الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
حديث رقم -419-
( صحيح ) حدثنا مسدد ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال : أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة صلاة العشاء الآخرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يصليها لسقوط القمر لثالثة ” )
من الفوائد :
أن أداء النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء يختلف من زمن إلى زمن آخر فلربما صلاها متأخرا بعض الشيء، ولربما أخرها إلى آخر ثلث الليل ، وهذا الحديث يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة العشاء إذا غاب القمر واختفي في الليلة الثالثة ، فإنه يبدو في الليلة الثالثة ثم إذا اختفى عن أعين الناس صلّاها عليه الصلاة والسلام ، ومعلوم أن غياب القمر في الليلة الثالثة يختلف باختلاف الفصول ، بالنسبة إلى فصل الشتاء وبالنسبة إلى فصل الصيف ، فلعل هذا الحديث يوضح أنه لا تحديد لصلاته عليه الصلاة والسلام للعشاء في زمن ما ، ومعلوم أنه كان يحب أن يؤخرها إلى ثلث الليل أو إلى نصف الليل ، ومعلوم أن كان إذا اجتمع أصحابه عجل بها رحمة بهم ، وإذا تأخروا كان ذلك أسر له ، فيؤخر حتى يدرك الوقت الفاضل لهذه الصلاة .
حديث رقم -420-
( صحيح ) حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير عن منصور عن الحكم عن نافع عن عبد الله بن عمر قال : مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده ، فلا ندري أشيء شغله أم غير ذلك ، فقال حين خرج أتنتظرون هذه الصلاة ؟ لولا أن تثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة ، ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة )
من الفوائد :
أن كلمة ( مكثنا ) يصح أن تضم فيه الكاف ( مكُثنا ) .
ومن الفوائد :
بيان أن أفضل وقت تؤدى فيه صلاة العشاء إذا ذهب ثلث الليل الأول .
ومن الفوائد :
أن الروايات الأخرى بينت أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا ينتظرونه لصلاة العشاء ( حتى تخفق روؤسهم ) وفي رواية ( يضعون جنوبهم ) وهذا يدل على أنهم كانوا أهل عمل في نهارهم ، ولولا المشقة الحاصلة لهم – كما ذكر عليه الصلاة والسلام هنا من أن تثقل عليهم – لأخرها إلى ما بعد ثلث الليل .
ومن الفوائد :
أن الخروج المذكور هنا هو خروجه عليه الصلاة والسلام من حجرته .
ومن الفوائد :
أن الصحابة رضي الله عنهم انشغلوا بتأخره عليه الصلاة والسلام ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر على غير المعتاد ، ولذلك استفهم الصحابة ( أشغله أمر آخر ) ؟ فأدرك عليه الصلاة والسلام ذلك فأجابهم بهذا الجواب .
ومن الفوائد :
أن على الإمام أن يرفق بالمأمومين ، حتى لا يثقل الصلاة عليهم ، فليحرص على أن يرغب الناس في الصلاة ، ولذلك عدل عليه الصلاة والسلام عن الوقت الفاضل إلى الوقت المفضول لصلاة العشاء خيفة من أن تثقل الصلاة على أصحابه ، والإنسان – ولاسيما الداعية – يحرص على أن يرغب الناس إلى الدين ، ولذلك يمكن أن نأخذ قاعدة من هنا [ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ]
ومن الفوائد :
أن الفاصل الطويل بين الأذان والإقامة لا يؤثر .
حديث رقم -421-
( صحيح ) حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي ثنا أبي ثنا حريز عن راشد بن سعد عن عاصم بن حميد السكوني أنه سمع معاذ بن جبل يقول : أبقينا النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة فأخر حتى ظن الظان أنه ليس بخارج والقائل منا يقول صلى فإنا لكذلك حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له كما قالوا فقال لهم اعتموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم )
من الفوائد :
أن لفظ ( أبقينا ) جاء بلفظ آخر ( بقينا ) بدون همز ،والمعنى واحد ، أي انتظرنا الرسول عليه الصلاة والسلام .
ومن الفوائد :
أن تأخير صلاة العشاء أمر ندب إليه الشرع ، لقوله ( أعتموا ) يعني أدخلوها في آخر العتمة ، وهذا يدل على أن العتمة ليست أول العشاء ، وإنما هو مستمر إلى آخر وقت صلاة العشاء ، لقوله ( أعتموا ) .
ومن الفوائد :
أن هذه الصلاة فضلنا بها على الأمم السابقة ، فكأن هذه الحديث يشير إلى أن صلاة العشاء ليست موجودة فيما سبق ، ولكن قد يشكل على هذا قول جبريل عليه السلام ( هذا وقتك ووقت الأنبياء من قبلك ) فدل على أن هذه الصلاة موجودة عند الأنبياء السابقين ؟
أجاب بعض العلماء فقال : إنها موجودة في الأمم السالفة ولكن ليست واجبة عليهم وإنما هي واجبة على الأنبياء فقط ، كما أن قيام الليل واجب على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجب على أمته ، قوله تعالى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً }الإسراء79 .
وصلاة الليل بالنسبة إلى رسولنا عليه الصلاة والسلام أهي واجبة أم لا ؟
خلاف بين أهل العلم ، المهم أنهم استدلوا بهذه الآية على أن صلاة العشاء كانت واجبة على الأنبياء السابقين ولم تجب على أممهم ، حتى نجمع بين هذا الحديث وبين حديث ( هذا وقتك ووقت الأنبياء من قبلك ) .
وقال بعض العلماء : لا إشكال ، فصلاة العشاء موجودة في الأمم السابقة حتى على آحاد أممهم ، ولكن الوقت الذي فضلت به هذه الأمة على سائر الأمم هو ما كان بعد ثلث الليل ، فكأن وقت ثلث الليل بالنسبة إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم فضلت به على سائر الأمم ، فتكون صلاة العشاء موجودة في الأمم السابقة .
وهذا كالوضوء ، فالوضوء موجود في الأمم السابقة ، لكن خصت أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالغرة والتحجيل .
ومن الفوائد :
أن العشاء وصفت هنا بأنها ( عتمة ) وجاء حديث ينهى فيه المسلم عن أن يسمي صلاة العشاء بالعتمة ، والمسألة ستأتي معنا إن شاء الله تعالى ، ولكن اختصارا ، يقول ابن القيم رحمه الله ” لا بأس أن يقال العتمة شريطة ألا يهجر الاسم الشرعي الحقيقي لها وهي صلاة العشاء ، فإنها في كلام ربنا مسماة بصلاة العشاء “
وهذا مثل العقيقة والنسيكة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام عن العقيقة ( لا أحب العقوق ) مع أنه سماها عقيقة ( كل غلام مرتهن بعقيقته ) فالاسم الشرعي أن يسمى ما يذبح في اليوم السابع عن الغلام يسمى بنسيكة ، هذا هو الاسم الشرعي ، فلا يعدل عن الاسم الشرعي ويستمر على كلمة ( العقيقة ) فإن هذا مما نهي عنه ، فلو سماها عقيقة في بعض الأحيان فلا بأس ، ومن باب أولى ألا تمسى ( تميمة ) لأن التميمة تختلط بالتميمة الشركية المنهي عنها ( من تعلق تميمة فلا أتم الله له ) ولذا ينبغي إذا ذكرت أن ينبه للناس أن لفظة التمائم ليست واردة في الشرع ، بل وردت في الشرع بأنها مذمومة ، ولو سمى العشاء بالعتمة في بعض الأحيان فلا بأس .