تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس السابع عشر من حديث 330- 332

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس السابع عشر من حديث 330- 332

مشاهدات: 431

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس السابع عشر

من حديث 330- 332

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله في

باب التيمم

حديث رقم -330-

( ضعيف ) حدثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي أبو علي أخبرنا محمد بن ثابت العبدي أخبرنا نافع قال : انطلقت مع بن عمر في حاجة إلى بن عباس فقضى بن عمر حاجته فكان من حديثه يومئذ أن قال مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكة من السكك وقد خرج من غائط أو بول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه ثم رد على الرجل السلام وقال إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر )

قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول روى محمد بن ثابت حديثا منكرا في التيمم قال بن داسة قال أبو داود لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم ورووه فعل بن عمر .

من الفوائد :

هذا الحديث من حيث أصل القصة ثابت كما سبق ، ولكن هناك بعض الجمل ضعيفة مثل ( الضربتين ) وكذا ( أنه مسح على ذراعيه ) ولذا يقول ابن حجر رحمه الله ” لم يصح في حديث أبي الجهيم – وهو المذكور هنا – لم يصح رواية الذراعين إنما الوارد أنه مسح على يديه “

واليد إذا أطلقت في النصوص الشرعية يراد منها الكف .

ومن الفوائد :

أن ( السكة ) هي الطريق ، ولذا ما هو معتاد عند القدامى ، وأظن أن هذه الكلمة قد اندثرت ، ولكنني أدركتها ، كانوا إذا وصفوا طريقا وصفوه بالسكة ، فهذا يدل على أن كلمة السكة كلمة عربية ، وما أكثر الكلمات العربية التي نتحدث بها ونظن أنها من اللهجة العامية .

حديث رقم -331-

( صحيح ) حدثنا جعفر بن مسافر ثنا عبد الله بن يحيى البرلسي ثنا حيوة بن شريح عن بن الهاد أن نافعا حدثه عن بن عمر قال : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغائط فلقيه رجل عند بئر جمل فسلم عليه فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الحائط فوضع يده على الحائط ثم مسح وجهه ويديه ثم رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرجل السلام )

من الفوائد :

أن هذا الرجل هو أبو الجهيم كما جاءت بذلك بعض الروايات

ومن الفوائد :

أن التيمم كما هو مشروع في السفر مشروع في الحضر ، لأن هذه القصة حاصلة في الحضر .

ومن الفوائد :

أن فيه دليلا لمن قال إن التيمم يصح على التراب الذي لا غبار له ، لأنه عليه الصلاة والسلام ضرب بيديه على الحائط

ومن الفوائد :

أن التيمم – كما قال بعض العلماء – جائز لنوافل العبادة حتى مع وجود الماء ، فإن الماء كان موجودا في هذه القصة .

لكن قال من لا يرى ذلك قال إن صنيع النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود الماء لأنه خشي أن يفوته الرد على هذا الرجل فأحب ألا يرد عليه إلا وهو على طهارة ، لأن من بين جمل السلام ( السلام ) وهو اسم من أسماء الله عز وجل .

بينما يرى بعض العلماء : أن ما يخشى أن يفوت سواء كان نفلا أو فرضا يجوز التيمم ولو مع وجود الماء ، فلو خشي أن تفوته صلاة الجمعة أو صلاة العيد أو صلاة الجنازة جاز له أن يتيمم ولو مع وجود الماء .

ولكن الصواب والأقرب القول الثاني .

 

 

باب الجنب يتيمم

و فر

 

 

حديث رقم -332-

( صحيح ) حدثنا عمرو بن عون أخبرنا خالد الواسطي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة ،  وحدثنا مسدد أخبرنا خالد يعني بن عبد الله الواسطي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر قال اجتمعت غنيمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا ذر ابدُ فيها،  فبدوت إلى الرَّبْذة فكانت تصيبني الجنابة فأمكث الخمس والست ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو ذر ، فسكت فقال ثكلتك أمك أبا ذر ، لأمك الويل فدعا لي بجارية سوداء فجاءت بعُسٍّ فيه ماء فسترتني بثوب واستترت بالراحلة واغتسلت ، فكأني ألقيت عني جبلا ، فقال الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك فإن ذلك خير – وقال مسدد غنيمة من الصدقة )

قال أبو داود : وحديث عمرو أتم .

من الفوائد :

أن( غنيمة ) تصغير للغنم ، وهذا يدل على قلتها ، وقد وضحت الرواية أنها للصدقة .

ومن الفوائد :

أن العيش في المدن فيه خير عظيم ، ولكن متى ما وجدت مصلحة شرعية في أن يمكث الإنسان في الصحراء ويكون من أهل البادية فلا بأس بذلك كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أبا ذر .

ومن الفوائد :

أن ( الرَّبذة ) إحدى قرى المدينة ، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي ذر رضي الله عنه تركه للتيمم ، فدل على أن التيمم كما يكون مشروعا في السفر يكون مشروعا في الحضر .

ومن الفوائد :

أن الصحابي يجوز له الاجتهاد في عصر النبي صلى الله عليه وسلم .

ولكن متى يجوز له ؟ إذا كان بعيدا كحالة أبي ذر ؟

هذا ما ذهب إليه بعض العلماء ، أما إذا كان قريبا فبعض العلماء لا يرى الاجتهاد له .

ومن الفوائد :

أن أبا ذر رضي الله عنه ظن أن التيمم لا يكون في الجنابة ، وهذا يدل على أن الجنابة من الأمور العظام عندهم فلا يساوي الحدث الأصغر .

ومن الفوائد :

أن الجنابة إذا وقعت للعبد أثقلته وأتعبته ، وهذا مشاهد في الحس والواقع ، ولذلك كانت عليه مثل الجبل ، فلما اغتسل كأن الجبل قد زاح منه ، فدل على أن الغسل إنما جاء لحكمة اقتضاها الشرع وهي أن هناك فتورا وثقلا يصيب البدن فأُمر العبد بتعميم بدنه بالماء .

 

ومن الفوائد :

أن وصف الإنسان بوصف أو بلون ليس على وجه التنقص وإنما من باب التعريف والتبيين للآخرين فلا بأس بذلك لأنه وصف هذه الجارية بأنها سوداء ، أما إذا كان على وجه التنقص فلا يجوز  .

ومن الفوائد :

أن الماء الذي اغتسل به أبو ذر رضي الله عنه يحتمل أن يكون كثيرا ، لأن ( العُسَّ ) هو الإناء الكبير ، ويحتمل ألا يكون ، لكن فيه إشارة إلى أن هناك ماءً كثيرا باعتبار أنها أحضرت هذا الإناء الكبير الذي هو العُسّ .

ومن الفوائد :

وجوب الاستتار عن أنظار الآخرين أثناء الغسل ، فقد استتر أبو ذر رضي الله عنه بالراحلة ، وهي الإبل ، فالواحد من الإبل يسمى راحلة ، سواء ذكرا أو أنثى .

ومن الفوائد :

أن أبا ذر رضي الله عنه سكت لما ناداه النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية قال ( نعم ) .

والجمع بينهما سهل فإنه لما ناداه في المرة الأولى سكت ثم عََّقب السكوت بقول نعم .

ومن الفوائد :

أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يدعو بهذه الدعوات على بعض أصحابه ولا يريد بها حقيقة معناها ، إنما هي ألفاظ جرت على ألسنتهم من غير أن يقصد معناها ، لكن لعظم قدر الرسول صلى الله عليه وسلم فإن مثل هذه الكلمات إذا صدرت منه لبعض أصحابه فإنها تكون له رحمة .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى التيمم وضوءا ، فدل على أنه يأخذ حكم الوضوء في كل شيء ، ومن ثم فإنه لو تيمم فلم ينتقض تيممه بنواقض الوضوء أو بوجود الماء فإن له أن يصلي الصلاة الآتية والتي تليها بالتيمم الأول ، شأنه كشأن الوضوء .

خلافا لما ذهب إليه بعض العلماء من أنه إذا تيمم لصلاة فلا يصلي الصلاة الثانية إلا بتيمم آخر ولو لم يحدث لورود بعض الآثار ، ولكنها آثار ضعيفة .

فالصواب / أن التيمم مثل الوضوء .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ( عشر سنين ) وهذا ليس على سبيل الحصر وإنما على سبيل المبالغة ، إذا لو مكث عشرين سنة فالتيمم يحل محل الوضوء ، ولو مكث أقل من ذلك فكذلك .

ومن الفوائد :

أن التيمم يحل محل الوضوء شريطة ألا يوجد الماء ، فإذا وجد الماء – كما ذكر عليه الصلاة والسلام – فإن التيمم لا يصح ، إلا إذا لم يستطع لمرض أو نحوه ، أما مع وجود الماء فإن التيمم لا يجزئه .

ومن الفوائد :

أن فيه دليلا لمن قال إن العبادة التي يشترط لها الطهارة بالماء لا يعدل عن التيمم مع وجود الماء ، ففيه رد على ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله من أن ما يخشى فواته يتيمم له ولو مع وجود الماء .

فالنبي صلى الله عليه وسلم علَّق مشروعية التيمم مع عدم وجود الماء ، فإذا وجد الماء فلا تيمم .

ومن الفوائد :

أنه إذا وجد الماء قبل الشروع في الصلاة وبعد أن تيمم فعليه أن يتوضأ لأنه وجد الماء .

وكذلك لو أنه تيمم ثم شرع في الصلاة فوجد الماء أثناء الصلاة ، يأتيه إنسان ويقول له وهو في أثناء الصلاة يا فلان معي ماء ، فهل يكمل صلاته ؟ أم عليه أن يقطعها ويستأنف من جديد بطهارة الماء ؟

قولان لأهل العلم ، والصواب أن صلاته باطلة لأنه وجد الماء .

ومن الفوائد :

أن وصف العبادة بالخيرية لا يدل على أنها نافلة ، فإن الوضوء بالماء وصف بأنه خير فلا يدل على أن التيمم يجوز مع وجود الماء ، لأن التوحيد وصف بأنه خير فلا يدل على أنه نافلة ، قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{10} تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{11}

فلا يدل على أنه نفل وإنما هذا من باب التأكيد والتوضيح لقدر استعمال الماء .

ومن الفوائد :

أن الغسل من الجنابة يلزم أن يعمم جميع البدن ، لأنه قال ( فأمسه جلدك ) وفي رواية ( بشرته ) .

والله تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .