تعليقات على سنن ( أبي داود ) ــ الدرس التاسع والخمسون 467-468 ( 1 )

تعليقات على سنن ( أبي داود ) ــ الدرس التاسع والخمسون 467-468 ( 1 )

مشاهدات: 451

تعليقات على سنن (  أبي داود  )  ــ الدرس التاسع والخمسون

 467-468 ( 1 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء في الصلاة عند دخول المسجد

حديث رقم – 467-

( صحيح ) حدثنا القعنبي ثنا مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا جاء أحدكم المسجد فليصل سجدتين من قبل أن يجلس )

حديث رقم – 468-

( صحيح ) حدثنا مسدد ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا أبو عميس عتبة بن عبد الله عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن رجل من بني زريق عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم : بنحوه زاد ثم ليقعد بعد إن شاء أو ليذهب لحاجته )

من الفوائد :

أن بعض العلماء استدل به على أن تحية المسجد واجبة ، وذلك بالنهي عن الجلوس حتى يصلي سجدتين يعني ركعتين ، وقالوا إن الأمر يقتضي الوجوب ، وأضافوا إلى هذا الحديث حديثا آخر وهو ما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل ذلك الرجل وجاء عند مسلم أنه ” سليك الغطفاني ” لما دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب جلس ، فقال صلى الله عليه وسلم قم فصل ركعتين ) وفي رواية ( فتجوز فيهما ) فكونه صلى الله عليه وسلم يأمره بصلاة تحية المسجد مع أن الاستماع إلى الخطبة واجب يدل هذا على وجوب تحية المسجد ، هذا ما ذهبت إليه طائفة من أهل العلم .

بينما يرى جمهور العلماء : أن تحية المسجد سنة مؤكدة وليست فرضا بحيث لو تركها المسلم لا يأثم ، بينما على القول الآخر لو تركها المسلم يأثم ، ويقولون إن هذه الأحاديث وهو حديث أبي قتادة وحديث سليك الغطفاني ودخوله أثناء الخطبة ، قالوا إن هذا مبني على الاستحباب وليس على الوجوب ، ما الدليل ؟ قالوا ما جاء في السنن ( أن رجلا تخطى رقاب الناس والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، قال اجلس فقد آذيت ) أمره بالجلوس ولم يأمره بأن يصلي ركعتين  ولو قال قائل : إن هذا الرجل إذا صلى ركعتين سينصرف عما هو واجب ، فكيف يشتغل بسنة تشغله عن واجب ؟

الجواب : أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بأن يقوم ويصلي ركعتين من باب ألا يتهاون أحد بالسنن المؤكدة ، وهي وإلا لم تكن واجبة إلا أن مصلحة أداء السنة من أجل ألا يتهاون بها العموم ربت على مصلحة وجوب الاستماع للخطبة مع أنه بإمكانه أن يجمع بين الأمرين ، بين الصلاة وبين الاستماع إلى حدٍّ ما ، وعمدة الجمهور ما ذكرنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل ( اجلس فقد آذيت )

ومما يؤكد ما قيل من أنه خيفة من أن يتهاون الناس بالسنن ، يؤكده ما صح عنه عليه الصلاة والسلام ، وقد صححه الألباني رحمه الله من أن من العلامات الصغرى للساعة أن يتهاون الناس بهذه السنة ، قال صلى الله عليه وسلم ( أن من أشراط الساعة أن يمر الرجل بالمسجد فلا يصلي فيه ركعتين ) وقد مر معنا في ضمن فوائد عرضية أن ابن عمر رضي الله عنهما – كما عند البخاري – ( رأى رؤيا ، ورأى النار وأوقف على شفيرها ، فأُخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ؟ فقال نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل ) فهل تركه لقيام الليل رضي الله عنه موجب إلى أن يوقف على شفير نار  جهنم ؟

قال ابن حجر رحمه الله في الفتح ” هذا يؤكد أن السنن ينبغي ألا يتهاون بها الناس “

قلت : ولاسيما من هو محل للاقتداء والتأسي للناس، ولذلك أوجب شيخ الإسلام رحمه الله الوتر على أهل القرآن ، ويؤكده قوله عليه الصلاة والسلام ( أوتروا يا أهل القرآن ، فإن الله وتر يحب الوتر )

لو قال قائل : لعل هذا الرجل الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصلي ركعتين صلاهما في مكان آخر ؟

الجواب : ليس هناك دليل يدل على أنه صلى في مكان آخر ، ولذا قال بعض العلماء لعله صلاها في مكان آخر ، لكن ليس هناك دليل ، لم ؟ لأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان مكشوفا وواضحا له عليه الصلاة والسلام ، ولا يمكن أن يكون أدى الصلاة في المسجد بدليل ما جاء عند ابن ماجه ( اجلس فقد آذيت وآنيت ) آنيت يعني تأخرت المجيء ، دل على أنه أتى متأخرا ولم يصل من قبل ، فهو جمع بين التأخر وبين أذية الناس بتخطي رقابهم ، ومع هذا كله لم يأمره عليه الصلاة والسلام بأن يصلي ركعتين .

حتى إن بعض العلماء قال – وإن كان قولهم هذا مخالَف ، وهو مخالِف أيضا للدليل – قالوا إذا أتى والإمام يخطب فلا يصلي وإنما يجلس “

ونحن نقول : هذا خطأ ، إذا أتى المسلم يوم الجمعة والإمام يخطب فليصل ركعتين ، لكن كما جاء عند مسلم ( وليتجوز فيهما ) يعني يختصر على أقل ما يكون من الذكر فيهما .

وهنا أمر يخطئ فيه بعض من الناس إن لم أقل الكثير من الناس إذا أتى يوم الجمعة : إذا أتى والمؤذن يؤذن حينما يحضر الخطيب يظل واقفا يتابع المؤذن حتى يفرغ ، فإذا فرغ صلى ركعتين ، هذا خطأ – لم ؟ لأن متابعة المؤذن سنة على رأي الجمهور ، وليس بواجب على الصحيح للأدلة الواضحة البينة ، لكن الاستماع إلى خطبة الخطيب واجبة ، فكيف تقدم السنة على الواجب الذي هو الاستماع إلى الخطيب ، فعليك حينما تحضر والمؤذن يؤذن حال دخول الخطيب عليك أن تبادر بصلاة ركعتين حتى تدرك الاستماع إلى الخطبة .

ومن الفوائد :

أن الشيء الأعظم إذا عُبِّر عنه بجزء دل على أن هذا الجزء لابد منه ، هنا ماذا قال ( فليصل سجدتين ) والمقصود أنه يصلي ركعتين ، دل هذا على ماذا ؟ دل على أن السجدة من أجزاء الركعة ، لأن الركعة لابد منها ، لكن من جزئيات هذه الركعة السجود ، فلما عبَّر عن الشيء الأعظم بالجزء دل على أن هذا الجزء ركن لابد من الإتيان به ، وهذه قاعدة تسير عليها [ إذا عبر عن الركن بجزء منه دل هذا الجزء على أنه لابد منه ] ومن ثم فإن من أركان الصلاة (السجود ).

مسألة :

تحية المسجد أمر بها هنا ولم يخصص وقتا من الأوقات ، دل على أنك متى ما أتيت المسجد تصلي ركعتين ، فلو أن الإنسان أتى المسجد بعد العصر هل يصلي ركعتين مع أن بعد العصر وقت نهي ، أتى الإنسان قبل غروب الشمس مثلا بخمس دقائق هل يصلي أم لا ؟

اختلف العلماء من أجل حديثين عامين ، عندنا حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال ( فليصل سجدتين قبل أن يجلس )

هذا عام ، دل على أنه في أي وقت من الأوقات ، وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم ( لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ) هذا عام في تحية المسجد وفي غيرها ( ولا صلاة بعد الصبح حتى تغرب الشمس ) فكيف نوفق بينهما ؟

لابد من الترجيح : قال بعض العلماء إن هذه لا تؤدى في أوقات النهي ، فمتى ما أتيت في وقت النهي تجلس ولا تصلي وقال بعض العلماء: تصلي ولو كان في وقت نهي ، وهو الصواب ، لم ؟ عندنا قاعدة  [ إذا تعارض عمومان ] أيهما نقدم ؟ في حديث أبي قتادة أمر ، وفي الحديث الآخر نهى ، والأصل أن المقدم هو النهي لأن النهي أبرأ للذمة ، هذا هو الأصل ، لكن هذا الأصل يعدل عنه بسبب أن عندنا قاعدة أصولية وهي [ أن النص العام إذا خُصِّص شيء من أفراده كان أقل في القوة من النص العام الذي لم يخصص ] نأتي إلى الأوقات المنهي عنها دخلها التخصيص مثل ركعتي الطواف ، قال صلى الله عليه وسلم ( يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى فيه في أية ساعة شاء من ليل أو نهار ) فدل هذا على أن المسلم متى ما جاء إلى المسجد في وقت النهي فله أن يصلي ركعتي تحية المسجد .

لكن لو قال قائل : لو أن الشمس أوشكت أن تشرق أو أن تغرب ، هنا وقت مُعَظَّم في النهي ، هل يصلي أم يجلس أم يظل واقفا ؟

نقول : إن ظل واقفا هذا شيء يعود إليه ، لكن بعض الناس متعب ، بعض الناس يقول لن أقف ، ما الحل ؟

نقول تصلي ركعتين ولو كادت الشمس أن تغرب أو أن تشرق ، ما الدليل ؟

نقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح قال ( ولا تتحروا الصلاة بطلوعها ولا بغروبها ) فدل على أن النهي هو أن نتحراها وأن نقصد ذلك ، أما إذا لم نقصد هذا وإنما حصل اتفاقا دخلت قبل غروب الشمس أو قبل شروق الشمس دخلت إلى المسجد لم أقصد هذا وإنما اتفاقا هنا يجوز أن أصلي ، لكن إن كان من قصد فإنه لا يجوز ، لأنه قال ( لا تتحروا )

ولو قال قائل :

أيمكن أن يغني شيء عن تحية المسجد ؟

الجواب : نعم ، المقصود من تحية المسجد أن تشغل أي بقعة من بقع المسجد الذي ستصلي فيه ، تصور لما تأتي والناس يصلون الفريضة ، صلاتك للفريضة أسقطت تحية المسجد ، عندنا قبل صلاة الظهر راتبة الظهر ، إذا دخلت المسجد أنوي راتبة الظهر لأن تحية المسجد تدخل تبعا ، لأن تحية المسجد ليست مقصودة بذاتها ، وإنما المقصود أن تعظم هذا المسجد فلا تجلس فيه من غير صلاة ، وأنت لما تصلي الراتبة يكفي عن تحية المسجد .