تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس التاسع والأربعون حديث 435 ( 1 )

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس التاسع والأربعون حديث 435 ( 1 )

مشاهدات: 487

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ  الدرس التاسع والأربعون

حديث  435 ( 1 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب فيمن نام عن صلاة أو نسيها

حديث رقم -435-

( صحيح ) حدثنا أحمد بن صالح ثنا بن وهب أخبرني يونس عن بن شهاب عن بن المسيب عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى عرس وقال لبلال اكلأ لنا الليل قال فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى إذا ضربتهم الشمس فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظا ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا بلال فقال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله فاقتادوا رواحلهم شيئا ثم توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بلالا فأقام لهم الصلاة وصلى بهم الصبح فلما قضى الصلاة قال من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى قال أقم الصلاة للذكرى قال يونس وكان بن شهاب يقرؤها كذلك قال أحمد قال عنبسة يعني عن يونس في هذا الحديث للذكرى قال أحمد الكرى النعاس )

من الفوائد :

أن هذه الوقعة حصلت من رجوعه عليه الصلاة والسلام من غزوة خيبر ، وهذا هو المشهور والمعروف ، وجاءت أحاديث أخرى بأن هذا وقع – كما سيأتي إن شاء الله – وقع زمن الحديبية ، وجاءت أحاديث أنها وقعت في غزوة تبوك ، وجاءت أحاديث من أنها وقعت في سرية غزوة مؤتة .

فيقال : إن ما ذكر من هذه الأزمان لا يصح إلا ما وقع في غزوة خيبر ، لأن هذا هو المشهور والمروى عن الرواة الكثر .

وإما أن يقال بتعدد هذه الحادثة ، فوقعت أكثر من مرة .

ولعله يأتي معنا ما يذكرنا بهذه حتى نرجح أحد هذين القولين.

ومن الفوائد :

أن معنى قوله ( قفل ) يعني رجع ، فيكون هذا الحدث بعد أن فرغ عليه الصلاة والسلام من غزوة خيبر .

وهذا يدل على أن السفر فيه عناء ومشقة ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين ( إذا قضى أحدكم سفره فليعجل بالرجوع إلى أهله ) وصدر الحديث ( السفر قطعة من العذاب )

ومن الفوائد :

أن معنى ( عرَّس ) هو نزول المسافر بالمكان من غير إقامة دائمة ، فمن نزل في مكان بليل ليستريح أو ليأكل فإنه يطلق عليه بأنه قد عرَّس ، ولذا غالب ما يكون في الأعراس أنه يكون بالليل ، ولذا يقال ” هذا عرس ” ” ورجل عروس ” ” وامرأة عروس ” لأن الدخول يكون بليل ، وليس بلازم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة رضي الله عنها ضحى .

ومن الفوائد :

أن معنى ( الكرى ) النعاس ، وقيل هو النوم ، ولا إشكال في ذلك ، لأن النعاس بداية النوم ، فسواء قيل بأنه النعاس أو النوم ، فلا إشكال في ذلك .

ومن الفوائد :

أن حفظ الليل لا يقصد به أن يحفظ هو ، وإنما يقصد منه الاهتمام بوقته ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام ( اكلأ لنا الليل ) يعني احفظ لنا الليل حتى لا يضيع منا ، فهذا أسلوب من أساليب اللغة العربية ، فالكلأ هو الحفظ { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ }الأنبياء42، أي من يحفظكم ؟

ومن الفوائد :

أن على المسلم إذا أراد أن ينام أن يتخذ جميع الوسائل التي تعينه على الاستيقاظ لصلاة الفجر ، ولذا أمر عليه الصلاة والسلام بلالا بهذا الأمر ، أما ما يتذرع به بعض الناس من أن ( النائم مرفوع عنه القلم حتى يستيقظ ) ولا يتخذ الأسباب للاستيقاظ من وضع منبه ، أو التأكيد على شخص بأن يوقظه ، فإن هذا من التفريط ، وليس من النوم المعفي عنه .

ومن الفوائد :

أن من غلبه الجهد وخشي أن تفوته الصلاة – لاسيما إذا نام متأخرا – فعليه ألا يسترخي ببدنه ، ولذلك بلال رضي الله عنه أسند ظهره إلى الراحلة ، لأنه لو اضطجع استرخت مفاصله ونام مع الجهد والتعب، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما صح عنه ( إذا نام أول الليل فإنه يضع خده على كفه ، لكن إذا نام متأخرا رفع ساعده ووضع رأسه على كفه ) حتى لا يستغرق في النوم ، وهذا يدل على اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم بشأن الصلاة .

 

 

ومن الفوائد :

بيان ضعف بن آدم ، فإن بلالا رضي الله عنه مع أنه اتخذ جميع الوسائل إلا أن النوم قد غلبه وأخذ بنفسه وبعينيه ، وهذا يدل على ضعف ابن آدم ، ولذا فإن الله عز وجل نفى عن نفسه النعاس والنوم لكماله سبحانه وتعالى ، لكمال حياته ولكمال قيوميته {  لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ }البقرة255 ، ولذا لما لم يكن في الجنة تعب ولا عنت ولا مشقة فإن النوم لا يصل إلى أجفانهم ، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ( لما سئل أينام أهل الجنة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم النوم أخو الموت ، ولا ينام أهل الجنة )

ومن الفوائد :

أن أول المستيقظين هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا كما قال بعض العلماء يدل على أن من كانت نفسه زكية كان إلى الاستيقاظ والمسارعة إلى الخير أقرب .

ومن ثم تأتي مسألة في ظاهرها الإشكال ، وهي ” أن النبي صلى الله عليه وسلم نام ، وقد قال عليه الصلاة والسلام (  تنام عيناي ولا ينام قلبي ) فكيف يوفق بين الحديثين ؟

فيقال : إن حديث ( تنام عينان ولا ينام قلبي ) هذا مخصوص بالحدث – كما قال بعض العلماء – بمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم ينام ويشعر بحدثه ولذا كان ينام ويغط في نومه ثم يقوم فيصلي ، بينما غيره لو نام فإنه لا يشعر بحاله ، فهذا الحديث يخص به الحدث .

وإما أن يقال – وهو الأقرب – وإن كان القول الأول داخل ومعتبر – يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم نفى عن قلبه النوم ولم ينف عن عينه النوم ( تنام عيناي ولا ينام قلبي ) ومعلوم أن الاطلاع على دخول وقت الصلاة هذا يتعلق بالعين ولا يتعلق بالقلب .

وكون قلب النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام ، لأنه قد يوحى إليه في المنام فيكون قلبه مستيقظا .

ولذا قال بعض العلماء ” إن الحديث القدسي لفظه من النبي عليه الصلاة والسلام ومعناه من الله ، كيف يكون ذلك ؟

قالوا إن المعنى يأتي إليه مناما فيعبر عنه عليه الصلاة والسلام بلفظه .

ومن الفوائد :

أن بعض الروايات فيها أنه عليه الصلاة والسلام فزع لما استيقظ ، وذلك لأن الصلاة قد فاتته ، وأي صلاة ؟ إنها صلاة الفجر ، من أعظم الصلوات .

وهذا يؤكد على أن ابن آدم عليه أن يكون حريصا على طاعة الله عز وجل وأنه متى ما فاتته صلاة فإن الخير قد فاته .

 

ومن الفوائد :

أن النوم عذر ، ويدل له ما جاء في السنن من حديث علي رضي الله عنه ( رفع القلم عن ثلاثة ) ذكر منهم ( النائم حتى يستيقظ ) ولكن مع وجود هذا العذر إلا أنه ينبغي للإنسان أن يشعر بشيء من فقدان هذا الخير الذي فاته بفوات وقت الصلاة .

ومن الفوائد :

بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من حسن الخطاب مع بلال رضي الله عنه فلم يعنفه وإنما قال ( يا بلال ) أي العتاب ؟ العتاب محذوف مقدر ( قال بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ) فكأنه قال ” يا بلال ما منعك أن توقظنا ” وهذا أسلوب من أساليب اللغة العربية ، وقد يسمى بالإيجاز والإيجاز نوعان، إيجاز معنى وإيجاز حذف ، وهنا إيجاز حذف ، بدل أن يقول ” يا بلال ما منعك ” قال ( يا بلال ) لأن المقصود معروف .

ومن الفوائد :

أن الجواب ينبغي أن يكون موافقا للحال ، ولذلك فعله بلال رضي الله عنه فقال ( أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك )

 

 

ومن الفوائد :

أن مقولة بلال وعدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه مثيل له ، فهو عليه الصلاة والسلام ينام وينسى ويحصل له ما يحصل للبشر ، إلا أن الله عز وجل ميزه بالوحي وميزه بأن يتصف بأكمل صفات المخلوقين – عليه الصلاة والسلام .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يقتادوا الإبل ، أهو من أجل الزمن  ؟ أم من أجل المكان ؟

فإن قلنا إنه من أجل الزمن ، فإنه عليه الصلاة والسلام أمرهم أن يقتادوا إبلهم من أجل أن يذهب الوقت المنهي عن الصلاة فيه ، فالاقتياد من أجل الزمن .

وإما أن نقول إن الاقتياد من أجل المكان – وهذا هو الصواب – لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( تحولوا عن المكان الذي أصابتكم فيه الغفلة ) وليس المقصود الزمن ، ومن قال إن الاقتياد من أجل الزمن لأنه يرى أن الصلاة الفائتة لا تقضى في الأوقات المنهي عنها ، ونحن نقول هذا ليس بصحيح ، لأن آخر الحديث يدل على الجواز ( من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها )

 

ومن ثم لو أن الإنسان نام عن الصلاة حتى خرج وقتها فإن الأفضل في حقه أن يتحول عن هذا المكان وألا يصلي فيه ، وذلك في رواية أخرى ( فإن الشيطان قد حضركم فيه )

لو قال قائل :

لو غلبني النوم عن صلاة الفجر فلم أستيقظ إلا بعد طلوع الفجر وأنا قد نمت في غرفتي ؟

نقول إذا أردت أن تصلي انتقل إلى غرفة أخرى أو إلى مكان آخر في البيت ، ولا تصل في هذا المكان .

ومن الفوائد :

مسألة :

إذا خرج الوقت واستيقظ الإنسان هل يلزم أن يصلي فورا ؟

أم له أن يؤخر ذلك بما أن الوقت قد فاته ؟

قولان لأهل العلم :

قال بعض العلماء : له أن يؤخرها ، لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلها فورا وإنما أمرهم أن يقتادوا الإبل .

وقال بعض العلماء – وهو الصحيح – يقول : لابد أن يصليها فورا ، لأن هذا الوقت هو وقتها ، قال صلى الله عليه وسلم ( فليصلها إذا ذكرها ) وإنما جاز التأخير لبعض الوقت من أجل حصول ما هو أفضل ، لأنه سينتقل من هذا المكان الذي أصابتهم فيه الغفلة ، ولذا لو أنه سينتظر زيادة مجموعة سيصلون معه فلا إشكال في التأخير اليسير بدلالة هذا الحديث .

ومن الفوائد :

أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقتادوا الإبل لأن هذا المكان قد حضر فيه الشيطان ولأن الغفلة أصابتهم، فيه دليل على أن من كان في بيئة فاسدة فأراد الصلاح لنفسه أن يتحول عن هذه البيئة ، فإذا كان هذا المكان أثرت فيه الغفلة هذا التأثير فكيف بابن آدم الذي يكون في بيئة من رفقة سيئة أو نحوها ؟ فعليه أن يتحول إلى مكان آخر حتى يصلح حاله مع الله سبحانه وتعالى ، وهذا كما قال ذلك العالم للرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا كما في الصحيحين وكمل بالعابد المائة لما قال ليس لك توبة ، قال العالم ( ومن يحول بينك وبين التوبة ، ولكن اذهب إلى أرض كذا وكذا فإن بها قوما يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء )

ولذلك من أراد الانتقال من الشر إلى الخير أو من الفساد إلى الإصلاح فعليه أن يغير بيئته التي يعيش فيها من أقرباء أو أصدقاء .

والحديث له فوائد كثيرة لعلها تستكمل في الدرس القادم إن شاء الله تعالى ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .