغفار ، وإذا اجتمع الاستغفار مع التوبة في الآيات ، فالمراد به طلب وقاية شر ما مضى ، وتكون التوبة طلب وقاية شر ما يخاف في المستقبل .
الحسنات .
المصائب الدنيوية .
عذاب القبر .
دعاء المؤمنين لأخيهم المسلم قبل الموت وبعده .
ما يهدى إلى الميت .
أهوال يوم القيامة .
الشفاعة .
مغفرة الله من غير شفاعة .
قال المصنف رحمه الله :
( والأمن والاياس ينقلان عن ملة الإسلام ، وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة )
من الفوائد :
الخوف المحمود ما منع صاحبه من المعصية ، فإن تجاوز ذلك خيف منه اليأس من رحمة الله .
ومن الفوائد :
الرجاء يستلزم الخوف وإلا كان أمنا ، والخوف يستلزم الرجاء وإلا كان قنوطا ويأسا ، قال بعض السلف ” مَنْ عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ، ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حَروري ، ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ ، ومن عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد ” .
قال المصنف رحمه الله :
) ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه ، والإيمان : هو الإقرار باللسان ، والتصديق بالجنان ، وأن جميع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق ، والإيمان واحد ، وأهله في أصله سواء ، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ومخالفة الهوى ، وملازمة الأولى )
من الفوائد :
لم يذكر الطحاوي في مسمى الإيمان العمل بالأركان ، وذهبت الكرامية إلى أن الإيمان قولٌ باللسان ، وذهبت الجهمية إلى أنه معرفةٌ بالقلب ، ويترتب على قول الكرامية أن المنافقين كاملو الإيمان ، ويترتب على قول الجهمية أن إبليس كامل الإيمان لأنه يعرف الله .
ومن الفوائد :
ما ذكره الطحاوي هو قول أبي حنيفة ، والخلاف لفظي ، لأن أعمال الجوارح عند الفريقين جزء من الإيمان ، ومن لوازمه مع الاتفاق أن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان وهو تحت المشيئة .
ومن الفوائد :
درجات نور لا إله إلا الله تتفاوت بين القلوب ، فمن الناس نور لا إله إلا الله في قلبه كالشمس ، وبعضهم كالكوكب ، وبعضهم كالسراج المنير ، وبعضهم كالسراج الضعيف ، وكلما اشتد نور هذه الكلمة أحرق الشبهات والشهوات بحسب قوته ، ومن عرف هذا عرف معنى أحاديث لا يدخل النار من قال لا إله إلا الله ) ولهذا قال الماتن رحمه الله ( إنهم يتساوون في أصله أي الإيمان) ولا يلزم منه التساوي من كل وجه ، فالمنافقون يقولونها وهم في الدرك الأسفل من النار ، وتأمل حديث صاحب البطاقة ، ومعلوم أن كل موحد له مثل هذه البطاقة ، وكثير منهم يدخل النار ، وتأمل ما قام بقلب قاتل مائة النفس من حقائق الإيمان التي حملته في تلك الحال أن ينوء بصدره إلى القرية الطيبة وهو يعالج سكرات الموت ، وما في قلب البغي من الإيمان لما سقت الكلب ، وهكذا العقل ، فهم في أصله عقلاء غير مجانين وبعضهم أعقل من بعض .
إذاً / النزاع في هذه المسألة بين أهل السنة لا ينبغي أن يؤدي إلى الافتراق ، فالإمام أبو حنيفة نظر إلى حقيقة الإيمان لغة مع أدلة من كلام الشرع ، وبقية الأئمة نظروا إلى حقيقته في عرف الشرع ، إذ أضاف إليه أوصافا وشروطا كما في الصلاة والصيام .
ومن الفوائد :
لفظ الإيمان المعدى بالباء يكون للمُخْبَر به ، والمعدى باللام يكون للمُخْْبِر ، قال تعالى { يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}التوبة61 .
ومن الفوائد :
لفظ الإيمان لا يستعمل إلا في الخبر عن الغائب ، فمن قال السماء فوقنا قيل له صدقت ، ويقال لمن قال طلعت الشمس صدقناه ولا يقال آمنا له.
ومن الفوائد :
أن الله عز وجل لم يأمرنا بإيمان مطلق بل بإيمان خاص وصفه وبيَّنه .
ومن الفوائد :
قال النبي صلى الله عليه وسلم )الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)
وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة الشهادتين ، ومنها ما لا يزول بزوالها كترك إماطة الأذى عن الطريق .
ومن الفوائد :
من صلح قلبه صلح جسده قطعا ، بخلاف العكس كما في الحديث
) إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )
ومن الفوائد :
حديث ) الإيمان مكمل في القلب زيادته كفر ونقصانه شرك ( حديث موضوع .
ومن الفوائد :
قال أبو الدرداء رضي الله عنه ) من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه ( كان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول للرجل (اجلس بنا نؤمن ساعة) .
ومن الفوائد :
عطف الشيء على الشيء يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه مع الاشتراك في الحكم الذي ذكر لهما ، والمغايرة على مراتب :
المرتبة الأولى : أن يكونا متباينين ولا تلازم بينهما كقوله تعالى{ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}الأعراف54 ، وهذا هو الغالب ، ويليه :
المرتبة الثانية : أن يكون بينهما تلازم كقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ }الأنفال20 .
المرتبة الثالثة : عطف بعض الشيء على الكل كقوله تعالى { حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ }البقرة238 .
المرتبة الرابعة : عطف الشيء على الشيء لاختلاف الصفتين ، كقوله تعالى {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ }غافر3 .
ومن الفوائد :
حديث ( آمركم بالإيمان بالله وحده ، شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا الخمس من المغنم ) هذا دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان .
ومن الفوائد :
الإسلام والإيمان والإحسان هي الدين ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم ( هذا جبرائيل أتاكم يعلمكم دينكم ) ومحال أن يكون الإحسان مجردا عن الإيمان ، فالإحسان أعم من جهة نفسه وأخص من جهة أهله ، والإيمان أعم من جهة نفسه وأخص من جهة أهله من الإسلام .
ومن الفوائد :
قد قيل : الإسلام والإيمان شيء واحد ، فيكون الإسلام هو التصديق ، وهذا لا يعرف في اللغة ، إنما يعرف بأنه الانقياد والطاعة كما في دعاء الاستفتاح ( اللهم لك أسلمت وبك آمنت )
فقول المصنف رحمه الله :
) ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه ، والإيمان : هو الإقرار باللسان ، والتصديق بالجنان ، وأن جميع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق ، والإيمان واحد ، وأهله في أصله سواء ، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ومخالفة الهوى ، وملازمة الأولى )
ومن الفوائد :
إنما وعد الله بالجنة وبالنجاة من النار بالإيمان لا بالإسلام .
ومن الفوائد :
لا يخو المؤمن من إسلامٍ به يتحقق إيمانه ، ولا يخلو المسلم من إيمان يصح به إسلامه .
ومن الفوائد :
الكفر والنفاق إذا ذكر الكفر مفردا في وعيد الآخرة دخل فيه المنافقون ، وإن قرن بينهما فالكافر من أظهر كفره والمنافق من آمن بلسانه دون قلبه .
ومن الفوائد :
قوله تعالى {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا } الحجرات14 ، هل هؤلاء منافقون أو غير منافقين لكنهم ناقصو الإيمان؟
يؤيد هذا الأخير سياق الآية لأمور :
أولا : ليس فيها ذكر للمنافقين .
ثانيا : لو كانوا منافقين ما نفعتهم الأعمال التي عملوها .
ثالثا : أنه ذكر بعد ذلك صفات كامل الإيمان .
رابعا :أذن لهم أن يقولوا أسلمنا ، ولو كانوا منافقين لنفى عنهم الإسلام كما نفى عنهم الإيمان .
خامسا : نهاهم أن يمنوا بالإسلام ، ولو لم يكن إسلاما صحيحا لقال أنتم كاذبون كما كذبهم في قوله { إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ }المنافقون .
ومن الفوائد :
أن الإسلام والإيمان في حالة الاقتران يختلف عن حالة الانفراد .
ومن الفوائد :
قوله تعالى { فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{35} فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ} ، لا حجة فيها على ترادف الإسلام والإيمان لأن البيت المخرجين منه كانوا متصفين بالإسلام والإيمان ، ولا يلزم من الاتصاف بهما ترادفهما .
قلت :
لعل وصف البيت بالإسلام لوجود امرأة لوط عليه السلام فيه ، فهو من حيث الظاهر بيت إسلام ، بينما وصف الخارجين من البيت والناجين من العذاب ، ما عدا أمرأته وصفهم بالإيمان .
ومن الفوائد :
قول ) أنا مؤمن إن شاء الله ( هذه مسألة الاستثناء في الإيمان ، فمنهم من أوجبه ومنهم من حرمه ومنهم من فصَّل وهو الصحيح ، وحجة من أوجبه أن الإنسان يكون عند الله مؤمنا أو كافرا بما سبق في علم الله وباعتبار الموافاة حتى غلَّب بعضهم ذكر المشيئة وقال صليت إن شاء الله ، يعني بذلك القبول وغالوا أكثر وقالوا هذا جبل إن شاء الله ، وحجتهم لو شاء الله أن يغيره غيره .
والحجة الثانية:أن من لم يستثن شهد لنفسه أنه تقي ، وبهذا له أن يشهد لنفسه بالجنة .
أما حجة من حرمه فلأنه شاك في إيمانه .
وأما قوله تعالى :
{ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ }الفتح27 ، ودعاء المقبرة ( وإنا إن شاء الله بكم لاحقون( فهذا لا شك في وقوعه ، ومع ذلك جاء فيه الاستثناء ، وهذا دليل لمن أوجبه .
وأجاب من حرمه بأن الاستثناء يعود إلى الأمن والخوف أو لتدخلن جميعكم أو بعضكم .
وفي كلا الجوابين نظر ، فلا شك في الدخول ولا في الأمن ولا في دخول الجميع ولا دخول البعض ، فكانت المشيئة هنا تحقيقا للدخول كما يقول الرجل إذا عزم على فعل شيء لا محالة ” والله لأفعلن كذا إن شاء الله ” لا يقولها لشك في إرادته .
وجواب آخر لا بأس به ، وهو :أنه قال ذلك تعليما لنا كيف نستثني إذا أخبرنا عن مستقبل وأما ما ذكر الزمخشري من أن المَلَك أو الرسول هو الذي قال (إن شاء الله ) في الآية ، فيترتب على ذلك أن في القرآن ما هو غير كلام الله .
إذاً القول الصحيح أن من استثنى فقال ( أنا مؤمن إن شاء الله ) وأراد :
عدم علمه بالعاقبة أو أراد تعليق الأمر بمشيئة الله عز وجل أو أراد أنه من المؤمنين المتصفين بكمال الإيمان فجائز ، أما من كان شاكا في إيمانه فلا يجوز قول هذا .
ومن الفوائد :
قول الماتن رحمه الله :
( كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو حق ) .
ومن الفوائد :
أراد أن يرد على من قال إن المتواتر وإن كان قطعي السند فهو غير قطعي الدلالة ، ولهذا قدحوا في دلالة القرآن على الصفات ، أما الآحاد فلا تفيد العلم لا عن طريق المتن ولا السند .
ومن الفوائد :
خبر الواحد إن صح فيفيد العلم اليقيني ، ولم يكن في ذلك نزاع بين سلف الأمة .
ومن الفوائد :
ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم نوعان :
شرع ابتدائي .
شرع بياني لما في القرآن .
قال المصنف رحمه الله :
( والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن )
من الفوائد :
الولاية بكسر( الواو ) وفتحها ، قيل هما لغتان ، وقيل بالفتح النصرة وبالكسر الإمارة .
ومن الفوائد :
الولاية نظير الإيمان فأهلها في أصلها سواء ويجتمع في المؤمن ولاية من وجه وعداوة من وجه كما في حديث ( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ، إذا حدَّث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر )
ومن الفوائد :
حديث ( ما من جماعة اجتمعت إلا وفيهم ولي لله لا هم يدرون به ولا هو يدري بنفسه ) فلا أصل له ، وهو كلام باطل ، وقد تكون هذه الجماعة كلها كافرة .
قال المصنف رحمه الله :
( وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن )
من الفوائد :
حديث ( لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ، ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى ، الناس من آدم وآدم من تراب ) يُظهِر ضعف مسألة ( أيهما أفضل الفقير الصابر أو الغني الشاكر ) فالتفضيل لا يرجع إلى ذات الفقر والغنى ، وإنما يرجع إلى الأعمال والأحوال ، قال عمر رضي الله عنه ( الغنى والفقر مطيتان لا أبالي أيهما ركبت )
إذاً : إن استويا في التقوى استويا في الدرجة وإن فضل أحدهما فيها فهو الأفضل ، فالفقر والغنى لا يوزنان ، إنما يوزن الصبر والشكر ، ولو صح هذا لصح أن يقال أيهما أفضل مطاع شاكر ؟ أو مهان صابر ، أو آمن شاكر أو خائف صابر ؟ ونحو ذلك .
قال المصنف رحمه الله :
( والإيمان : هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، وحلوه ومره من الله تعالى ) .
من الفوائد :
الجمع بين قوله تعالى {وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ }النساء78 وبين قوله { مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً{79}.
أي أن الخصب والجدب كلها من عند الله ، وقوله { فَمِن نَّفْسِكَ }النساء79 أي بذنب نفسك ، فالمعصية الثانية قد تكون عقوبة الأولى والحسنة الثانية قد تكون من ثواب الأولى .
ومن الفوائد :
السيئة يخلقها الله جل وعلا لحكمة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( والشر ليس إليك ) فلا يخلق شرا محضا ، إنما هو شر جزئي إضافي لبعض الناس ، ولهذا لا يضاف الشر إليه مفردا ، بل تكون على حالات :
الحالة الأولى :إما أن يدخل في عموم المخلوقات كقوله تعالى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}الزمر62 .
الحالة الثانية : وإما أن يضاف إلى السبب كقوله تعالى {مِن شَرِّ مَا خَلَقَ }الفلق2 .
الحالة الثالثة : إما أن يحذف فاعله كقول الجن {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ }الجن10 .
ومن الفوائد :
من فوائد قوله تعالى { فَمِن نَّفْسِكَ }النساء79
أولا : أن العبد لا يطمئن إليها .
ثانيا : أن يستعيذ بالله من شرها .
ثالثا : أن يسأل الله عز وجل أن يعينه على طاعته ، ولهذا كان أنفع الدعاء دعاء الفاتحة { اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7} فهذا محتاج إلى الهدى كل لحظة أحوج منه إلى الطعام ، لأن الذنوب من لوازم نفس الإنسان ، وما نعرف جملته ولا نهتدي لتفاصيله أمرٌ يفوت الحصر .
ومن الفوائد :
لو قدر أن سببا من الأسباب يستقل بالمطلوب لكان الواجب ألا يرجى إلا الله ولا يسأل إلا هو ، فكيف وهو ليس بمستقل ، بل لابد من وجود أسباب وانتفاء موانع كالمطر وحده لا ينبت النبات إلا بما ينضم إليه من هواء ونحو ذلك ، ولا يتم الزرع حتى تصرف عنه الآفات .
قال المصنف رحمه الله :
( ونحن مؤمنون بذلك كله ، لا نفرق بين أحد من رسله ، ونصدقهم كلهم على ما جاءوا به )
من الفوائد :
إنما كفر من جحدر رسولا لأن المعنى الذي لأجله آمن بهذا الرسول قد جاء به بقية المرسلين.
قال المصنف رحمه الله :
( وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ” في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهو موحدون ” وإن لم يكونوا تائبين بعد أن لقوا الله عارفين ” مؤمنين ” وهم في مشيته وحكمه ، إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله ، كما ذكر عز وجل في كتابه { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ }النساء116، وإن شاء عذبهم في النار بعدله ، ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته ، ثم يبعثهم إلى جنته وذلك بأن الله تعالى تولى أهل معرفته ، ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته الذين خابوا من هدايته ولم ينالوا من ولايته ، اللهم يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك به )
من الفوائد :
فيه ردٌ لقول الخوارج والمعتزلة القائلين بتخليد صاحب الكبيرة في النار.
ومن الفوائد :
الظاهر أنه لا يخصص في ذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم لعموم الحديث ( يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ) .
ومن الفوائد :
الصحيح أن الكبائر لا تحد بعدد وإنما تحد بوصف فكل معصية يترتب عليها حدٌ أو وعيد فهي كبيرة ، وهذا هو المأثور عن السلف ، ويمكن بهذا أن يضبط الفرق بين الكبيرة والصغيرة .
ومن الفوائد :
أراد المصنف بالمعرفة أي المعرفة الكاملة المستلزمة للاهتداء .
ومن الفوائد :
غفران الذنوب بعد التوبة غير معلق بالمشيئة ، كما في قوله تعالى { إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الزمر53 .
ومن الفوائد :
قول المصنف ( يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا بالإسلام حتى نلقاك به ) صح مرفوعا .
قال المصنف رحمه الله :
( ونرى الصلاة خلف كُلِّ بَرِّ وفاجر من أهل القبلة وعلى من مات منهم )
من الفوائد :
كان ابن عمر رضي الله عنهما يصلي خلف الحجاج .
ومن الفوائد :
تجوز الصلاة خلف مستور الحال .
ومن الفوائد :
المراد بالإمام هو الإمام الراتب الذي لا يمكنه الصلاة إلا خلفه كإمام الجمعة والصلاة بعرفة ، ومن ترك الصلاة خلفه فهو مبتدع عند الأكثر ، وإن صلى خلفه فالصحيح لا يعيدها كما صلى أنس وابن عمر رضي الله عنهم خلف الحجاج ، وكما صلى ابن مسعود رضي الله عنه خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، أما إن أمكن فعلها خلف البر فهو أولى ، فإن خالف فقيل يعيد وقيل لا يعيد .
ومن الفوائد :
دلت النصوص والإجماع على أن ولي الأمر وإمام الصلاة يطاع في مواضع الاجتهاد، وليس عليه أن يطيع أتباعه في ذلك بل عليهم طاعته لأن مصلحة الجماعة أعظم من المسائل الجزئية ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطئوا فلكم وعليهم )
وهذا حجة على من قال إن الإمام إذا ترك ما يعتقد المأموم وجوبه لم يصح الاقتداء به .
ومن الفوائد :
من عُلِم نفاقه لم تجز الصلاة عليه ، فقد كان عمر رضي الله عنه لا يصلي على من لم يصل عليه حذيفة رضي الله عنه .
قال المصنف رحمه الله :
( ولا ننزل أحدا منهم جنة ولا نارا )
من الفوائد :
هذا في حق المُعيَّن إلا إن جاء دليل يشهد له ، والسلف في الشهادة بالجنة على ثلاثة أقوال :
القول الأول : كما ذكر الطحاوي رحمه الله .
القول الثاني : لا يشهد إلا للأنبياء .
القول الثالث : نشهد لمن شهد له المؤمنون .
قال المصنف رحمه الله :
( ولا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق ، ما لم يظهر منهم شيء من ذلك ، ونذر سرائرهم إلى الله ) .
من الفوائد :
لأننا أمرنا بالحكم بالظاهر ونهينا عن إتباع ما ليس لنا به علم .
قال المصنف رحمه الله :
( ولا نرى السيف على أحدٍ من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا من وجب عليه السيف ) .
من الفوائد :
من وجب عليه السيف هو ما جاء ذكره في هذا الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) .
قال المصنف رحمه الله :
( ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمرونا وإن جاروا ، ولا ندعو عليهم ، ولا ننزع يدا من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ، ما لم يأمروا بمعصية ، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة )
من الفوائد :
جاءت الأحاديث بطاعة الأمير والنهي عن عصيانه ما لم يأمر بمعصية ولو كان عبدا ولو كان فيما يكرهه الإنسان لاسيما في زمن الفتن وأن من نازعه يقتل لأنه يترتب على الخروج عليهم مفاسد أعظم مما يحصل من ظلمهم ، وما تسلطوا علينا إلا بذنوبنا .
فقول المصنف رحمه الله :
( ونتبع السنة والجماعة ، ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة ، ونحب أهل العدل والأمانة ، ونبغض أهل الجور والخيانة ) .
من الفوائد :
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، وهي الجماعة التي كانت على مثل ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
من الفوائد :
محبة أوليائه من محبته ، فالمحب يحب ما يحب محبوبه ويعادي من يعاديه ، فهذه هي المحبة التامة .
من الفوائد :
الحب والبغض للناس بحسب ما فيهم من خصال الخير والشر .
قال المصنف رحمه الله :
( ونقول الله أعلم فيما اشتبه علينا علمه ، ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر كما جاء في الأثر )
من الفوائد :
تواترت السنة بالمسح على الخفين وبغسل الرجلين في الوضوء ، وخالفت في ذلك الرافضة .
قال المصنف رحمه الله :
( والحج والجهاد ماضيان مع أولى الأمر من المسلمين برهم و فاجرهم إلى قيام الساعة ، لا يبطلها شيء ولا ينقضهما ) .
من الفوائد :
فيه رد على الرافضة إذ قالوا لا جهاد حتى يخرج مهديهم ، إذ إنهم اشترطوا أن يكون الإمام معصوما ، فيرد عليهم بحديث ( أفلا ننابذهم ؟ قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة )
قال المصنف رحمه الله :
( ونؤمن بالكرام الكاتبين ، فإن الله قد جعلهم علينا حافظين )
من الفوائد :
العبد بين أربعة أملاك بالنهار ، وأربعة آخرين بالليل .
حافظان : واحد أمامه وواحد من خلفه .
وكاتبان : واحد عن يمينه وواحد عن شماله .
ومن الفوائد :
جاء عند مسلم ( ما منكم من أحد إلا وقد وُكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة ، قالوا وإياك يا رسول الله ؟ قال وإياي لكن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير ) ضبط(فأسلمُ) ( بضم الميم ) من السلامة ، وضبط ( بفتح الميم ) (فأسَلمَ) أي هذا القرين دخل في الإسلام قال ابن أبي العز الحنفي والمراد استسلم وانقاد لي ، فإن الشيطان لا يكون مؤمنا .
قلت : ورُد على ابن أبي العز أن الفتح معناه دخل في الإسلام لأنه قال في الحديث ( الجن وفيهم المؤمن والكافر ) ولم يقل شيطانا من الشياطين الذين هم الكفار ، ولأن الجملة الأخيرة وهي ( فلا يأمرني إلا بخير ) تؤيد هذا المعنى .
ومن الفوائد :
قوله تعالى {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ }الرعد11
معنى{ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ }الرعد11تبينه قراءة( يحفظونه بأمر الله )
من الفوائد :
أثبتت النصوص أنهم يكتبون القول والفعل وكذلك النية لأنها فعل القلب ، فدخلت في عموم{يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ }الانفطار12.
قال المصنف رحمه الله :
( ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين )
من الفوائد :
التوفي أضيف إلى الملائكة وأضيف إلى ملك الموت وأضيف إلى الله عز وجل ، ولا تعارض فملك الموت يتولى قبضها ثم تأخذها منه الملائكة وكل ذلك بأمر الله عز سبحانه وتعالى .
ومن الفوائد :
أجمعت الرسل على أن الروح مخلوقة خلافا لمن زعم أنها قديمة ، فهم قالوا إن الله أضافها إليه وأنها من أمره وأمره غير مخلوق ، وتوقف البعض ، ومن الأدلة على أنها مخلوقة :
أولا : دخولها في عموم قوله تعالى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ }الزمر62 ، فهذا عام ، ولا يدخل في ذلك صفاته ، لأن صفاته داخلة في مسمى أسمائه وهو سبحانه بذاته وصفاته الخالق وما سواه مخلوق .
ثانيا : قوله تعالى {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً }الإنسان1 والإنسان اسم لروحه وجسده .
ثالثا : أنها توصف بالوفاة والقبض وهذا شأن المخلوق ،
أما ما احتجوا به من قوله { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي }الإسراء85 : فليس الأمر هنا هو الطلب بل المأمور منه سبحانه .
وأما استدلالهم بقوله { مِن رُّوحِي }الحجر29
فيجب أن نعلم أن المضاف إلى الله عز وجل نوعان :
النوع الأول : صفات لا تقوم بأنفسها ، كالعلم والقدرة ، فهذه إضافة صفة إلى الموصوف به .
النوع الثاني : إضافة أعيان منفصلة عنه كالبيت والناقة والروح ، فهذه إضافة مخلوق إلى خالقه إضافة تشريف .
ومن الفوائد :
الذي تدل عليه النصوص أن النفس جسم خفيف متحرك ، والدليل أن الله عز وجل يمسكها وتتناولها أيدي الملائكة وتُقبض ويراها البصر وغير ذلك
ومن الفوائد :
النفس تطلق على الروح ، ولكن غالب ما تسمى نفسا إذا كانت متصلة بالبدن ، إما إذا ذكرت مجردة فتسمية الروح أغلب عليها ، وتطلق النفس على الدم وعلى العين وعلى الذات كقوله تعالى { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ}النساء29 ، وأما الروح فلا تطلق على البدن لا بإنفراد ولا مع النفس وتطلق الروح على القرآن وعلى جبريل وعلى الهواء المتردد في بدن الإنسان .
ومن الفوائد :
التحقيق أنها نفس واحدة لها صفات ، فهي أمارة بالسوء ، فإذا عارضها الإيمان صارت لوامة ، وإذا قوي الإيمان معها صارت مطمئنة .
ومن الفوائد :
اختلفوا هل تموت الروح أو لا ؟
الصواب : أن موت النفس هو مفارقتها للجسد ، وإن أريد أنها تفنى بالكلية فهي لا تموت بهذا الاعتبار بل هي باقية في نعيم أو عذاب ، وأما صعق الأرواح عند نفخ الصور فلا يلزم منه موتها ، فإن الله عز وجل إذا جاء لفصل القضاء صعق الناس وليس ذلك بموت كنظير صعق موسى عليه الصلاة والسلام ، ثم إن لمن لم يكتب عليه الموت من الحور وغيرهم أو من ذاق الموت فلا تدل الآية على أنه يموت موتة ثانية
قال المصنف رحمه الله :
( وبعذاب القبر لمن كان له أهلا ، وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه ، على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وعن الصحابة رضوان الله عليهم ، والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران )
من الفوائد :
يجب اعتقاد ثبوت عذاب القبر ونعيمه ولا يتكلم في كيفيته .
ومن الفوائد :
السؤال في القبر للروح والبدن معا ، خلافا لمن قصره على أحدهما ، وكذلك العذاب والنعيم يكون لهما .
ومن الفوائد :
عذاب القبر هو عذاب البرزخ ، فمن استحقه نال نصيبه قُبِر أو لم يُقبر .
ومن الفوائد :
الدور ثلاث فجعل الله أحكام الدنيا على الأبدان والروح تبعا ، والبرزخ عكسه ، ويوم الحشر عليهما معا .
ومن الفوائد :
هل سؤال منكر ونكير خاص بهذه الأمة ، أم عام ؟
قولان ، وقيل بالتوقف ، والأظهر عدم الاختصاص ، ومثل هذه المسألة مسألة الاختلاف في سؤال الأطفال في القبر .
ومن الفوائد :عذاب القبر نوعان : منه ما هو دائم ، ومنه ما ينقطع ، وهو عذاب بعض العصاة .
ومن الفوائد :
اختلف في مستقر الأرواح ما بين الموت إلى يوم القيامة ، ويتلخص من الأدلة : أن الأرواح متفاوتة فمنها في أعلى عليين وهي أرواح الأنبياء مع اختلاف في منازلهم ، ومنها أرواح في حواصل طير خضر كأرواح بعض الشهداء ، لأن البعض منهم تحبس روحه في دَيْن عليه ، ومنها أرواح في تنور وهم الزناة ، وأرواح في نهر الدم وهم المرابون ، وأما من يقول إن مستقرها أبدان أخرى تناسب أخلاقها ، فهذا قول التناسخية منكر الميعاد
ومن الفوائد :
الشهداء لما بذلوا أبدانهم لله أعاضهم في البرزخ أبداناً خيرا منها ، فهي أي الأرواح في أجواف طير خضر ، أما نسمة المؤمن فكطير أو في صورة طير ، ويدخل في عموم هذا الحديث (الشهيد) لأنه مؤمن فروحه نسمة طير أو في صورة طير .
ومن الفوائد :أجساد الشهداء يحتمل بقاؤها ويحتمل فناؤها، ولكن كلما كان الشهيد أفضل كان بقاء جسده في قبره أطول.
قال المصنف رحمه الله :
( ونؤمن بالبعث وجزاء الأعمال يوم القيامة ، والعرض والحساب وقراءة الكتاب والثواب والعقاب ، والصراط والميزان )
من الفوائد :
القيامة معروفة عند الأنبياء ، والآيات كثيرة منها قوله تعالى عن شعيب {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ }العنكبوت36 ، ففيه ردٌ على الفلاسفة إذ قالوا لم يخبر عنها إلا محمد – صلى الله عليه وسلم – فجعلوها من باب التخيل .
ومن الفوائد :
أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقسم به على المعاد كما في سورة سبأ قال تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} وقال تعالى في سورة يونس {وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ}وقال تعالى في سورة التغابن {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} .
ومن الفوائد :
أبقى الله عز وجل أصحاب الكهف ثلاثمائة سنة شمسية وهي ثلاثمائة وتسع سنين قمرية .
ومن الفوائد :
الذي عليه السلف أن الأجساد تستحيل ثم ينشأها الله عز وجل نشأة أخرى ، فيبلى البدن كله إلا عجْب الذنب ، وهو رأس العصعص ، وما ورد ( أن السماء تمطر مطرا كمني الرجال فينبتون في القبور كما ينبت النبات )
قلت : فهو عند الطبراني وضعفه الألباني رحمه الله .
ومن الفوائد :
قلت : المحفوظ كما قال ابن القيم وابن كثير رحمهما الله : أن صعق يوم القيامة لتجلى الله عز وجل لعباده لفصل القضاء ، فموسى إن كان لم يصعق معهم فيكون قد جوزي بصعقة يوم تجلى ربه للجبل .
ومن الفوائد :
اختلف المفسرون بالمراد بالورود في قوله تعالى { وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا }مريم71
والأقوى أنه المرور على الصراط ، لأن النجاة من الشر لا تستلزم حصوله ، وقد نجَّا الله هودا وصالحا ولم يكن العذاب أصابهم ، لأن الله عز وجل خصهم بأسباب النجاة ، وكذلك جاءت السنة في بيان أن هذا الورود هو المرور .
ومن الفوائد :
قال القرطبي رحمه الله ( إذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال لأن المحاسبة لتقرير العمل والوزن لإظهار مقداره )
ومن الفوائد :
دلت السنة على أن للميزان كفتين حسيتين مشاهدتين .
ومن الفوائد :
جاءت السنة ببيان أن العامل يوزن مع عمله ، وجاءت بوزن الأعمال أنفسها ، كما في حديث ( كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان للرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) فالله جل وعلا يقلب الأعراض أجساما كما مر في حديث ( يؤتى بالموت كبشا ) وأيضا جاءت السنة بوزن صحائف الأعمال كما في حديث ( صاحب البطاقة )
ووجود الميزان فيه حِكمٌ من بينها :
ظهور عدله سبحانه فلا أحدٌ أحب إليه العذر من الله عز وجل .
ومن الفوائد :
قال القرطبي : الحوض قبل الميزان ، والصراط بعد الميزان .
قال المصنف رحمه الله :
( والجنة والنار مخلوقتان ، لا تفنيان أبدا ولا تبيدان ، وأن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق ، وخلق لهما أهلا ، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلا منه ، ومن شاء منهم إلى النار عدلا منه ، وكل يعمل لما قد فرغ له ، وصائر إلى ما خلق له ، والخير والشر مقدران على العباد).
من الفوائد :
الجنة والنار مخلوقتان وموجودتان خلافا للمعتزلة ، والأدلة على وجودهما كثيرة ، كقوله تعالى عن الجنة {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }آل عمران133 ، وعن النار
{ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ }البقرة24 ، وقد رآهما النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف .
وشبهة من قال إنها لم تخلق بعد ، ما يلي :
أولا : أنه يلزم أن تفنى يوم القيامة لقوله تعالى { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ }القصص88 .
ثانيا : قول امرأة فرعون { إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ }التحريم11
ثالثا : جاء في الحديث ( أنها قيعان وأن غراسا سبحان الله والحمد لله ) .
والجواب / نقول : إن أردتم أنها لم يكمل خلق جميع ما أعُد لأهلها ، فهذا حق ، والله تعالى لا يزال يحدث فيها شيئا بعد شيء ، كما في قوله عن امرأة فرعون وكما في الحديث .
وأما المراد من قوله { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}القصص88 : أي كل شيء كتب عليه الفناء .
ومن الفوائد :
لا تفنيان أبدا ، ولم يخالف إلا جهم بن صفوان وكفره السلف ، وذلك لأن دوام الفعل عنده على الرب في المستقبل ممتنع كالماضي ، وتبعه المعتزلي أبو هذيل العلاف ، فقال إن أهلها يصيرون في سكون دائم لا حركة فيه .
ومن الفوائد :
أدلة أبدية الجنة كثيرة ، ولكن ما الجواب عن قوله تعالى { وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ }هود108 ؟
الجواب / قيل إن الاستثناء فيها هي مدة مكث بعضهم في النار .
وقيل / مدة مقامهم في الموقف أو إخبارهم أن خلودهم بمشيئة الله تعالى ، وعلى كل حال فهذا الاستثناء من المتشابه ، فيرد إلى المحكم وهو أبدية خلودهم ، ولذلك قال بعدها { عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ }هود108.
ومن الفوائد :
أبدية النار ، فالخوارج والمعتزلة يرون أن من دخلها لا يخرج منها أبد الآباد ، وقيل إنهم يعذبون ثم تنقلب طبيعتهم كطبيعة النار ، يتلذذون بها ، وهذا قول إمام الاتحادية ابن العربي الطائي .
وقالت اليهود إنهم يعذبون إلى وقت محدود ويخلفهم فيها قوم آخرون ، وقيل: لا تفنى وإنما يخرجون كلهم منها ، وقيل تفنى بنفسها ، وقال أبو الهذيل تفنى حركاتهم ولا يحسون بألم .
وقال بعض أهل السنة يبقيها شيئا من الدهر ثم يفنيها ، وقال جمهور السلف يخرج منها من شاء ويبقى فيها الكفار أبدا ، وهذا القول هو الصحيح قال تعالى {إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً }النساء169، وقال تعالى { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ }المائدة37 ، ولو خرج الكفار لكانوا بمنزلة العصاة .
واستدل بعض أهل السنة بقوله تعالى {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ }هود107 ، وقوله { لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً }النبأ23 ، وأخبر عن العذاب بأنه ( عذاب يوم عظيم ) ولم يخبر ولا في موضع واحد عن النعيم أنه نعيم يوم ، وأيضا سبقت رحمته غضبه .
قلت :
قال الألباني رحمه الله : كل ما ورد من آثار عن السلف في فناء النار فلا يصح ، فبناءً على قوله هذا تكون المسألة محل إجماع .
ولكن ماذا يقال في استدلالهم بالآيات التي فيها ذكر عذاب النار من أنه يوم ، فهذا يدل على أنها تفنى ؟
الجواب : أن ذكر اليوم الواحد من باب العذاب النفسي لهم ، كما قال تعالى { وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء ، لكن أي ماء { كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً }الكهف29 ، وكما قال تعالى لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً{24} إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً{25} فأكن نفوسهم تطمح إلى الفرج فأتاهم ما هو أعظم وأفظع .
قال المصنف رحمه الله :
( والاستطاعة التي يجب بها الفعل من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به تكون مع الفعل ، وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكن وسلامة الآلات فهي قبل الفعل ، وبها يتعلق الخطاب وهو كما قال تعالى { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}البقرة286 )
من الفوائد :
اتفق أهل السنة على أن لله عز وجل على عبده المطيع نعمة دينية خصه بها دون الكافر ، وأنه أعانه على الطاعة بما لم يعن بها الكافر ، قال تعالى { وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ }الحجرات7 .
والقدرية يقولون إن هذا التحبيب عام لكل الخلق وهو بمعنى البيان للحق، ويرد عليهم بآخر الآية ، والكفار ليسوا براشدين .
ومن الفوائد :
الاستطاعة الشرعية لا ينظر فيها إلى مجرد إمكان الفعل ، فالذي يقدر على الحج مع ضرر لم تكن هذه الاستطاعة شرعية ، ولكن هذه الاستطاعة لا تكفي في وجود الفعل.
فقول المصنف رحمه الله :
( وأفعال العباد خلق الله ، وكسب من العباد )
من الفوائد :
فيه رد على الجبرية أصحاب جهم ، وعلى المعتزلة القدرية ، وما استدلوا به من أدلة فيرد بها عليهم فقوله تعالى { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى }الأنفال17 ، فأثبت جل وعلا لرسوله عليه الصلاة والسلام رميا ، وإلا فطرد قول الجبرية ( وما صليت إذ صليت ولكن الله صلى ، وما زنيت إذ زنيت ) والرد على القدرية أن (الباء) التي في قوله تعالى { جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}السجدة17 ( سببية )
أما حديث ( لن يدخل الجنة أحد بعمله ) فالباء فيها للعوض .
وأما استدلالهم بقوله تعالى { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ }المؤمنون14 فمعناها : أحسن المقدرين ، فالخلق قد يذكر ويراد به التقدير كما هنا ، وأما قوله تعالى { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ }الصافات96 ، أن إبراهيم عليه السلام أنكر عليهم عبادة المنحوت لا النحت ، فالمنحوت مخلوق لله عز وجل ، وما صار منحوتا إلا بفعلهم ، فيكون ما هو من آثار فعلهم مخلوقا لله عز وجل .
ومن الفوائد :
وأما قولهم إن الله يعذب المكلفين على ذنوبهم وهو خلقها فيهم فأين العدل ؟
فالجواب / أن ما يبتلى به العبد من الذنوب وإن كانت خلقا لله فهي عقوبة له على ذنوب قبلها ، فالذنوب كالأمراض التي يورث بعضها بعضا ، فإن قيل كيف صدر الذنب الأول ؟
الجواب / هو عقوبة على عدم فعل ما فطر عليه ، قال تعالى {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ }الأنعام44 .
فإن قيل فلمَ لم يخلق ذلك في قلوبهم ؟ إذاً هو ظلم ؟
فالجواب / إنما يكون المانع ظالما إذا منع غيره حقا له ، أما إذا منعه ما ليس بحق له لم يكن ظلما .
إذاً / منع الحق ظلم ومنع الفضل عدل ، فإن قيل هذا العطاء رحمة فهلا وفق العبد كما أن رحمته تغلب غضبه؟
قلنا هذا سؤال عن الحكمة ، وقد أجاب الله عز وجل عن ذلك فقال {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ}الجمعة4 .
الحاصل أن فعل العبد فعلٌ له حقيقة ولكنه مفعولٌ لله ليس هو نفس فعل الله .
قال المصنف رحمه الله :
( ولم يكلفهم الله تعالى إلا ما يطيقون ، ولا يطيقون إلا ما كلفهم ، وهو تفسير ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) نقول لا حيلة لأحد ولا حركة لأحد ولا تحول لأحد عن معصية الله إلا بمعونة الله ، ولا قوة لأحد على إقامة طاعة الله والثبات عليها إلا بتوفيق الله ، وكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره ، غلبت مشيئته المشيئات كلها وعكست إرادته الإرادات كلها ، وغلب قضاؤه الحيل كلها ، يفعل ما يشاء ، وهو غير ظالم أبدل ، تقدس عن كل سوء وحين وتنزه عن كل عيب وشين {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }الأنبياء23 )
من الفوائد :
العباد مطيقون فوق ما كلفهم به ، ولكنه تفضل عليهم ويسَّر .
ومن الفوائد :
القضاء نوعان :
أولا : قضاء كوني ، كقوله تعالى { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِِ }فصلت12 .
ثانيا : قضاء شرعي ، كقوله تعالى { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }الإسراء23 .
وهناك أمرٌ كوني ، كقوله تعالى {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }يس82 .
وأمر شرعي ، كقوله تعالى {إ ِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ }النحل90 الآية .
وهناك إذن شرعي ، كقوله تعالى { مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ }الحشر5 .
وإذن كوني ، كقوله تعالى {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ }البقرة102 .
وكتاب كوني ، كما في قوله تعالى { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }الأنبياء105.
وهناك كتاب شرعي { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ }البقرة183 .
وهناك حكم كوني ، كما في قوله تعالى { فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ }يوسف80 .
وحكم شرعي ، كما في قوله تعالى { ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }الممتحنة10 .
وهناك تحريم كوني ، كقوله تعالى {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً }المائدة26 .
وتحريم شرعي ، قال تعالى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ }النساء23 .
وهناك كلمات كونية ، قال تعالى { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ }الأعراف137.
وكلمات دينية { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ }البقرة124.
ومن الفوائد :
في سنن أبي داود ، قال عليه الصلاة والسلام ( لو أن الله عذَّب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ، ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم )
قال المصنف رحمه الله :
( وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم منفعة للأموات )
من الفوائد :
اتفق أهل السنة أن الأموات ينتفعون بأمور :
أولا : ما تسببوا به في حياتهم .
ثانيا : دعاء المسلمين .
ثالثا : الصدقة لهم .
واختلفوا في العبادات البدنية هل يصل ثوابها للموتى الجمهور على وصولها .
ومن الفوائد :
قوله تعالى { وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى }النجم39 ، أصح الأجوبة عن الآية جوابان :
الجواب الأول : أن الإنسان بسعيه اكتسب الأصدقاء والأولاد وترحموا عليه .
الجواب الثاني : وهو أقوى ، أن القرآن لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره ، وإنما نفى ملكه لسعي غيره ، ولا يمنع أن يبذله الساعي لغيره .
ومن الفوائد :
حديث ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) ولم يقل انقطع انتفاعه ، وأما عمل غيره فهو لعامله إن شاء بذله .
ومن الفوائد :
جاءت النصوص بجواز إهداء ثواب بعض العبادات البدنية كالصوم .
ومن الفوائد :
الاستئجار على نفس التلاوة محرم بلا خلاف ، وإنما الخلاف في جواز الاستئجار على ما فيه منفعة تصل إلى الغير كالتعليم .
ومن الفوائد :
لم يصح عن أحدٍ من الأئمة أن الميت ينتفع بقراءة القرآن عنده .
قلت :
وما ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما ( أوصى أن يُقرأ على قبره وقت الدفن فواتح وخواتم سورة البقرة ) فهو ضعيف كما قال الألباني رحمه الله.
قال المصنف رحمه الله :
( والله تعالى يستجيب الدعوات ، ويقضي الحاجات )
من الفوائد :
الذي عليه الأكثر أن الدعاء من أقوى الأسباب في جلب المنافع ودفع المضار .
ومن الفوائد :
الدعاء يتضمن معاني ، منها :
أولا : وجود المدعو .
ثانيا : غناه .
ثالثا : سمعه .
رابعا : كرمه .
خامسا : رحمته .
سادسا : قدرته .
وقد شذ غلاة الصوفية فقالوا : إن الدعاء لا فائدة فيه لأن الله شاء وجود المطلوب .
والرد عليهم أن الدعاء قد يكون من شرط المطلوب ، كما هو حصول الثواب مع العمل الصالح ، وحصول الولد بالوطء .
ومن الفوائد :
الالتفات إلى الأسباب شرك ، وتعطيلها نقص في العقل ، والإعراض عنها قدح في الشرع .
ومن الفوائد :
أن من الناس من يسأل الله فلا يُعْطَى أو يُعطَى غير ما سأل ، وأجيب عن هذا بأجوبة ثلاثة :
أولا : أن قوله تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }البقرة186 ، إنما تضمنت الآية إجابة الداعي وهي أعم من إعطاء السائل ، ولذا فرَّق بينهما في حديث النزول ، فذكر العام ثم الخاص ثم الأخص ، قال ( من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له )
ثانيا : أن إجابة دعاء السؤال أعم من إعطاء عين ما سأل ، فقد جاء في الأحاديث ( أنه يدخر له من الخير مثلها أو يصرف عنه من السوء مثلها )
ثالثا : أن الدعاء سبب ، والسبب له شروط وموانع ، فإذا حصلت الشروط وانتفت موانعه حصل المطلوب ، وقد لا يحصل أو يحصل غيره ، ومن هذا الباب فإن البعض يدعو بأدعية ويقترن بها إقبال على الله وتجاب دعوته فيظن أن السر في ذلك الدعاء .
والأدعية بمنزلة السلاح والسلاح بضاربه ، فمتى ما كان السلاح تاما والساعد قويا والمانع مفقودا حصلت به النكاية بالعدو .
قال المصنف رحمه الله :
( ويملك كل شيء ولا يملكه شيء ، ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين ، ومن استغنى عن الله طرفة عين فقد كفر وصار من أهل الحَيْن ، والله يغضب ويرضى لا كأحد من الورى )
من الفوائد :
الحين : هو الهلاك .
ومن الفوائد :
أنكرت الكلابية الصفات الفعلية ، فقالوا كل صفة هي صفة أزلية .
قال المصنف رحمه الله :
( ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم ، ولا نتبرأ من أحد منهم ، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم ، ولا نذكرهم إلا بخير ، وحبهم دين وإيمان وإحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان )
من الفوائد :
أن النصوص جاءت بالثناء على الصحابة رضي الله عنهم .
ومن الفوائد :
أن من في قلبه غل للذين آمنوا ولم يستغفر لهم لا يستحق من الفيء نصيبا .
ومن الفوائد :
السابقون الأولون هم أهل بيعة الرضوان ، وقيل من صلى إلى القبلتين ، وهذا ضعيف فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجردها فضيلة ، وحديث ( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) غير صحيح .
قال المصنف رحمه الله :
( ونثبت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ، تفضيلا له وتقديما على جميع الأمة )
من الفوائد :
الدليل على إثبات خلافته رضي الله عنه بالنص :
أولا : قوله عليه الصلاة والسلام للمرأة ( إن لم تجديني فأت أبا بكر ) ثانيا : إمامته بالناس .
وفيه نصوص أخرى أشارت إلى خلافته .
وقيل لم يستخلف بالنص ، إنما بالاختيار ، والظاهر والله أعلم أن المراد لم يستخلف بعهد مكتوب ، وقد عزم على أن يكتب عليه الصلاة والسلام ثم علم أن المسلمين سوف يجتمعون عليه فترك الكتابة ، ولهذا بايعته الأنصار إلا سعد بن عبادة لكونه كان يطلب الولاية .
قال المصنف رحمه الله :
( ثم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه )
من الفوائد:
لتفويض أبي بكر له بالخلافة ، واتفاق الأمة عليه ولفضائله الكثيرة رضي الله عنه .
قال المصنف رحمه الله :
( ثم لعثمان رضي الله عنه )
من الفوائد :
ومن فضائله كونه ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه .
قال المصنف رحمه الله :
( ثم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه )
من الفوائد :
قال عليه الصلاة والسلام ( خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله ملكه من يشاء )
فخلافة أبي بكر سنتان وثلاثة أشهر ، وخلافة عمر عشر سنين ونصف ، وخلافة عثمان اثنتا عشرة سنة ، وخلافة علي أربع سنين وتسعة أشهر ، وخلافة الحسن ستة أشهر ، ثم أول ملوك المسلمين وخيرهم معاوية رضي الله عنه .
ومن الفوائد :
بايع الصحابة عليا رضي الله عنه سوى معاوية وأهل الشام .
ومن الفوائد :
الفتن التي كانت في عهده قد صان الله عنها أيدينا فنسأل الله بمنه أن يصون عنها ألسنتنا .
قال المصنف رحمه الله :
( وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهتدون ).
من الفوائد :
ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة ، ولم يأمرنا بالاقتداء بهم في الأفعال إلا أبا بكر وعمر ، لقوله عليه الصلاة والسلام ( اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر ، جاء عند البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ( كنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي نقول أفضل الأمة بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان .
قال المصنف رحمه الله :
( وأن العشرة الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبشرهم بالجنة ، نشهد لهم بالجنة ، على ما شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقوله الحق ، وهم أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وسعيد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة بن الجراح وهو أمين هذه الأمة ، رضي الله عنهم أجمعين )
من الفوائد :
جاءت النصوص في فضائل هؤلاء العشرة .
ومن الفوائد :
من يبغض خيار الصحابة يكره أن يتلفظ بلفظ العشرة أو أن يفعل شيئا يكون عشرة ويستثنون عليا رضي الله عنه ويوالون لفظ التسعة ، واسم العشرة قد مدح في مواضع من القرآن ومُدح في السنة .
ومن الفوائد :
الرافضة توالي بدل العشرة اثني عشر إماما أولهم علي ، ويدعون دعوى باطلة أنه وصي النبي صلى الله عليه وسلم ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد الباقر ثم جعفر الصادق ثم موسى الكاظم ثم علي الرضا ثم محمد الجواد ثم علي الهادي ثم الحسن العسكري ثم محمد بن الحسين .
ومن الفوائد :
حديث ( لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش ) هؤلاء هم الخلفاء الأربعة ومعاوية وابنه يزيد وعبد الملك بن مروان وأولاده الأربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز .
قال المصنف رحمه الله :
( ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأزواجه الطاهرات من كل دنس وذرياته المقدسين من كل رجس فقد برئ من النفاق )
من الفوائد :
أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأهل بيته .
ومن الفوائد :
عبد الله بن سبأ حدث أصل الرفض منه وقد سعى في فتنة عثمان وقتله وغلا في علي وطلبه عليٌ ليقتله فهرب .
ومن الفوائد :
من فضل عليا على أبي بكر وعمر جلده عليٌ رضي الله عنه جلد المفتري .
ومن الفوائد :
الرفض باب الزندقة .
قال المصنف رحمه الله :
( وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين – أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر – لا يُذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل )
من الفوائد :
الدليل قوله تعالى { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً }النساء115.
قال المصنف رحمه الله :
( ولا نفضل أحدا من الأولياء على أحد من الأنبياء عليهم السلام ونقول نبي واحد أفضل من جميع الأولياء)
من الفوائد :
فيه رد على الاتحادية والمتصوفة إذ يقول بعضهم إن الرسل يأخذون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء لأن النبوة ختمت والولاية لم تختم .
قال المصنف رحمه الله :
( ونؤمن بما جاء من كراماتهم ، وصح عن الثقات من رواياتهم )
من الفوائد :
الكرامة هي : الأمر الخارق للعادة فإن حصل به فائدة مطلوبة في الدين كانت عملا صالحا وإن حصل به أمرٌ مباح فهي نعمة دنيوية تقتضي الشكر ، وإن كان على وجه يخالف الشرع كان سببا للعذاب ، وقد قيل (كن طالبا للاستقامة لا طالبا للكرامة) .
ومن الفوائد :
أعظم الكرامة هي الاستقامة .
ومن الفوائد :
عدم الكرامة لا ينقص ذلك من مرتبة العبد بل قد يكون أنفع له فإنها إن اقترن بها الدين وإلا هلك صاحبها كالرياسة والمال .
ومن الفوائد :
الدين إذا صح لابد أن يوجب خرق العادة إذا احتاج إلى ذلك صاحبه قال تعالى { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً }الطلاق2 .
ومن الفوائد :
أنكرت الكرامةَ المعتزلةُ وحجتهم أنها تشتبه بالمعجزة فيلتبس النبي بالولي ، وقد تقدم الرد في آخر الفائدة الأولى تحت وقوله ( ونؤمن بما جاء من كراماتهم ) .
ومن الفوائد :
الفراسة ثلاثة أنواع :
الأول : إيمانية ، وسببها نور يقذفه الله تعالى في قلب عبده فمن كان أقوى إيمانا فهو أحَدُّ فراسة من غيره.
ثانيا : رياضية ، وتحصل بالجوع والسهر ويشترك فيها المؤمن والكافر .
ثالثا : خَلْقية ، فيستدلون بالخَلْق على الخُلُق ، كاستدلالهم بكبر الرأس على كبر العقل .
فقول المصنف رحمه الله :
( ونؤمن بأشراط الساعة : من خروج الدجال ، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام من السماء ، ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها ، وخروج دابة الأرض من موضعها ، ولا نصدق كاهنا ولا عرافا ولا من يدعي شيئا يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة )
من الفوائد :
خروج الدابة ومخاطبتها للناس بهذا الاعتبار صارت أول الآيات الأرضية ، كما أن طلوع الشمس من مغربها على غير المألوف أول الآيات السماوية كما جاء بذلك الحديث ، لأن الحديث الوارد في كونهما أول الآيات خروجا يعارض الأحاديث الواردة من أن الدجال ونزول عيسى يخرجان قبلهما .
قلت : قال ابن حجر رحمه الله في الفتح أول الآيات خروجا الدجال ، والمقصود من ( أول الآيات ) أول الآيات الأرضية ، لأن الدجال مع كونه بشرا فما أتى به من أمر السماء أن تمطر والأرض أن تنبت هذا هو الذي لم يؤلف .
ومن الفوائد :
قال تعالى { وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ}الأنعام128
استمتاع الإنس بالجن هو :
في قضاء حوائجه
وإخباره بشيء من المغيبات .
وأما استمتاع الجني بالإنسي فهو : تعظيمه والخضوع له.
ومن الفوائد :
حديث ( اطلعت على أهل الجنة فرأيت أكثر أهلها البُله ) أي ضعفاء العقول ، فلا يصح ، فإن الجنة إنما خلقت لمن أرشدتهم عقولهم إلى الإيمان بالله .
ومن الفوائد :
الطائفة الملامية هم من يفعل ما يلامون عليه ، ويقولون نحن متبعون في الباطن .
ومن الفوائد :
من يصعق عند سماع الأنغام الحسنة مبتدع ، فليس للإنسان أن يستدعي ما يكون سبب زوال عقله ، ولم يكن في الصحابة والتابعين من يفعل ذلك ولو عند سماع القرآن ، بل كانوا كما وصفهم الله عز وجل {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}الأنفال2 ، وقال تعالى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }الزمر23 .
وأما الذين ذكرهم العلماء بخير من عقلاء المجانين فأولئك كان فيهم خير ثم زالت عقولهم .
ومن علامتهم : أنه إذا حصل شيء من الصحو في جنونهم تكلموا بما كان في قلوبهم من الإيمان بخلاف من كان قبل جنونه كافرا أو فاسقافلم يكن جنونه مزيلا لكفره أو فسقه ، وزوال العقل بجنون أو غيره سواء سمي صاحبه مُولَعا أو متولها لا يوجب مزيد إيمان لا أنه يزيده أو ينقصه ، ولكن جنونه يحرمه الزيادة من الخير .
ومن الفوائد :
من ادعى أنه يكون مع محمد صلى الله عليه وسلم من هو كالخضر مع موسى أو جوَّز ذلك لأحد من الأمة فهو كافر فضلا عن أن يكون من أولياء الله ، لأن موسى لم يكن مبعوثا إلى الخضر ، ولم يكن الخضر مأمورا بمتابعه ، ولهذا قال ( أنت موسى بني إسرائيل ؟ قال نعم ) .
ومن الفوائد :
قد طبع الله على قلب من ترك العلم ، فمن يقول إن الكعبة تطوف برجال منهم حيث كانوا ، فيقال : هلا خرجت الكعبة فطافت برسول الله صلى الله عليه وسلم حين أحصر عنها ؟
قال المصنف رحمه الله :
( ونرى الجماعة حقا وصوابا ، والفرقة زيغا وعذابا )
من الفوائد :
الدليل قوله تعالى { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ{118} إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ}هود119 ، فجعل أهل الرحمة مستثنين من الاختلاف ، وأن الاختلاف واقعٌ لا محالة .
ومن الفوائد :
كان الصحابة رضي الله عنهم في خلافة عمر وعثمان يتنازعون في بعض مسائل الاجتهاد فلا يعتدي أحدهم ولا يعتدى عليه لا بقول كتكفيره وتفسيقه ولا بفعل كحبسه وضربه .
ومن الفوائد :
الاختلاف نوعان :
الأول : اختلاف تنوع .
الثاني : اختلاف تضاد .
ومن الفوائد :
اختلاف التنوع أنواع :
الأول : ما يكون كل واحد من القولين حقا مشروعا كتنوع صفة الأذان ، وإن كان بعض أنواعه أرجح ، والاختلاف الموجب لقتال الأمة في هذا هو عين المحرم .
الثاني : ما يكون كلٌ من القولين بالمعنى كالآخر لكن العبارتين مختلفتان .
وأما اختلاف التضاد : فهو قولان متنافيان .
إذاً اختلاف التنوع الذم فيه واقع على من بغى على الآخر فيه كما قال تعالى { وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ }البقرة213 ، أما إن لم يبغ فكلتا الطائفتين محمودة ، قال تعالى {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ{78} فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً }
أما اختلاف التضاد فهو ما حمدت فيه إحدى الطائفتين وذُمت الأخرى ، قال تعالى {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ }الحج19
قال المصنف رحمه الله :
( ودين الله في الأرض والسماء واحد وهو دين الإسلام ، قال الله تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ }آل عمران19، وقال تعالى { وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}المائدة3 وهو بين الغلو والتقصير وبين التشبيه والتعطيل وبين الجبر والقدر وبين الأمن والإياس )
من الفوائد :
ملزوم الباطل باطل ، كما أن لازم الحق حق .
ومن الفوائد :
قال النبي صلى الله عليه وسلم لقومٍ سألوا عن عبادته في السر ، كأنهم تقالوها ، قال ( من رغب عن سنتي فليس مني ) ونزلت في قوم حرموا على أنفسهم الطعام { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }المائدة87 .
ومن الفوائد :
العبد غير مجبور على فعله وليس بمنزلة حركات المرتعش والأشجار.
قال المصنف رحمه الله :
( فهذا ديننا واعتقادنا ظاهرا وباطنا ونحن برآء إلى الله من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه ، ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان ويختم لنا به ويعصمنا من الأهواء المختلفة والآراء المتفرقة والمذاهب الردية مثل المشبهة والمعتزلة والجهمية والجبرية والقدرية وغيرهم من الذين خالفوا السنة والجماعة وحالفوا الضلالة ونحن منهم براء وهم عندنا ضلال وأردياء ، وبالله العصمة والتوفيق ).
من الفوائد :
المشبهة : من شبه الله بخلقه عكس النصارى شبهوا المخلوق به .
من الفوائد :
المعتزلة : أصحاب عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء ، وقد قيل إن واصل هو الذي وضع الأصول وتبعه عمرو تلميذ الحسن , وصنف لهم أبو الهذيل كتابين , وهم مشبهة الأفعال ، فجعلوا ما يحسن من العباد يحسن منه ، وما يقبح من العباد يقبح منه ، وأصلهم التوحيد كما سموه ليستروا قولهم بخلق القرآن ، إذ لو كان غير مخلوق للزم تعدد الآلهة ، ويلزمهم أن سائر صفاته مخلوقة وإلا وقعوا في التناقض ، وهم إذا استدلوا بأدلة سمعية ، يستدلون بها استئناسنا لا اعتمادا عليها .
ومن الفوائد :
قال عمر بن عبد العزيز ( لا تكن ممن اتبع الحق إذا وافق هواه ويخالفه إذا خالف هواه ) .
ومن الفوائد :
الجهمية : ينسبون إلى جهم الذي أخذ عن الجعد وقتله خالد بن عبد الله بعد استفتاء علماء زمانه وهم السلف فأخذها عنه جهم بعد أن ترك الصلاة أربعين لما شككته فلاسفة الهند في ربه فقالوا له هذا ربك الذي تعبده هل يُرى أو يُشم أو يُمس ؟ فقال لا ، فقالوا هو معدوم ، فلما مضت الأربعون جاءه الشيطان فقال إنه الوجود المطلق ، ونفى الأسماء والصفات ، وقد قيل إن الجعد أخذها عن الصابئة الفلاسفة وعن بعض اليهود ، وقد قتل جهما سلم بن أحوز بعد أن انتشرت مقالته وتقلدها بعده المعتزلة المنكرون للصفات ، حتى تنازع العلماء في الجهمية هل هم من الاثنتين وسبعين فرقة أم لا ؟
واشتهرت مقالتهم من محنة الإمام أحمد في إمارة المأمون واستمرت محنته مع المعتصم فأراد إطلاقه فأشير عليه أن يضربه لئلا تنكسر حرمة الخلافة فلما ضُرب شنعت بهم العامة فخافوا وأطلقوه .
ومن الفوائد :
مما انفرد به الجهم أمور :
أولا : أن الجنة والنار تفنيان .
ثانيا : أن الإيمان هو المعرفة فقط ، والكفر هو الجهل فقط .
ثالثا : لا فعل لأحد في الحقيقة إلا الله وما يفعله العباد يُنسب إليهم على سبيل المجاز ، كما يقال تحركت الشجرة ، ولقد أحسن القائل :
عجبت لشيطان دعا الناس جهرة | إلى النار واشتق اسمه من جهنم |
ومن الفوائد :
الجبرية : أصل قولهم الجهم وهم عكس القدرية ، وقد تسمى الجبرية قدرية لأنهم غلوا في إثبات القدر ، وكانت المرجئة الأولى يرجئون عثمان وعليا ولا يشهدون بإيمان ولا كفر ، وقد ورد في ذم القدرية أحاديث في السنن وغيرها .
ومن الفوائد :
الخوارج والرافضة حدثوا في فتنة عثمان .
ومن الفوائد :
أصحاب الفرق يقابلون البدعة بالبدعة ، فمنهم من غلا في علي ، ومنهم من كفره ، ومنهم من غلا في التنزيه ، ومنهم من غلا في الإثبات ونحو ذلك .
فسبب ضلال هذه الفرق عدولهم عن الصراط ، ولهذا وحَّد الله في كتابة لفظ صراطه وسبيله .
ومن الفوائد :
قال بعض السلف :” من انحرف من العلماء ففيه شبه باليهود ، ومن انحرف من العبَّاد ففيه شبه بالنصارى ” ولهذا علماء اليهود يقرءون كتب شيوخ المعتزلة كما هو الشأن في الصوفية مع النصارى .
ومن الفوائد :
طرق الضلال في الوحي ثلاث :
الأولى : طريقة التخييل .
الثانية : طريقة التجهيل .
الثالثة : طريقة التحريف .
فأهل التخييل / هم الباطنية إذ قالوا إن ما أخبرت به الرسل عن اليوم الآخر غير مطابق للأمر فيوهم الرسلُ الناسَ أن الله شيء عظيم عندهم وأن الأبدان لا تعاد وليس هناك قيامة وإنما أخبرت الرسل بذلك لمصلحة الناس ، وجاز الكذب من الرسل هنا للمصلحة ، وهذا ضلال من هذه الفرقة ، ومن رؤسائهم ابن سينا .
وأما أهل التجهيل ، فهم المفوضة .
وأما أهل التحريف ، فهم من يردون النص ويعتمدون على العقل .
وبهذا تم ولله الحمد تقريب شرح الطحاوية سائلاً المولى عز و جل أن ينفع به كاتبه وقارئه وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين.