تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس الرابع والعشرون من حديث 366 – 374

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس الرابع والعشرون من حديث 366 – 374

مشاهدات: 400

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس الرابع والعشرون

من حديث 366 – 374

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله  :

باب الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه

 

حديث رقم -366-

( صحيح ) حدثنا عيسى بن حماد المصري أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حديج عن معاوية بن أبي سفيان : أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه فقالت نعم إذا لم ير فيه أذى )

من الفوائد :

أن الاستحياء في طلب العلم مذموم فإن معاوية رضي الله عنه سأل عن أمر قد يستحيى منه ، مع أنها أخته ، ففي هذا فائدة وهي أن الإنسان المسلم لا يستحي من سؤال أهل العلم ، لأن هذا من الأمور الخفية التي لا يطلع عليها إلا أخته .

ومن الفوائد :

أن في هذا الحديث دليلا لمن قال إن المني نجس ، لأنها أوضحت أنه كان يصلي فيه إذا لم يكن فيه أذى ، فوصفت المني بأنه أذى ، وهذا دليل على نجاسته .

وهي مسألة خلافية ، هل مني بني آدم طاهر أم نجس ؟

الصواب أنه طاهر ، للأدلة الكثيرة التي تدل على ذلك ، منها أن عائشة رضي الله عنها ( كانت تفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه )

فيكون توجيه هذا الحديث : أن هذا الحديث وصف فيه المني بأنه أذى لأنه شيء يتقذر منه الآدميون ، كما أن النخامة يتقذر منه مع أنها طاهرة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يظهر المظهر اللائق المناسب .

ومن الفوائد :

قلة ملابس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ لو كانت كثيرة لما احتاج إلى أن يصلي في ثوب تغسله عائشة رضي الله عنها من المني ، وفي هذا تربية لنا بأن نكون قنعين ، فإن الإنسان كلما كان قانعا كلما كان راضيا ومطمئنا ، لكن إذا لم يكن قانعا بما آتاه الله عز وجل فإنه مهما أوتي من زخارف ومتع هذه الدنيا فإنه لن يشبع منها

ومن الفوائد :

أنه قد يستدل بهذا الحديث على أن رطوبة فرج المرأة بأنها نجسة ، لأنها وصفت ما يخرج منها أو منه بأنه أذى ، ومما يخرج من الفرج غير المني رطوبة فرج المرأة ، فهل رطوبتها نجسة أم أنها طاهرة ؟

قولان لأهل العلم ، والذي يظهر أنها طاهرة ، وبعض العلماء قال إنها نجسة ، وبعض العلماء قال إن كانت تخرج من مخرج البول فإنها نجسة وإلا فتكون طاهرة ، فالأيسر والأقرب والأسهل على النساء أن يحكم بطهارة رطوبة فرجها حتى لا تقع في مشقة ، لأن بعض النساء قد يكثر معها مثل هذا الأمر ، والقول الآخر بالتفريق بين مخرج البول ومخرج المني قول قوي أيضا .

وهل هي ناقضة للوضوء ؟

قولان ، والصواب أنها ناقضة للوضوء .

باب الصلاة في شُعُر النساء

حديث رقم -367-

( صحيح ) حدثنا عبيد الله بن معاذ ثنا أبي ثنا الأشعث عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت ”  كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شعرنا أو في لحفنا ” قال عبيد الله شك أبي .

من الفوائد :

أن الشك الحاصل هنا قد يكون من عائشة رضي الله عنها ، وقد يكون من أحد الرواة ( في شُعُرنا أو في لحفنا ) .

ومن الفوائد :

أن الفرق بين الشعار واللحاف : أن الشعار هو الثوب الذي يلي البدن ، بينما اللحاف هو أعم من ذلك ، قد يكون الثوب الذي يلي البدن أو الذي يكون فوق اللباس ، ولذلك امتدح النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار بقوله ( الأنصار شعار والناس دثار ) شعار : لأنهم قريبون منه كقرب الثوب من البدن .

ومن الفوائد :

أن الصلاة في ثياب النساء أولى أن يتنزه عنها ، وذلك لأن لحف المرأة قد لا تخلو من نجاسة ، وليس محرما وإنما هو من باب الأولى الأفضل .

حديث رقم -368-

( صحيح ) حدثنا الحسن بن علي ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد عن هشام عن بن سيرين عن عائشة ”  أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في ملاحفنا ”

قال حماد وسمعت -سعيد بن أبي صدقة قال سألت محمدا عنه فلم يحدثني وقال سمعته منذ زمان ولا أدري ممن سمعته ولا أدري أسمعته من ثبت أو لا فسلوا عنه .

من الفوائد :

أن هذا الحديث يقرر ما قيل في الحديث السابق ، ولكن هذا الحديث نص على اللحاف دون أن يكون هناك شعار ، كأنه هنا جزم أنه لا يصلي في لحفنا ، فإذا كان كذلك فالمقصود به ما تغطى به الإنسان وعليه ثياب أخرى ، مثل اللحاف الذي يلتحف به أثناء النوم .

ومن الفوائد :

أن محمد بن سيرين رحمه الله كان ورعا ، فإنه أوعزهم إلى أن يسألوا غيره لكي يتثبتوا من هذا الحديث ، لأنه سمع منذ زمان فلا يدري أسمعه من ثبت أي من ثقة أم لا ، وهذا إن دل يدل على تورع السلف رحمهم الله في نقل ورواية حديث النبي صلى الله عليه وسلم .

باب في الرخصة في ذلك

حديث رقم -369-

( صحيح ) حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان ثنا سفيان عن أبي إسحاق الشيباني سمعه من عبد الله بن شداد يحدثه عن ميمونة ” أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض وهو يصلي وهو عليه ” )

من الفوائد :

أن هذا الحديث دل على أن ترك الصلاة في لحف النساء في الحديث السابق على سبيل التنزه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعلى ميمونة مرط وبعض هذا المرط عليه مع أنها حائض ، ففيه تأكيد لما سبق أن ما ورد إنما هو من باب التنزه، وأما فعله عليه الصلاة والسلام هنا فهو لبيان الجواز ، من أن الصلاة في لحف النساء جائزة .

ومن الفوائد :

أن المرأة الحائض طاهرة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط وهو الثوب وعليه مرط مما التحفت به ميمونة رضي الله عنها ، وكانت حائضا ، فما منعه ذلك من أن يصلي .

ومن الفوائد :

أن الصلاة قرب مواضع الدم ليس مكروها ولا محرما ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم قريبا من مكان الدم ولم يمنعه ذلك من يصلي قريبا منها .

حديث رقم -370-

( صحيح ) حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا وكيع بن الجراح ثنا طلحة بن يحيى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة قالت ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعلي مرط لي وعليه بعضه ” )

من الفوائد :

هذا الحديث نفس الحديث السابق ، لكن الراوي هنا عائشة  رضي الله عنها ، فالحادثة وقعت مرتين مرة لميمونة ومرة لعائشة رضي الله عنهما .

وما جاء من التنزه في الأحاديث السابقة إنما هي عن عائشة رضي الله عنها ، فتكون في إحدى المرات بينت أنه صلى الله عليه وسلم مرة ترك الصلاة في لحف نسائه ومرة صلى فيها .

ومن الفوائد :

بيان مقام نساء النبي صلى الله عليه وسلم إذ إنهن ينقلن للأمة ما يخفى عليها من هذه الأحكام الخفية ، فإن مثل هذه الأحكام لا يطلع عليها إلا نساؤه رضي الله عنهن ، فهذا يدل على فضلهن .

ومن الفوائد :

أن إخبار المرأة تحت العالم الذي يقتدى به إخبارها لما يقع بينهما من أحكام تستفيد منها الأمة لا بأس به إذا كانت هناك مصلحة كما كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم يفعلن ذلك .

 

 

 

باب المني يصيب الثوب

حديث رقم -371-

( صحيح ) حدثنا حفص بن عمر عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن همام بن الحرث أنه : كان عند عائشة رضي الله عنها فاحتلم فأبصرته جارية لعائشة وهو يغسل أثر الجنابة من ثوبه أو يغسل ثوبه فأخبرت عائشة ، فقالت لقد رأيتني وأنا أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم )

قال أبو داود : رواه الأعمش كما رواه الحكم

من الفوائد :

أن من وقعت له هذه الحادثة هنا جاء في رواية أخرى أنه شخص آخر وهو ابن شهاب الخولاني وهنا همام بن الحارث ، فكيف يوفق بين الروايتين ؟

يوفق بينهما أنهما حادثتان منفصلتان ، فهذه وقعت مرة لهمام وتلك وقعت مرة لابن شهاب .

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء استفاد من هذا الحديث أن المني طاهر ، لأن عائشة رضي الله عنها أنكرت عليه مبالغته في غسل ثوبه ، وإنما كانت تكتفي بالفرك ، ومعلوم أن فرك النجاسة لا يذهب حكمها ، فلما فركت المني دل على أنه طاهر .

بينما لو غسل المني لا بأس بذلك ، ولكن عائشة رضي الله عنها أنكرت عليه باعتبار أنه بالغ .

ومن الفوائد :

أن اتخاذ الجواري والخدم في البيوت لا بأس به ، فإن هذا مما وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضي الله عنهم ، شريطة أن تؤمن الفتنة .

ومن الفوائد :

أن نقل الشيء الغريب لمن هو أعلم منك أمر لا يُذم ، فإن همام لما رأته هذه الجارية أخبرت عائشة رضي الله عنها بصنيعه حتى تنظر في قول وحكم عائشة رضي الله عنها ، إذاً هذا لا يُذم إذا وجدت المصلحة في بيان ومعرفة الحكم الشرعي .

حديث رقم -372-

( صحيح ) حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت ” كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه ” )

قال أبو داود : وافقه مغيرة وأبو معشر وواصل .

من الفوائد :

أن هذا الحديث يؤكد ما سبق من أن المني طاهر ، لأنها رضي الله عنها نصَّت على الفرك  وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي فيه ، ولو كان نجسا لما اكتفت بالفرك .

حديث رقم -373-

( صحيح ) حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا زهير ح ثنا محمد بن عبيد بن حساب البصري ثنا سليم يعني بن أخضر المعنى والأخبار في حديث سليم قالا ثنا عمرو بن ميمون بن مهران سمعت سليمان بن يسار يقول ” سمعت عائشة تقول أنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ثم أرى فيه بقعة أو بقعا ”

من الفوائد :

أن كلمة ( المعنى ) المقصود منها إذا ذكرها المحدثون كما هنا المقصود أن هذا الحديث الذي سيورد بمثل معنى الحديث السابق

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث استدل به بعض العلماء على نجاسة المني ، لأن عائشة رضي الله عنها كانت تغسله .

وقال علماء آخرون : إن الرطب منه نجس فيغسل ، وأما اليابس فطاهر فيفرك ، توفيقا بين الأدلة .

وبعض الأئمة كمالك رحمه الله يرى : أنه يلزم غسل المني ، سواء كان رطبا أو يابسا ، ولكن الأحاديث واضحة في طهارة المني .

كيف وأصل هذا الماء هو أصل عباد الله المخلصين من الأنبياء والصالحين وغيرهم ؟!

ومن الفوائد :

بيان ما عليه عائشة رضي الله عنها من دقة الإخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى درجة أنها أخبرت أنها ترى بقعة أو بقعا ، والبقع هي اللون الذي يخالف اللون الذي معه ، فمخالفة الألوان هي معنى البقع .

 

 

 

باب بول الصبي يصيب الثوب

حديث رقم -374-

( صحيح ) حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أم قيس بنت محصن : أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حَجره فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله )

من الفوائد :

أن بول الغلام الذي لم يأكل الطعام من النجاسات المخففة ، لأن النجاسة ثلاثة أنواع ، والنجاسة من حيث الأصل نوعان [ حكمة وعينية ] فالنجاسة العينية مثل روثة الكلب أو روثة الحمار لو غسلتها مئات المرات ما طهرت .

أما النجاسة الحكمة فتنقسم إلى ثلاثة أقسام :

أولا : نجاسة مغلظة : وهي نجاسة الكلب ، يغسل الإناء إذا ولغ فيه سبع مرات أولاهن بالترب .

ثانيا :  نجاسة مخففة : وهي بول الغلام الرضيع الذي لم يأكل الطعام ، كما دل على ذلك هذا الحديث .

ثالثا : نجاسة متوسط  : وهي ما سوى هذين النوعين ، فتغسل هذه النجاسة حتى تذهب ، إن ذهبت في المرة الأولى فبها إن لم تذهب فبالثانية .

أما النجاسة المخففة فيكتفى فيها بالنضح .

ومن الفوائد :

أن قولها ( لم يأكل الطعام ) يدل على أنه لو أكل الطعام اختلف حكم بوله ، فإذا أكل الطعام فيكون بوله من النجاسة المتوسطة فيغسل ولا ينضح ، فلا يكتفى فيه بالنضح .

ولو قال قائل : الصغار الذين يشربون اللبن يأكلون الطعام ، أحيانا تضع الأم تمرة أو طعاما من الأطعمة في فمه ، فهل يخرجه عن هذا الحكم فتكون نجاسة بوله نجاسة متوسطة أم تبقى مخففة ؟

نقول : تبقى مخففة ، إذاً كيف نعرف ؟

نقول إذا رأى الطعام واشتهاه ورغب فيه واشرأبت نفسه إليه وجعل يبكي إذا رآه ،فإذا كان كذلك فإن بوله يكون نجسا نجاسة متوسطة .

ومن الفوائد :

أن التنصيص على بوله يدل على أن غائطه يغسل لأنه من النجاسة المتوسطة .

لو قال قائل : ما حكم قيئه ؟

قولان في المذهب ، يرى البعض أنه طاهر ، لأن القيء أخف من البول ، فإذا كان البول ينضح إذاً قيئه من باب أولى .

والرواية الأخرى : يقولون يغسل ، لم ؟

قالوا لأن الأصل في بوله أنه من النجاسة المتوسطة وكذلك الغائط وكذلك القيء ، فلما جاء الشرع واستثنى البول نبقى على ما استثناه الشرع ، فيكون قيئه نجسا يغسل ولا ينضح ، وهذا هو الصواب .

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء يرى أن بول الغلام يغسل ولا ينضح ، لم ؟

قالوا لأن النضح من معناه الغسل ، مثل ما مر معنا في دم الحيض أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( تحته ثم تقرصه ثم تنضحه بالماء ) فالنضح هنا في دم الحيض معناه الغسل ، ويقولون ( فبال على ثوبه ) أي بال الغلام على ثوبه هو – أي على ثوب نفسه .

والصواب / خلاف ما ذهبوا إليه ، وهو أن بوله ينضح أي يرش ، لما ورد من روايات عند ابن ماجه وغيره ( فرش عليه الصلاة والسلام على بوله ) فهذه الرواية جاءت بالتنصيص على الرش ، فهذه الرواية تبين معنى كلمة ( النضح )

ومن الفوائد :

أن هذا الغلام الذي أتى يمكن أن يكون صغيرا جدا ويمكن أن يكون قد وصل إلى الحبو ، فقوله ( فأجلسه ) أي جلس الصبي على العادة التي يجلس فيه من يحبو ، ويمكن أن يكون صغيرا جدا فيكون معنى ( فأجلسه ) أي وضعه .

والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .