تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس الخمسون حديث 435 ( 2 ) حتى حديث 437

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس الخمسون حديث 435 ( 2 ) حتى حديث 437

مشاهدات: 445

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس الخمسون

حديث  435 ( 2 ) حتى حديث 437

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب فيمن نام عن صلاة أو نسيها

حديث رقم -435-

( صحيح ) حدثنا أحمد بن صالح ثنا بن وهب أخبرني يونس عن بن شهاب عن بن المسيب عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى عرس وقال لبلال اكلأ لنا الليل قال فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى إذا ضربتهم الشمس فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظا ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا بلال فقال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله فاقتادوا رواحلهم شيئا ثم توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بلالا فأقام لهم الصلاة وصلى بهم الصبح فلما قضى الصلاة قال من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى قال أقم الصلاة للذكرى قال يونس وكان بن شهاب يقرؤها كذلك قال أحمد قال عنبسة يعني عن يونس في هذا الحديث للذكرى قال أحمد الكرى النعاس )

هذا الحديث قد سبق وأن ذكرنا شيئا من فوائده ، ومما تبقى من فوائد :

أن هذا الحديث ذكرت فيه الإقامة ولم يذكر فيه الأذان ، فإذا فات الناس الصلاة أيقتصر على الإقامة أم لابد من الأذان معه ؟

قولان لأهل العلم :

فمنهم من اقتصر على الإقامة لما جاء في هذا الحديث ، ومنهم من قال بالأذان مع الإقامة – وهو الصواب- لأن الحديث الذي سيأتي معنا إن شاء الله بعيد هذا يدل على أنهم أذَّنوا ، ومن ثمَّ فإن الأذان مشروع للفوائت .

وإذا كانوا جماعة فإن الأذان في حقهم واجب ، بمعنى أنه واجب وجوبا كفائيا ، ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذن ، ويؤكده قوله صلى الله عليه وسلم في حديث مالك بن الحويرث ، قال ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما ) وصلاة من فاتته الجماعة قد حضرت ، فواجب عليهم أن يؤذنوا ، فيكون الأذان واجبا للصلاة الحاضرة وللصلاة الفائتة .

أما إذا كان وحده فإن الأذان والإقامة في حقه مستحبان ، وسيأتي لهذا حديث إن شاء الله تعالى عن حكم الأذان والإقامة

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث لم يذكر أنهم صلَّوا ركعتي الفجر ، بينما ورد فعلهم هذا في الحديث الآتي ، وهذا يدل على أن تتبع الأحاديث يعطي طالب العلم تصورا شاملا عما صدر منه عليه الصلاة والسلام فيكون حكمه واضاحا بينا .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هنا ( من نسي صلاة ) وهم لم ينسَّوا الصلاة ، وإنما ناموا عنها ، فيقال إن ذكر النوم أتى في أحاديث أخرى ، ولأنه أراد عليه الصلاة والسلام أن يبين أن النسيان شقيق للنوم في الأحكام ، وإلا فمعلوم من هذه الحادثة أنهم لم ينسوا وإنما ناموا ، ولا شك أن النسيان قرين النوم في رفع الحرج ، كما جاءت بذلك نصوص أخرى .

ومن الفوائد :

أن قوله صلى الله عليه وسلم ( فليصلها ) أمر أتى بصيغة الفعل المضارع مع لام الأمر ، فيدل على الوجوب ، وإذا كان يدل على الوجوب فما هي الأحكام الواجبة هذه الجملة ( فليصلها ) ؟

الحكم الأول :

أن أداءها يجب على الفور حتى لو خرج وقتها ، إلا أن التأخير اليسير كما أسلفنا من أجل مصلحة الصلاة لا يؤثر .

الحكم الثاني :

أنه يصليها مرتبة ، فقد تفوته أكثر من صلاة ، وهذه الجملة دليل لمن قال بوجوب الترتيب بين الفوائت ، فلو فاتته صلاة الظهر والعصر والمغرب فعليه أن يبدأ بها مرتبة ، لقوله ( فليصلها ) والضمير راجع إلى تلك الصلوات المعهودة في الشرع ، والمعهود عن تلك الصلوات في الشرع أن يؤتى بها مرتبة .

الحكم الثالث :

أنه يصلي تلك الصلوات بهيئتها وصفتها ، وقد يكون من هيئتها ما هو مستحب ، ولذا لو أن صلاة الفجر فاتته حتى خرج وقتها أو فاتته صلاة العشاء فتذكرها في النهار فإنه إذا صلاها يصليها أربعا ويصليها جهرا .

الحكم الرابع :

أن وقت النائم ووقت الناسي من حين استيقاظ النائم ومن حين تذكر الناسي ، ومن ثم تأتي مسألة وهي :

لو أن الإنسان استيقظ من نومه وقد أوشكت الشمس على الغروب ولم يصل العصر ، فهنا بين أمرين إن توضأ فصلى العصر وقع منه الوضوء وكانت الصلاة خارج الوقت يعني بعد الأذان ، وإن استدرك الوقت فتيمم صلى في الوقت ،  فهو بين أمرين إن توضأ كانت صلاته بعد غروب الشمس ، وإن تيمم كانت صلاته قبل غروب الشمس ، فماذا يفعل ؟

اختلف العلماء في هذه المسألة :

فالإمام مالك رحمه الله يرى أنه يتيمم حتى يغتنم الوقت فيصلي العصر قبل أن يخرج وقتها .

بينما جمهور العلماء يرون أنه يتوضأ ولو كانت صلاته بعد غروب الشمس ، لم ؟ قالوا لأنه ليس كالمستيقظ ، فهذا نائم والنائم وقته من حين استيقاظه، فالوقت موسع بالنسبة إليه .

وهذا هو الصواب .

لكن لو كان الإنسان يقظا ولم يجد الماء ، فهنا يجب عليه أن يتيمم ويبادر بالصلاة ، ففرق بين النائم والناسي وغيرهما ، لم ؟ لأن وقت النائم من حين استيقاظه ، ووقت الناسي من حين تذكره .

الحكم الخامس :

أن عليه أن يصلي هذه الصلاة فقط ، وهل يلزم بصلاة أخرى ؟

الجواب : لا يلزم ، لأن هناك رواية ستأتي معنا في الحديث الآتي ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يصلوها من الغد لوقتها ) يعني لما صلاها قضاء فإذا جاء اليوم التالي يصليها مرة أخرى ، فدل هذا الحديث على أنه لا يلزم بصلاة أخرى ، وإنما عليه أن يصلي هذه الصلاة المذكورة التي فاتته

ومن الفوائد :

أن ابن شهاب رحمه الله كان يقرأ  ( للذكرى ) كما جاء عند مسلم ، والقراءة السبعية { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي }طه14، فدل على أن الصلاة هي من أعظم العبادات التي يذكر فيها العبد ربه عز وجل وأن المحافظة عليها في أوقاتها من ذكره سبحانه وتعالى .

سؤال : هل يجوز أن يفدي الإنسان بأبيه وأمه لغير النبي صلى الله عليه وسلم ؟

الجواب : هذه مسألة تطرق لها ابن حجر رحمه الله ، والصحيح الجواز فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ( ارم فداك أبي وأمي ) .

 

 

 

 

حديث رقم -436-

( صحيح ) حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا أبان ثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في هذا الخبر قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة قال فأمر بلالا فأذن وأقام وصلى ) .

قال أبو داود : رواه مالك وسفيان بن عيينة والأوزاعي وعبد الرزاق عن معمر وبن إسحاق لم يذكر أحد منهم الأذان في حديث الزهري هذا ولم يسنده منهم أحد إلا الأوزاعي وأبان العطار عن معمر .

من الفوائد :

أن اقتياد الرواحل وأن تأخر النبي صلى الله عليه وسلم لفعل الصلاة حتى ذهبوا إلى مكان آخر مبين في هذه الرواية ، قال ( تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة ) وهذا مر معنا في الفوائد المذكورة في الحديث السابق .

ومن الفوائد :

أنه صرح هنا أنه أذَّن ، وزيادة الثقة مقبولة .

 

 

 

حديث رقم -437-

( صحيح ) حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح الأنصاري ثنا أبو قتادة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر له فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم وملت معه فقال انظر فقلت هذا راكب هذان راكبان هؤلاء ثلاثة حتى صرنا سبعة فقال احفظوا علينا صلاتنا يعني صلاة الفجر فضرب على آذانهم فما أيقظهم إلا حر الشمس فقاموا فساروا هنية ثم نزلوا فتوضؤوا وأذن بلال فصلوا ركعتي الفجر ثم صلوا الفجر وركبوا فقال بعضهم لبعض قد فرطنا في صلاتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة فإذا سها أحدكم عن صلاة فليصلها حين يذكرها ، ومن الغد للوقت )

من الفوائد :

أن هذا الحديث وردت فيه جملة في بعض النسخ ( هذا راكبان ) وفي بعضها ( هذان راكبان ) فجملة ( هذان راكبان ) لا إشكال فيها ، لكنه قوله ( هذا راكبان ) أشار إلى المثنى بالمفرد ، فيحمل هذا على أن الإشارة راجعة إلى المرئي ، يعني هذا المرئي راكبان .

 

ومن الفوائد :

أن على المسلم أن ينسب إلى نفسه التفريط ، ولذلك قال الصحابة رضي الله عنهم في هذه الحادثة ( فرَّطنا ) مع أنهم كانوا نائمين ، فقول هذه الجملة ممن يعمل ارتكاب المنهي وترك الواجب من باب أولى ، لأن محاسبة النفس مما يرتقي بها العبد إلى أعلى الدرجات ، لكنه إذا غفل عن نفسه ولم يتعاهد هذه النفس أوردته المهالك من حيث لا يشعر ، ولذا على المسلم أن يكون حي القلب مستيقظ الفؤاد .

ومن الفوائد :

أن ضرب النوم على ابن آدم يدل على أن جميع حواسه قد تعطلت ، وتعطلها بسيطرة النوم عليها ، كما صنع الله عز وجل بأصحاب الكهف {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً }الكهف11، وهذا يدل على أن الإنسان قد يصاب بنوم عميق قد لا يشعر معه بشيء ، وأن هذا النوم قد يصيب من هو زكي النفس كحال النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا يدل على أنه كغيره من البشر .

ومن الفوائد :

أن من ترك واجبا لعذر من الأعذار فإنه لا يعد مفرِّطا، ولكن مع هذا الترك لا يعني أنه يدع هذا الواجب ، بل يجب عليه أن يفعله ، ولكنه ليس بملام على تركه لهذا الواجب بسبب هذا العذر ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة )

ومن الفوائد :

أنه ذكر السهو عن الصلاة مع أن المقام مقام نوم ، فدل هذا على أن النسيان قرين النوم في رفع الحرج .

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء وهو الخطابي رحمه الله قال إن جملة ( ومن الغد للوقت ) تشعر بأن إعادة الصلاة مرة أخرى تشعر بأن هذا على سبيل الاستحباب وانه لم يوجبه أحد من العلماء أن يصليها مرة أخرى .

وهذه الجملة ضعفها بعض العلماء كابن حجر رحمه الله ، وعلى افتراض ثبوتها فإنها توجه بتوجيه وهو أن هذا الوقت الذي صلَّوا فيه لا يعني أن وقت صلاة الفجر قد انتقل إليه ، بل عليهم إذا صلَّوا من اليوم التالي أن يصلُّوا في نفس وقتها المعتاد .

ومنهم من قال بالاستحباب – كما أسلفنا – لكي يدرك فضل الوقت لهذه المقضية .

ولكن نقول إن صحت فإنها محمولة على أن وقت صلاة الفجر لم يتغير ، فإذا أتوا إلى اليوم التالي يصلوها في وقتها المعتاد .