تقريب شرح السنة لعامة الأمة [ صحيح البخاري ] ـ باب كيف كان بدء الوحي ـ الحديث السابع

تقريب شرح السنة لعامة الأمة [ صحيح البخاري ] ـ باب كيف كان بدء الوحي ـ الحديث السابع

مشاهدات: 76

بسم الله الرحمن الرحيم

تقريب شرح السنة لعامة الأمة ـ صحيح البخاري

الحديث السابع

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

29/3/1446هـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثم ذكر رحمه الله حديث ابن عباس فيما يرويه عن أبي سفيان.

قال البخاري رحمه الله: بابٌ- حدثنا أَبُو اليَمَانِ ووضحه الحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ الحِمْصِي.

قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، وهو شعيب بن أبي حمزة.

عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ:

 في الحديث السابق إنما قال: عبيد الله بن عبد الله، هنا إيضاحٌ من هو عبيد الله بن عبد الله.

أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، طبعا أبو سفيان كنية، وإلا فاسمه صخر؛ وهو معروف المكي، معروف أبو سفيان بن حرب.

أَخْبَرَهُ: يعني أن أبا سفيان أخبر ابن عباس رضي الله عنهما، وذلك بعد إسلامه.

أَنَّ هِرَقْلَ، هرقل هو زعيمُ الروم.

أَرْسَلَ إِلَيْهِ، أرسل إلى من؟

إلى أبي سفيان، هرقل أرسل إلى أبي سفيان.

أَرْسَلَ إِلَيْهِ، فِي رَكْبٍ، الركب: الجماعة، ووضح مَن هم هؤلاء الركب.

قال: مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا تِجَارًا، تنطق هذه الكلمة تِجَارًا، وتنطق بالنطق المشهور تُجَّارًا،

وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّامِ: السؤال للذي حضر معي في التفسير أو في الخطب في أي فصل كانت هذه القصة؟ في الصيف

{رِحلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيفِ} [قريش: ٢] رحلتهم في الشتاء إلى اليمن، ورحلتهم في الصيف إلى الشام، فهذا يدل على أنهم أتوا في الصيف.

وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّامِ فِي المُدَّةِ، أي: في الزمن.

الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، ماد من المدة، لكن ما المقصود بالمدة؟

العهد الذي كان بين النبي عليه الصلاة والسلام، وبين قريش في صلح الحديبية.

ولذلك قال: “مَادَّ فِيهَا” المد هو السعة والطول، ولذلك كانت المعاهدة كانت طويلة عشر سنوات.

مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ كيف؟

أبو سفيان من كفار قريش وقتها يعني الواو هنا، واو المعية يعني ماد فيها أبا سفيان مع كفار قريش وأفرد أبو سفيان لأنه كان زعيمًا لهم.

ولعل والعلم عند الله فيما يظهر لي: من أنه أفرده هنا من أجل إخراج أبي سفيان من الكفرة، لأنه بعد ذلك أسلم، وقد يدل عليه ما سيأتي في آخر الحديث، وإذا أتى ما في آخر الحديث ذكرتُه إن شاء الله.

فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ: إيلياء يعني بيت المقدس.

فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ: حول هرقل. عُظَمَاءُ الرُّومِ، كعادة أي ملك من الملوك، فيكون هناك حاشية له، وهم المسمون بالملأ {عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ} [يونس: 83].

وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا تَرْجُمَانِهِ، الترجمة: تفسيرُ لغة بلغة، حتى يفهم المترجم له الكلام، وهذا يدل على ماذا؟

يدل على وجودِ الترجمة من القِدَم، وقد ذكرها القرآن، ولذلك قال عز وجل: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ} [الكهف:93-94] كيف فهِم كلامهم؟ بالترجمة.

وهذا يدل على ماذا؟

يدلُّ على عظَمِ الله، وعلى آياته عز وجل أن جعل الناس يتفاوتون من حيث اللغة، ولذلك قال عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم:22]، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:4] كيف وصلت رسالة النبي عليه الصلاة والسلام إلى العجم مع أنه عربي؟ عن طريق الترجمة.

 

فَقَالَ: أي: هرقل.

أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ لأن هرقل بلغه أن نبيًّا قد خرج، ولذلك أراد التأكد.

فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ لماذا سأل قال: أيكم أقرب نسبًا؟

لأن من كان قريبًا هو أعلم بحال قريبه من الأجنبي.

فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا، مع العلم من أن القرب هنا من حيث الجد، ولذلك لم يكن في بني عبد مناف من هؤلاء الركب إلا أبو سفيان.

فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا، قَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي، أي: قربوه، من أجل أن يسمع كلامه عن قرب، فلا يفوته شيءٌ مما يقوله.

قال: وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ: لكن تقريب الأصحاب، ليس كتقريب أبي سفيان، هو قرب أبا سفيان من أجل أن يواجهه وجهًا لوجه، لأن السؤال والجواب حينما يكون بين اثنين متقابلين يكونُ الكلامُ أوضح.

لكن قال: وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ من أجل أن يَقْرَبوا من أبي سفيان ويسمع أيضًا هرقل منهم ما سيُكَذِّبون به أبا سفيان إن كذب.

ولذلك قال: فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ، في الخلف لمَ؟

لأنهم إذا واجهوه وقابلوه، فكذب ما استطاعوا أن يقولوا شيئًا، وهذا يدل على ماذا؟

يدل على أن بعض الكلام قد لا يستطيع الإنسان أن يقوله لمن سيقولُه له، إما هيبة، وإما خوفًا، أو لأي أمر من الأمور، فبدل أن يشافهه مواجهة يرسل إليه رسالة.

 

ولذلك قال: فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا -يعني أبا سفيان- عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، الذي هو النبي عليه الصلاة والسلام.

فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ، ولذلك جعلهم خلف ظهره، فأبو سفيان مطمئن وضامن 100% أنهم لن يكذبوه، لأنه رئيس القوم هذا أولًا، ولأنهم هم مع أبي سفيان يشتركون في عداوة الرسول عليه الصلاة والسلام.

ولذلك أبو سفيان ما قال سيُكذِّبوني، ماذا قال؟

قال: فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ: هذا يدل على أن العقلاء منهم كانوا يَمجُّون الكذب، وأيضًا العقلاء منهم كان عنده حياء، والحياء لا يأتي إلا بخير، الحياء خير كله، ولذلك الحياء منع أبا سفيان مع كفره أن يكذب!

قال: فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا، أي: ينقلوا عَلَيَّ كَذِبًا يخشى إذا أتى إلى مكة أن يذكروا من أن أبا سفيان كذب، فتكون ثُلمة وعيبًا في شأنه وفي حقه.

قال: فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ، يعني لكذبت عليه، هو أتى هنا بـ (عنه) يعني متجاوزًا الحد الكذب، لأنه كان عدوًا له.

ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: يعني قال هرقل سائلًا لأبي سفيان.

كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ، نعم سيقول لا بد أن يقول: هو فينا ذو نسبٍ، لأنه لما سأله أيكم أقرب نسبًا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال: أنا، يعني لو ثَلَم في نسبه لثلم في نفسه وفي نسبه، ثم أيضًا هو قال الحق؛ قال الصدق.

قال: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ، ولذلك أبهمها ذو نسب تعظيمًا، لكن لم يعطيه يعني التعظيم بذكر المناقب، ولذلك في آخر الحديث ذمَّه لقال: لقد أَمِرَ أَمْرُ ابن أبي كبشة أن ملك بني الأصفر يخافه، وابن أبي كبشة يعني نُسِب إلى جد مجهول.

قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا القَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟ هذا القول قصده النبوة.

قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لاَ، وهذه الأسئلة أتى بها هرقل تباعًا لمعرفة جوابها، وبعد أن يعرف الجواب، سيبين لماذا سأل هذه الأسئلة؟

فأراد بأسئلته أن يتحقق بناءً عن أشياء يعرفُها هو في شأن مَن أماراتُه وعلاماتُه أنه نبي،

 ولا يلزم أن هذه الصفات لو اجتمعت في شخص لا يلزم أن يكون نبيًا، لأن هذه أمارات ودلائل.

 

قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟

 ولمَا ذكر الضعفاء دل هذا على أن المقصود من الشرفاء هم العظماء، فشرُفوا عند الناس بعظمتهم وبمكانتهم.

فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ يعني هؤلاء الأتباع.

قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لاَ

أبو سفيان ما وصل إلى الزعامة بمال فقط، لا يعني وإن كان في وقته قال هذه الكلمة، هذا يدل على أنه صاحبُ ذكاء وفِطنة يتخلص بها مما هو ضرر عليه أو إيقاع واتهام الإنسان بشيءٍ من غير أن يُنسَبَ إليه ما هو مثلبة في حقه، ولذلك ماذا قال؟

قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لاَ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ يعني في عهد.

لاَ نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا، قَالَ: يعني قال أبو سفيان.

وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ: هذا يدل على ماذا؟

يدل على أن أبا سفيان لم يرد الكذب بتاتًا؛ ويدل أيضًا على أن محمد عليه الصلاة والسلام كان من الشرف والكمال في صفاته كمخلوق ما يُضاهى، ولذلك أتى بهذه العبارة قال: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا يعني لتكون مثلبة أو مدخلا على النبي عليه الصلاة والسلام.

غَيْرُ هَذِهِ الكَلِمَةِ، ولذلك هرقل كما سيأتي لم يُعَرِّج على قوله. – وَلَمْ تُمْكِنِّي – طبعا وهو قالها في نفسه.

لم يعرج لمَا قال أبو سفيان: وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لاَ نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا، هذه الجملة لم يذكرها هرقل، لأنها ليست بشيء عنده.

قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قُلْتُ: الحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ:

 السجال يعني مرة بعد مرة مأخوذ من السَّجْل، قال عليه الصلاة والسلام: “صبوا عليه سَجْلًا مِن مَاءٍ” السَّجْل هو الدلو الذي يأخذ هذا منه دلوا من البئر، والآخر تأتي نوبته.

 

” بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ. قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: لم يقل قلت: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ يعني يقول، يعني كأن أبو سفيان يقول على زعمه.

يَقُولَ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ وَالصِّلَةِ.

الصلاة معروفة، الصدق معروف، العفاف: العفة والنزاهة عما هو معيب من قول أو فعل، والصلة: صلة الأقارب، وهذا يدل على ماذا؟

يدل على أن هذه الأشياء ليست فيهم لم يعبدوا الله، وإنما أشركوا به ما تركوا ما يقوله آباؤهم بل تمكسوا {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22] وليس عندهم فعل الصلاة ولا الصدق من حيث الجملة، وإلا فأبو سفيان صدَق.

فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لَهُ: سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا.

نعم وهذا متى؟

بعد ما جرى للوط لما {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود:80] بعدها ما بعث الله عز وجل رسولًا إلا بُعِثَ في نسبٍ من قومه.

 

وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا القَوْلَ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ: والعجيب هنا ما يدل على قوة حفظ هرقل، أعاد الأسئلة مرة أخرى، وأيضًا قوة حفظ ابن عباس رضي الله عنهما، وأيضًا قوة حفظ أبي سفيان فهم حفظة، لكن بعض الناس ينفعه حِفْظُه، وبعضهم يُردِيه نسأل الله السلامة والعافية.

وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا القَوْلَ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا القَوْلَ قَبْلَهُ، لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي: يعني يقتدي، لأن طبيعة الإنسان يحب أن يقتدي بالأشياء التي فيها سعادته ورغبته،

ولذلك تجد ما تحصل المنافسة إلا عن طريق حب أن يقول له نظير ما للآخر أو أفضل منه.

 

فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا القَوْلَ قَبْلَهُ، لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ.

وهذا من عصمة الله عز وجل، وحفظه لهذه الرسالة، لم يأتِ أحدٌ قال بها قبل محمد عليه الصلاة والسلام في قريش.

 

وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ.

لأن صاحبَ المُلك، فإنه إن نُزِع منه، فإن ذريته سيحرصون على إعادته كحال ما يكون في الدنيا.

 

” وَسَأَلْتُكَ، هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ: -ليترك- الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ “

وهذا إن دل يدل على عظم الكذب على الله عز وجل، فالكذب على المخلوق جُرم، أعظم منه جرمًا أن يكذب على الله.

ولذلك هذا يدل على ماذا؟

يدل حتى فيما مضى في الأديان السابقة- لأنه كان على دين النصرانية- يدل على تحريم القول على الله، والفُتيا بغير علم.

” فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ، وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ، فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ “

ولذلك نوح قال له قومه: {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود:27] وهذا يدل على أن الضعفاء ليس عندهم كِبْر يمنعهم عن الدخول، لم يمنعهم مال، ولا جاه، ولا سلطان.

” وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ ” يعني شأن الإيمان.

” وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ ” يعني حتى يكون الدين والإيمان كله لله {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة:32]، ولذلك قال لمَا قال عن زيادته قال: وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ، ولذلك ماذا قال الله عز وجل؟

{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر:1-2].

 

وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً أي: غضبًا ونقمة.

لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ يعني هناك من ارتد سخطة لهذا الدين.

فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ: لماذا قال سخطة لدينه؟

وهذا يدل على أن هِرَقل كان عنده من اختيار الألفاظ ما يدل على أنه صاحبُ علم فيما سبق، وكذلك اختيارُه للألفاظ والكلمات لها معنى لمَ؟

لأن هناك مَن ارتدّ بعد أن دخل في دين النبي عليه الصلاة والسلام، كابن أبي جحش، لكن ليس سخطة للدين، وإنما لحظ دنيوي لما ذهب إلى الحبشة وارتد هناك.

فهنا قال: سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ.

يعني لمَ لمْ يرتد سخطةٍ لدينه؟

لأن الإيمان إذا دخل في القلب.

وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ.

في رواية حين يخالط بشاشة القلوب، هنا قال: حين تخالط بشاشته القلوب، البشاشة الفرح والسرور، فدل هذا على أن الإيمان في ذاته فرحٌ وسرور.

ولذلك في الرواية الأخرى حين يخالط يعني الإيمان بشاشة القلوب يعني فرح القلوب سبحان الله، الإيمان سعادة وخير، فكيف إذا دخل في قلبٍ فرِحٍ به حينها لا يمكن أن يرتد عن هذا الدين، وأن يترك هذا الإيمان.

وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ: والغدر: هو الترك؛ ترك العهد، وقد يكون الغدرُ بِخُفية مأخوذ من كلمة الغدير في أحد معانيه مِن أن الناس إذا اطمأنوا إلى بقائه، فإنه يزول عنهم في خفاء.

وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ: ذلك بأنهم كانوا على خير ما كانوا عليه من الصفات الحميدة، ولأن صاحب الغدر إنما يغدر مِن أجل مصلحة دنيوية، وهم بعيدون عن هذا.

وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا.

وأبو سفيان يعلم مِن أن هذه الكلمة، لمَا أتى بقوله: وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا:

 مِن أنَ العبادة تتضمن ترك الشرك، ونُصَّ عليها تصريحًا مِن باب التأكيد، ولذلك أتى بعدها بقوله: وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ: هذه الجملة تعتبر نوعًا مِن أنواع الشرك بالله عز وجل، وهذا هو حالُهم، فالشرك لا ينحصر في عبادة الأوثان، وإنما له أنواعٌ وطرق.

 

وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ:

لأن التوحيد هو الأصل، ولا بد مع التوحيد من العبادات الأخرى التي يُطلِق عليها كثير مِن أهل العلم بالفروع، والسابقة هي الأصول، وإن كان شيخُ الإسلام رحمه الله له نظر في التفريق بين هذين المصطلحين، إذ يقول: إنِ الصلاة من الأصول.

على كلٍ قال: وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ.

لأنها هي الركن الثاني من أركان الإسلام.

 

وَالصِّدْقِ، وهو الإخبار بما يتوافق مع الواقع.

وَالعَفَافِ، وهو النزاهة.

فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ.

وهذا يدل على أن عنده علمًا مِن الكتب السابقة، وبالفعل فُتِحت الشام في عصر الصحابة رضي الله عنهم.

قال: فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ:

لم يقل يملك أرضي، ذلك بأن القدم هي محل ثبوت الشيء، ولذلك ماذا قال عز وجل؟

{وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} [النحل:94] دل على أنه لن يكون له استقرار -يعني هذا المُلك- لأن النبي عليه الصلاة والسلام سيملكُه.

وقوله: فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ.

هو عبر بالمِلْكِية، والنبيُّ عليه الصلاة والسلام ليس بِمَلِك، لكن يدل هذا على الاستحواذ.

فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وَقَدْ كُنْتُ: فيما مضى.

أَعْلَمُ: من خلال قراءته في الكتب السابقة.

أَنَّهُ خَارِجٌ: فدل هذا على أن أهل الكتاب، ومن بينهم الروم وهم مِن النصارى يعلمون بخروج النبي عليه الصلاة والسلام، وبصحة نبوته، ولذلك ماذا قال عيسى؟

{وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6]

وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ:

لأن هذا محل استبعاد أن يكون مِن العرب الذين هم أمُّيون، لا يقرءون ولا يكتبون، ولذلك اليهود حسدوهم {قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران:75] أي: إثم وحرج لو أخذنا منهم ما أخذنا، ولذلك اليهود {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة:89]

فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ: يعني أصل إليه، والخلوص: هو الوصول إلى الشيء، ولذلك سُمي الإخلاص مع أن مادته تدل على الانفراد مِن أنه لا يمكن لأحد أن يصل إلى الله، ويَخْلُص إليه إلا عن طريق الإخلاص.

فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ:

التجشم: هو المعاناة والتعب، لكنه كاذب؛ بإمكانه أن يخلص.

ثم قال: وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ:

يعني تعظيمًا للنبي عليه الصلاة والسلام، ويستفاد مِن هذه الجملة أن غسل القدمين من الإنسان للإنسان لا إشكال في ذلك، كأن تغسل الزوجة قدمَي زوجها أو العكس أيضًا لا إشكال، أو الابن لأبيه.

لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ ثُمَّ دَعَا:

هو سبق وأن بُعِثَ إليه بكتاب من النبي عليه الصلاة والسلام، ففرق بين تلقي الخبر من كتاب، وتلقيه مِن غير واسطة يعني عن طريق المشافهة ممن حضر أو سمع.

ثُمَّ دَعَا بكِتَابِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:

وهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يُكاتب الرؤساء والملوك آنذاك.

الذي بَعَثَ به دِحْيَةُ إلى عَظِيمِ بُصْرَى:

وهي تابعة لهرقل.

قال: إلى عَظِيمِ بُصْرَى، هذا يدل على أنه لا بأس أن يطلق على مَن لديه شيء مما يُعظَّم به أن يطلق عليه من أنه عظيم أو معظَّم لا إشكال في ذلك، لكن تعظيم في حدوده كمخلوق.

ولذلك ما كان قديمًا يكتب مثلا: ” إلى المَلِك المُعَظَّم ” لا إشكال في ذلك، تعظيم باعتبار أنه له تعظيم مستقل كمخلوق.

ولذلك ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: من محمد إلى أن قال: إلى عظيم الروم، وقال عز وجل واصفًا العرش بأنه عظيم، والعرش مخلوق.

 

فَدَفَعَهُ إلى هِرَقْلَ، فَقَرَأَهُ فَإِذَا فيه بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

هذا يدل على فضيلة الابتداء بالبسملة في الرسائل، وأيضًا في القول، ولذلك ورد حديث اختُلف فيه، منهم من أثبته، ومنهم من ضعفه من أجل الاضطراب “كل شيء لا يذكر فيه اسم الله فهو أقطع”، لكن هو عليه الصلاة والسلام ابتدأ بالبسملة، وهذا يدل على أن الابتداء بالبسملة في الكتابة سنة مِن سنن المرسلين، ولذلك في سورة النمل {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل:30-31]

مِن مُحَمَّدٍ عبدِ اللَّهِ ورَسولِهِ:

قال: من محمد، السنة في الرسائل أن يبدأ الكاتب بنفْسِه قبل المُرسَل إليه؛ هذه هي السنة، خلافًا لمَا يُفعل أو يُتوهم، لكن ما يُفعل الآن خلاف السنة، ولا نقول إنه حرام لا، لكن بيان من أن السنة أن يُبتدأ بذكر اسم المُرسِل قبل المُرسَل إليه.

 

قال: مِن مُحَمَّدٍ عبدِ اللَّهِ ورَسولِهِ.

اللهم صلِّ عليه، بدأ بالعبودية قبل الرسالة. عبدِ اللَّهِ ورَسولِهِ

إلى هِرَقْلَ: ثم وصفه بوصفٍ قال: عَظِيمِ الرُّومِ: سَلَامٌ علَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى:

كيف يسلم عليه وهو كافر؟

الجواب عن هذا إما أن يقال: مِن أن هذا قبل النهي، والجواب الثاني هو الأفضل: مِن أن سلامَه هنا جاء مُجْمَلًا مقيدًا، مقيدًا بمن؟

بمن اتبع الهدى، وهذا أيضًا يدل على أن هذه الجملة مِن سنن المرسلين.

 {قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه:47] نعم إذا أراد الإنسان في مثل هذا الزمن أن يُراسِلَ، أو أن يشافه أحدًا من الكفرة يقول: السلام على من اتبع الهدى وهذا يدل على ماذا؟

يدل على عظيم الهداية، فإن بها السلامة، ولأصحابها السلامة، ولذلك أتى هنا بكلمة سلام على من اتبع الهدى.

موسى عليه السلام، والنبي عليه الصلاة والسلام هنا عندهم من الحكمة لمَا قال ما قال هنا؛ يعني إذا أردت أن يَسلَمَ مُلْكُك -لم يقلها بطريقة مباشرة- إذا أردت أن يسلم ملكك وأن تَسلَم فاتبع الهدى.

ولذلك سيأتي ما يدل على هذه الجملة.

أمَّا بَعْدُ:

هذه يؤتى بها في الخُطب، وفي الرسائل، أما ما اشتُهِر (وبعد) فالسنة الواردة (أما بعد)

 ثم أيضًا قول بعض الناس (ثم أما بعد) فالسنة: أن الإنسان يقتصر على هذه.

قال: فإنِّي، وأما تدل على التفصيل يعني انتقال إلى شيء آخر، فأراد أن ينقله بعد ما قاله في الجمل السابقة إلى أمر مهم.

قال: فإنِّي أدْعُوكَ بدِعَايَةِ الإسْلَامِ،

يعني دعوة الإسلام، ما هي دعوة الإسلام؟

التوحيد، ولذلك أهم ما يكون عند النبي عليه الصلاة والسلام هي هدايةُ الناس، لم يبدأ فقال: أسلم تسلم لا، هو أولًا قال: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، وقال: الإسلام؛ لأن من مقتضى الإسلام أن تحصل لك السلامة، ولذلك ماذا قال بعدها؟

قال: أسْلِمْ تَسْلَمْ، يدل على أن الإنسان لا يمكن أن يكون في سلامةٍ في دنياه، وفي قبره، وفي أُخْراه، إلا بالإسلام الذي هو التوحيد، ولذلك لا تسأل عمن أشرك؛ لا تسأل عن هلاكه في دنياه وفي قبره وفي آخرته! {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31] هو هالك لا محالة.

 

قال: أسْلِمْ تَسْلَمْ، سبحان الله أمره بالإسلام.

ثم قال: تَسْلَم كلمة تسلم ترهيبًا وتحذيرًا، ثم أتى بالترغيب:

يُؤْتِكَ اللَّهُ أجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، هذا هو الترغيب لمَ؟

لأنه يؤتى الأجر مرتين باعتبار أنه دانَ بدين عيسى، ثم لمَ أدرك نبوةَ النبي محمد عليه الصلاة والسلام، دان بدين الإسلام.

ولذلك ورد عنه عليه الصلاة والسلام:

 “ثَلاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رجل آمن بالكتاب، ثم أدركني فأسلم”.

ثم قال: فإنْ تَوَلَّيْتَ يعني أعرضتَ.

فإنَّ عَلَيْكَ إثْمَ الأرِيسِيِّينَ أي: الفلّاحين.

فإنَّ عَلَيْكَ إثْمَ الأرِيسِيِّينَ، لم يقل فإن إثم الأريسيين عليك؛ قدّمه هنا من باب أن يحذره من أن العاقبة عليك لمَ؟

لأنه إن أعرض، أعرضوا فيكون إمامًا في الشر.

فإنْ تَوَلَّيْتَ فإنَّ عَلَيْكَ إثْمَ الأرِيسِيِّينَ و: {يَا أهْلَ الكِتَابِ}.

الواو هنا معطوفة على ما سبق يعني هذا الكلام الذي كتبتُه دليلُه {يَا أهْلَ الكِتَابِ}، وهذا يدل على أن تأكيد الحكم يكونُ بالدليل.

قال: و: {يَا أهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بيْنَنَا وبيْنَكُمْ}.

أي: مستوية بيني وبينكم، لا تتميزون عنا ولا نتميزُ عنكم فنكونُ سواء، ما هي الكلمة؟

{أنْ لا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ ولَا نُشْرِكَ به شيئًا ولَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أرْبَابًا مِن دُونِ اللَّهِ فإنْ تَوَلَّوْا فَقُولوا اشْهَدُوا بأنَّا مُسْلِمُونَ}.

وهنا أمر؛ الكافر لا شك أنه جنب، حتى لو اغتسل، لأنه اغتساله ليس عن نية، فكيف يقرأ؟

فالجواب عن هذا من أن هذا قبل أن يأتي النهي، ثم أيضًا هو من باب المصلحة، ولذلك ينفتح بابٌ للسؤال الآخر كيف يُرسَل بالقرآن إلى أرض العدو؟

فالجواب أيضًا من أن المصلحة تقتضي ذلك مع أن المُرسَل إنما هو آية.

 

قَالَ أبو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ ما قَالَ، وفَرَغَ مِن قِرَاءَةِ الكِتَابِ، كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ.

وهو الكلام المختلَط الذي به صوت، ولذلك قال بعدها.

وارْتَفَعَتِ الأصْوَاتُ: لأن هذا خطير بالنسبة إلى الروم أن يقولَ عظيمُهم هذا القول، فكأنهم لَحَظُوا من أنه أقر بهذا الدين، وأنه سيتخلى عن الدين السابق.

قال: وأُخْرِجْنَا، فَقُلتُ القائل أبو سفيان.

فَقُلتُ لأصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا: لقَدْ أمِرَ أي: عَظُم.

أمْرُ أي: شأن يعني لقد أمر يعني عظم وكثر، ولذلك يقولون عن المُهرة مهرة مأمورة يعني كثيرة النتاج، بل بعض المفسرين فسر {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء:16] يعني كثّرنا مترفيها.

قال: لقد أَمِرَ أي: عظم أَمْرُ ابْنِ أبِي كَبْشَةَ:

 جدٌّ للنبي عليه الصلاة والسلام، وإذا أراد العرب أن يهونوا من شأن شخص نسبوه إلى جد غير معروف، ولذلك تعجب لقد أَمِر يعني عظم كيف يعظم أمره، وهو من الشأن من أنه منسوبٌ إلى جده ابن أبي كبشة.

إنَّه: هذا هو علة فهْم أبي سفيان من أن أمر النبي عليه الصلاة والسلام عظم وأي تعظيم، من يخافه؟

إنَّه يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأصْفَرِ.

هذا لون من ألوانهم يعني اختلط البياض بالسواد في زواجٍ لهم فحصل ما حصل، وقيل: كانوا يكتسون بالثياب الصفراء أو الحلي، المهم أن هذا لقبٌ للروم.

قال: فَما زِلْتُ مُوقِنًا: اليقين هو العلم المستقر

أنَّه، من تلك اللحظة أيقن من أن أمر النبي عليه الصلاة والسلام سيظهر.

قال: فَما زِلْتُ مُوقِنًا أنَّه سَيَظْهَرُ حتَّى أدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإسْلَامَ.

يعني اليقين ما زال مستمرًا معه حتى ثبت عنده اليقينُ التامُّ الكامل لمَا فتح اللهُ قلبَه للإسلام، هذا توفيق من الله عز وجل لأبي سفيان، وهذا يدل على فِراسَتِه والإنسان العاقل إذا مرت به الدلائل والبراهين يبني عليها، فهو بنى عليها.

قال: مُوقِنًا: فَما زِلْتُ: يعني مستمرًا.

أنَّه سَيَظْهَرُ حتَّى أدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإسْلَامَ.

وبالفعل متى أدخل الله عليه الإسلام؟ عام الفتح {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1]، الفتح هنا فتْحُ مكة {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 2] قبل كانوا فرادى

وكانَ ابنُ النَّاظُورِ، وكان القائل هو ابن شهاب الزهري.

وكانَ ابنُ النَّاظُورِ، ويُنطق ابن الناطور هذا لقب لعامل البستان، باعتبار أنهم أصحابُ زراعة.

قال: صَاحِبُ إيلِيَاءَ وهِرَقْلَ، يعني وصاحب هرقل، الواو هنا للمعية، أو نقول: معطوفة لا إشكال في ذلك.

قال: صَاحِبُ إيلِيَاءَ: كيف صاحب إيلياء؟

هذا يدل -هو زعيم إيلياء- دل هذا على أن الزعيم والرئيس صاحبٌ لما يترأس عليه لأنه دائمًا معه، عقلًا، وتدبيرًا، وجَسَدًا.

وهِرَقْلَ: أي وصاحب هرقل بالتَّبَعية، وإلا فإنه تابعٌ لهرقل، لأن هرقل هو الذي رأَّسَهُ وزَعَّمَه.

سُقُفًّا: يعني كانوا من علماء النصارى.

علَى نَصَارَى الشَّأْمِ يعني كانوا علماءُ ورؤساء على نصارى الشام.

يُحَدِّثُ أنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إيلِيَاءَ، هو الزعيم ويُحدث أن هرقل لما أتى إلى إيلياء.

أصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ: الخبيث يطلق على معاني منه الرديء، ولذلك قال عز وجل: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة: 267] يعني كان رديء النفس متكدر النفس، وهذا إخبارٌ عن حاله.

وعلى كل حال المسلم كما نهى النبي عليه والسلام قال: “لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي” وسيأتي له حديث إن شاء الله.

“يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ علَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هو نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ” إلى أن قال: “فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وإلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ”. المهم، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ: قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ، أي حالتك هو قال: خبيث النفس، النفس في الباطن، لكن ما في الباطن يظهر، إما فرحًا، وإما حزنًا، إما طاعةً، وإما معصية.

ولذلك أثر المعصية تظهر على الوجه، كما أن أثر الطاعة يظهر على الوجه.

 

قَالَ ابنُ النَّاظُورِ: وكانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً: أي: كاهنًا مع أنه صاحب علم في ديانته إلا أنه ينظر في النجوم؛ ولذلك فسرها:

يَنْظُرُ في النُّجُومِ، فَقَالَ لهمْ حِينَ سَأَلُوهُ: يعني قالوا استنكرنا هيئتك.

فَقَالَ لهمْ حِينَ سَأَلُوهُ: إنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ في النُّجُومِ مَلِكَ الخِتَانِ، وضُبِطَت مُلْك الخِتَان.

مَلِكَ الخِتَانِ، الختان معروف وهو أخذ القُلفَة التي في مقدمة الذكر.

قال: مَلِكَ الخِتَانِ لمَ؟

لأن الختان اشتُهِر عند العرب أكثر مِن غيرهم.

قال: قدْ ظَهَرَ، فمَن يَخْتَتِنُ مِن هذِه الأُمَّةِ؟

من هذه الأمة أمة هذا العصر، فتطلق الأمة على العصر والزمن يعني على أهل هذا الزمن، ولذلك قال عز وجل عن ذلك الرجل: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: 45] يعني بعد زمن.

قالوا: ليسَ يَخْتَتِنُ إلَّا اليَهُودُ، وهذا باعتبار أنهم أخذوه من بقايا دين إبراهيم عليه السلام، لأن أول من اختتن إبراهيم عليه السلام كما جاء في الحديث.

فلا يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ، يعني ليس هذا بسبب أن يجعلك مهمومًا قد استُنكِرَت هيئتُك من أجل هذا الأمر، فإنما هم اليهود وهم طائفة متفرقة ليسوا بذي شأن ولا بقوة ولا بعدد، ولذلك قالوا: واكْتُبْ إلى مَدَايِنِ: جمع مدينة.

مُلْكِكَ، فَيَقْتُلُوا مَن فيهم مِنَ اليَهُودِ. فَبيْنَما هُمْ علَى أمْرِهِمْ، يعني هذا الذي ذُكِر مِن حِوار.

أُتِيَ هِرَقْلُ برَجُلٍ أرْسَلَ به مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عن خَبَرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:

 يعني هو من العرب.

فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ يعني طلب منه الخبر واستمع منه.

قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أمُخْتَتِنٌ هو أمْ لَا: هو في سبيل المُلك والزعامة ما تورع، وهم لم يتورعوا قال: ليقتلوا كل يهودي في مداين كما سبق، وأيضًا كشفوا عورَتَه مع العلم أن كشف العورة للضرورة فيما يتعلق بالمسلمين له حديث إن شاء الله.

قال: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أمُخْتَتِنٌ هو أمْ لَا، فَنَظَرُوا إلَيْهِ، فَحَدَّثُوهُ أنَّه مُخْتَتِنٌ، تأكد الآن هرقل من أن هذا من العرب، ومختتن بعدها: وسَأَلَهُ عَنِ العَرَبِ يعني هذا الاختتان من هذا الرجل لانفراده، أم أنها عادة عندهم؟

وإذًا هذا يدل على أن هناك بقايا من دين إبراهيم عليه السلام عند قريش.

فَقَالَ: هُمْ يَخْتَتِنُونَ، فَقَالَ هِرَقْلُ: هذا مُلْكُ هذِه الأُمَّةِ قدْ ظَهَرَ.

أي: مُلك هذا العصر قد ظهر ممن؟ من العرب.

ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ: هو أراد أيضًا أن يتحقق وأن يتأكد، لكن مع هذه الأسئلة التي سألها، ومع هذه التأكيدات والحرص -فإن الموفق من وفقه الله- الصحيح أنه شَحَّ بِمُلْكِه كما سيأتي إن شاء الله.

ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إلى صَاحِبٍ له برُومِيَةَ، صاحب له في العلم.

وكانَ نَظِيرَهُ في العِلْمِ، النظير هو الشبيه له في العلم، كتب هل ما أظنه هو صحيحٌ أم لا؟

وسَارَ هِرَقْلُ بعد أن كتب.

وسَارَ هِرَقْلُ إلى حِمْصَ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ: أي: لم يبرح حمص.

حتَّى أتَاهُ كِتَابٌ مِن صَاحِبِهِ الذي برومية، يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ علَى خُرُوجِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وليس فقط الخروج.

وأنَّهُ نَبِيٌّ، فأذِنَ: بعد أن تأكد من عدة طرق؛ لمَا تأكد هرقل من عدة طرق من أنه نبي.

فأذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ في دَسْكَرَةٍ: دسكرة قصر صغير يكون خاصًا يختلف عن القصر الكبير، يعني مثل ما يقال في مثل هذا الزمن مقر اجتماعات.

في دَسْكَرَةٍ له بحِمْصَ، ثُمَّ أمَرَ بأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ يعني ظهر.

فَقَالَ: يا مَعْشَرَ الرُّومِ، هو تأثر لكن قد يعتري الإنسان من الأسباب -وهذا خذلان من الله له وعدم توفيق- إما حظوة دنيا من مُلك، أو صُحبة ولو كنت مسؤولا عنهم يمنعونك من الخير

كما هو الشأن في حال هرقل.

ولذلك قال: يا مَعْشَرَ الرُّومِ، هلْ لَكُمْ في الفلاحِ والرُّشْدِ:

 الفلاح هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، والرشد يدل على العقل، لأن الرشد هو حسن التصرف، والذي يحسن التصرف عاقبته إلى نجاة وسلامة وخير، ولذلك سألهم هذا السؤال مقدمةً، لأن أي إنسان عاقل يحب الفلاح والرشد.

قال: وأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ، سبحان الله دل على أن النعمة تبقى بطاعة الله، ولا أعظم من طاعة من الإسلام والتوحيد، فدل هذا على أن الإسلام ليس بمانع للإنسان من التملك، لأنه لو أسلم وأسلموا لثبت ملكهم وأبقاهم النبي عليه الصلاة والسلام.

قال: وأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ، فَتُبَايِعُوا هذا النبيَّ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ، حاصوا يعني تحركوا ونفروا.

حَيْصَةَ أي: نفورَ حُمُرِ الوَحْشِ: حمر جمع حمار، ولذلك وصفهم بأنهم حمر، ولأن الحمار الوحشي إذا شعُر بأي نوع من أنواع الخطر نفر نفورًا عظيمًا، ولذلك قال عز وجل: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر:49-51].

فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إلى الأبْوَابِ: وعنده ظن من أنهم لن يستمعوا إليه، ولذلك أغلق الأبواب خيفة من أنه لو فتحها، فخرجوا لتبعثر مُلكه، فكيف يجمعهم مرة أخرى لأنهم عظماء، وأساس ملكه إنما هو مبني على هؤلاء.

فَوَجَدُوهَا قدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ، أي: نفورهم وبُعدَهم.

وأَيِسَ مِنَ الإيمَانِ، اليأس هو الاستبعاد استبعاد حصول الإيمان منهم.

قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ، وقَالَ: إنِّي قُلتُ مَقالتي آنِفًا أي: قبل قليل.

أخْتَبِرُ بهَا شِدَّتَكُمْ علَى دِينِكُمْ، وهذا يدل على أن عنده تلونًا كيف يقول لهم هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت ملككم ثم بعد ذلك يقول هذا القول؟!!

 أخْتَبِرُ بهَا شِدَّتَكُمْ أي: قوتكم.

علَى دِينِكُمْ، فقَدْ رَأَيْتُ، أي: رأيت شدتكم على دينكم.

فَسَجَدُوا له وهذا السجود سجود شرك.

ورَضُوا عنْه، فَكانَ ذلكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ: فيما يتعلق بما ذُكر، لكن لم ينتهِ شأنُه فيما بعد ذلك، فهو الذي أحضر جنودَه وقاتَلَ المسلمين في مؤتة، ولذلك أتت الروايات والآثار منه عليه الصلاة والسلام على أنه قال: لقد شح بملكه، وفي رواية قال: ” كذَب “

 والتوفيق من الله عز وجل.

 

رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وهو المدني، وَيُونُسُ بن يزيد الإيلي مر معنا أيضًا، وَمَعْمَرٌ بن راشد اليماني مر معنا عن الزُّهْرِيِّ يعني فيما مضى رواه عن الزهري من؟

شعيب، ورواه هؤلاء أيضًا عن الزهري مع شعيب، وهذا يدل على أن البخاري أراد بذلك بيان كثرة السند تقويةً له.