بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه في :
حديث رقم -349-
( صحيح مقطوع ) حدثنا محمود بن خالد الدمشقي أخبرنا مروان ثنا علي بن حوشب قال سألت مكحولا عن هذا القول ” غسل واغتسل ؟ ” فقال غسل رأسه وغسل جسده )
من الفوائد :
أن هذا الأثر يسمى بالمقطوع ، والمقطوع هو ما تكلم به التابعي ومن دونه .
ومن الفوائد :
أن في هذا الأثر تأكيدا لما ذهب إليه بعض العلماء من أن قوله ( غسَّل واغتسل ) أنه ليس المقصود التأكيد وإنما المقصود أنه يبالغ في غسل رأسه أكثر من غسله لبدنه ، لأنه أصحاب شعر كثيف ، فأكد عليهم في هذا الجانب .
حديث رقم -350-
( صحيح مقطوع ) حدثنا محمد بن الوليد الدمشقي ثنا أبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز في غسل واغتسل قال قال سعيد : غسل رأسه وغسل جسده )
هذا الأثر كالذي سبق .
حديث رقم -351-
( صحيح ) حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن سمي عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر )
من الفوائد :
أن جملة ( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة )
استفاد منها بعض العلماء أن قوله في الحديث السابق ( من غسَّل يوم الجمعة واغتسل ) قالوا المقصود غسل بدنه وأوقع غيره في الغسل ، وكيف أوقع غيره في الغسل ؟ يعني أنه جامع زوجته بدليل ما ذكر هنا من غسل الجنابة ، ولذا من خلال ما ذكر استحب بعض العلماء أن تغتسل المرأة يوم الجمعة كما هو مستحب في حق الرجل .
وقال بعض العلماء : ليس المقصود المواقعة والجماع، وإنما المقصود أن على المسلم يوم الجمعة أن يحرص في غسله أن يغتسل كغسل الجنابة ، وغسل الجنابة مر معنا وصفه ، فالأفضل في حق من اغتسل يوم الجمعة ألا يعمم ببدنه بالماء هكذا وإنما يغسل كفيه ثم يغسل فرجه ثم يتوضأ ثم يغسل رأسه ثم يغسل شقه الأيمن ثم شقه الأيسر ، هذا هو الأفضل كما يغتسل للجنابة الغسل الكامل ، لما جاء في رواية في مصنف عبد الرزاق ( من اغتسل يوم الجمعة كغسل الجنابة )
ومن الفوائد :
أن جملة ( ثم راح فكأنما قرب بدنة )
استفاد بعض العلماء وهم المالكية أن الرواح لا يكون إلا بعد الزوال ، ومن ثم فإن الساعات الخمس المذكورة هنا في هذا الحديث تبدأ بعد الزوال ، وقالوا إن المقصود من الساعة هنا الساعة الزمنية دون تحديد معين ، كما لو قلت ” جلست عند فلان ساعة ” فلا يعني أنه جلس ساعة محددة وإنما جزء من الزمن .
والصواب / أن الساعات الخمس تكون في أول اليوم ، إما بعد طلوع الفجر الثاني يعني من بعد صلاة الفجر ، يذهب الإنسان إلى المسجد وإما أن يكون بعد طلوع الشمس كما قال بعض العلماء .
ولذا يقول ابن القيم رحمه الله ” يكون معناها بعد الزوال إذا اقترنت معها كلمة الغدو ، لو قال ” من غدا أو راح ” كان معنى ” غدا ” أي ذهب أول اليوم ، ومعنى ” راح ” أي ذهب في آخر اليوم بعد الزوال ، لكن لما أطلق ولم يضف إليها الغدو دل على أن المراد مطلق الذهاب ، كما لو قالت ” غدا فلان إلى المسجد ” أو راح فلان إلى المدرسة ” فليس المقصود أول النهار ولا آخره .
إذاً تكون كلمة الرواح بعد الزوال وتكون كلمة الغدو في أول النهار إذا اقترنتا .
ولو قال قائل :
متى تبدأ هذه الساعات الخمس ؟ وما تحديدها ؟
لأن الساعة التي هي ستون دقيقة ليست موجودة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، إذاً كيف أعرف ؟ ومتى أذهب ؟
قال بعض العلماء: تبدأ بعد صلاة الفجر ، فمن بعد صلاة الفجر تشرع في الذهاب .
وقال بعض العلماء : تبدأ بعد طلوع الشمس ، لم ؟ قالوا لأن ما قبل طلوع الشمس هي أحكام تتعلق بصلاة الفجر ، والأحوط للإنسان والأفضل له أن يذهب بعد صلاة الفجر ، لكن كيف نحدد الساعة ؟
إن قلنا إن الساعات الخمس تبدأ الأولى منها بعد صلاة الفجر الثاني فكيف نعرف هذه الساعات لأن هذا يختلف باختلاف الفصول ، ففصل الشتاء يختلف عن فصل الصيف ؟
نقول : نجمع ما بين الساعات التي بعد طلوع الفجر الثاني إلى الزوال .
مثال : لو كان يؤذن لصلاة الفجر الساعة الخامسة فجرا والزوال الساعة الثانية عشرة ، كم ساعة عندنا ؟ سبع ساعات ، نقسم سبع ساعات على خمس ، فتكون الساعة الأولى تبدأ من الساعة الخامسة فجرا إلى الساعة السادسة وعشر دقائق ، وهكذا .
وإن قلنا إنها بعد طلوع الشمس وهو الأقرب .
مثال : لو أن طلوع الشمس الساعة السادسة والزوال الساعة الثانية عشرة كما عندنا من ساعة ؟ ست ساعات ، تقسم على خمس ، والناتج يحسب كما سبق .
هذا لمن أراد أن يعرف الساعة الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة .
ومن الفوائد :
أن قوله ( فكأنما قرَّب بدنة ) يفيد أن من أتى في الساعة الأولى فكأنما قرب قربانا لله عز وجل ، والقرابين تختلف ، فالتقرب لله عز وجل ببدنة يختلف عن غيره ، فكأنه ذبح بدنة وتصدق بها طلبا لثواب الله عز وجل .
ومن الفوائد :
ورد في الأحاديث الأخرى أن يوم الجمعة هو عيد المسلمين ، ومما يؤكد على أنه عيد هذه الجملة ، لأن من بين أعياد المسلمين وهما عيدان ” عيد الأضحى وعيد الفطر ” أن عيد الأضحى يقرب فيه لله عز وجل قرابين .
ومن الفوائد :
أن ذكر القرابين في هذا الحديث يدل كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله على أن الذبح هو أعظم العبادات المالية ، فمن أراد أن يتصدق بمال ، لأن المال جنس يدخل تحته أنواع شتى ، فأفضل ما يتصدق به أن يذبح لله عز وجل ، فالذبح أعظم شيء يتقرب به إلى الله عز وجل من العبادات المالية .
ومن الفوائد :
أن ” البدنة ” تطلق على الذكر والأنثى ، لأن هذا اللفظ كما قال أهل اللغة هو اسم جنس ، لأن اسم الجنس نوعان أحد أنواعه ما ذكر هنا وعلامته ” أن يفرق بين مفرده وجمعه بالتاء ” فإذا حذفت التاء أصبح جمعا وإذا أتي بالتاء أصبح مفردا ” بدنة – بدن ” بقرة – بقر ” .
ومن الفوائد :
أن قوله ( ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرَّب بقرة )
يدل على أن الحضور مبكرا لصلاة الجمعة يختلف ، فمن جاء متقدما في الساعة الأولى فإن له فضلا يفوق فضل من أتى في الساعة الثانية ، فما ظنكم فيمن أتى في الساعة الخامسة أو بعد الساعة الخامسة ودخول الساعة السادسة .
ومن الفوائد :
أن الكبش في قوله ( فكأنما قرب كبشا أقرن ) وصف بأنه ( أقرن ) أن الأقرن أفضل ، ولأن القرن يستفاد منه ، فوصفه بأنه ( أقرن ) لأن له ميزة تختلف عن غيره ممن لا قرون له
ومن الفوائد :
أن حضور الإمام متى ؟
بعد الساعة الخامسة ، وبعد الساعة الخامسة تأتي الساعة السادسة ، ففيه دليل لما ذهب إليه بعض العلماء ويميل إليه ابن قدامة رحمه الله من أن الأفضل في دخول الخطيب أن يكون قبل الزوال في الساعة السادسة ، لأن ما بعد الساعة الخامسة تطوى صحف الملائكة ويستمعون الذكر وهذا في الساعة السادسة ، فيكون الأفضل في حق الإمام أن يدخل قبيل الزوال .
وجمهور العلماء يرون – كما سيأتي معنا إن شاء الله – يرون أن وقت صلاة الجمعة يبدأ بعد الزوال ، وابن قدامة وسبقه آخرون يرون أنه قبل الزوال بيسير وليس بكثير ، والمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه في أول النهار مثل صلاة العيد .
ومن الفوائد :
أن من حضر بعد الساعة الخامسة فقد فاته خير كثير ، إذ لا يكتب في صحف الملائكة من أنه من المتقدمين .
ومن الفوائد :
بيان أن الملائكة يحبون استماع الذكر ، فلم ينصرفوا وإنما طووا صحفهم وجلسوا يستمعون الذكر .
حديث رقم -352-
( صحيح ) حدثنا مسدد ثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت : كان الناس مهان أنفسهم فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم فقيل لهم لو اغتسلتم )
من الفوائد :
أن فيه دليلا لما ذهب إليه بعض العلماء من أن غسل الجمعة سنة وليس بواجب ، بينما مرت معنا أحاديث تدل على الوجوب كحديث ( غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم )
فأفاد هذا الحديث بأن غسل يوم الجمعة ليس بواجب ، ما وجه الدلالة منه ؟
وجه الدلالة منه أن الاغتسال المأمور به هنا مبني على خروج الرائحة الكريهة ، إذاً لو لم تخرج رائحة كريهة من المصلي ؟ فلا يجب عليه الغسل ، هذا مما يدل عليه هذا الحديث .
ومن الفوائد :
أن فيه دليلا لما ذهب إليه بعض العلماء كشيخ الإسلام رحمه الله أن غسل يوم الجمعة واجب على طائفة معينة من الناس وهم الطائفة التي تنبعث منهم روائح كريهة وهم أصحاب الأعمال الشاقة ، مثل الدهانين ونحوهم ممن يمارس عملا يخرج منه العرق .
ومن الفوائد :
أن الصحابة رضي الله عنهم في أول الأمر كانوا مهّان أنفسهم ، يعني ما كان يقوم بالمهن غيرهم ، فهم يتولون مهن أنفسهم لقلة المال، ولم يكن عندهم خدم إلا بعد أن فتحت الفتوح .
ومن الفوائد :
أن ( لو ) تأتي ولها معاني ، فقوله ( لو اغتسلتم ) يمكن أن تكون هنا للتمني ، يعني يتمنى أن يغتسلوا حتى لا تنبعث منهم رائحة كريهة ، ويمكن أن تكون شرطية ، ولكن إذا كانت شرطية يلزم أن يكون لها جواب شرط ، فأين جواب الشرط هنا ؟ محذوف ، فلابد أن نقدره ” لو اغتسلتم لكان هذا الفعل حسنا ” فهذا هو جواب الشرط
حديث رقم -353-
( حسن ) حدثنا عبد الله بن مسلمة ثنا عبد العزيز يعني بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة : أن أناسا من أهل العراق جاؤوا فقالوا يا بن عباس أترى الغسل يوم الجمعة واجبا ؟ قال لا ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل ، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب ، وسأخبركم كيف بدء الغسل كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ، ويعملون على ظهورهم وكان مسجدهم ضيقا مقارب السقف إنما هو عريش فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار وعرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضا ، فلما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الريح قال أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه – قال بن عباس ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف وكفوا العمل ووسع مسجدهم وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضا من العرق ” )
من الفوائد :
أن ابن عباس رضي الله عنهما لا يرى أن غسل يوم الجمعة واجب ، وهذا صريح من قوله رضي الله عنه .
ومن الفوائد :
أن سبب الأمر بالغسل مذكور هنا وهو ( أنهم كانوا يلبسون الصوف ) ومعلوم أن الصوف إذا عرق الإنسان خرج منه رائحة ليست بتلك الرائحة الطيبة .
ثانيا : أنهم كانوا مهَّان أنفسهم يحملون الشيء على ظهورهم ، وهذا يتسبب منه العرق إضافة إلى لبسهم الصوف .
ثالثا : أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان ضيقا ، فكان مبينا من اللَبِن والجريد ، وكانت الأعمدة من خشب ، وكان السقف قريبا من الرؤوس ، وهذا مع الازدحام يسبب وجود العرق ، لأنه كلما ارتفع السقف كلما كان هناك مجال فسيح للهواء ، فكل هذه الأشياء الثلاثة تسبب العرق فأمروا بالغسل حتى لا يؤذي بعضهم بعضا .
ومن الفوائد :
أن المسلم لا يجوز له أن يؤذي أخاه المسلم في أموره الاعتيادية فمن باب أولى إذا آذاه في أمور العبادة ، حتى وإن لم يكن ذلك من قصده ، ولذا ينبغي للمسلم إذا أتى إلى المساجد أن يأتي إليها بخير وأطيب ما يأتي إلى مكان ، قال تعالى { يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ }الأعراف31 ، ولاسيما في يوم الجمعة مع الازدحام ، ولذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدهن الإنسان من أفضل دهنه وطيبه ، فيتطيب في يوم الجمعة من أفضل ما يكون .
ن
حديث رقم -354-
( حسن ) حدثنا أبو الوليد الطيالسي ثنا همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل ” )
من الفوائد :
هذا الحديث يضعفه بعض العلماء .
ومن الفوائد :
أن فيه دليلا لمن قال من العلماء إن غسل يوم الجمعة مستحب خرجت منه رائحة أو لم تخرج منه رائحة ،لأن الحديث أطلق ومن الفوائد :
أن قوله ( فبها ) أي بالرخصة وبالسنة أخذ ( ونِعْمت ) يعني نعمة هذه السنة وهذه الرخصة .
ويمكن أن تنطق ( ونَعِمَت ) بفتح النون وكسر العين وفتح الميم .
ولذا قال ( ومن اغتسل فالغسل أفضل ) فدل على أن من أتى بالوضوء فهو خير وإن أتى بالغسل فهو أفضل وأحسن .
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد