تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس الخامس عشر ــ من حديث 317- 322

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس الخامس عشر ــ من حديث 317- 322

مشاهدات: 457

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس الخامس عشر

من حديث 317- 322

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب التيمم

حديث رقم -317-

( حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي أخبرنا أبو معاوية ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا عبدة المعنى واحد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيد بن حضير وأناسا معه في طلب قلادة أضلتها عائشة فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فأنزلت آية التيمم – زاد ابن نفيل – فقال لها أسيد بن حضير يرحمك الله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين ولك فيه فرجا )

من الفوائد :

أن التيمم كان غير مشروع في أول الإسلام ، فشرع التيمم وأصبح ميزة لهذه الأمة ، لأن مزايا هذه الأمة كثيرة بالنسبة إلى الأمم السابقة ، فمما تتميز به التيمم .

ومن الفوائد :

أن القلادة التي كانت مع عائشة رضي الله عنها كانت لأختها أسماء استعارتها منها ، فنسبت القلادة إلى عائشة رضي الله عنها باعتبار الاختصاص لا باعتبار التملك ،  فهي مختصة بمنافعها والاستفادة منها لما كانت في يدها .

ومن الفوائد :

أن عادم الماء والتراب لا يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها ، فعليه أن يصلي ولو من غير وضوء ولا تيمم ، لأنهم لما صلوا صلوا من غير وضوء ولم يشرع بعد التيمم ، ولذلك لم ينكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  .

ولكن من عدم الماء والتراب هل يلزمه أن يعيد إذا وجد الماء .

قولان لأهل العلم ، والصواب عدم الإعادة ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بالإعادة .

ومن الفوائد :

جواز الاجتهاد من الصحابي رضي الله عنه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ اجتهدوا وصلوا من غير وضوء .

ومن الفوائد :

أن ما يكرهه ابن آدم مما لا يلائمه قد يكون فيه خير له ولغيره ، فإن عائشة رضي الله عنها جرت لها قضايا متعددة كرهتها وكرهها الصحابة رضي الله عنهم ، ومع ذلك أعقب الله عز وجل تلك المكروهات التي نزلت بعائشة رضي الله عنها أعقبها بخيرات لها وللأمة ، كما هو معلوم في قصة حادثة الإفك ، وكما ذكر هنا أسيد رضي الله عنه .

ومن الفوائد :

حديث رقم -318-

( صحيح ) حدثنا أحمد بن صالح ثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حدثه عن عمار بن ياسر أنه : كان يحدث أنهم تمسحوا وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصعيد لصلاة الفجر فضربوا بأكفهم الصعيد ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم )

من الفوائد :

أن هذا الحديث أعله بعض العلماء لأنه يخالف الأحاديث الصحيحة الواردة بأن التيمم ضربة واحدة وأنه للوجه وللكفين فقط .

وبعض العلماء يصححه ويحمل هذا الفعل من الصحابة رضي الله عنهم على اجتهاد منهم ، فهذا من فعلهم ، لكن علمهم النبي صلى الله عليه وسلم صفة التيمم المعروفة وهي ضربة واحدة على الأرض يمسح الوجه والكفان .

ومن الفوائد :

أن الصحابة رضي الله عنهم لما مسحوا ، مسحوا إلى المناكب والآباط ، فيكون فعلهم هذا من ظاهر الكف إلى المنكب ، ومن باطن الكف إلى الإبط ، فكأنهم عمموا العضو .

حديث رقم -319-

( صحيح ) حدثنا سليمان بن داود المهري وعبد الملك بن شعيب عن بن وهب : نحو هذا الحديث قال قام المسلمون فضربوا بأكفهم التراب ولم يقبضوا من التراب شيئا فذكر نحوه ولم يذكر المناكب والآباط ) قال ابن الليث  ( إلى ما فوق المرفقين ) .

من الفوائد :

هاتان الروايات تدلان على أن ذكر الآباط والمناكب من صنيع الصحابة رضي الله عنهم ،لأنه إما أن يكون اضطراب في الحديث فيكون هذا الحديث ضعيفا ، أو يكون كل منهم صنع ما آل به اجتهاده .

حديث رقم -320-

( صحيح ) حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف ومحمد بن يحيى النيسابوري في آخرين قالوا حدثنا يعقوب أخبرنا أبي عن صالح عن بن شهاب حدثني عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس عن عمار بن ياسر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس بأوَّلات الجيش ومعه عائشة فانقطع عقد لها من جزع ظفار فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر وليس مع الناس ماء فتغيظ عليها أبو بكر وقال حبست الناس وليس معهم ماء فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم رخصة التطهر بالصعيد الطيب فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم إلى الأرض ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئا فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ومن بطون أيديهم إلى الآباط – زاد بن يحيى في حديثه قال بن شهاب في حديثه – ولا يعتبر بهذا الناس )

قال أبو داود : وكذلك رواه بن إسحاق قال فيه عن بن عباس وذكر ضربتين كما ذكر يونس ورواه معمر عن الزهري ضربتين وقال مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه عن عمار وكذلك قال أبو أويس عن الزهري وشك فيه بن عيينة قال مرة عن عبيد الله عن أبيه أو عن عبيد الله عن بن عباس ومرة قال عن أبيه ومرة قال عن بن عباس اضطرب بن عيينة فيه وفي سماعه من الزهري ولم يذكر أحد منهم في هذا الحديث الضربتين إلا من سميت )

من الفوائد :

أن بعض العلماء أعله فيقول كل حديث ورد بأن التيمم ضربتان أو أنه إلى الآباط أو أنه إلى المناكب أو أنه إلى المرفقين فإنه غير صحيح ، لأن أصح ما جاء في التيمم حديث عمار وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى مقتصرا فيه على الضربة الواحدة وعلى الكفين ، وكذا حديث أبي جهيم ، وأما ما عداها فهي أحاديث معلولة ، ولو صح هذا الحديث فإنه يحمل على أن هذا كان في أول الأمر ثم نسخ ، ما دليل النسخ ؟

أن عمار بن ياسر رضي الله عنه كان يفتي بضربة واحدة في التيمم ومسح الكفين فقط ، وكان هذا الإفتاء منه رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لاسيما أنه راوي الحديث وأنه راوي مجتهد فقيه ، بخلاف الراوي غير المجتهد الفقيه .

ومن الفوائد :

أن ( الجزع ) عبارة عن عقد فيه خرزات سود وبيض منسوبة إلى ظفار ، وهي قرية من قرى اليمن .

ومن الفوائد :

أن ( أوَّلات ) مكان قريب من المدينة .

حديث رقم -321-

( حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ثنا أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن شقيق قال كنت جالسا بين عبد الله وأبي موسى فقال أبو موسى يا أبا عبد الرحمن أرأيت لو أن رجلا أجنب فلم يجد الماء شهرا أما كان يتيمم ؟ فقال لا وإن لم يجد الماء شهرا ، فقال أبو موسى فكيف تصنعون بهذه الآية التي في سورة { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً }المائدة6 ؟ فقال عبد الله لو رخِّص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد ، فقال له أبو موسى وإنما كرهتم هذا لهذا ؟ قال نعم فقال له أبو موسى ألم تسمع قول عمار لعمر : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا فضرب بيده على الأرض فنفضها ثم ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله على الكفين ثم مسح وجهه فقال له عبد الله أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار ؟ )

من الفوائد :

أن المناظرة مطلوبة بين العلماء إذا كان المقصود التوصل إلى الحق ،كما صنع عبد الله بن مسعود وأبو موسى رضي الله عنهما ، فإن هذا حوار هادئ  لطيف يشعرنا بأن مقصود كل منهما أن يصل إلى الحق دون أن يكون هناك تعنت أو رفع صوت أو ما شابه ذلك ، فمثل هذه القصة تربية لنا نحن طلاب العلم .

ومن الفوائد :

أن المحدثين اصطلحوا على أنه إذا قيل ( عبد الله ) من الصحابة فالمقصود منه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .

ومن الفوائد :

أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يرى ما يراه عمر رضي الله عنه من أن الجنب إذا لم يجد الماء لا يتيمم ، بل يؤخر الصلاة حتى يجد الماء ، فهذا الأمر تبناه ابن مسعود رضي الله عنه ، ولذلك ناقشه أبو موسى رضي الله عنه ، فذكر له قصة عمار ، وذكر ابن مسعود حجة وهو أنه يخشى إذا تسومح في هذا أن أحدهم إذا برد عليه الماء ترك الماء وتيمم مع أن عنده قدرة على استعمال هذا الماء ، فرد عليه أبو موسى فقال ( وإنما كرهتم هذا لهذا ؟ قال نعم ) فليست علة قوية ، فلما ذكر أبو موسى قصة عمار رد عليه ابن مسعود فقال ( أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار ؟ )

ولا شك أن الصواب مع أبي موسى رضي الله عنه لأن الأحاديث أتت صراحة بالتيمم ، لاسيما أن عمارا رضي الله عنه ذكر ما جرى له .

ومن الفوائد :

أن الجهل عذر من الأعذار الشرعية ، ولذلك عذر النبي صلى الله عليه وسلم عمارا لما صنع ما صنع ، فظن أن الماء يقوم التراب مقامه في كل شيء ، فلما أجنب تمرغ في التراب كما تتمرغ الدابة من أجل أن يعمم بدنه بالتراب ، كما أن الجنب مأمور بأن يعمم بدنه بالماء ، فهذا اجتهاد منه ، ولذلك لم يوبخه النبي صلى الله عليه وسلم ، بل فيه دلالة على أن من ترك واجبا من واجبات الصلاة أو شرطا من شروط الصلاة جاهلا ثم لما علم لا يلزم بإعادة ما مضى ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر عمارا بأن يعيد تلك الصلاة لأن وقتها قد خرج .

ومن الفوائد :

بيان اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .

ومن الفوائد :

أن عمر رضي الله عنه كان مصاحبا لعمار ومع ذلك لم يتذكر عمر هذه القصة ، فنسب عمر رضي الله عنه لنفسه النسيان ، ومع ذلك لم يمنع عمارا بأن يتحدث بهذا الحديث ، فنُسب النسيان إلى عمر ونسب الوهم إلى عمار ، ومع ذلك تركه عمر رضي الله عنه يبلغ ما يعلمه لأنه يعلم أن عمارا رضي الله عنه صاحب دين وورع وتقى لا يمكن أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومن الفوائد :

أن صفة التيمم / أن تُضْرَب الكفان على الصعيد ثم يمسح الوجه ثم الكفان ، ويستوي في ذلك الحدث الأصغر والحدث الأكبر ، ويبتدئ بالوجه لقوله تعالى { فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم }المائدة6 قدَّم الوجه ، مع أن هناك روايات قدمت الكفين على الوجه ، وإذا أتت بينا إن شاء الله  الجمع بين الروايات .

 

 

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم نفض يديه ، فدل على أن التراب لا يشترط أن يكون فيه غبار ، كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء، ولذلك لم يصححوا التيمم إلا بتراب له غبار ، أما ما عدا ذلك فلا يصح التيمم به ، هكذا قالوا .

ومن ثم فإن الصعيد وهو ما علا الأرض من أحجار ، من رمال ، لا يصح التيمم به عندهم ، ولكن الصواب أن التيمم لأنه صعيد ، والصعيد على أشهر ما قيل في اللغة ” ما تصعد على وجه الأرض من تراب وصخور ورمل ونحو ذلك ” ويأتي لهذه المسألة مزيد حديث في الأحاديث القادمة إن شاء الله تعالى .

حديث رقم -322-

( صحيح ، إلا قوله ” إلى نصف ذراع ” فإنه شاذ ) حدثنا محمد بن كثير العبدي ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي مالك عن عبد الرحمن بن أبزي قال : كنت عند عمر فجاءه رجل فقال إنا نكون بالمكان الشهر والشهرين،  فقال عمر أما أنا فلم أكن أصلي حتى أجد الماء ، قال فقال عمار يا أمير المؤمنين أما تذكر إذ كنت أنا وأنت في الإبل فأصابتنا جنابة ، فأما أنا فتمعكت ، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال إنما كان يكفيك أن تقول هكذا وضرب بيديه إلى الأرض ثم نفخهما ثم مسح بهما وجهه ويديه إلى نصف الذراع ، فقال عمر يا عمار اتق الله فقال يا أمير المؤمنين إن شئت والله لم أذكره أبدا فقال عمر كلا والله لنولينك من ذلك ما توليت )

من الفوائد :

أن صفة التيمم الصحيحة أن يُمْسَح الوجه ثم الكفان ، دون أن يزاد على ذلك ، لا إلى نصف الذراع ولا إلى المرفق ولا إلى الآباط ولا إلى المناكب .

ومن الفوائد :

أن عمر رضي الله عنه كما هو ظاهر ما كان يرى التيمم للجنب ، حتى ولو ظل شهورا .

ومن الفوائد :

أن عمر رضي الله عنه كان مصاحبا لعمار رضي الله عنه في القصة السابقة .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نفخ الغبار ) فدل على أن اشتراط الغبار في التراب غير صحيح ، إذ لو كانت له مزية لما نفخه عليه الصلاة والسلام .

ومن الفوائد :

أن العالم إذا منع من إفادة الناس أو من الإفتاء بأمر ولي المسلمين فعليه أن يلتزم إذا علم أن غيره قد بلَّغ أو أنه بلَّغ الواجب عليه في هذه المسألة ، فإن عمارا رضي الله عنه أراد ألا يفتي لو منعه عمر رضي الله عنه ، لم مع أن هذا واجب ؟

لأن أصل الوجوب قد قام به عمار في أول الأمر ، فما زاد عن ذلك فهو نفل ، ولذلك لو أن ولي الأمر رأى لمصلحة ما أن فلانا لا يفتي فلا يفتي لأن غيره يقوم بهذا الواجب ، فلم يندثر العلم ، لكن عمر رضي الله عنه ترك المجال إلى عمار ، وعمر رضي الله عنه نسب إلى عمار الوهم ومع ذلك لم يزك نفسه رضي الله عنه بل نسب إلى نفسه النسيان .

والله تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .