تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس السابع والأربعون من حديث 430-431

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس السابع والأربعون من حديث 430-431

مشاهدات: 508

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس السابع والأربعون

من حديث 430-431

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب المحافظة على الصلوات

حديث رقم -430-

( حسن ) حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري ثنا أبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد ثنا عمران القطان ثنا قتادة وأبان كلاهما عن خليد العصري عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن وصام رمضان وحج البيت إن استطاع إليه سبيلا وأعطى الزكاة طيبة بها نفسه وأدى الأمانة قالوا يا أبا الدرداء وما أداء الأمانة قال الغسل من الجنابة )

من الفوائد :

بيان فضل أركان الإٍسلام ، لأنه ذكر هنا أربعة منها ، ففضلها أنها سبب من أسباب دخول الجنة .

ومن الفوائد :

بيان فضل الصلوات الخمس ، ويظهر فضلها إذا أتي بها وقد أكمل الإنسان وضوءها وركوعها وما يتعلق بها من الواجبات .

ومن الفوائد :

أن وجوب الحج يشترط فيه كما هو واضح ومعلوم أن يكون الإنسان مستطيعا .

ومن الفوائد :

أن الثمار الطيبة للزكاة لا تعود بنفعها على صاحبها إلا إذا أخرجها طيبة بها نفسه معتقدا أنها فضل وكرم لا أنها غرم ومشقة – وهذا مشاهد – فإن الإنسان لو تصدق بصدقة وقد انشرحت نفسه حينما تصدق بها وجد حلاوة وإيمانا .

ومن الفوائد :

أن الصدقة المذكورة هنا هي الصدقة المفروضة ، وإنما أكد على أن تكون نفسه طيبة بها لأن الشيطان يصعب إخراج الصدقة المفروضة على إخراج غير الصدقة المفروضة ، فبعض الناس تطيب نفسه على إخراج صدقة التطوع  لكن إذا حضرت زكاة ماله المفروضة عظمها الشيطان عليه ، لأن الشيطان يريد أن يوقع ابن آدم في الإثم ، لأنه إذا منعه من إخراج الزكاة المفروضة أثم ، بينما لو منعه من الصدقة المندوبة ما أثم .

ومن الفوائد :

أن كلمة ( نفسه ) فاعل لكلمة ( طيبة ) لأن كلمة ( طيبة ) صفة مشبهة باسم الفاعل – وسيأتي معنا إن شاء الله تعالى في الألفية – لأن اسم الفاعل في الأصل يتطلب فاعلا ومفعولا .

مثال : ” هذا ضاربٌ عمرا “

ضارب : اسم فاعل .

فاعله : هو ، مستتر .

عمرا : مفعول به .

بينما الصفة المشبهة باسم الفاعل ليس لها إلا فاعل ، يمكن أن يكون لها مفعول ، لكن بشروط معينة ، لكن الأصل أنها لا تطلب إلا فاعلا ، فهي تشبه اسم الفاعل من حيث المعنى ، لكنه تقصر عنه في التعدي واللزوم .

ومن الفوائد :

بيان فضل أداء الأمانة ، وتفسير أبي الدرداء رضي الله عنه بأن الأمانة هي ( الغسل من الجنابة ) ومعلوم أن الغسل من الجنابة من العبادات ، تفسيره دليل لمن قال إن قوله تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }الأحزاب72، قالوا إن الأمانة تشمل حقوق الله وحقوق المخلوقين ، وهذا هو الصواب ، أن الأمانة المأمور بها في كلام الله عز وجل هي الأمانة التي تشمل حق الله وحق المخلوق ، ولذا فسرها أبو الدرداء رضي الله عنه بأنها ( الغسل من الجنابة ) وتفسيره هنا ليس حصرا ، وإنما هو تفسير بالمثال .

إذاً الزكاة أمانة ، الصوم أمانة ،الجهاد أمانة ، بر الوالدين أمانة ، وعلى هذا فقس ، فلا تحصر الأمانة في حفظ حقوق الناس وودائعهم – كلا – بل يدخل فيها ما أمر به الله عز وجل أو رسوله صلى الله عليه وسلم .

 

قال رحمه الله :

باب إذا أخَّر الإمام الصلاة عن الوقت

حديث رقم – 431-

( صحيح ) حدثنا مسدد ثنا حماد بن زيد عن أبي عمران يعني الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة أو قال يؤخرون الصلاة ؟ قلت يا رسول الله فما تأمرني ؟ قال صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصله فإنها لك نافلة )

من الفوائد :

لعل ذكر أبي ذر رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بهذا الأمر لأن أبا ذر رضي الله عنه كان شديدا فيما يتعلق بالأمراء ، ولذلك كان ينكر عليهم أشد الإنكار في أمور كثيرة ، ولذلك عاش وحيدا ومات وحيدا رضي الله عنه .

ومن الفوائد :

أن كلمة ( أمراءُ ) لم تنون لأنها ممنوعة من الصرف لوجود ألف التأنيث الممدودة – كما سبق معنا – ولذلك لا تقرأ ( أمراءٌ ) .

ومن الفوائد :

أن تأخير هذه الصلاة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ، قال عنها النووي أنهم يؤخرون الصلاة عن وقتها المختار ، لا أنهم يؤخرون الصلاة مطلقا عن وقتيها المختار والضروري ، وهذا بناء على أن العصر لها وقت اختياري ولها وقت اضطراري وكذلك العشاء ، وسبق معنا أن الصحيح أنه ليس هناك وقت اختياري واضطراري للصلاة إلا صلاة العصر ، ومعلوم أن بني أمية اشتهر فيهم أنهم يؤخرون صلاة العصر ، ولذا قال النووي رحمه الله يبنى هذا الحديث على ما وقع في أمراء بني أمية ، فإنهم كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها المختار لا عن جميع وقتها .

وبالفعل وقع هذا ، وهذا معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم .

ومن الفوائد :

أن تأخير الصلاة عن وقتها المختار محرم ، وهل تصح الصلاة إذا أداها بعد وقتها المختار أم لا ؟

خلاف بين أهل العلم : وسيأتي لها مسألة بإذن الله تعالى .

ومن الفوائد :

أن تأخير الصلاة عن وقتها المختار إماتة للصلاة ، فدل على أن روح الصلاة هو أن تؤدى في وقتها ، ولذا قال ( كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة ) فكأنهم أخرجوا روح الصلاة منها .

ومن الفوائد :

إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ما يجب عليهم تجاه هذه الأمور المخالفة لسنته ، فأمره أن يصلي وحده ليدرك فضيلة الوقت ، ويصلي معهم حتى لا تقع مفسدة بمنازعتهم ، ولكن هل الصلاة معهم واجبة أم لا ؟

قال النبي صلى الله عليه وسلم ( فإن أدركتها معهم فصل ) هنا أمر ، هل يقتضي الوجوب أم هو للاستحباب ؟

ستأتي معنا رواية إن شاء الله تعالى في نفس هذا الباب تدل على أن الصلاة معهم مستحبة ما لم يترتب على ذلك مفسدة أو فتنة فينتقل الحكم إلى الوجوب ، لكن الأصل أن الصلاة معهم ليست واجبة ، كما سيأتي .

ولو قال قائل :

قول النبي صلى الله عليه وسلم ( فصلِّه ) الضمير يرجع إلى ماذا ؟ مع أن الصلاة مؤنثة ؟

إما أن يقال : ( فصله  ) أي الفرض .

وإما أن يقال  ( فصل ) أي الصلاة ، وتكون ( الهاء ) للسكت ، وليس المراد منها الضمير .

ومن الفوائد :

أن الصلاة الأولى التي يؤديها المصلي هي صلاة الفرض ، وأن الثانية هي صلاة النفل سواء أدى الصلاة الأولى جماعة أو منفردا ، فمتى ما صليت الصلاة فإن الأولى منها هي الفرض والثانية هي النفل ، ويدل لذلك ظاهر هذا الحديث إذ أخبر عليه الصلاة والسلام أن الصلاة الثانية نافلة .

ومن الفوائد :

أن إعادة الصلاة لسبب لا بأس به ، وما ورد عند المصنف رحمه الله من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ( لا تصلى الصلاة في اليوم مرتين ) هذا إذا لم يكن هناك سبب ، أما إذا أعيدت الصلاة لسبب فإنه لا بأس به .

ومن الفوائد :

أن قوله ( إن أدركتها ) هذا يؤكد ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله من أن الإدراك لا يكون إلا في آخر الشيء ، وبالفعل ، لأن هؤلاء أخروا الصلاة فلربما أدركها معهم وربما لم يدركها معهم .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث دليل لإعادة جميع الصلوات ، فلو صلى الإنسان صلاة العصر ثم أدرك جماعة فأراد أن يصلي معهم صلاة العصر مرة أخرى فله ذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عمم ولم يخصص صلاة دون صلاة ، فهنا تعميم ، فيكون هذا الحديث مخصصا لعموم حديث ( لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس )

ولذا لو أن إنسانا فاتته صلاة العصر وقد صلى الناس العصر وأراد أن يتصدق عليه من صلى العصر فلا بأس بذلك ، لأن الإعادة هنا لسبب .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث قاعدة لمن علم أن صلاة الجماعة مع الأئمة لن تؤدى على وجهها الشرعي فله أن يصليها منفردا أو مع جماعة أخرى إن تيسر له ذلك .

ومن الفوائد :

أن إدراك فضيلة الوقت أولى من إدراك فضيلة الجماعة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا ذر أن يصليها ، ومعلوم أنه في الغالب سيصليها وحده مع أنه سيفوت صلاة الجماعة ، لم ؟ لأن إدراك فضيلة الوقت أوجب من فضيلة الجماعة .

سؤال : ماذا كان يصنع الوليد بن عقبة في الصلاة ؟

الجواب : هذا هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، كان من الولاة الذين ولاهم عثمان رضي الله عنه ، وكان ممن يشرب الخمر ، فربما سها فزاد ، فصلى بهم الفجر أربعا ، فقال زدتكم ؟ فقال ابن مسعود رضي الله عنه ما زلنا معك في زيادة منذ أن صلينا معك )

فهذا يحمل على أنهم أدركوها وقد صلوا قبلها صلاة الفرض .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد .