تعليقات على سنن (  أبي داود  ) ـ الدرس الثاني والستون 472-473

تعليقات على سنن (  أبي داود  ) ـ الدرس الثاني والستون 472-473

مشاهدات: 439

تعليقات على سنن (  أبي داود  ) ـ الدرس الثاني والستون

من حديث 472 حديث 473

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء في فضل القعود في المسجد

حديث رقم – 472-

( صحيح ) حدثنا هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد ثنا عثمان بن أبي العاتكة الأزدي عن عمير بن هانئ العنسي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أتى المسجد لشيء فهو حظه )

من الفوائد :

بيان فضل إخلاص النية لله عز وجل في العمل ، وهذا الحديث يتوافق حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الصحيحين ( إنما الأعمال بالنيات ) فقد يأتي شخص للمسجد بغرض التقرب إلى الله عز وجل بصلاة أو تلاوة قرآن أو ذكر ، فيكون بذلك مأجورا ، فعلى الإتيان الذي أتى به يكون حظه من الأجر ، ومنهم من يأتي إلى المسجد لغرض آخر ليس لغرض الآخرة وإنما قد يكون بغرض الفُرجة ، يمكن يأتي الإنسان إلى مسجد يذكر له أن فيه من الجمال ما فيه ، أو أن فيه حادثة قد وقعت يريد أن ينظر إلى تلك الحادثة أو أنه أتى لمجالسة فلان في ذلك المسجد مؤانسة ومحادثة ، فمجيئه هذا لا يثاب عليه ، والحظ هو النصيب ، نصيبك في مجيئك إلى  المسجد بقدر نيتك ، ولذلك العمل القليل يعظم بالنية ، والعمل الكثير يسقط بالنية ، فالنية هي المَحَك ، وكلما كان العبد لله عز وجل أخلص كلما كان الأجر أعظم وأكثر ، ومتى يكون الإخلاص شاقَّا ؟ كلما كثرت الفتن والصوارف والموانع للإنسان ، فلو أن الناس انهمكوا في طلب المناصب والجاه والشهرة ، هنا يأتي المحك لهذه النية إن طلبها مجاراة للناس ورفعة له عندهم فإنه يكون مأزوراً ، لكن إن طلبها من أجل نفع إخوانه المسلمين ، ومن أجل نشر الخير فإنه يكون مأجورا ، فتحقيق النية عسير إلا على من سهله الله عز وجل عليه ، ولذا يقول ابن أبي مُلَيْكة رحمه الله كما عند البخاري ( أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخشى على نفسه من النفاق لا يقول إنه على مثل إيمان جبريل أو ميكائيل ) هؤلاء من هم ؟ هم الصحابة رضي الله عنهم ، فكيف بمن أتى بعدهم ؟

ولذلك علينا أن نتعاهد قلوبنا ، لأن القلب هو محل النية ، وصلاح هذه النية صلاح للأعمال ، في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه في الصحيحين ( إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) حتى فيما يتعلق بطلب العلم الشرعي ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما في السنن ( من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة ) وفي حديث آخر ( لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولتماروا به السفهاء ، فمن فعل ذلك فالنار النار ) والإمام أحمد رحمه الله لما سئل عن أجل العبادات وأفضلها ؟ قال العلم الشرعي إذا صحت النية ، قيل يا إمام كيف تصح النية في طلب العلم ؟ قال يتعلم العلم ليرفع الجهل عن نفسه وعن غيره ، وليس يتعلم العلم من أجل أن يستقطب الناس حوله ! أو أن تكون له مكانة من حيث يعرف فيُخدم ، أو أنه إذا أتى إلى مجلس من المجالس تصدَّره ، أو من أجل أن يُشار إليه بالبنان فيمدح ويثنى عليه ، فهذا أمر عسير ، فالإخلاص عزيز ولا تصل إليه إلا النفوس العزيزة ، ولذلك يقول بعض السلف ( المخلص من استوى حمد الناس وذمهم عنده ) يعني ذموا أم مدحوا ، فهذه هي علامة المخلص ، فنسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول وفي العمل ، ولاسيما في مثل هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن وكثر فيه حب الناس للدنيا ، لأن الإنسان قد يطلب العلم من أجل أن يحصل على منفعة أو أن يحصل على وظيفة ، فبعض الناس يدخل في الكليات الشرعية يريد بذلك الوظيفة ، فهذا من المصائب التي يصاب بها الإنسان ، فواجب عليه أن يتعلم العلم الشرعي لذات العلم الشرعي ثم لو أصحب هذه النية هذا الأمر من أجل أن يكون في مكان ينفع الله عز وجل به الإسلام وأهله فهذا يمدح ويحمد ، والله المستعان .

 

باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد

حديث رقم – 473-

( صحيح ) حدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي ثنا عبد الله بن يزيد ثنا حيوة يعني بن شريح قال سمعت أبا الأسود يعني محمد بن عبد الرحمن بن نوفل يقول أخبرني أبو عبد الله مولى شداد أنه سمع أبا هريرة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا أداها الله إليك فإن المساجد لم تبن لهذا )

من الفوائد :

بيان فضل المسجد ، وأن المسجد لا يضاهى به أماكن الدنيا ، فالمسجد له خصوصيته والأماكن الأخرى لها خصوصيتها ، ولذلك علل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بعلة قال ( فإن المساجد لم تبن لهذا ) إذاً بنيت لم ؟ بنيت لذكر الله عز وجل والصلاة ونحو ذلك من العبادات  .

ومن الفوائد :

أن ( الضالة ) لا تُطلق إلا على الحيوان ، فإذا قال شخص ” فقدتُ ضالة ” من حيث اللغة لا تكون إلا على الحيوان ، أما من غير الحيوان كأن يفقد الإنسان نقودا أو أثاثا أ ونحوا من ذلك غير الحيوان فإنه يسمى ( ضائع أو لقيط ) لكان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الضالة لأن هذه لبيان الواقع ، لأنه في بعض الروايات ( سأل رجل عن جمل له )

ويمكن أن يقال إن هذا من باب بيان الغالب ، لأن غالب ما يُفقد في ذلك الزمن هي الحيوانات لعظم قدرها عندهم ، وعلى كلتا الحالتين سواء قلنا إنه لبيان الواقع أو لبيان الغالب فإنه لا مفهوم له ، بمعنى أنه لا يخرج ما سوى البهائم ، بمعنى لا يأتي إنسان ويقول إن المنهي عنه هو نشد البهائم أما لو ضاعت نقودي أو محفظتي فلي الحق في ذلك ، فنقول لا .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من سمع رجلا ينشد ضالة ) علَّق الحكم بالسماع ، وذكر الإنشاد ، والإنشاد هو رفع الصوت ، فهل هذا من باب بيان الواقع أو بيان الغالب من أن الإنسان إذا فقد شيئا رفع صوته التماسا وطلبا له ؟ فيكون هذا النهي لرفع الصوت ، وكذلك لو أنه أتى إلى إنسان في المسجد فهمس في أذنه وقال أرأيت نقودي ؟ فيدخل في هذا الحكم ، أو يقال إن ذكر السماع والإنشاد يدل على أن المنهي عنه هو رفع الصوت ، أما لو أنه أتى إلى إنسان وقال في أذنه هل رأيت محفظتي ؟ فبعض العلماء جوَّز هذا ، وآخرون أخذوا بالعموم ، وهو محتمل لهذا ولهذا ، والأقرب ( المنع ) لأنه قال في آخر الحديث ( لم تبن لهذا ) والله أعلم .

ومن الفوائد :

أنه قال ( لا أداها الله إليك ) هنا ” لا ” النافية دخلت على الفعل الماضي ، ولكن ” لا ” لم تتكرر لأن السياق سياق دعاء ( لا أداها الله إليك ) لكن لو كانت في سياق غير الدعاء الأفضل أن تكرر ” لا ”  {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى }القيامة31 ، فلو في غير القرآن قال ( فلا صدق وصلى ) لا إشكال ، لكن الأكثر والأحسن إذا كان الفعل الماضي يراد نفيه بلا فتتكرر ، ويمكن أن تبقى هذه المعلومة في ذهنك إذا ذكرت هذين المثالين الآية في سياق الخبر والآية في سياق الدعاء ، وهذا مما أنصح به ، فقد يتلقى الطالب المعلومة فتنسى ، فإذا أراد أن تثبت فعليه أن يتذكر أمثلتها ، إما من حيث الواقع أو من حيث الدليل الوارد في الشرع ، فهنا لما تمضي عليه سنين وتمر عليه هذه المسألة ويتذكر هذه المثال يتذكر المسألة .

وللحديث تتمة إن شاء الله تعالى .