تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس السادس عشر من حديث 323- 329

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس السادس عشر من حديث 323- 329

مشاهدات: 425

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس السادس عشر

من حديث 323- 329

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله في

باب التيمم

حديث رقم -323-

( صحيح ، دون ذكر الذراعين والمرفقين )

( حدثنا محمد بن العلاء ثنا حفص ثنا الأعمش عن سلمة بن كهيل عن بن أبزي عن عمار بن ياسر في هذا الحديث فقال : يا عمار إنما كان يكفيك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ثم ضرب إحداهما على الأخرى ثم مسح وجهه والذراعين إلى نصف الساعدين ولم يبلغ المرفقين ضربة واحدة )

( صحيح وليس فيه ذكر الذراعين ) قال أبو داود : ورواه وكيع عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن أبزي .

ورواه جرير عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي يعني عن أبيه .

من الفوائد :

سبق وأن قررنا أن الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتت في التيمم بضربة واحدة ، وهذه الضربة كافية للوجه وكافية للكفين ، وما جاء خلاف ذلك من المسح إلى نصف الذراع أو إلى المرفقين أو إلى الآباط فإنها أحاديث غير مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن صحت فإنما هي موقوفة على بعض الصحابة إما اجتهادا منهم وإما قبل أن يعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفة التيمم المشروعة .

حديث رقم -324-

( صحيح دون الشك ، والمحفوظ ” وكفيه ” كما يأتي )

حدثنا محمد بن بشار ثنا محمد يعني بن جعفر أخبرنا شعبة عن سلمة عن ذر عن بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه عن عمار بهذه القصة فقال : إنما كان يكفيك وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى الأرض ثم نفخ فيها ومسح بها وجهه وكفيه – شك سلمة – وقال لا أدري فيه إلى المرفقين يعني أو إلى الكفين )

من الفوائد :

أن هذا الحديث دليل لمن قال إن الغبار لا يشترط في التراب  ،لأن بعض العلماء يرى أن التيمم لا يكون صحيحا إلا إذا كان على تراب له غبار لقوله تعالى { فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ }المائدة6 ، فهذا على سبيل الخصوص في تراب له غبار .

والصواب / ما دل عليه هذا الحديث ، كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء من أن الغبار ليس بمشترط لأنه لو كان له فائدة في ذلك لما نفخ رسول الله صلى الله عليه وسلم في كفيه تخفيفا من هذا الغبار .

مسألة :

هل يكون التيمم بكل ما تصعد على وجه الأرض أم يكون على التراب الذي له غبار فقط ؟

هذا مبني على اختلاف العلماء في معنى الصعيد ، فالصعيد عند بعض أهل اللغة يطلق على ” ما تصعد على وجه الأرض من حجر أو رمل أو صخر أو ما شابه ذلك “

وبعض أهل اللغة يرى أن الصعيد ” مخصوص بالتراب فقط دون غيره “

والناظر في هذين الرأيين وفي الأدلة الواردة في التيمم يرى أن الصواب أن له أن يتيمم على كل ما تصعد على وجه الأرض ، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في أسفاره لا يحمل الماء الكثير وكانوا يتيممون ، ويمرون على طرقات بها تراب ليس له غبار ولاسيما في أرض الحجار فإنها أرض صخرية جبلية صلبة ، وكذلك كما سيأتي من ضربه عليه الصلاة والسلام بيديه على الحائط ، وكذلك من نظر إلى مشروعية التيمم في أصله يجد أنه ما رخص في التيمم إلا لدفع المشقة ، فإذا اشترطنا مثل هذا الشرط كانت هناك مشقة ، ولا شك أن من احتاط فتيمم على تراب له غبار كان أفضل وأحسن ، لكن كوننا نقول بأن من تيمم على غير التراب أن تيممه غير صحيح هذا مما لا يدل عليه دليل قوي صريح .

( وما تصعد على وجه الأرض )

بعض العلماء أطلقه حتى على النبات ، ولكن يمكن أن نحصر هذا بكل ما تصعد على وجه الأرض مما هو من جنس الأرض .

حديث رقم -325-

( صحيح دون المرفقين والذراعين كما تقدم ) ثنا علي بن سهل الرملي ثنا حجاج يعني الأعور حدثني شعبة : بإسناده بهذا الحديث قال ( ثم نفخ فيها ومسح بها وجهه وكفيه إلى المرفقين أو إلى الذراعين )

قال شعبة كان سلمة يقول ( الكفين والوجه والذراعين ) فقال له منصور ذات يوم انظر ما تقول فإنه لا يذكر الذراعين غيرك .

من الفوائد :

قال ابن حجر رحمه الله ” إن أصح أحاديث التيمم هو حديث عمار وحديث أبي جهيم “

فحديث عمار ورد المسح على الكفين وما هو أزيد من ذلك إلى نصف الذراع وإلى المرفقين ، ولكن الصواب كما قال رحمه الله ” المسح على الكفين فقط ” بدليل أن عمارا رضي الله عنه كان يفتي بذلك بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدل على أن هذا هو المشروع لاسيما أن عمارا من الصحابة المجتهدين وهو راوي الحديث .

وأما حديث أبي جهيم كما قال رحمه الله ” فإن الوارد المسح على اليدين ، وما ورد من مسح على الذراعين – وسيأتي معنا إن شاء الله – فإنها رواية شاذة .

حديث رقم -326-

( صحيح ) حدثنا مسدد ثنا يحيى عن شعبة حدثني الحكم عن ذر عن بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه عن عمار : في هذا الحديث قال فقال يعني النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك إلى الأرض فتمسح بهما وجهك وكفيك ) وساق الحديث .

من الفوائد :

أن العلماء اختلفوا في الترتيب بين هذين العضوين في التيمم ، أيكون المسح بداية من الوجه ثم الكفين ؟ أو يمكن أن يصح أن يمسح الكفان ثم يمسح الوجه ؟

هنا ذكر الوجه والكفان جمعا بالواو ، ومعلوم أن ( الواو ) في اللغة لمطلق الجمع ولا تقتضي ترتيبا ، ولكن يمكن يقال إن ما قدَّمه الشرع في الذكر يقدم ، فإن الله سبحانه وتعالى قدم الوجه على الكفين ، قال تعالى { فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم }المائدة6 ، فدل على أن لتقديم الوجه أهمية في الترتيب ، إلا إذا دل دليل يصرف هذه القاعدة عن حالها ، وكذلك الحديث ذكر فيه الوجه ثم الكفان .

لكن قال ابن حجر رحمه الله ” وردت رواية بتقديم الكفين على الوجه بـ ( ثم ) ومن ثمَّ فإن ما يذهب إليه كثير من العلماء من أنه يشترط الترتيب ينتقض بهذه الرواية .

إذاً الأحوط في التيمم أن يرتب ، لكن كونه لا يرتب فيقدم الكفين على الوجه ثم نبطل تيممه ، هذا يحتاج إلى مزيد بحث وتأمل في هذه المسألة .

ومن الفوائد :

أن التيمم المذكور هنا ” ضربة على الأرض ويمسح الوجه ثم الكفان ” وحديث عمار هذا وارد في الجنابة ، فدل على أن التيمم المعروف بصفته يكون في الحدث الأصغر ويكون في الحدث الأكبر ، وذلك توهم عمار لما أجنب توهم فظن أن التيمم يكون بتعميم البدن بالتراب كما يكون الغسل بالماء فتمرغ في الأرض كما تتمرغ الدابة ، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم خطأه

( صحيح بذكر النفخ ) قال أبو داود : ورواه شعبة عن حصين عن أبي مالك قال سمعت عمارا يخطب بمثله إلا أنه قال لم ينفخ وذكر حسين بن محمد عن شعبة عن الحكم في هذا الحديث قال ضرب بكفيه إلى الأرض ونفخ )

من الفوائد :

إذا أسقطت كلمة من حديث لا يعني أنها لا تكون ثابتة إذا ذكرت في أحاديث أخرى ، فإن بعض الرواية قد ينسى في تلك الحال فلا يحدث بالحديث بأكمله ، وربما يختصره لمقتضى الحال ، وربما يكون قد نسيه .

إذاً ما ذكره بعض الرواة مما لم يذكره الآخرون لا ينفي المثَبت من هذه الجمل .

الهم إلا إذا كانت هذه الجملة التي ذكرها أحد الرواة تخالف ما عليه جمهور الرواة فهذه لها كلام عند أهل الحديث وعند أهل الأصول .

حديث رقم -327-

( صحيح ) حدثنا محمد بن المنهال ثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه عن عمار بن ياسر قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن التيمم فأمرني ضربة واحدة للوجه والكفين )

حديث رقم -328-

(  منكر ) حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا أبان قال سئل قتادة عن التيمم في السفر فقال حدثني محدث عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبزي عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إلى المرفقين )

باب التيمم في الحضر

حديث رقم -329-

( صحيح ) حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث أخبرنا أبي عن جدي عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى بن عباس أنه سمعه يقول أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري فقال أبو الجهيم : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه السلام حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام )

هذا الحديث هو حديث أبي جهيم رضي الله عنه ويستفاد منه ما يلي :

أن هذه الحادثة وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم في الحضر ، فدل على أن التيمم لا يكون في السفر فحسب بل يشمل الحضر ، يعني ساكن المدن .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث دليل لمن قال إن التراب الذي له غبار لا يشترط في صحة التيمم .

ومن الفوائد :

أن ( بئر جمل ) هو بئر في المدينة ، فهناك آبار كثيرة في المدينة لها مسميات متنوعة .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عادما للماء لأنه في المدينة فكيف يقدم على التيمم مع وجود الماء ، وقد قال تعالى { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً }المائدة6 فأباح وشرع عز وجل التيمم عند عدم وجود الماء ، فكيف يجاب عن هذا الحديث ؟

الجواب / كما قال بعض العلماء من أن ما يخاف فواته من العبادة يصح فيه التيمم ولو مع وجود الماء ، وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله ، فيقول لو أن المسلم خشي أن تفوته صلاة الجنازة لو توضأ فليتيم ويصلي ، ولو أنه خشي أن تفوته صلاة العيد فليتيمم ويصلي ، وكذلك صلاة الجمعة فلو خشي أن تفوته صلاة الجمعة لو توضأ فكذلك له أن يتيمم .

وهذا الرأي منه رحمه الله بناء على هذا الحديث ، وله توجيه سيأتي في بعض الأحاديث ما يرد به على هذا القول  بإذن الله تعالى .

وقال بعض العلماء : إن هذا التيمم تيمم عن مستحب ، فما كان عن مستحب كرد السلام الذي فيه ذكر الله على طهارة يتيمم .

ومن الفوائد :

أن الأفضل في حق من انشغل بعبادة ألا يشغل بالسلام عليه ، إلا إذا كان في الصلاة فإن له ردا بالإشارة ، كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى .

ولذلك قال بعض العلماء من انشغل بعبادة فسُلِّم عليه فلا يستحق الرد ، ويكره له أن يسلم في مثل هذه الحال حتى لا يشغل أخاه المسلم عن هذه العبادة .

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء أخذ منه أن الكلام على قضاء الحاجة مكروه ، فلو كان الإنسان يقضي حاجته فكلمه شخص فيقولون يكره لصاحب الحاجة أن يرد عليه لصنيع النبي صلى الله عليه وسلم هنا ، وهذا محتمل ليس متأكدا ، لم ؟

لأنه يحتمل أن الذي منع النبي صلى الله عليه وسلم من الرد أنه على غير طهارة ومحتمل أنه ما رد عليه إلا من أجل أنه كان يقضي حاجته ، فهذا محتمل وهذا محتمل ، إذاً لا يشدد في مثل هذا الأمر ، لأن الدليل هنا غير صريح هل ترك النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أنه كان يقضي حاجته أو من أجل أنه كان على غير طهارة ؟ لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله سبحانه وتعالى في بعض الأحيان على غير طهارة ، فهذا مما يجعل الاحتمال الآخر له وجه .

سؤال : هل يقال إن من اشتغل بعبادة لا يسلم عليه ؟

الجواب / نعم ، فمن كان مشغولا بقضاء حاجة أو بشيء آخر لا يسلم عليه ، لأن العلماء ألحقوا بذلك العبادة كمن يقرأ القرآن ، فلا تسلم عليه حتى لا تقطع عليه قراءته .

والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .