بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
حديث رقم -412-
( صحيح ) حدثنا الحسن بن الربيع حدثني بن المبارك عن معمر عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس عن أبي هريرة قال ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك ومن أدرك من الفجر ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك )
ومن الفوائد :
أن فيه مستندا لمن قال من العلماء إن الصلاة تدرك بركعة ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة )
بينما المشهور عند الحنابلة أن من أدرك جزءا من الصلاة كالجزء الذي تحصل به تكبيرة الإحرام ، فقد أدرك الصلاة، لأن إدراك البعض إدراك للكل ، ولا شك أنه تنظير حسن لو لم يأت دليل من السنة يحصر الإدراك للصلاة بإدراك ركعة
ومن الفوائد :
أنه يفهم من هذا الحديث أن من أدرك ما دون الركعة فإنه لم يدرك الصلاة .
ومن الفوائد :
أن من أدرك من وقت الصلاة يمكن أن يوقع فيه ركعة فقد أدرك الصلاة في وقتها ، وليس معنى هذا أن يؤخر الإنسان الصلاة حتى إذا بقي مقدار ركعة من الوقت صلاها فتكون صلاته منها داخل الوقت ومنها خارج الوقت ، فهذا لا يجوز، لأن الصلاة يجب أن تؤدى بجميع ركعاتها داخل الوقت ، لكن يمكن أن يكون هذا في حق من نسي الصلاة ، أو – وهو أظهر من الناسي – فيما لو أسلم الكافر في آخر وقت الصلاة ولم يبق إلا مقدار ركعة فيصلي ، وكذا لو طهرت الحائض ، وكذلك لو أفاق المجنون ، وكذلك لو بلغ الصبي .
ولكن لو أدرك هؤلاء المذكورون ” الكافر إذا أسلم ، والمجنون إذا أفاق ، والحائض إذا طهرت والصبي إذا بلغ ” إذا أدرك هؤلاء مقدار ركعة من صلاة تجمع مع ما قبلها ، فهل تصلى وما قبلها بناء على أن الصلاتين تجمعان ، فلو أدرك ركعة من صلاة العصر فهل يلزم بصلاة الظهر مع صلاة العصر ، وإذا أدرك ركعة من صلاة العشاء قبل نصف الليل هل يلزم بصلاة المغرب بناء على أنهما يجمعان في حال العذر ؟
مسألة خلافية ، والصواب أنه لا يلزم ، إن فعل فهذا شيء يعود إليه ، وإلا فلا يلزم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ) وهي الصلاة المقصودة ، فتكون كلمة ( فقد أدرك الصلاة ) أل : للعهد ، أي الصلاة المعهودة ، ولأنه مر عليه وقت صلاة الظهر ووقت صلاة المغرب ما كان أهلا ومحلا للوجوب .
ومن الفوائد :
أن وقت صلاة الفجر ينتهي بطلوع الشمس قولا واحدا .
ومن الفوائد :
أن وقت صلاة العصر كما هو ظاهر هذا الحديث ينتهي بغروب الشمس .
والصواب في هذا : أن وقت صلاة العصر ينتهي بغروب الشمس للمضطر ، بينما المختار ينتهي وقته باصفرار الشمس ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( صلاة العصر ما لم تصفر الشمس ) فلا يجوز لأي إنسان أن يؤخر صلاة العصر إلى أن تصفر الشمس إلا إذا كان مضطرا ، وليس معنى الاضطرار ألا يجد الماء ،فليس هذا ضرورة ، وليس معنى الضرورة ألا يجد ثوبا يستر به عورته ، فمثال الضرورة كما قال ابن قدامة رحمه الله ” لو أسلم الكافر ، أو طهرت الحائض أو بلغ الصبي ، أو أن الإنسان جرح جرحا بليغا فجعل يضمد جراحه ، فلو صلى قبل أن تصفر الشمس لربما هلك أو تضرر ، فهنا له أن يؤخر صلاة العصر إلى ما بعد الاصفرار ، ويدخل في ذلك إنقاذ الغرقى والهلكى .
لو قال قائل : لو استيقظ من منامه وقد احتلم ، ولم يبق إلا زمن يسير على طلوع الشمس ، هل يغتسل ولو اغتسل صلى خارج الوقت أو أنه يتيمم حتى يدرك الوقت ؟
فهذه مسألة خلافية ، فالمالكية يرون أنه يستغل الوقت ويصلي بالتيمم ، بينما جمهور العلماء يقولون يغتسل ويأتي بالطهارة الأصلية الواجبة عليه وهي طهار ة الماء ، لأن وقته من حين استيقاظه .
ومن الفوائد :
أن الإداك – كما ذهب إلى ذلك شيخ الإسلام رحمه الله لا يكون إلى في آخر الشيء ، ولا يكون في أوله ” أدركت الشيء ” يعني ظفرت به قبل أن يفلت .
ولذا يقول رحمه الله ويخالف كثيرا من العلماء يقول لو أن المرأة دخل عليها وقت الصلاة ، وهذا الوقت أدركت منه وهي طاهرة زمنا بمقدار ركعة ، هل تلزم إذا طهرت أن تصلي تلك الصلاة لأنها أدركت هذه الصلاة في زمن يمكن أن تقع فيه ركعة ؟
شيخ الإسلام رحمه الله لا يرى الإلزام ، يقول لأنها لم تدرك ، لأن الإدراك لا يكون إلا في آخر الشيء ، بينما في مسألة لو طهرت الحائض في آخر الوقت في زمن تصلى فيه ركعة يلزمها بالصلاة ، لكن لما أدركت أول الوقت لا يلزمها ، لأن الإدراك لا يكون إلا في آخر الشيء .
بينما كثير من العلماء يرون أنه يلزمها أن تقضي هذه الصلاة إذا طهرت .
والمسألة تحتاج إلى بحث دقيق في معنى ( أدرك ) فإن كانت كلمة أدرك أتت في الشرع في جميع معانيها بأنه يكون في آخر الشيء ، فبها ونعمت ، وإلا فالحديث واضح أن الصلاة تلزمها .
وقد بحثت هذه المسألة فوجدت أن معظم الأدلة التي اطلعت عليها أنها بمعنى آخر الشيء ، لكن لا أقول إني اطلعت على كل معنى نص أتى بالإدراك – لا – لكن في كثير منها كما قال الشيخ رحمه الله .
ولكن كإفتاء يفتى بقضاء الصلاة ، لأن هذا المشهور والمفتى به .
ومن الفوائد :
أن من هذه الركعة فإن صلاته تكون أداء ، بينما لو أدرك ما هو أقل تكون قضاءً ، ويرى الطحاوي رحمه الله أنها لا تكون أداء ولا قضاء وإنما هي فاسدة ، لأن جزءا منها في الوقت وجزءا آخر في خارج الوقت ، وقد أتت أحاديث بالنهي عن الصلاة بعد طلوع الشمس ، فتكون صلاته فاسدة .
ولكن هذا القول ضعيف ، لأن الحديث واضح وصريح .
مسألة : من نوى صيام النفل في أثناء النهار هل يكتب له الأجر كاملا ، لأنه هنا أدرك بعض الوقت ، أم أنه من حين ما نوى ؟
مسألة خلافية ، والراجح أنه لا يكتب له الأجر كاملا ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات )
ولكن لا يستدل بهذا الحديث ، لأنه فرق هنا بين الصوم وبين الصلاة ، لأن الصوم يمكن أن تتبعض فيه النية من حيث الزمن ، بينما الصلاة – لا – فلو أن النية اختلت بطلت صلاته ، بينما الصائم لو أنه نوى الصيام من طلوع الفجر ثم لما جاءت الساعة العاشرة صباحا نوى الإفطار لكنه لم يتناول شيئا ، ثم نوى الساعة الحادية عشرة الصيام يكون صومه صحيحا ، فلا يقاس الصوم على الصلاة في هذه المسألة .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .