تعليقات على سنن أبي داود ــ الدرس التاسع ـ من حديث 224 – 238

تعليقات على سنن أبي داود ــ الدرس التاسع ـ من حديث 224 – 238

مشاهدات: 464

تعليقات على سنن أبي داود ــ الدرس التاسع

من حديث 224 – 238

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله

باب من قال : الجنب يتوضأ

حديث رقم – 224 –

( صحيح ) حدثنا مسدد ثنا يحيى ثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ تعني وهو جنب)

من الفوائد :

أن الأكمل في حق الجنب إذا أراد أن يأكل أو أن يشرب أن يتوضأ تخفيفا الجنابة ، ولو اقتصر على غسل كفيه كما جاء في الحديث السابق لكان مجزئا ومحصلا للسنة ، لكن أكمل السنتين أن يتوضأ .

ومن الفوائد :

أن الوضوء له تأثير في تخفيف الحدث الأكبر إذ لو لم يكن له تأثير لما أُمِر به ولما كان له فائدة .

حديث رقم -225-

( ضعيف ) حدثنا موسى يعني بن إسماعيل ثنا حماد يعني بن سلمة أخبرنا عطاء الخرساني عن يحيى بن يعمر عن عمار بن ياسر : أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ )

قال أبو داود : بين يحيى بن يعمر وعمار بن ياسر في هذا الحديث رجل وقال علي بن أبي طالب وبن عمر وعبد الله بن عمرو ( الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ )

باب في الجنب يؤخِّر الغسل

حديث رقم -226-

( صحيح ) حدثنا مسدد ثنا المعتمر ح وثنا أحمد بن حنبل ثنا إسماعيل بن إبراهيم قالا ثنا برد بن سنان عن عبادة بن نسي عن غضيف بن الحرث قال : قلت لعائشة أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة في أول الليل أو في آخره ؟ قالت ربما اغتسل في أول الليل وربما اغتسل في آخره ، قلت الله أكبر ، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة ، قلت أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر أول الليل أم في آخره ؟ قالت ربما أوتر في أول الليل وربما أوتر في آخره ، قلت الله أكبر ، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة ، قلت أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقرآن أم يخافت به ؟ قالت ربما جهر به وربما خفت ، قلت الله أكبر ، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة )

من الفوائد :

أن الجنب له أن يؤخر الغسل شرطية ألا يفوت عليه وقت الصلاة ، فإن فات فقد وقع في المحظور ، وسيأتي حديث يُحمل على ما ذكرتُه من الوقوع في المحظور .

أما إذا لم يترتب على ذلك تأخير الوقت فإنه لا بأس بذلك ، ومع أن بعض العلماء يقول : إن هذا الحديث لا يدل على تأخير الغسل ، بل إذا كانت الجنابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الليل اغتسل أول الليل ، وإذا حصلت له الجنابة آخر الليل اغتسل آخر الليل ، فلا يكون هناك دليل لما ذكرتم .

ولكن الصواب / أن هناك ما يدل على ما ذكرنا من جواز تأخير الغسل ، وهو قول ( الله أكبر ، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة )

ومن الفوائد :

أن التكبير لا يقتصر به على التعبد ، فإن العبد قد يكبر إعجابا واستحسانا لما يسمعه ، كقول ” سبحان الله ” .

ومن الفوائد :

أن المسلم متى ما يُسِّر عليه في الشرع عليه أن يحمد الله ، لأنه من أعظم النعم أن خفف الله عليه ، لأن الإنسان قد يؤمر بالعزيمة وبهذا الفعل من غير توسعة له فيقع في الحرج .

ومن الفوائد :

أن الوتر مندوب إليه في أول الليل أو في آخره ، لكن الأفضل أن يوتر في آخر الليل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الآخر ( أوتر أول الليل وأوسطه وآخره ، وانتهى وتره إلى السحر ) ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم (  ومن طمع أن يوتر آخر الليل فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل ) .

ومن الفوائد :

أن العبد إذا قام الليل فهو مخير بين الإسرار بالقراءة وبين الجهر بها ، فالنبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا وفعل هذا.

حديث رقم -227-

( ضعيف ) حدثنا حفص بن عمر النمري ثنا شعبة عن علي بن مدرك عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن عبد الله بن نجي عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب ) .

من الفوائد :

هذا الحديث يضعفه الألباني رحمه الله ويحسنه آخرون ، وإذا قيل بتحسينه فإن هذا الحديث معارض للأحاديث السابقة التي وسعت في الأمر ورخصت للجنب أن يؤخر الغسل ، فهذا الحديث نهى وبيَّن أن من أخَّر غسل الجنابة فإنه لا تقربه الملائكة .

والمقصود من الملائكة ملائكة الرحمة والبركة ، وإلا فإن الملائكة الحفظة لا يفارقونه .

فما الجواب عن هذا الحديث ؟

قال بعض العلماء : إن هذا الحديث محمول على شخص يؤخر غسل الجنابة حتى يفوت عليه وقت الصلاة ، فعادته تتكرر في تأخير الصلاة بسبب تأخيره لغسل الجنابة .

ويؤكد ذلك أنه ليس كل صورة محرمة ، إنما المقصود من الصورة التي من ذوات الأرواح ، ويؤكد ذلك أيضا أن كل كلب يكون في البيت ليس بمحرم لأن الشرع استثنى ما كان للصيد والحراسة والزرع ، فدل على أن الجنب ليس على إطلاقه ، وإنما مخصوص به حالة معينة .

حديث رقم -228-

( صحيح ) حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت :  ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء )

قال أبو داود : ثنا الحسن بن علي الواسطي قال سمعت يزيد بن هارون يقول هذا الحديث وهم يعني حديث أبي إسحاق .

من الفوائد :

أن هذا الحديث يضعفه بعض العلماء بناءً على أنه مختصر ، فإن الأخرى جاءت بذكر الوضوء ، وأما على ثبوته كما ذهب إلى ذلك الألباني رحمه الله وغيره ممن سبقه فإن هذا الحديث يحمل على ما يلي :

قال بعض العلماء : إن هذا محمول على فعله عليه الصلاة والسلام تارة وتارة ، مرة ينام وهو جنب من غير أن يتوضأ ، ومرة ينام على وضوء .

وقال بعض العلماء : إن قولها ( من غير أن يمس ماء ) المراد ماء الغسل ولا ينفي أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وهو جنب إذا أراد أن ينام .

وعلى كل حال سواء ثبت هذا الحديث أو لم يثبت فإن الوضوء قبل النوم للجنب ليس واجبا ، وقد أتت زيادة ( قيل يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب ؟ قال نعم إذا توضأ إن شاء )

بابٌ في الجنب يقرأ القرآن

حديث رقم -229-

( ضعيف ) حدثنا حفص بن عمر ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال : دخلت على علي رضي الله عنه أنا ورجلان رجل منا ورجل من بني أسد – أحسب – فبعثهما علي رضي الله عنه وجها ، وقال إنكما علجان فعالجا عن دينكما ، ثم قام فدخل المخرج ثم خرج فدعا بماء فأخذ منه حفنة فتمسح بها ، ثم جعل يقرأ القرآن فأنكروا ذلك فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه أو قال يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة )

يستفاد من هذا الحديث :

على ثبوته لأن له روايات ليست بتلك الدرجة من الضعف ، فيتقوى بعضها ببعض فيصل إلى درجة الحسن ، بينما يرى الألباني رحمه الله أن هذا الحديث بناء على رأيه ، وهو أن الجنب له أن يقرأ القرآن ، ويستدل بحديث عائشة رضي الله عنه في صحيح مسلم ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه ) ومن بين أحيانه حالة الجنب .

بينما كثير من العلماء يرون خلافه وأن قراءة الجنب للقرآن محرمة لحديث علي رضي الله عنه المذكور هنا .

وأما حديث عائشة رضي الله عنها ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه ) فليس على إطلاقه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد يمتنع في بعض الأحوال عن قراءة القرآن ، فليس على عمومه ، فيكون حديث علي رضي الله عنه مخصصا لعموم حديث عائشة رضي الله عنها .

ومن الفوائد :

أن صاحب الحدث الأصغر له أن يقرأ القرآن على ظهر قلب ، لكن أله أن يقرأ القرآن وهو ماسٌ للمصحف ؟

قولان لأهل العلم ، الأئمة الأربعة يرون تحريم ذلك لما عند الدارقطني وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث عمرو بن حزم ( ولا يمس القرآن إلا طاهر ) وبعض العلماء يرى جواز ذلك باعتبار أن حديث عمرو هذا ضعيف ، ولكن العلماء قالوا إن حديث عمرو قد تلقته الأمة بالقبول ، فقد تغني شهرته وقبول الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم عن الإسناد بل يكون أعظم من الإسناد.

ولهم تفاصيل لا أريد أن أطيل فيها .

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء قاس الحائض على الجنب في تحريم قراءة القرآن ، قالوا لأن الحائض أعظم في الحدث من الجنب .

وهناك قول آخر بالجواز ، لكن حمله بعضهم على من إذا خافت أن تنسى القرآن .

والصواب / أن هذا عام ، لأن قياس الحائض على الجنب قياس مع الفارق ، لأن الجنب يمكن أن يذهب ويغسل ويرتفع حدثه ، بينما الحائض لو ذهبت واغتسلت ما نفعها هذا الغسل ولا ارتفع حدثها .

بابٌ في الجنب يصافِح

حديث رقم -230-

حدثنا مسدد ثنا يحيى عن مسعر عن واصل عن أبي وائل عن حذيفة : أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فأهوى إليه فقال إني جنب فقال ( إن المسلم لا ينجس ).

من الفوائد:

أن ما تحلَّب من الجنب طاهر ، فما تحلَّب من الجنب كعرق وريقه فإنه طاهر .

ومن الفوائد :

أن حذيفة كان قريبا من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قال ( فأهوى ) لم يقل ( هوى ) لو قال ( هوى ) فيراد منه من مدَّ يده لمن بعد عنه ، أما إذا قال ( أهوى ) فهي لمن مدَّ يده لمن هو قريب له ، وهذا يدل على فائدة اللغة العربية بتغير المعنى بتغير حرف ، بل قد يتغير المعنى بتغير الحركة

ومن الفوائد :

أن المؤمن ليس بنجس لا في حياته ولا بعد مماته ، أما في حياته فلهذا الحديث ، وأما بعد موته فالرواية الأخرى ( إن المؤمن لا ينجس لا حيا ولا ميتا )

ولذلك يغسل ، فدل تغسيله على أنه طاهر إذ لو كان نجس العين لما أفادت غسلة ولا سبع غسلات ولا مائة غسلة ، فالكلب مثلا لو غسل آلاف المرات هل يطهر ؟ لا يطهر لأنه نجس العين .

ومن الفوائد :

ما ذهب إليه بعض العلماء من أن الكافر نجس العين ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فُهم من قوله ( إن المؤمن لا ينجس ) فهم منه أن الكافر نجس العين .

والصواب / أنه طاهر العين ، فذكر المؤمن هنا من باب التشريف والتغليب والواقع الذي جرى ، ولا يخرج الكافر ، لأن الله عز وجل أباح لنا أن نأكل من طعام أهل الكتاب وأن نتزوج من نسائهم ، ولا شك أنه يتعذر على الإنسان أن يحترز مما يكون في أيديهم ، وأما قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ }التوبة28، فالمراد منه نجاسة الباطن ، إذاً هم أنجاس في الباطن أطهار في الظاهر .

ومن الفوائد :

أن المصافحة ينبغي للمسلمين أن يحرصوا عليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا حُطّت خطاياهما كما تحط الشجرة ورقها )

ومن الفوائد :

أن العبرة بما قاله الشرع وحكم به لا بما تستحسنه الأهواء أو تبحث عنه العقول ، فإن حذيفة رضي الله عنه ظن أن الجنب نجس – هذا ظنه – فأفادنا أن الإنسان لا يدخل بعقله في الشرع ، فمبنى الشرع على التسليم والانقياد ، ولذلك لا يمكن أن تتحقق عبادة للمسلم إلا بما شرعه الشارع ، في الصحيحين قوله عليه الصلاة والسلام من حديث عائشة ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ولذلك ضاعت الصوفية ومن شابههم لما تنحوا عن التعبد لله عز وجل بما جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم.

حديث رقم -231-

( صحيح ) حدثنا مسدد ثنا يحيى وبشر عن حميد عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة قال : لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وأنا جنب فاختنست فذهبت فاغتسلت ثم جئت ، فقال أين كنت يا أبا هريرة ؟ قال قلت إني كنت جنبا فكرهت أن أجالسك على غير طهارة ، فقال سبحان الله إن المسلم لا ينجس )

وقال في حديث بشر ثنا حميد ثنى بكر .

من الفوائد :

أن ما وقع لحذيفة وقع لأبي هريرة رضي الله عنهما ، مع أن أبا هريرة رضي الله عنه من أعلم الصحابة ، فاجتهد رضي الله عنه ، ولكن كما قلت لابد أن يكون اجتهاد المسلم في محيط الشرع ، هم لا يلامون تكريما للنبي صلى الله عليه وسلم ، هم في ظنهم أن الجنب تختلف حاله عمن ليس بجنب ، فلا يأت إنسان – وأنا ذكرت هذه الفائدة في هذا الموطن وفي مواطن سابقة لأن القنوات الفضائية بدأت تستقطب بعضا ممن ينتسب إلى العلم الشرعي فربما يأتي بأشياء تخالف ظاهر الشرع بما يراه في عقله أو ربما تقوده شهوته أو تحول دونه ودون الحق شبهة فيفتي ببعض الفتاوى التي هي بعيدة عن الشرع فيفيدنا كطلاب علم بأن الإنسان كذاته لا يؤخذ منه هذا الرأي لذاته فهو كغيره لحم وعظم ودم ، بل هناك من هو أعمق منه في التفكير والفهم والذكاء ، فلا يؤخذ منه القول على هذه الصفات ، وإنما يؤخذ منه هذا القول بناء على ما قاله ونقله عن الله سبحانه وتعالى أو عن رسول صلى الله عليه وسلم .

ومن الفوائد :

تقدير الصحابة رضي الله عنهم لرسولنا صلى الله عليه وسلم ، فحال حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما يدل على هذا .

ومن الفوائد :

أن أبا هريرة رضي الله عنه ( اختنس ) أي تأخر ، وهنا فائدة لطالب العلم أنه إذا علم بمعنى كلمة عليه أن يستحضرها في ذهنه إذا قرأ كلام الله عز وجل ، لأن القرآن نزل بلغة العرب ، ولسان النبي صلى الله عليه وسلم لسان عربي والصحابة رضي الله عنهم كذلك ، فيستفيد من ذلك ، قال ( فاختنست ) يعني تأخرت ، إذاً قوله تعالى {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ }التكوير15، أي النجم الذي يتأخر ، فهذه بوابة للإنسان ولاسيما طالب العلم في تأمل كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم .

 

 

ومن الفوائد :

أن ( سبحان الله ) تقال عند التعجب ، كما صنع عليه الصلاة والسلام .

ومن الفوائد :

أن الفعل المنفي يدل على العموم ، فقول عليه الصلاة والسلام ( لا ينجس ) نفي وقع على الفعل ، فيدل على أن المسلم لا ينجس في جميع الأحوال إلا إذا تلطخت به نجاسة فإنه يكون متنجسا في هذا الموطن ، وهذا القاعدة لها أمثلة كثيرة في كلام الله عز وجل ، قال عز وجل { وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ }التوبة120.

بابٌ في الجنب يدخل المسجد

حديث رقم -232-

( ضعيف ) حدثنا مسدد ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا الأفلت بن خليفة قال حدثتني جسرة بنت دجاجة قالت سمعت عائشة رضي الله عنها تقول : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد ، فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد ، ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن تنزل فيهم رخصة ، فخرج إليهم بعد فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب )

قال أبو داود وهو فليت العامري .

من الفوائد :

أن هذا الحديث ضعيف ، ولو صح فيكون معناه : أن الصحابة رضي الله عنهم كانت أبواب بيوتهم مشرعة إلى المسجد إذا خرجوا من بيوتهم دخلوا المسجد ، فيحتاجون إلى المرور من وإلى المسجد حتى يصلوا إلى بيوتهم ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منهم أن يصرفوا أبواب بيوتهم إلى جهة أخرى غير المسجد ، لكنهم تباطئوا لعل الله سبحانه وتعالى أن يحدث لهم في ذلك رخصة .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث دليل لمن قال بأن الحائض والجنب لا يجوز لهما أن يمكثا في المسجد .

باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناسً

حديث رقم -233-

( صحيح )  حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فأومأ بيده أن مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم )

من الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في الصلاة فتذكر أنه على جنابة فخرج ثم عاد بعد أن اغتسل والماء يتقاطر منه وأكمل بهم الصلاة .

ومن الفوائد :

أن قوله  ( فأومأ إليهم أن مكانكم ) أن : هنا تفسيرية ، فتفسر الكلمة التي قبلها ، يعني أشار أن مكانكم أي الزموا مكانكم .

وضابط ( أن ) التفسيرية ، أن يسبقها ما يدل على معنى القول لا صريح القول .

ومن الفوائد:

أنه لا ارتباط بين صلاة الإمام والمأمومين إذ لو كان هناك ارتباط لبطلت صلاتهم ولأمرهم أن يستأنفوا تكبيرة الإحرام من جديد .

ومن ثم فإن الإمام لو أجنب فإن صلاته باطلة وعليه الإعادة ، بينما المأمومون لا يعيدون الصلاة ، سواء كان الإمام محدثا حدثا أصغر أو حدثا أكبر ، ويدل لذلك أن عمر رضي الله عنه ( صلى بالناس صلاة الفجر وكان جنبا فلما فرغ من الصلاة وذهب رأى في ثوبه احتلاما ، فقال رضي الله عنه إنا لما أكلنا الودك لانت العروق فأصابنا الاحتلام ، فاغتسل رضي الله عنه وأعاد الصلاة ولم يأمرهم بالإعادة )

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقيام ، مع أنه قال في حديث آخر ( لا تقوموا حتى تروني ) فيفهم من ذلك أن النبي نهى عن قيام المأمومين عند إقامة الصلاة ، فلا يقومون إذا أقامت الصلاة حتى يروا الإمام شفقة عليهم ، لكن هنا في هذا الحالة لا تعارض هذا الحديث ، لم ؟ لأن هذا الأمر بالقيام في الصلاة وليس قبل الصلاة .

حديث رقم -234-

( صحيح ) حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة : بإسناده ومعناه قال في أوله ( فكبر ) وقال في آخره فلما قضى الصلاة قال ( إنما أنا بشر وإني كنت جنبا )

قال أبو داود رواه الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال فلما قام في مصلاه وانتظرنا أن يكبر انصرف ثم قال كما أنتم .

قال أبو داود ورواه أيوب وبن عون وهشام عن محمد مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فكبر ثم أومأ بيده إلى القوم أن اجلسوا فذهب فاغتسل .

وكذلك رواه مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة قال أبو داود وكذلك حدثناه مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان عن يحيى عن الربيع بن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر .

من الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم مثلنا نحن البشر ، فلا يختلف عنا إلا بما ميزه الله سبحانه وتعالى من النبوة ومن كمال الصفات التي اتصف بها عليه الصلاة والسلام ، ولذلك قال تعالى له { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ }الكهف110.

ومن الفوائد :

أن الإمام ينبغي له أن يتخذ الرسول عليه الصلاة والسلام قدوة ، فإذا صنع صنيعا يجعل من خلفه في اضطراب وارتياب بخلاف ما جرت عليه العادة أن ينبه بعد الصلاة ، جرى ما جرى لكذا .

حديث رقم -235-

( صحيح ) حدثنا عمرو بن عثمان ثنا محمد بن حرب ثنا الزبيدي ح وثنا عياش بن الأزرق أخبرنا بن وهب عن يونس ح وثنا مخلد بن خالد ثنا إبراهيم بن خالد إمام مسجد صنعاء ثنا رباح عن معمر ح وثنا مؤمل بن الفضل ثنا الوليد عن الأوزاعي كلهم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال )  أقيمت الصلاة وصف الناس صفوفهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قام في مقامه ذكر أنه لم يغتسل فقال للناس مكانكم ثم رجع إلى بيته فخرج علينا ينطف رأسه وقد اغتسل ونحن صفوف ) وهذا لفظ بن حرب وقال عياش في حديثه ( فلم نزل قياما ننتظره حتى خرج علينا وقد اغتسل )

من الفوائد :

أن هذا الحديث يتعارض مع الروايات السابقة ، فإن هذا الحديث أثبت أنه تذكر قبل أن يدخل في الصلاة ، بينما الأحاديث السابقة تذكر بعدما دخل في الصلاة ، فاختلف العلماء هنا :

قال بعض العلماء : إنه هذا أصح لأنه في الصحيحين ، ومن ثمّ فإنه إذا رجحنا ما في الصحيحين لا يستدل بالحديث السابق على أنه لا ارتباط بين صلاة الإمام والمأموم .

وقال بعض العلماء : لا نرجح لإمكان الجمع ، فكيف نجمع؟

قال بعض العلماء : وهو ابن حجر رحمه الله ، قال : إن قوله لما ( كبَّر ) أي أراد أن يكبر، فتتفق الروايتان لأنها حادثة واحدة.

وقال بعض العلماء : هما حادثتان مرة وقع للنبي صلى الله عليه وسلم التذكر قبل الصلاة ومرة بعد أن دخل في الصلاة .

ومن الفوائد :

أن الفصل بين تكبيرة الإحرام والإقامة لا يفسد الإقامة خلافا للحنفية الذين قالوا بفسادها .

باب في الرجل يجد البِلَّة في منامه

حديث رقم -236-

( صحيح ) حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا حماد بن خالد الخياط ثنا عبد الله العمري عن عبيد الله عن القاسم عن عائشة قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما ؟ قال يغتسل ، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد البلل ؟ قال لا غسل عليه ، فقالت أم سليم المرأة ترى ذلك أعليها غسل ؟ قال نعم إنما النساء شقائق الرجال )

من الفوائد :

أن حالة النوم تختلف عن حالة اليقظة ، فإن الإنسان في حالة اليقظة لو جامع زوجته من غير أن ينزل وجب عليه الغسل ، ولو نزل منه مني من غير جماع ولو لم يكن فيه لذة فإنه لا غسل عليه لأنه ودي ، بينما حال المنام يختلف ، فلو رأى في منامه أنه يجامع زوجته أو يجامع امرأة ولما أفاق لم يجد منيا فلا غسل عليه ، بينما لو لم يرَ جماعا فاستيقظ فرأى منيا فيجب عليه الغسل ، فالمعول عليه في المنام أن يرى الماء .

ومن الفوائد :

أن ما ذهب إليه بعض العلماء من أن الإنسان إذا استيقظ من نومه فرأى بللا فلم يدرِ أهو مني أم أنه غير مني ؟

قالوا يجب عليه الغسل لوجود هذا البلل ، وهذا هو الصواب خلافا لمن قال إنه لا يجب عليه الغسل ، لأنه لم يتحقق أهو مني أو غير مني والأصل براءة الذمة ، لكن نقول إن النبي صلى الله عليه وسلم فصل في هذا الموضوع ، فمتى ما وجد البلل فيجب عليه الغسل .

ومن الفوائد :

أن المرأة شُقت من الرجل ، فهي مخلوقة من الرجل ، قال تعالى { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا }النساء1

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث دليل لقاعدة [ أن ما ثبت في حق الرجال يثبت في حق النساء وما ثبث في حق النساء يثبت في حق الرجال إلا إذا جاء دليل يستثني أحد الجنسين ] لأنه قوله عليه الصلاة والسلام بعد هذا الحكم ( إنما الرجال شقائق الرجال ) يدل على أن النساء يستوين مع الرجال في جميع الأحكام إلا ما جاء الدليل باستثنائهن .

حديث رقم -237-

( صحيح ) حدثنا أحمد بن صالح ثنا عنبسة ثنا يونس عن بن شهاب قال قال عروة عن عائشة أن أم سليم الأنصارية وهي أم أنس بن مالك قالت : يا رسول الله إن الله عز وجل لا يستحيي من الحق ، أرأيت المرأة إذا رأت في النوم ما يرى الرجل أتغتسل أم لا ؟ قالت عائشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم فلتغتسل إذا وجدت الماء ، قالت عائشة فأقبلت عليها فقلت أفٍّ لك وهل ترى ذلك المرأة ؟ فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تربت يمينك يا عائشة ومن أين يكون الشبه )

قال أبو داود : وكذلك روى عقيل والزبيدي ويونس وبن أخي الزهري عن الزهري وإبراهيم بن أبي الوزير عن مالك عن الزهري ووافق الزهري مسافع الحجبي قال عن عروة عن عائشة وأما هشام بن عروة فقال عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن أم سليم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

من الفوائد :

أن هذا الحديث وقع عند عائشة ووقع عند أم سلمة ، فاختلف العلماء أيهما أصح ؟ الحادثة التي وقعت عند عائشة أم الحادثة التي وقعت عند أم سلمة ؟

رجَّح بعضهم حديث عائشة ورجح بعضهم حديث أم سلمة والصواب أن يقال : أن عائشة وأم سلمة قد اجتمعنتا في حالة واحدة وأنكرتا  ، أو أن هاتين حالتين منفردتان ، فمرة وقعت بحضرتهما والمرة الأخرى لما أرادت أم سليم أن تتأكد من الخبر جاءت فوجدت الزوجة الأخرى للنبي صلى الله عليه وسلم .

ومن الفوائد :

أن وقوع الاحتلام من المرأة في المنام قليل بالنسبة إلى الرجل ، ولذا لو كانت كثيرا لما أنكرت عائشة وأم سلمة على أم سليم .

وقيل لأن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لا يرين في المنام احتلاما ، لأن الله عز وجل عصمهن من أن يقعن فيما حرَّم الله من الزنا في اليقظة فكذلك في المنام تشريفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومن الفوائد :

أن قولها ( أفٍّ ) تنطق بعدة وجوه :

الوجه الأول : أن تضم الأول وتحرك الفاء بالحركات الثلاث ” الضمة والفتحة والكسرة ” [ أُفِ – أُفُ – أُفَ ]

الوجه الثاني : التنوين مع هذه الحركات الثلاث [ أُفٍ – أُفٌ – أُفً ]

الوجه الثالث : أن تسكن [ أُفْ ]

الوجه الرابع : أن تأتي بعد الفاء بياء [ أُفي ]

الوجه الخامس : أن تأتي بعد الفاء بهاء [ أُفه ] وقد ذكر في القاموس المحيط أن لها أربعين وجهاً

ويراد منها الإنكار والتوبيخ والضجر .

ومن الفوائد :

أن معنى ( تربت يمينك ) مرت معنا .

باب في مقدار الماء الذي يجزئ به الغسل

و

 

حديث رقم -238-

( صحيح ) حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن بن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء هو الفَرَقُ من الجنابة )

قال أبو داود : قال معمر عن الزهري في هذا الحديث قالت ( كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد فيه قدر الفرق )

قال أبو داود : وروى بن عيينة نحو حديث مالك قال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل يقول الفرق ستة عشر رطلا وسمعته يقول صاع بن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث ، قال فمن قال ثمانية أرطال قال ليس ذلك بمحفوظ قال وسمعت أحمد يقول من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثا فقد أوفى قيل الصيحاني ثقيل قال الصيحاني أطيب قال لا أدري .

من الفوائد :

أن ( الفرَق ) إناء كبير ، وهذا الإناء الكبير هل هو مليء أم أن به ماء يصل إلى الصاع أو ما هو أعلى منه ؟

محتمل أنه مليء ومحتمل أنه ليس بمليء ، لكن عقد المؤلف رحمه الله لهذا الباب يدل على أنه مليء .

ومن الفوائد :

أن الفرق ثلاثة أصواع لورود رواية عند مسلم ، وهذا يرد ما قاله بعض العلماء من أنه صاعان ، ومما يدل على أنه ثلاثة أصواع أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه لما كان القمل يتناثر على وجهه وأمره أن يحلق رأسه ، قال ( أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ) إذا كم صاع؟ ثلاثة ، في رواية للشيخين قال ( فأطعم فرَقا بين ستة مساكين )

ومن الفوائد :

أن غسل الجنابة لا يقدر فيه قدر من الماء ، فيمكن أن يغتسل بصاع أو بأكثر من صاع أو بأقل من صاع ، المهم أن يسكب على بدنه الماء بحيث يصدق أنه اغتسل ، فيكون أقل الماء في الإجزاء أن يصب على بدنه الماء بحيث يصدق عليه أنه اغتسل ، ويكون أكثره أن يصب على بدنه الماء بحيث لا يكون مسرفا ، فللإنسان بين هذين الطرفين سعة ، لكن الأفضل أن يكون من الصاع إلى ثلاثة أصواع ، لله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .