تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس السادس والثلاثون من حديث 408 -40

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس السادس والثلاثون من حديث 408 -40

مشاهدات: 418

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس السادس والثلاثون

من حديث  408 -409

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب في وقت صلاة العصر

حديث رقم -408-

( ضعيف ) حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري ثنا إبراهيم بن أبي الوزير ثنا محمد بن يزيد اليمامي حدثني يزيد بن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه عن جده علي بن شيبان قال : قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية )

من الفوائد :

هذا الحديث لو صح لكان فيه تأخير صلاة العصر عن أول وقتها ، وهذا يخالف ما سبق ذكره من أحاديث بينت أن السنة أن يعجل بصلاة العصر .

وعلى افتراض صحة هذا الحديث يمكن أن يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم أخَّر صلاة العصر من باب بيان الجواز وأنه لم يؤخرها إلى ما بعد ضعف حرارة الشمس ونورها ، ولذلك قال هنا (  بيضاء نقية ) .

حديث رقم -409-

( صحيح ) حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ويزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق : حبسونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا )

ومن الفوائد :

أن غزوة الخندق سميت بهذا الاسم لأنه عُمل خندق حولها ، وهذا الفعل ما كانت تعرفه العرب ، إنما هو معروف عند أهل فارس ، ولذا حُفِر هذا الخندق برأي من سلمان الفارسي رضي الله عنه .

لو قال قائل : متى وقعت غزوة الخندق ؟

الجواب / اختلف العلماء ، البخاري رحمه الله ومن تبعه يرى أن غزوة الخندق كانت في السنة الرابعة من الهجرة ، ودليله

أن ابن عمر رضي الله عنهما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه للقتال ، قال ( وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني )

فيكون سن ابن عمر رضي الله عنهما في غزوة أحد في السنة الرابعة عشرة وأجيز بعدما مضت سنة عليه ، فدل على أن غزوة الخندق بعد غزوة أحد بسنة ، فتكون في السنة الرابعة .

بينما المشهور والذي عليه الكثير ودُرِّسناه أن غزوة الخندق في السنة الخامسة من الهجرة .

ويميل إلى هذا ابن القيم وابن كثير رحمهما الله ، كما ذكر ذلك في زاد المعاد وكذلك ذكره ابن كثير في البداية أنه في السنة الخامسة .

ويقولون إن حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن ابن عمر عُرض على النبي صلى الله عليه وسلم غزوة أحد وهو في أول الرابعة عشرة ، وعرض عليه في غزوة الخندق وهو في أواخر الخامسة عشرة .

لأن النقال للتاريخ والذي عليه الجماهير أن غزوة الخندق كانت في السنة الخامسة من الهجرة .

ومن الفوائد :

أن في هذا الحديث دليلا على أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، قال عز وجل {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ }البقرة238 فتكون السنة بينت أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر .

وهذه المسألة مختلف فيها بين العلماء :

منهم من قال إنها الفجر

ومنهم من قال إنها الظهر

ومنهم من قال إنها العصر .

ومنهم من قال إنها المغرب .

ومنهم من قال إنها العشاء .

ومنهم من قال إنها صلاة الضحى

ومنهم من قال إنها صلاة التهجد .

ومنهم من قال إنها صلاة الجمعة .

ومنهم من قال إنها صلاة العيد .

ومنهم من قال إنها صلاة الجنازة .

أقوال كثيرة ، وسيأتي معنا إن شاء أدلة ذكرها أبو داود رحمه الله تبين أن صلاة الظهر نُص عليها أنها الصلاة الوسطى ، فما هو الراجح ؟

نرجئ هذا إلى أن نأخذ الحديث الذي يليه .

ومن الفوائد :

أن فيه دليلا للكوفيين الذين يقولون بأن الموصوف يجوز أن يضاف إلى الصفة ، قال هنا ( حبسونا عن صلاة الوسطى ) فالصلاة موصوفة بأنه وسطى ، فأضيف الموصوف هنا إلى الصفة ، ولهم أدلة أخرى منها قوله تعالى { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ }القصص44 ، الأصل ( بالجانب الغربي ) فأضيف الموصوف إلى الصفة ، أما البصريون فيمنعون هذا ويقولون هناك شيء محذوف يقدر ( حبسونا عن صلاة الوسطى ) يعني عن فعل الصلاة الوسطى ، والظاهر رأي الكوفيين ، لأنه لا يحتاج إلى تقدير ، والأدلة على هذا كثيرة .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العصر إلى ما بعد غروب الشمس ، فلماذا أخرها ؟ ومعلوم أن الصلاة لا يجوز تأخيرها عن وقتها ، فيصلي الإنسان على حسب حاله ، فما هو الجواب ؟

قال بعض العلماء : إن هذا قبل نزول صلاة الخوف ، لأن صلاة الخوف ما شرعت إلا بعد غزوة الخندق – وهو الصواب – أن صلاة الخوف ما نزلت إلا بعد غزوة الخندق .

وقال بعض العلماء : ممن يرى أن صلاة الخوف كانت قبل  ذلك ، قال : إن تأخير الصلاة إلى ما بعد وقتها يجوز حال الضرورة إذا احتدم القتال ولم يتمكن المقاتلون من أداء الصلاة بتاتا لهول ما يجري بينهم وبين الأعداء ، فلا يتمكنون من الإيماء لا في الركوع ولا في السجود ولا في القيام .

ويستدلون على ذلك أيضا بأن الصحابة رضي الله عنهم أخروا صلاة الفجر في غزوة تستر إلى الضحى ، لأنهم لم يتمكنوا من أداء الصلاة .

ونحن نقول : إن صلاة الخوف ما شرعت إلا بعد غزوة الخندق ، فلا يرد إشكال أصلا ، ثم لو احتدم القتال وأصبح المقاتلون لا يتمكنون من الصلاة لا إيماءً ولا سوى ذلك ، فإنهم يفعلون كما فعل الصحابة رضي الله عنهم .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم ، ولكن هذا الدعاء أتى في صورة الخبر ، لم يقل ( اللهم املأ بيوتهم وقبورهم نارا ) وإنما قال ( ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا ) وهذا تعبير مذكور في البلاغة [ أن يأتي الطلب في صورة الخبر ] من باب التأكيد على أن هذا الدعاء واقع بهم لا محالة ، بل عبَّر عنه بالفعل الماضي ( ملأ ) كأنه قد وقع ثقة باستجابة الدعاء ، وهذا الدعاء دعاء بالنار أن يملأ الله عز وجل بيوتهم وقبورهم لأنها محل سكناهم بعد الموت ، أما البيوت فمحل سكناهم في الدنيا ، وأما القبور فمحل سكناهم بعد الموت ، إلى أن يبعثهم الله عز وجل ، وإذا امتلأ بيت الإنسان نارا ، والبيت كما هو معروف محل سكن الإنسان وراحته ، فإنه يكون في عذاب ، ولا أدل من أن الناس في كل زمن ولاسيما في هذا الزمن يتسابقون إلى أن يمتلك الواحد منهم بيتا ولو صغر ، لأنه

محل الراحة والاستقرار .

ومن الفوائد :

أن ( الباء ) في قوله ( بيوتهم ) يجوز كسرها ( بِيوتهم ) فيجوز ضم الباء وكسرها .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد