بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب ما جاء فيما يقول الرجل عند دخوله المسجد
حديث رقم – 466-
( صحيح ) حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شريح قال : لقيت عقبة بن مسلم فقلت له بلغني أنك حدثت عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم قال أقط ؟ قلت نعم ، قال فإذا قال ذلك قال الشيطان ” حُفظ مني سائر اليوم )
من الفوائد :
استحباب قول هذا الذكر عند إرادة الدخول إلى المسجد ، فإن الذكر الوارد عند الدخول إلى المسجد قد تنوع بتنوع ورود هذه الأحاديث ، فمن بين ما ورد ما ذكر في الدرس الماضي ، ومن بين ما ورد أن يقول المسلم إذا أراد أن يدخل المسجد ( أعوذ بالله العظيم وبوجه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم )
ومن الفوائد :
أن السلف رحمهم الله كانوا يحبون نشر العلم إلى درجة أنما يخفى على السائل يحرصون على إظهاره ولا يختصرون على ما سأل عنه متى ما وجدت الحاجة ، ولذلك قال عقبة رضي الله عنه لحيوة قال ( أقط ؟ ) يعني أهذا هو الذي سمعت مما روي عني ؟ قال نعم ، فأخبره بالثواب المترتب على من قال هذا الذكر من أن الشيطان يقول ( حفظ مني سائر اليوم )
ولهم في هذا أسوة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في المسند والسنن ( أن الصحابة رضي الله عنهم لما سألوه عن ماء البحر ، فقال أنتوضأ به ؟ قال هو الطهور ماؤه ) ولما علم بجهلهم بحكم الصيد إذ لما جهلوا حكم الماء من باب أولى أن يجهلوا حكم أكل ميتته ، فقال صلى الله عليه وسلم ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته )
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث فيه رد على الجهمية ومن شابههم ممن يقول بأن وجه الله عز وجل لا يراد منه الوجه الحقيقي، فيقولون ليس لله وجه ، لأننا لو قلنا بأن لله وجها أثبتنا أن له جسما ومن ثم أثبتنا أنه يشبه المخلوقين ، ونحن نقول لهم قولكم هذا باطل ، لأنكم مثلتم الله عز وجل بخلقه ، فله سبحانه وتعالى وجه يليق بجلاله وعظمته لا يشابه وجه المخلوق .
نقول لهم ماذا تقولون في الوجه وما ذكرته النصوص فيه ؟
يقولون المراد من وجه الله ذات الله أو ثواب الله ، وليس هو الوجه الحقيقي كما زعموا ، فنقول نرد عليكم بهذا الحديث ، في هذا الحديث ذكر الله وذكر الثواب ، قال ( أعوذ بالله العظيم ) مما يدل على الذات ، الثواب ( حفظ مني سائر اليوم )
فكونكم تقولون إن الوجه هو الذات مردود عليكم بكلمة ( أعوذ بالله العظيم ) وكونكم تقولون إن الوجه هو الثواب مردود عليكم بما جاء في آخر الحديث ( حفظ مني سائر اليوم ) ومن ثم فإن معتقد أهل السنة والجماعة إثبات الوجه لله عز وجل بما يليق بجلاله وعظمته من غير تكييف ولا تحريف ولا تمثيل ولا تعطيل .
ومن الفوائد :
أن كلمة ( أعوذ بالله ) هي الالتجاء والاعتصام بالله عز وجل من شيء تخافه ، والاستعاذة تختلف عن اللياذة ، فالاستعاذة الاعتصام بالله عز وجل من الشيء الذي تخافه ، أما اللياذة فهي سؤال ما يؤمله العبد .
ومن الفوائد :
إثبات صفة الكرم لوجه الله عز وجل ، ولذلك قال ( وبوجهه الكريم ) ولذا وجه الله عز وجل عظيم ولا يُسأل الله عز وجل – كما مر معنا في التوحيد – لا يسأل بوجه الله عز وجل إلا الجنة ، فلا ينبغي للمسلم أن يقول ” أسألك بوجهك الكريم أن ترزقني مالا ” وإنما يقول ” أسألك يا الله أن ترزقني مالا ” لكن ذكر الوجه فيما هو مطلوب من حقارة الدنيا لا يليق ، فوجه الله عز وجل عظيم ولا يسأل به إلا الشيء العظيم ، والجنة عظيمة ، ولذلك جاء حديث ( لا يسأل بوجه الله إلا الجنة ) لعل الأدلة الأخرى تؤيده .
ومن الفوائد :
أن الله عز وجل وصف بأنه عظيم ، فهل يجوز أن يوصف المخلوق بأنه عظيم ؟ كانوا فيما مضى إذا أرسلوا وخاطبوا ملكا قالوا ( الملك المعظم ) أيجوز أن يوصف المخلوق بأنه عظيم ؟
الجواب : يجوز ، لكنها عظمة نسبية تليق به كمخلوق ، والدليل على جواز هذا ، أدلة من قول الهدد لسليمان عليه السلام { إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ }النمل23 ، والعرش هو سرير الملك ، فوصف بأنه عظيم ، فلا بأس بمثل هذا ، شريطة أن يكون هذا الوصف صادقا على من أطلق عليه ، أما إذا لم يكن عظيما فإن هذا كذب وإخبار بخلاف الواقع .
ومن الفوائد :
حاجة الإنسان حاجة ماسة إلى ربه عز وجل للاعتصام به من كيد ووسوسة الشيطان ، فالشرع جعل لنا سلاحا قويا عظيما متينا نصد به ما يأتي به عدونا الشيطان ، وهذا الذكر وأمثاله لو قام به الإنسان ونطق به على الوجه الأكمل لحصل على خير عظيم ودفع عنه شر كثير ، ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله يقول( إذا كان لابن آدم ورد يحافظ عليه ويتوافق قلبه مع لسانه كان ذلك أبلغ وأعظم في صد العدو الذي هو الشيطان الرجيم ، ولو نزل به بلاء كان هذا البلاء أخف مما لو لم يقل هذا الورد) .
ومن الفوائد :
أن كلمة ( شيطان ) مأخوذ من كلمة إما ( شَطَنَ أو شاط ) وكلا المعنيين صحيح ، فهو من شطن إذا بعد ، لأنه مبعود عن رحمة الله عز وجل ، أو من شاط يعني غضب ، وهذا الوصف فيه لأنه لما أُمر بالسجود لآدم عليه السلام غضب ولم ينفذ الأمر .
ومن الفوائد :
أن كلمة ( الرجيم ) إما بمعنى اسم الفاعل أو اسم المفعول ، يعني إما بمعنى راجم أو مرجوم ، ويصدق عليه الأمران ، فهو مرجوم يعني مبعود ومطرود من رحمة الله عز وجل ، وهو راجم لأنه يرجم غيره بالإغواء والوسوسة ، فصدق فيه الوصفان .
ومن الفوائد :
أن هذا الذكر إذا قاله ابن آدم عند الدخول للمسجد ( أعوذ بالله العظيم وبوجه الكريم وسلطان القديم ) إذا قال هذا الذكر قال الشيطان ( حفظ مني سائر اليوم ) وهذا له نظائر كما جاء عند مسلم ( أن العبد إذا دخل بيته فلم يقل بسم الله ، قال الشيطان لأعوانه أدركتم المبيت ، فإذا قدِّم الطعام ولم يقل بسم الله ، قال الشطيان أدركتم المبيت والعشاء ، فإذا ذكر اسم الله عند دخوله لبيته وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم اليوم ولا عشاء ) وهي ولله الحمد ألفاظ سهلة مسيرة ، وهذا يدل على أن جارحة اللسان من أعظم الجوارح ، فهذا اللسان إما أن يرفعك إلى أعلى وإما أن يسقطك إلى أسفل ، ولذلك لو حافظ الإنسان على لسانه – لأن هذا اللسان لابد أن يتكلم طبيعة – فإن تكلمت بخير ارتفعت وإن لم تتكلم بالخير أهوى بك وأسقطك ، والأحاديث في مثل هذا كثيرة .
ومن الفوائد :
أن ( أل ) في ( الشيطان ) إما أن تكون للعهد الذهني ، يعني القرين ، وليس كل الشياطين ، فيكون الإنسان محفوظا من هذا الشيطان القرين وليس محفوظا من غيره من الشياطين ، ولذلك يقع من ابن آدم ذنوب مع أنه يقول هذا الذكر .
وقال بعض العلماء : إن ( أل ) هنا للعموم فيحفظ من جميع الشياطين ، ولكن ليس محفوظا من كل الذنوب .
ويمكن أن نقول إنه للعموم في الحالتين فيعم جميع الشياطين ويعم جميع ما يحفظ منه ابن آدم شريطة أن يقول هذا الذكر وقلبه حاضر ومعتقده عظيم بهذا ،ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح قال ( إذا أتى أحدكم أهله فقال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فقدِّر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا ) ما قيل هنا يقال في ذلك الحديث .
ومن الفوائد :
هل يحفظ من الشيطان كل اليوم أو بقيته ، لأنه قال سائر ؟
قال بعض العلماء : يحفظ بقية اليوم .
وبعضهم قال : يحفظ جميع اليوم ، وإذا قيل بهذا دل على أن كلمة سائر قد ترد بمعنى الجميع ، لأن المنة تكون ولا شك بأنه يحفظ في جميع يومه .
لو قال قائل : هل يدخل الليل لأنه لم يذكر إلا اليوم ؟
قال بعض العلماء : ليس المقصود من كلمة اليوم اليوم بذاته وإنما مطلق الزمن ، فمتى ما قال هذا الذكر عند دخوله للمسجد يكون محفوظا من الشيطان في يومه وفي ليلته ، وهو ذكر ولله الحمد يسير .
نسأل الله عز وجل لنا ولكم الإعانة على ذكره وشكره وحسن عبادته .