تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس الحادي والثلاثون ـ حديث 395

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس الحادي والثلاثون ـ حديث 395

مشاهدات: 418

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ  الدرس الحادي والثلاثون

حديث 395

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

بابٌ في المواقيت

حديث رقم -395-

( صحيح ) حدثنا مسدد ثنا عبد الله بن داود ثنا بدر بن عثمان ثنا أبو بكر بن أبي موسى عن أبي موسى : أن سائلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه شيئا حتى أمر بلالا فأقام للفجر حين انشق الفجر فصلى حين كان الرجل لا يعرف وجه صاحبه أو أن الرجل لا يعرف من إلى جنبه ثم أمر بلالا فأقام الظهر حين زالت الشمس حتى قال القائل انتصف النهار وهو أعلم ثم أمر بلالا فأقام العصر والشمس بيضاء مرتفعة وأمر بلالا فأقام المغرب حين غابت الشمس وأمر بلالا فأقام العشاء حين غاب الشفق فلما كان من الغد صلى الفجر وانصرف فقلنا أطلعت الشمس فأقام الظهر في وقت العصر الذي كان قبله وصلى العصر وقد اصفرت الشمس أو قال أمسى وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق وصلى العشاء إلى ثلث الليل ثم قال أين السائل عن وقت الصلاة ؟ الوقت فيما بين هذين )

( صحيح ) قال أبو داود رواه سليمان بن موسى عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب بنحو هذا قال ثم صلى العشاء قال بعضهم إلى ثلث الليل وقال بعضهم إلى شطره وكذلك رواه بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم ( لم يرد عليه شيئا ) ليس على وجه العموم  ، فلم يرد على السائل جوابا بالقول وإنما رد عليه جوابا بالفعل ، ولذلك أمره صلى الله عليه وسلم أن يقيم عنده حتى يعلم أوقات الصلاة بالفعل ، لأن الفعل أعظم في البيان من القول .

ومن الفوائد :

بيان ما للسؤال من فوائد تعود على السائل وعلى المستمعين ، فإن هذا الرجل لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مواقيت الصلاة أفاد نفسه وأفاد غيره ، ولذلك لا يبخل طالب العلم على نفسه وعلى إخوانه بالسؤال الذي يحتاج إليه .

ومن الفوائد :

أن قوله ( فلم يرد عليه شيئا ) كلمة ( شيئا ) في سياق النفي فتعم ، أي لم يرد عليه من حيث الظاهر لا ببيان بالقول ولا بالفعل ، ولكن كما أسلفنا أنه رد عليه بيانا بالفعل ، وهذا مما يمكن أن يدرج من الأمثلة تحت ما قاله علماء الأصول [ من أن العام قد يرد ما يخصصه في نفس النص ذاته ]

فلا يعني أن العام يأتيه مخصص من طريق آخر أو من نص آخر ، بل قد يكون هناك مخصص في نفس المذكور كما هنا إذ بين له الجواب بالفعل .

ومن الفوائد :

أن أول صلاة الفجر حينما ينشق الفجر أي حينما يطلع الفجر ، والمقصود من هذا الفجر هو الفجر الثاني ، وقد سبق معنا بيان الفروق التي بين الفجر الثاني وبين الفجر الأول .

ومن الفوائد :

فيه دليل لمن قال من العلماء إن التغليس بصلاة الفجر أفضل من الإسفار ، ومرت معنا هذه المسألة ورجحنا أن التغليس أفضل ، فتؤدى صلاة الفجر من حيث الأفضلية في أول وقتها .

ومن الفوائد :

أن جملة ( أن الرجل لا يعرف من إلى جنبه ) فيها تأكيد لما قلنا من أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوقع صلاة الفجر وقت التغليس .

ومن الفوائد :

أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن مضاءً بأنوار .

ومن الفوائد :

أن فيه الرد على الصوفية الذين يقولون إن الله سبحانه وتعالى خلق النبي صلى الله عليه وسلم من نور ، ويرون أن له نورا يشع ويضيء ، ولو كان له نور كما زعموا لما خفي على الرجل أن يعرف صاحبه من نور رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومن الفوائد :

أن صلاة الظهر يبدأ وقتها من الزوال ، وسبق معنا بيان كيف تزول الشمس ، وهو انتقالها من جهة المشرق إلى جهة المغرب .

ومن الفوائد :

أن الزوال يكون بمنتصف النهار .

ومن الفوائد :

أن همزة الاستفهام في قوله ( انتصف النهار ) أغنت عن همزة الوصل ، كما قال تعالى {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ }الصافات153 ، فهمزة الاستفهام أصبحت بمثابة همزة القطع فأغنت عن همزة الوصل .

ومن الفوائد :

أن الأوقات لا يمكن أن تعرف في ذلك الوقت معرفة يقينية قطعية ، فإن الصحابة رضي الله عنهم كما سيأتي معنا خمنوا في بعض الأوقات التي أوقع فيها النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء مثلا

ومن الفوائد :

أن أول وقت صلاة العصر حينما تكون الشمس مرتفعة بيضاء ، وإذا كانت بيضاء فإن الصفرة لم تدخلها ، فدل على سرعة إيقاع صلاة العصر في أول وقتها ، وذلك حينما يصير للشيء ظل مثله .

ومن الفوائد :

أن صلاة المغرب يبدأ وقتها من غروب الشمس .

ومن الفوائد :

أن الشفق إذا غاب فقد دخل وقت صلاة العشاء ، والشفق اختلف فيه ، فمنهم من قال هو البياض ، ومنهم من قال هو الحمرة ، وغالب ما يتحدث عنه الفقهاء أنهم يصفونه بالشفق الأحمر ، فدل على أن الشفق هو غيب الحمرة .

ومن الفوائد :

أن آخر وقت صلاة الفجر هو طلوع الشمس، فإذا طلعت الشمس خرج وقت صلاة الفجر ، وكما أسلفت الصحابة رضي الله عنهم كانوا يخمنون ، فإنهم شكوا هل طلعت الشمس أم لم تطلع ؟ ولذا قالوا ( أطلعت الشمس ؟  ) فدل هذا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم في اليوم التالي صلاها حال الإسفار .

ومن الفوائد :

أن قوله ( فأقام الظهر في وقت العصر الذي كان قبله ) دل على أن آخر وقت صلاة الظهر إذا حضرت صلاة العصر ، لما جاء في الرواية الأخرى عند مسلم ( صلاة الظهر ما لم تحضر صلاة العصر ) فمعنى هذا الكلام أنه لما خرج وانصرف من صلاة الظهر دخل وقت صلاة العصر ، ولا يعني هذا أنه صلى صلاة الظهر في أول وقت صلاة العصر ، فليس هذا مقصودا ، وحديث ( صلاة الظهر ما لم تحضر صلاة العصر ) فيه رد على من قال من العلماء إن بين صلاة الظهر وصلاة العصر فاصلا بمقدار أربع ركعات ، فلو أصبح للشيء ظل مثله فصلى شخصان أربع ركعات هذا يصلي الظهر وهذا يصلي العصر فقد وقعت صلاة كل منهما في وقتها ، لظاهر هذا الحديث الذي معنا .

ولكن ظاهر هذا الحديث موضح في الرواية المذكورة آنفا ( صلاة الظهر ما لم تحضر صلاة العصر )

ومن الفوائد :

أن آخر وقت صلاة العصر هو اصفرار الشمس ، وهذا هو الوقت المختار ، فلا يتعارض مع قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ) فهذا الحديث يبين أن وقت صلاة العصر يمتد إلى غروب الشمس ، والحديث الذي معنا يدل على أنه ممتد إلى اصفرار الشمس .

ووجه الجمع بينهما : أن الحديث الذي معنا يبين آخر وقت صلاة العصر الاختياري ، بينما حديث ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ) يبين الوقت الضروري لصلاة العصر ، وقد أوضحنا هذه المسألة فيما سبق .

ومن الفوائد :

أنه عبَّر عن وقت اصفرار الشمس بالمساء  ، فدل هذا على أن كلمة ” مساء ” في اللغة تطلق على ما قبل غروب الشمس وعلى ما بعد غروبها .

ولذلك أفضل ما تقال فيه الأذكار المسائية قبل غروب الشمس ، ولو قالها بعدما غربت الشمس فقد قالها في وقتها الذي هو المساء ، ولكن الأفضل قبل الغروب ، كما هو الشأن في أذكر الصباح أن تقال بعد صلاة الفجر وقبل طلوع الشمس ، قال تعالى { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا }طه130

ومن الفوائد :

أن جملة ( وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق ) فيه بيان من أن صلاة المغرب ممتد وقتها إلى ما قبل مغيب الشفق ، ومن ثم فإن في هذه الجملة ردا على من قال من العلماء إن وقت صلاة المغرب وقت مضيَّق لحديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي مر معنا في صلاة جبريل عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم  .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث بين أن آخر وقت صلاة العشاء إلى ثلث الليل ، بينما أحاديث أخرى نصت على أن ( صلاة العشاء إلى نصف الليل ) كما عند مسلم .

وهناك من العلماء من يرى أن وقت صلاة العشاء ممتد إلى ما قبل طلوع الفجر الثاني ، وبينا هذه المسألة في الدروس الماضية ، ولذا إما أن نقول بأن صلاة العشاء ينتهي وقتها بثلث الليل أو نقول بنصف الليل ، وشيخ الإسلام رحمه الله جميع بينهما فقال ” إن ثلث الليل الأول باعتبار أن الليل ينتهي بطلوع الفجر الثاني ، وأن نصف الليل باعتبار ما قاله بعض أهل اللغة من أن الليل ينتهي بطلوع الشمس ، والأقرب في هذه المسألة أن صلاة العشاء تنتهي بنصف الليل .

ومن الفوائد :

أن ما بين هذين الوقتين هو وقت صلاة الفرض ، فصلاة الفجر من حين ما ينشق الفجر إلى طلوع الشمس هذا الوقت كله وقت صلاة لا يذم العبد على إيقاع الصلاة في أوله أو في وسطه أو في آخره .

وكذلك الحال في صلاة الظهر من الزوال إلى أن يصير للشيء ظل مثله .

والعصر من حين ما يكون للشيء ظل مثله إلى اصفرار الشمس ، وهذا هو الوقت المختار .

وصلاة المغرب تبدأ من غروب الشمس إلى مغيب الشفق .

وصلاة العشاء من مغيب الشفق إلى ثلث الليل بناء على هذا الحديث ، فإذا أوقعها بعد ثلث الليل فلم يوقعها في وقتها الشرعي ، ولكن جاءت الأحاديث الأخرى بأن صلاة العشاء تمتد إلى نصف الليل .

 

ومن الفوائد :

أن الصلاة إذا وقعت قبل هذه المواقيت الزمانية لهذه الصلوات فإن الصلاة باطلة ، فإذا صلى الظهر قبل زوال الشمس فصلاته باطلة ، وقس على هذا الصلوات الأخرى .

ولو قال قائل : لو صلاها بعد هذا الوقت ؟

يعني صلى صلاة الفجر مثلا بعد طلوع الشمس ، فهل تقبل صلاته أم لا تقبل ؟

قولان لأهل العلم ، شيخ الإسلام رحمه الله يرى أن صلاته لا تقبل ، وإنما عليه أن يكثر من النوافل ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى من هذا الفعل الشنيع .

بينما الجمهور يرون أنه آثم وعليه التوبة وعليه أداء هذه الصلاة قضاء .

وهذه المسألة ليس هذه المحل محل ذكرها ، ولكن أردت أن أبين حكم الصلاة بين هذين الوقتين وما قبل هذا الوقت وما بعده .

ومن الفوائد :

أن اسم الإشارة يشار به إلى مبهم ، ولكن المبهم هنا موضح فيما مضى من صلاته صلوات ربي وسلامه عليه في يومين متتابعين .

ومن الفوائد :

أن يوم غدك هو اليوم الذي يلي يومك الحاضر  ، هذا هو الأصل في إطلاقه ، وقد يطلق على يوم لا يلي يوم حاضرك ، كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ }الحشر18، والمقصود بذلك اليوم في هذه الآية هو يوم القيامة ، فوصف يوم القيامة بأنه يوم غدك باعتبار أنه قريب ، مهما طالت هذه الدنيا فإنه قريب يجب على المسلم أن يستعد له .

ومن الفوائد :

أن السنة مبينة لما أجمل في القرآن ، فالله سبحان وتعالى أمرنا بإقامة الصلاة ، قال تعالى {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }الإسراء78 ، ولم تبين الآية مثل هذه التفاصيل ، فدل على أنه لا غنى للمسلم عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم .

{أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }الإسراء78 .

ومن الفوائد :

أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( أين السائل ) ولم يقل ” يا هذا ” أو لم يصرح باسمه ، فدل على أن ما ذكر فعلا في اليومين المتتاليين هو جواب لكل سائل ، ولا يقصد به شخص بعينه .

ونظير هذا أن جبريل عليه السلام في حديث عمر رضي الله عنه في صحيح مسلم ( لما سأل جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة ؟ قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل ) ولم يقل ” لست أعلم منك بها ” وإنما قال ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل ) فيشمل أي مسئول وأي سائل ، فإن يوم القيامة لا يعرف وقتها لا المسئول ولا السائل كائنا من كان .

ومن الفوائد :

أن الصحابة رضي الله عنهم ما كان أحدهم يخصص مكانا لنفسه ينفرد به ، ولذلك قال ( أين السائل ؟ ) بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في سنن أبي داود ( أن السائل الغريب يأتي إليه في مجلس أصحابه فلا يعرفه ) حتى وضع الصحابة رضي الله عنهم له مكانا بارزا ليعرف من باب المصلحة .

والله تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .